للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجددون معاصرون]

حفل عصرنا الحديث بكوكبة مباركة من المجددين الذين صدقوا ما عاهدوا الله

عليه، وثبتوا على الحق الذي آمنوا به ودعوا الناس إليه، وصبروا على كل نصب

ومخمصة.. ولهذا فلقد التف الناس حولهم، واستجابوا لمطالبهم النبيلة، ووثقوا بهم

أشد الثقة.. وإذا كان من المتعذر علينا فيما تبقى من هذا البحث تناول أسمائهم كلها

فلسوف يكون حديثنا قاصراً على الأسماء التالية:

- محمد رشيد رضا.

-عبد الحميد بن باديس.

-العربي بن بلقاسم التبسي.

- حسن البنا.

-سيد قطب.

-محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ.

- عبد العزيز بن باز.

- محمد ناصر الدين الألباني.

ونظن أن بعض قرائنا الكرام سوف يستغربون اختيارنا لهذه الأسماء، وربما

قالوا: لقد أوقعنا كُتَّاب هذه المجلة في حيرة فهم يتحدثون عن التزامهم منهج أهل

السنة والجماعة ثم يشيدون برجال بعضهم لم يلتزم في دعوته أصول هذا المنهج؟ !

وجوابنا على ذلك: إننا ننطلق من منهج أهل السنة والجماعة، وهو مقياسنا

في الحكم على الرجال، ومن خالف هذا المنهج سنقول له: أخطأت والصحيح

عكس ما قلته واجتهدته، والمجدد ليس معصوماً عن الخطأ، والخطأ في مسألة لا

يخرج المجتهد من إطار أهل السنة والجماعة إذا كان من الداعين له.. والذي نريده

من إخواننا القراء أن يمهلونا حتى ننتهي من كل ما نريد أن نقوله في هذا البحث،

والله الهادي إلى سواء السبيل.

عودة إلى الحديث عن رشيد رضا

ولد محمد رشيد رضا في ٢٧ جمادى الأولى سنة ١٢٨٢هـ في قرية ...

(القلمون) التي تبعد عن مدينة طرابلس الشام بنحو ثلاثة أميال، ودخل المدرسة الرشيدية في طرابلس ثم تركها بعد سنة ودخل المدرسة الوطنية ... ... الإسلامية، وتتلمذ على الشيخ حسين الجسر مدير المدرسة الذي كان له إلمام ... واسع بالعلوم العصرية، وكان في أول نشأته يميل إلى التصوف كما كان شديد الإعجاب بكتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي.. ثم ظفر- على حد

قوله- بنسخة من جريدة العروة الوثقى في أوراق والده فأعجبته، وكتب إلى

جمال الدين الأفغاني الذي كان يقيم في الأستانة لكنه لم يجتمع به، ثم اجتمع ... بالشيخ محمد عبده أثناء زيارته لطرابلس الشام، ثم رحل إلى مصر في رجب ... سنة ١٣١٥هـ، الموافق سنة١٨٩٨ م، وفي العام نفسه أصدر مجلة المنار التي استمرت حتى سنة ١٣٥٤ هـ، الموافق عام ١٩٣٥م.

وكان عضواً في الحكومة السورية الأولى التي أقامها فيصل بن الحسين بعد

الحرب العالمية الأولى، فلما استولى الفرنسيون على سورية وسقطت هذه الحكومة

عاد إلى مصر، وأعاد إصدار مجلة المنار بعد توقفها.

مات أستاذه محمد عبده سنة ١٣٢٣ هـ، الموافق سنة١٩٠٥ م، وهذا يعني

أنه عاش في صحبته حوالي سبع سنين، واستمرت المنار ثلاثين عاماً بعد موت

محمد عبده، واستمر عطاء رشيد رضا الذي يكاد لا ينضب، وخلال هذه المرحلة

صلح حاله وأقبل على كتب السنة ينهل منها، ويعترف في مقدمة المنار بأنه خالف

منهج محمد عبده بعد وفاته:

(هذا وإنني لما استقللت بالعمل بعد وفاته خالفت منهجه رحمه الله تعالى

بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنة الصحيحة، سواء كان تفسيراً لها أو في حكمها، وفي تحقيق بعض المفردات أو الجمل اللغوية والمسائل الخلافية بين العلماء،

وفي الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة، وفي بعض الاستطرادات

لتحقيق مسائل تشتد حاجة المسلمين إلى تحقيقها، بما يثبتهم بهداية دينهم في هذا

العصر، أو يقوي حجتهم على خصومهم من الكفار والمبتدعة..) .

كانت مجلة المنار سجلاً تاريخياً لأحداث العالم الإسلامي طيلة أكثر من ثلث

قرن، وكان رشيد رضا هو المنار بتحليلاتها السياسية، ودراساتها الشرعية..

ولهذا فلقد كان يواصل الليل مع النهار من أجل أن تخرج المنار في مطلع كل شهر.. والعجيب أنها كانت تخرج كثيفة المحتوى، كثيرة الفائدة، وكان بعيد النظر في تعليقاته ومواقفه، غزير المادة، كما كان أسلوبه قوياً متماسكاً.

قال شكيب أرسلان:

(ويطول العهد بعد الأستاذ الأكبر السيد رشيد - فسح الله في أجله - حتى

يقوم في العالم الإسلامي من يسد مسده في الإحاطة والرجاحة وسعة الفكر وسعة

الرواية معاً والجمع بين المعقول والمنقول والفتيا الصحيحة الطالعة كفلق الصبح في

النوازل، العصرية والتطبيق بين الشرع والأوضاع المحدثة مما لا شك أن الأستاذ

الأكبر فيه نسيج وحده انتهت إليه الرئاسة لا يدانيه فيه مدان مع الرسوخ العظيم في

اللغة والطبع الريان من العربية والقلم السيال بالفوائد في مثل نسق الفرائد والخبر

بطبائع العمران وأحوال المجتمع الإنساني ومناهج المدنية وأساليبها وأنواع الثقافات

وضروبها إلى المنطق السديد الذي لم يقارع به خصماً مهما علا كعبه إلا أفحمه

وألزمه ولا نازل قرناً كان يستطيل على الأقران إلا رماه بسكاته وألجمه.

وأجدر بمجموعة (المنار) أن تكون المعلمة الإسلامية الكبرى التي لا

يستغني مسلم في هذا العصر عن اقتنائها) [١] .

دعوة الشيخ رشيد:

نعيد للأذهان أننا نتحدث عن دعوة الشيخ رشيد رضا في المرحلة التي تلت

وفاة شيخه محمد عبده (١٩٠٥ - ١٩٣٥) ، ونلخص أهم ما دعا إليه في النقاط

التالية:

١- كان ملتزماً بمنهج أهل السنة والجماعة، وكان يحرص على أخذ أدلته من

الكتاب والسنة، ويهتم بتخريج الأحاديث، ومعرفة الصحيح من الضعيف أو

الموضوع، وانتهج مذهب السلف في الأسماء والصفات.

٢ - من أهم ما دعا إليه نبذ التقليد، والتحذير من البدع والخرافات، والتنديد

بمناهج الصوفيين وبيان ما وقعوا فيه من انحرافات وضلالات. وموقف رجال

عصره من البدع والتقليد يختلف عن موقف رجال وعلماء عصرنا.

لقد عاصر رحمه الله هيمنة أصحاب البدع والخرافات على شئون العالم

الإسلامي ومقدراته، فالسلطان عبد الحميد كان صوفياً نقشبندياً، وبقربه قبع أبو

الهدى الصيادي يأمر وينهى مدة لا تقل عن ثلاثين عاماً وكان يوغر صدر السلطان

عبد الحميد ضد كل جديد ومجدد.. وكان اسم وظيفته الرسمية مشيخة المشايخ أو

شيخ مشايخ الطرق الصوفية ونقيب الأشراف.

وفي مصر خاض السيد رشيد معركة حامية الوطيس ضد الخرافيين.

والمبتدعين.. وردوا من جهتهم له الصاع صاعين، وحاولوا تشويه سمعته،

وبالغوا في الإساءة إليه، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا: كان رشيد رضا أول داعية في

العصر الحديث يتصدى للمبتدعين والخرافيين، وكان ينطلق في مواجهتهم من

التزامه بمنهج أهل السنة والجماعة.

٣ - كان بارعاً في ربطه بين التصورات والمفاهيم الإسلامية، وبين واقع

العصر وذلك لأنه كان من العلماء المعدودين في عصره، وكان باعه طويلاً في

العقائد والتفسير والحديث والفقه والأصول وعلوم اللغة العربية، والعلوم الاجتماعية كما كان إلمامه بمشكلات العصر جيداً وذلك بسبب أسفاره ومخالطته لعدد من

علماء الغرب وفلاسفتههم، وكان يعرف أفكارهم وطروحاتهم، وله ردود جيدة

عليهم في كتابه (الوحي المحمدي) وفي مجلة المنار.

٤ - وكما قلنا في العدد الماضي كان داعية من دعاة الإصلاح، لقد هاجم

الترف والإسراف، وحذر من الجهل والتخلف والخوف من الظالمين، ونادى

بالشورى وندد بالاستبداد والمستبدين، ودعا علماء الأمة إلى القيام بواجبهم في

الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مآخذنا عليه:

١- ذكر في كتابه (تاريخ الإمام) العجب العجاب عن جمال الدين الأفغاني

وعن محمد عبده.

- ذكر انتسابهما للمحفل الماسوني، وذكر في الجزء الثاني مفاوضات محمد

عبده مع القسيس الإنجليزي إسحاق تيلور، وفي الجزء الأول ذكر اشتراك اليهود

في هذه المفاوضات التي كان هدفها توحيد الأديان، والتقريب بين الإسلام

والنصرانية! !

- وذكر حوار محمد عبده مع عباس ميرزا أحد زعماء البهائيين ونبهه - أي

رشيد رضا - إلى انحرافات البهائيين فأجاب تلميذه لم أفهم من عباس أفندي شيئاً

من هذا! !

- وكان ملتصقاً بمحمد عبده ويعرف صلته بحزب الأمة واللورد كرومر،

والجاسوس الإنجليزي الخطير (ولفرد بلنت) ، ويعرف أيضاً تردد شيخه على

صالون الأميرة نازلي داعية التبرج والسفور.. كان رشيد رضا يعرف كثيراً عن

انحرافات محمد عبده ومع ذلك قال في ثنائه عليه:

(وإنني وايم الحق لم أطلع له على عمل إلا الحقيق بلقب المثل الأعلى من

ورثة الأنبياء..، وقال أيضاً: إن هذا الرجل أكمل من عرفت من البشر ديناً وأدباً

ونفساً وعقلاً وخلقاً وعملاً وصدقاً وإخلاصاً، وإن من مناقبه ما ليس له فيه ند ولا

ضريب، وإنه لهو السري الأحوذي العبقري) [٢] .

ولا ندري هل هذا رأي رشيد رضا الحقيقي بشيخه رغم أخطائه الفادحة التي

تتعارض مع المنهج الذي كان يتبناه ويدافع عنه ويشن حملات عنيفة ضد مخالفيه

من المبتدعين المقلدين ... أم أن المجاملة حالت بينه وبين الاعتراف بالحق؟ !

٢ - بقيت بصمات محمد عبده ظاهرة فيما كان يكتبه رشيد رضا بعد وفاة

الأول، ومن الأمثلة على ذلك تأويله لمعجزة انشقاق القمر رغم تخريج البخاري

ومسلم لها، وتضعيف كثير من الأحاديث التي لا تتفق مع آراء أصحاب المدرسة

الإصلاحية كما أنه صحح بعض الأحاديث الضعيفة التي تتفق مع أفكاره التي كان

ينادي بها [٣] . لكنه مع ذلك لم يتخلى عن منهج أهل السنة وكما يقولون: لكل

جواد كبوة ولكل صارم نبوة.

٣ - لم يكن موقف رشيد رضا من الدولة العثمانية سليماً، ومن آثار هذا

الموقف المؤسف قبوله الاشتراك في أول حكومة سورية بعد الحرب العالمية الأولى،

وأهداف هذه الحكومة لم تكن خافية على أمثال رشيد رضا، بل وكثير من

رجالات هذه الحكومة معروفة انتماءاتهم العالمية المشبوهة.

ولو أن رشيد رضا وقف عند حد نقد سياسة السلطان عبد الحميد وإطلاقه

لأيدي الخرافيين والمستبدين، أو أنه وقف عند حد نقد رجالات الاتحاد والترقي لما

وجدنا في هذا أو ذاك غلواً منه، ولكن موقفه تجاوز هذا الحد ولم يكن صائباً في

موقفه، وكان المنتظر منه غير ذلك لطول باعه في معرفة أحوال العصر، ولا

ندري إلى متى يستمر جهل كثير من العلماء بالسياسة؟ وإن كان موقف رشيد رضا

هنا ليس ناتجاً عن الجهل.

لماذا بدأنا برشيد رضا؟ :

يبقى الشيخ رشيد رضا رغم أخطائه عالمًا كبيراً من كبار علماء أهل السنة،

ومن يتحدث عن التجديد في العصر الحديث لا بد أن يذكر مجلة المنار وصاحبها إذا

كان جاداً ومنصفاً في بحثه. ولقد تأثر به علماء كبار مشهود لهم بالفضل والخير

والعدل. نذكر منهم الآتية أسماؤهم.

١- أسندت رئاسة تحرير مجلة المنار بعد وفاة رشيد رضا إلى العلامة السلفي

الشيخ محمد بهجت البيطار أحد كبار علماء بلاد الشام، وذلك بسبب الروابط القوية

التي كانت تربطه بمؤسسها، ولأنه خير من يخلفه في هذه المهمة، وقد أشاد الشيخ

بهجت برشيد رضا ومنهجه في تقريظ له لكتاب الوحي المحمدي وفيما كتبه في

المنار.

٢ - قال العلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألبإني: (السيد محمد

رشيد رضا، رحمه الله له فضل كبير على العالم الإسلامي، بصورة عامة، وعلى

السلفيين منهم بصورة خاصة، ويعود ذلك إلى كونه من الدعاة النادرين الذين نشروا

المنهج السلفي في سائر أنحاء العالم بوساطة مجلته المنار،.. ويقول أيضاً: فإذا

كان من الحق أن يعترف أهل الفضل بالفضل، لذوي الفضل، فأجد نفسي بهذه

المناسبة الطيبة مسجلاً هذه الكلمة، ليطلع عليها من بلغته، فإنني بفضل الله عز

وجل، بما أنا فيه من الاتجاه إلى السلفية أولاً وإلى تمييز الأحاديث الضعيفة

والصحيحة ثانياً يعود الفضل الأول في ذلك إلى السيد رضا رحمه الله عن طريق

أعداد مجلته المنار التي وقفت عليها في أول اشتغالي بطلب العلم) [٤] .

٣ - أسندت رئاسة تحرير المنار بعد توقف دام ثلاث سنوات إلى الشيخ حسن

البنا رحمه الله، ويقول الأستاذ محمود عبد الحليم: (لم يكن الشيخ حسن البنا غريباً

على أسرة الشيخ رشيد فقد كان على صلة بالشيخ منذ كان طالباً بدار العلوم وكانت

دار مجلة المنار ملتقاه بأكثر من التقى بهم من رجالات الحركة الإسلامية في ذلك

العهد، واتخذت أكثر القرارات في مواجهة المؤامرات ضد الإسلام في هذه الدار

وظل الأستاذ حسن البنا على اتصال بالشيخ رشيد بعد قيام دعوة الإخوان،

وكان يستشيره في كثير من الأمور) [٥] .

وكتب الأستاذ البنا يقول: (وقد عز على الإخوان أن يخبو ضوء هذا السراج

المشرق بالعلم والمعرفة من اقتباس الإسلام الحنيف، فاعتزموا أن يتعاونوا مع

ورثة السيد رحمه الله على إصدار المنار من جديد، وقد تم الاتفاق على ذلك وصدر

العدد الخامس من السنة الخامسة والثلاثين في غرة جمادى الآخر سنة ١٣٥٨

الموافق ١٨ يوليو سنة ١٩٣٩: أي قبل نشوب الحرب العالمية الثانية بعدة أشهر،

وتلاه خمسة أعداد أخرى تمت بها السنة الخامسة والثلاثون من المجلة..) .

ومما كتبه شيخ الجامع الأزهر محمد مصطفى المراغى في افتتاحية العدد

الخامس:

(والآن وقد علمت أن الأستاذ حسن البنا يريد أن يبعث المنار ويعيد سيرته

الأولى فسرني هذا فإن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه، يفهم الوسط الذي

يعيش فيه، ويعرف مواع الداء في جسم الأمة الإسلامية ويفقه أسرار الإسلام، وقد

اتصل بالناس. اتصالاً وثيقاً على اختلاف طبقاتهم وشغل نفسه بالإصلاح الديني

والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة، وبعد فإني أرجو

الأستاذ البنا أن يسير على سيرة السيد رشيد رضا، وأن يلازمه التوفيق كما

صاحب السيد رشيد رضا، والله هو المعين، عليه نتوكل وبه نستعين) [٦] .

٤ - تعتبر جمعية العلماء في الجزائر، امتداداً لدعوة رشيد رضا في مصر

وبلاد الشام، فرئيس الجمعية ونائبها - في عهد ابن باديس - البشير الإبراهيمي،

قال: إن جمعية العلماء مدينة بالكثير لرشيد رضا ومجلته المنار، وكان قد التقى به

في دمشق خلال إقامته فيها (١٩١٦-١٩٢٠) [٧] ... ويستعيد الإبراهيمي ذكرياته

مع ابن باديس فيقول:

(ولا أنسى مجلساً كنا فيه على ربوة من جبل قاسيون في زيارة من زياراته

لي، وكنا في حالة حزن لموت الشيخ (رشيد رضا) قبل أسبوع من ذلك اليوم،

فذكرنا تفسير المنار، وأسفنا لانقطاعه بموت صاحبه فقلت له. ليس لإكماله إلا

أنت، فقال لي: ليس لإكماله إلا أنت، فقلت له: حتى يكون لي علم رشيد، وسعة

رشيد، ومكتبة رشيد، ومكاتب القاهرة المفتوحة في وجه رشيد. فقال لي

واثقاً مؤكداً: إننا لو تعاونا وتفرغنا للعمل لأخرجنا للأمة تفسيراً يغطى على التفاسير

من غير احتياج إلى ما ذكرت) [٨] .

ومن خلال رسائله الشخصية التي كان يرسلها لصديقه شكيب أرسلان، والتي

جمعها الأخير في كتاب أسماه (السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة) نعلم متانة

الروابط التي تربط رشيد رضا مع علماء وقادة المغرب العربي كله.

٥- تصدى رشيد رضا للدعاية المناوئة لعلماء نجد، وكان يطلق عليهم في

رسائله إلى شكيب أرسلان الوهابية، وعندما انتشرت الأراجيف ضدهم بعد افتتاح

الطائف وزع ألوفاً من رسالة (الهدية السنية والتحفة النجدية) ونشر مقالات في

الدفاع عنهم والرد على خصومهم، وقد قال له شيخ الأزهر أمام ملأمن العلماء:

(جزاك الله خيراً بما أزلت عن الناس من الغمة في أمر الوهابية) [٩] . ...

واستمرت صلات رشيد رضا مع علماء نجد وزعمائها إلى أن لقى وجه ربه ولقد

كانت موتته بينهم.. وكانت له مثل هذه الصلات مع السلفيين في مختلف بلدان

العالم الإسلامي.

٦ - وعندما أصدر علي عبد الرازق كتابه (الإسلام وأصول الحكم) الذي

تحمس له العلمانيون أشد التحمس، كان الكاتب يرد في بعض ما كتبه على رشيد

رضا في كتابه (الخلافة أو الإمامة العظمى) الذي نشره في المنار قبل إلغاء

أتاتورك للخلافة، وبيت القصيد أن العلمانيين كان يمثلهم علي عبد الرازق

والإسلاميين كان يمثلهم رشيد رضا.

٧ - بعد وفاته أقيمت له حفلات تأبين [١٠] في كل من مصر، وتونس،

وبغداد، ودمشق، وتبارى عدد من علماء الأمة وزعمائها في هذه البلدان في إلقاء

الكلمات التي عددوا فيها مآثر الفقيد.. وفي هذا كله دليل على علو مكانته، وتقدير

الناس لدوره القيادي الذي استمر حوالي أربعين سنة.

ولهذا ففي حديثنا عن المجددين المعاصرين بدأنا برشيد رضا، لأن الذين

سنذكرهم استفادوا منه، ولأنه كان ملتزماً بمنهج أهل السنة ومن أراد العودة إلى

مؤلفاته فعليه أن يتذكر غلطاته التي أشرنا إليها (مآخذنا عليه) ونسأل الله أن يغفر

له ويرحمه.


(١) حاضر العالم الإسلامي: المجلد الأول، الجزء الأول،؟ ٢٨٤ والسيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة تأليف شكيب أرسلان، ص ١٥، مطبعة ابن زيدون بدمشق.
(٢) انظر كتاب عبقرية الإصلاح والتعليم الإمام محمد عبده، لمؤلفه عباس محمود العقاد، ص ١٩٠، مكتبة النهضة بمصر.
(٣) أشار الشيخ ناصر الألباني إلى ذلك، انظر حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص١/٤٠٠- ٤٠٥، الدار السلفية، الكويت، وللشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله رسالة في الرد على رشيد رضا، اسمها الروضة الندية في الرد على من أجاز المعاملات الربوية وهي رد على أحمد محمد محجوب وفتوى الربا والمعاملات في الإسلام (لرشيد رضا) .
(٤) حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه: ١ / ٤٠٠ -، وذكر الشيخ ناصر في المصدر نفسه بعض أخطاء رشيد رضا.
(٥) انظر كتاب: الإخوان المسلمون - أحداث صنعت التاريخ١/ ٢٤٦ لمؤلفه محمود عبد الحليم.
(٦) مذكرات الدعوة والداعية، حسن البنا، ص٢٥٣.
(٧) سجل مؤتمر جمعية العلماء، ص ٣٧ عن كتاب جمعية العلماء وأثرها الإصلاحي في الجزائر،
د أحمد الخطيب، ص ١٤٩.
(٨) مقدمة تفسير ابن باديس، ٢٦، نشر دار الفكر.
(٩) السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة، شكيب أرسلان، ص ٣٦٦ الناشر مطبعة ابن زيدون بدمشق.
(١٠) حفلات التأبين ليس لها أصل شرعي وإنما نذكرها لبيان مكانة رشيد رضا بين صفوف الدعاة والعلماء.