للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[العرب بين الصليبيين والصهيونيين]

خالد الربيعة

إن من يقرأ في تاريخ العرب قبل الهجمات الصليبية وأثناءها يجد تشابهاً

كبيراً بينه وبين وضع العرب قبل الاحتلال الصهيوني وأثناءه، وعند هذا التشابه

يبرز السؤال المتكرر: أيعيد التاريخ نفسه؟

الجواب الصحيح من وجهة نظري: أن التاريخ لا يعيد نفسه ١٠٠% في

الزمان والمكان والأشخاص؛ فكل زمان له وضعه كما قال - تعالى -: [وَتِلْكَ

الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ] (آل عمران: ١٤٠) ، ولكن العقول البشرية كثيراً ما

تتشابه مما يجعل البشر يكررون تصرفاتهم، وما التاريخ إلا تصرفات البشر -

بتقدير من الله طبعاً -. لقد تشابه القرنان الهجريان الرابع والخامس مع القرنين

الرابع عشر والخامس عشر الهجريين في أمور كثيرة منها:

١ - التشرذم الذي أصاب العرب والمسلمين:

ما كان للحروب الصليبية ولا الصهيونية أن تحقق أهدافها لولا حالة العداء

والانقسام والتشرذم التي خيمت على علاقات القوى العربية الإسلامية في ذلك

الزمن؛ فكانت الخلافة العباسية متضائلة حتى وصلت حدود سلطة الخليفة على بغداد

فقط، وتقسمت الخلافة الإسلامية إلى دويلات متطاحنة وذلك بسبب:

أ - الانقلابات الكثيرة على الحكم الإسلامي.

ب - الأنانية المفرطة في التمسك بالحكم ولو كان على حساب الإسلام

والشعب المسلم؛ فلقد كان بعضهم لا يطلب المساعدة من المسلمين في الدولة

الأخرى خوفاً من زوال حكمه على يدهم، كما حدث مع ملك دمشق (معين الدين

آنار) عندما لم يستعن بملك الموصل (سيف الدين غازي) ، وكان بعضهم يتعاون

مع الصليبيين خوفاً على ملكه من المسلمين كما فعل وزير الفاطميين الذي استعان

بالصليبيين خوفاً على منصبه من امتداد حكم السلطان (نور الدين محمود) على

مصر، وهناك الكثير من الوقائع يطول الحديث عنها.

٢ - سوء الحالة الاقتصادية:

إن انشغال الحكام العرب في القرنين الرابع والخامس الهجريين بأمور الدنيا

عن الجهاد جعلهم يُحوِّلون بيوت الأموال إلى حساب خاص يصرف على ملذاتهم

وترفهم، وتحويل الشعوب العربية إلى شعوب فقيرة تعيش على الكفاف وهم يرون

أموالهم تنهب أمام أعينهم بالضرائب والمكوس، والصرف ببذخ على اللهو

والفجور.

٣ - عزلة العلماء عن السياسة:

لقد كان ذلك الوقت عصر ازدهار علمي في جميع النواحي والمجالات والعلوم

لكثرة العلماء وغزارة إنتاجهم العلمي والثقافي، ولكن السؤال المهم: ما سبب

تدهور وضع الأمة مع هذا التقدم العلمي؟

الجواب هو: انعزال العلماء (الأغلبية منهم) عن أمور الناس الواقعية،

وأصبح العالِم الذي ينعزل عن الحاكم هو المثل الأعلى، وهذا هو بداية المرض!

لأنه لا يوجد من هو أتقى من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كان الحاكم والقائد

والموجه الديني والسياسي، وكان هذا سبباً في انفصال الحكم إلى جزأين: شرعي،

وسياسي.

٤ - الاتجاهات المذهبية الخاطئة ومحاولتها السيطرة:

نبدأ بالعبيديين (الفاطميين) ، فقد استغلوا ضعف الدولة العباسية، فأخذوا

شمال إفريقيا وكوَّنوا دولتهم الفاطمية نسبة إلى فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه

وسلم (ونسبهم إليها غير صحيح) ، وكان زعيمهم هو عبيد الله من ذرية عبد الله

ابن ميمون القداح الفارسي الباطني، وكانت لهم جرائم كثيرة منها:

١ - الفتك بعلماء أهل السنة.

٢ - الاستهانة بمقدسات المسلمين.

٣ - حرق القاهرة.

٤ - الاستعانة باليهود والصليبيين ضد المسلمين.

وليست الدولة البويهية عنهم ببعيدة؛ فقد نهجوا نهج العبيديين نفسه ولكن في

بغداد وبلاد فارس؛ فقد استولوا على الخلافة، وسلبوها حق الحكم والتصرف

وحولوها إلى خلافة صورية؛ وعلاوة على ذلك لم تكن الحدود الإسلامية تهمهم في

شيء؛ فلقد كانت البلاد الإسلامية تحت نير غارات الروم ولم يحركوا ساكناً،

بالإضافة إلى سياسة الإقطاع العسكري التي حطمت الاقتصاد الزراعي في بغداد

وأفقرت خزينة الدولة.

وعند ذكر هاتين الدولتين تظهر لنا دولة القرامطة التي هاجمت الحجاج في

الحرم، وسرقت الحجر الأسود، وألقت جثث الحجاج في بئر زمزم، ولا ننسى

دولة الحشاشين التي نشرت الرعب في العالم الإسلامي؛ وذلك عن طريق الاغتيال

للخلفاء والأمراء والعلماء والوزراء ولم يسلم منهم أحد، وكان مقرهم في (قلعة

ألاموت) في إيران، وكان نشاطهم في جميع بلاد المسلمين، وغيرهم من الفرق

الضالة؛ ولكن العامل المشترك بينهم هو ضرب دولة الخلافة الإسلامية لأسباب

ومصالح شخصية حتى ولو كان على حساب الإسلام الذي يدَّعون انتسابهم إليه.

هذه بعض الأسباب، وأضيف إليها أسباباً أخرى ترجع إلى الصليبيين في ذلك

الوقت والصهاينة في هذا الوقت:

٥ - مشاكل داخلية في أوروبا:

إن الصليبيين والصهيونيين كأنهما فلقتان أخرجتا من بذرة واحدة؛ فلقد كانا

نتاج مشكلات أوروبية داخلية خالصة: اجتماعية واقتصادية، زيادة سكان، تدني

مردود الزراعة، زحام قومي، وكان الحل هو إلقاء هذه الفضلات البشرية على

البلاد العربية والإسلامية.

٦ - التظاهر أو التحجج بالحمية الدينية:

كلا الحملتين تحركتا بجموع بشرية من مختلف أنحاء أوروبا مع القوافل

الهائلة؛ فقد كانوا حجاجاً ومحاربين وتجاراً ونبلاء وكهنة ومغامرين يدفعهم باطناً

إغراء الشرق والأرض العربية التي تفيض لبناً وعسلاً، وظاهراً تطهير أرض

المسيح من أيدي العرب (المسلمين) ، أو زعمهم وعد الله باسترجاع أرض الميعاد

لليهود من أيدي العرب أيضاً.

٧ - البدء بالحج السلمي، ثم تحوُّله إلى المسلح:

إن الغزو الصليبي بدأ حجاً سلمياً إلى آثارهم الدينية، ثم تحول إلى حج مسلح

فيما بعد، والغزو الصهيوني بدأ حجاً إلى حائط البراق (المبكى) كما يسمونه،

وممهداً الطريق إلى وعد بلفور وإلى المجازر التي كانت منذ سنة ١٩٤٨م وما زالت.

٨ - اللقب الديني:

لقد كان الصليبيون يسمون أنفسهم: «فرسان المسيح» و «الشعب المقدس»

و «شعب الرب» ، والصهاينة يسمون أنفسهم: «شعب الله المختار»

ويدعون غيرهم: غوغائيين رعاعاً لا ثمن لهم.

٩ - تشويه صورة العرب والمسلمين للعالم:

لقد استغلت الصليبية والصهيونية الجهل الأوروبي بتاريخ المنطقة قديماً

وحديثاً بأمور عدة منها:

أ - صوَّرتا فلسطين أرضاً بلا شعب.

ب - شوَّهتا قدسية الإسلام ونبيَّه.

ج - أوهمتا الغرب: أن العرب برابرة، أنذال، مخادعون، إرهابيون.

١٠ - الاعتماد على المعونات الخارجية:

من مال وسلاح ورجال كلها تأتي من أوروبا؛ فقد كان الأمراء يأتون بأموالهم

لينفقوها على الحرب، ولقد بحث (رتشارد قلب الأسد) عمن يشتري لندن منه

ليمول حملته إلى الأرض المقدسة، وماذا يكون لو أضفنا كلمة الولايات المتحدة؟

إذن لأصبحنا في هذا الوقت؛ حيث تتدفق المساعدات على إسرائيل من الغرب!

وفي النهاية فإن الحروب الصليبية لم تنته مصادفة ولكنها توقفت نتيجة عمل

وكفاح ورفع راية الجهاد الإسلامي تحت لواء صلاح الدين ونور الدين إلى أن

أنهاهم الظاهر بيبرس.

والسؤال الذي يطرح نفسه: متى سيأتي من يرفع أيدي أحفاد القردة

والخنازير عن فلسطين؟ ماذا ينتظر العربُ أم ماذا ينتظر المسلمون؟ أينتظرون أن

يخرج اليهود من أنفسهم؟ ! إن هذه الفكرة يمكن أن تحصل مع الصليبيين في ذلك

الزمان؛ لأن لهم أوطاناً، لكن اليهود لا وطن لهم؛ إذن سيكون قتالنا معهم حتى

ينتصف منهم المسلمون.

أسأل الله أن يحرر بيت المقدس بأيدي عباده المسلمين، والله الهادي إلى سواء

السبيل.