الورقة الأخيرة
[هل ما يقوم به الفلسطينيون عنف؟]
د. عبد الله بن هادي القحطاني [*]
هل ما يقوم به الفلسطينيون للتعبير عما يعانونه تحت وطأة الاحتلال
الصهيوني الجائر إرهاب أو عنف؟
إن الجواب هو بأن هذا الحق مشروع لهم لينتبه «العالم الحر!»
و «المحب للسلام» لقضيتهم، والمسارعة لنجدتهم، أو ربما لإيقاظ إخوانهم
في أرجاء الأرض من حلم السلام الموهوم الذي عاشوا تحت كوابيسه لعقد من
الزمان، وأن الانتفاضة «انتفاضة الأقصى» بيان جماهيري حي يعلن للعالم أجمع
بما فيهم بنو صهيون بأن أرض الأنبياء التي ما زال يدنسها يهود تحوي «أطفالاً»
قادرين على التضحية بدمائهم التي ضن بها إخوانهم في شتى أنحاء المعمورة من
أجل أرض النبوات والأنبياء الأطهار الذين قتلهم بنو صهيون ظلماً
وزوراً.
إن ما يجري في القدس وغزة والخليل وبيت لحم ردة فعل طبيعية للضغوط
الصهيونية الإرهابية لابتلاع الأرض الفلسطينية والهوية الإسلامية لشعب خذله أهله
وتجرأ عليه أعداؤه، يُحرَم حقه المشروع في التعبير عن الظلم والجور الذي يكابده،
وينظر أولئك العاجزون إلى دماء الأطفال الزكية بأنها تهوُّر في مواجهة الأعداء
الغاصبين الذين يواجهون بالحجارة الرصاص والطائرات والدبابات والمدافع،
والصهاينة مع ذلك يَدَّعون السلام، هذا ليس «سلام الشجعان» بل سلام الجبناء،
وخاصة أن راعي السلام قد أضحى ذئب السلام الذي لم يكبد نفسه عناء التخفي
والانزواء، بل على العكس تماماً فهو كل يوم يكشر عن أنيابه في مجلس الأمن
وينهش رعيته «السلام» ؛ فويل لقطيع السلام إن كان راعيه ذئباً كاسراً وثعلباً
ماكراً.
لقد أصبحت حقيقة لا مراء فيها أن السلام مع أعظم أهل الأرض خيانة -
الذين خانوا الله وأنبياءه - ليس له عندهم أمانة ولا عهد ولا ذمة. إن الأمم المسلمة
على ما فيها من فرقة وتمزق قد وعت حقيقة أن شعوبها قد ملت هزلية السلام الذليل،
ونفرت من حياة الذلة والصغار، وعلمت أن فلسطين أرض مقدسة دنسها يهود
ولا بد من تحقيق وعد الله ووعد رسوله فيها وإن طال الزمان، وما من شك أن تلك
السواعد الغضة، والوجوه الفتية، ودماء الأطفال الأبرياء الزكية، قد غيرت
الانحراف الذي أخل بموازين القضية الفلسطينية؛ فقد ساهم دهاقنة السياسة العالمية
في تحويلها من قضية أمة مسلمة كاملة حتى صوَّرها للعالم كله بأنها قضية رجلٍ
واحد، هو صاحب القرار الأخير فيها، إلا أن انتفاضة الأقصى أعادت في
سويعات قليلة القضية برمَّتها لساحتها الحقيقية إلى قلوب ومشاعر الأمة المسلمة في
كل جنباتها، بل إن جراحها في العالم كله تألمت لجرح فلسطين، وتنهدت لدموع
الأقصى، ولقد كشفت الغطرسة الصهيونية لِمَنْ اغتر بنرجسية السلام، وتغنى
بمكاسب التطبيع أن بني صهيون وإن تعددت مشاربهم لا يمكن أن يحققوا أطماعهم،
وينفذوا مخططاتهم في جو السلام؛ فالسلام ليس خياراً استراتيجياً لهم أين ما حلوا
وحيثما ارتحلوا، أمة لم تعرف السلام مع نفسها ولا مع ربها ولا مع أنبيائها، كيف
يمكن لها أن تحققه مع أعدائها؟
بل إن مَنْ وصموهم بحلفائهم وأصدقائهم كانوا أول أهداف حقدهم ومكرهم،
ولن تأخذهم في مؤمن إلٌّ ولا ذمة أبداً؛ فهم لا يتورعون أن يُسحق في طريق
تحقيق أهدافهم كل مبدأ، وتُرتكب كل خيانة؛ فإن كنا في حالة ضعف وركون فإنها
تحملنا على الاستعداد للجولة القادمة بعد أن هُزِمنا في جولة السلام. إنه قدر مكتوب
على هذه الأمة أن تنهض من كبوتها، وتعي رسالتها، وتوحد صفوفها تحت راية
واحدة، وشعار واحد: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» .
إن الإعداد يبدأ بالصدق مع الله، والرغبة فيما عنده، وعدم الركون إلى هذه
الدنيا الفانية وإلى أعداء الله فيها، والمسارعة لنصرة الله - عز وجل -: [يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد: ٧) .
وبذلك يتم النصر والتمكين وفقاً للسنَّة الربانية الكونية الجارية.
(*) أستاذ مشارك في قسم اللغة الإنجليزية، جامعة الملك خالد أبها.