المسلمون والعالم
المسلمون في رومانيا
محمد عبد الغفور
رومانيا إحدى دول أوربا الشرقية وتقع في شمال شبه جزيرة البلقان، ويحدها
الاتحاد السوفييتي (سابقاً) من الشمال وبلغاريا من الجنوب، والمجر من الغرب،
ويوغسلافيا من الجنوب الغربي والبحر الأسود من الشرق.
تبلغ مساحتها (٢٣٧٥٠٠) كم٢، ويزيد عدد سكانها على ثلاثة وعشرين
مليون نسمة. أما العاصمة فهي (بوخارست) التي يصل عدد سكانها إلى مليون
ونصف، ومن المدن الشهيرة - كلوج - قنسطانطة - براسوف. وتعتبر قنسطانطة
مركز تجمع للمسلمين على البحر الأسود.
تقدر المصادر الرسمية عدد المسلمين بمائة ألف نسمة لكن عددهم أكبر من
هذا. والمسلمون ينحدرون من قوميتين رئيستين هما: التتر والأتراك إضافة إلى
أقلية من الرومان.
تاريخ الإسلام في رومانيا:
دخل الإسلام رومانيا بواسطة أفواج من الدعاة الأتراك التي كانت تجوب
سواحل البحر الأسود، وبقيت الدعوة قائمة على جهود هؤلاء قرنين من الزمن،
حتى فتح العثمانيون هذه البلاد على مراحل منذ عام (٨١٤ هـ - ١٤١١م) وحتى
(٨١٩ هـ -١٤١٦م) وأمام تساهل المسلمين مع سكان البلاد فقد فضلوهم على
تعصب النصارى المتمثل في أسرة - بسبورج - وقد شهد بهذا الأمر (بطريق
أنطاكية) وهو يصف الفظائع التي أوقعها سكان بولندا من النصارى الكاثوليك
بالنصارى الأرثوذكس. حيث يقول: «إن ضحايا هذه الأحداث كانوا ثمانين ألفاً،
وختم شهادته بقوله:» أدام الله بقاء دولة الترك، فهم يأخذون الجزية التي فرضوها
ولا شأن لهم بالأديان «.
ولقد أثمرت دعوة التسامح الديني هذه ودفعت بالكثير من سكان رومانيا إلى
الدخول في الإسلام، وخاصة في المنطقة الشرقية التي حافظت على إسلامها بالرغم
من كل الاضطهاد الذي وقع للمسلمين بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين
أمام القوى المحلية في المنطقة. والتي اضطرت آلاف المسلمين الرومان إلى
الهجرة والفرار إلى تركيا هرباً من الاضطهاد حيث كان عددهم مليوناً ونصفاً
وتراجع إلى مائتين وعشرين ألف عام ١٩٢٧، ثم واصل المؤشر السكاني التراجع
بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم.
المساجد في رومانيا:
يبلغ عدد المساجد الأصلية في رومانيا ٦٢ مسجداً حول الشيوعيون أعداداً
كبيرة منها إلى مستودعات أو قاعات رقص وملاه أو فلل للسكن أو زرائب. وقد
شاهدت بأم عيني - أثناء استطلاعي في مدينة قنسطانطة - مسجداً حولوه إلى ملهى. ومنارته ما زالت موجودة إلا جزأها العلوي والمحراب لا زال كما هو، وقد
التقطنا له بعض الصور. وقد شاهدنا مسجداً آخر بكامل هيئته قد حوّل إلى فيلا
سكنية للإيجار حيث إن المنطقة سياحية على شاطئ البحر.
ولم يبق من المساجد إلا ٣٨ مسجداً موزعة على مدينة (المجيدية، قنسطانطة، كوستانجا، منفاليا، تولسيه، بخارست، باباراغ) ، وأغلب المساجد مغلقة
الأبواب لعدم وجود أئمة متفرغين ولتدني رواتبهم. ولعدم توفر الدعاة المخلصين
الذين يتولون إحياء هذه المساجد وإعادتها إلى ما كانت عليه، ولا نقلل هنا من تأثير
الجانب المادي في هذا المضمار من ناحية الصيانة ومن ناحية تفرغ الدعاة
والمدرسين.
المدرسة المجيدية:
يعتبر جميع الأئمة وأصحاب العلم الشرعي في رومانيا من خريجي المدرسة
المجيدية المشهورة التي أغلقت أبوابها منذ عشرين عاماً عندما حولها الطاغية
شاوشيسكو إلى جمعية تعاونية زراعية، وقد عادت المدرسة إلى المسلمين أطلالاً
بعد هلاكه أخيراً، وتنتظر من المسلمين الغيورين وأصحاب النخوة من أغنيائهم أن
يمدواً يد العون من أجل إعادة المدرسة لتكون منارة علم لمسلمي رومانيا الذين
يعقدون عليها الآمال العريضة. مع العلم بأن المدرسة كانت إحدى ثلاث مدراس
شهيرة في أوربا الشرقية. الأولى مدرسة الغازي خسروبيك في سراييفو، والثانية
مدرسة ذا النواب في (شومن) ، والثالثة المدرسة المجيدية هذه. وتقع في مدينة
المجيدية على الطريق الرئيسي الذي يربط بوخارست بالبحر الأسود - قنسطانطة.
الدين المعاملة:
كان المسلمون مضرب المثل في الصدق والأمانة بتعاملهم مع الآخرين،
وكان الرومان يضربون بهم المثل فيقولون (صادق كالمسلمين) هذا ما قاله المفتي محمد يعقوب والداعية الروماني (سليم صباح الدين) .
أما اليوم وللأسف الشديد فيوجد أكثر من خمسة آلاف طالب عربي في
جامعات رومانيا ومعظمهم ينسى دينه وإسلامه ويذوب في المجتمع الكافر، ويعطي
صورة سيئة غير مشرفة، عن دينه وعقيدته وبلاده.
ماذا يطلب المسلمون هناك من إخوانهم:
ويطالب هؤلاء الإخوة بمراكز إسلامية ترعى شؤونهم وتسعى لتأصيل الإسلام
في نفوسهم. ويطالب الأخ سليم صباح الدين لمسلمي رومانيا بدعم مادي لترميم
وبناء المساجد والمدارس وبإرسال مدرسين ودعاة وبإيجاد منح دراسية لأبنائهم في
بلاد المسلمين. كما يحتاجون إلى مصاحف وكتب مترجمة وأشرطة وغيرها تساعد
على فهم العقيدة بمفهومها الصحيح.
وللأسف الشديد فإنه بعد انحسار الشيوعية يتطلع الناس جميعاً في أوربا
الشرقية لدراسة الأديان عامة. ولذلك فقد استغلت الكنيسة هذه الفرصة الذهبية
ووزعت خمسين مليون نسخة من الإنجيل في أوربا الشرقية وبلغاتهم المحلية، بينما
يعجز المسلمون في كثير من البلدان عن طباعة القرآن الكريم، ناهيك عن ترجمته.
والحزب الشيوعي كان قد قام بإبادة أي صلات ثقافية بين المسلمين الرومان
وبين الإسلام. ولم يبق هناك أي نشرة أو كتاب باللغة الرومانية أو التركية تتحدث
عن الإسلام.
وقد لاحظت وجود دعاة إيرانيين نشطين وأغلبهم طبعاً من الطلاب ومنظمين
بشكل ملفت للنظر، وعندهم إمكانات كبيرة، ويحاولون التأثير على الطلاب العرب
بنشر مذهبهم بينهم، مع العلم أنهم في البداية يبتعدون قدر الإمكان عن إثارة
الخلافات بين مذهب السنة والشيعة ليتمكنوا من البعض بحسن المعاملة ثم يكشفون
عن أنفسهم وحقيقة تعصبهم وعدائهم لكل ما هو غير شيعي.
دور الدعاة:
ولا نغفل في هذا المضمار دور الدعاة المخلصين في نشر الإسلام. حيث
يحكي لنا التاريخ عن داعية اسمه:» سامي سالينك «أول داعية مسلم تركي أدخل
الإسلام إلى رومانيا قبل دخول العثمانيين بقرنين من الزمن.