للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منتدى القراء

في ظلال قصة حاطب

بقلم: نزيه أحمد

إن إحدى الأزمات التي تعاني منها الصحوة الشابة هي بعدها عن الدراسة

التربوية العميقة لأحداث السيرة؛ وأعني بتلك الدراسة: أن تدرس أحداث السيرة،

وتفهم فهما صحيحاً من غير تأويل لأحداثها لهوى أو لمصلحة مصطنعة؛ ومن ثم

محاولة تطبيقها وتربية النشء على منوالها. إن دراسة السيرة النبوية دراسة علمية

مجردة سوف تجعلها حبيسة الكتب ولن تخرجها إلى واقع الحياة.

ومن القصص التي ينبغي لقادة الصحوة أن يتأملوها قصة حاطب بن أبي

بلتعة رضي الله عنه حينما بعث كتاباً لقريش يخبرهم فيه بعزم النبي -صلى الله

عليه وسلم- مع هذا الموقف والقصة موجودة في (صحيح البخاري) [١] .

بعض الظلال:

١- الموازنة بين المصالح والمفاسد: (لتخرجن الكتاب أو لنجردك) هذا

الموقف يدل على أنه ينبغي مراعاة الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على

أمر ما؛ فهنا نجد أن مفسدة تجريد المرأة أخف من أن ينتشر خبر عزم النبي -

صلى الله عليه وسلم- على فتح مكة.

ومثل هذا المفهوم جدير أن يربى عليه أبناء الحركة الإسلامية حتى لا يقف

الجمود حجر عثرة أمام كثير من الأعمال بحجة حرفية النص وعدم القدرة على

استيعاب مفهوم الموازنة؛ ولا بد من إدراك أن هناك فرقاً بين الحكم وبين إنزاله

على أرض الواقع؛ وهناك الكثير من الأحداث من سيرة الرسول -صلى الله عليه

وسلم- وسلف الأمة الدالة على مراعاة هذا المفهوم.

٢- عدم التسرع في إصدار الأحكام: قال عمر للرسول: (إن حاطباً خان الله

ورسوله والمؤمنين) ؛ لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يسمع منه رغم مكانة

عمر - رضي الله عنه - وسأل حاطباً ليتثبت منه ويعرف عذره.

٣- المصارحة والوضوح: (ما حملك على ما صنعت؟) أخطأ حاطب

رضي الله عنه بإرساله كتاباً إلى قريش، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لما علم

بهذا صارحه وأراد أن يعرف ما هي دوافعه لذلك. ويستفاد منه أيضاً حسن الظن

بالمسلم، والمصارحة بين القائد وأتباعه في جو من الصدق والوضوح.

٤- الحكمة وعدم التعنيف: (لا تقولوا له إلا خيراً) هكذا يتعامل المربي مع

من يربيهم بالرأفة والرحمة والألفة وقبول أعذارهم، ومعرفة ما دفعهم لارتكاب

الخطأ ... وهذا يساعد على إشاعة جو الثقة والصراحة بين القائد وأتباعه.

٥- الاستماع إلى الرأي المخالف: لم يقتنع عمر رضي الله عنه وراجع

الرسول -صلى الله عليه وسلم- مراراً: (إنه خان الله ورسوله والمؤمنين)

والرسول كان يكرر: (صدق؛ لا تقولوا له إلا خيراً) ولم يعنف عمر؛ لأنه خالفه

مع أنه رسول مؤيد بالوحي.

ومن المؤسف أنه في بعض التجمعات إذا أراد مصلح أن يزيل القذى لتُرى

الحقيقة اتهم بأنه عضو فاسد مريض يجب اقتلاعه، وأصبحنا نتوارث الأخطاء

وننشئ أجيالاً تربت على الخنوع، تفكر بعقل غيرها [٢] .

٦- محاولة إقناع الطرف الآخر بأساليب عدة: حاول الرسول -صلى الله

عليه وسلم- إقناع عمر رضي الله عنه منوعاً في الأسلوب فمرة قال له: (صدق؛

لا تقولوا له إلا خيراً) ومرة أخرى: (لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما

شئتم؛ فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم) .

٧- شفافية نفوس الصحابة ورجوعهم إلى الحق: (فدمعت عينا عمر وقال:

الله ورسوله أعلم) .


(١) انظر فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر، كتاب المغازي، باب فضل من شهد
بدراً، ج٧.
(٢) الحوار: أصوله المنهجية وآدابه السلوكية لأحمد الصويان، ص ٢٩، طبعة دار الوطن
بتصرف.