على مدار التاريخ كان الإنسان يحلم في الانتقال من مكان إلى مكان دون حواجز وقيود، كما يفعل النسر حين يسرح في أجواء الفضاء. وعلى مدار التاريخ كان الإنسان يحلم بأن يطّلع على ما يجري في أنحاء المعمورة، حتى يستفيد منه، أو يعرف كيف يتقي شره، وربما من أجل إشباع ما لديه من فضول. اليوم تحقق الكثير من ذلك؛ بسبب التقدم المذهل في الاتصالات والمواصلات، وفي البث الفضائي؛ حيث صار في الإمكان رؤية الحدث أثناء وقوعه، ولو كان في أقصى الأرض. نحن إلى هذه اللحظة لم نستطع إدراك أبعاد التغيرات الثقافية والأخلاقية والعقائدية التي ستحدث بسبب ثورة الاتصال هذه، لكن من المؤكد أنّ الآثار السلبية سوف تنتشر من غير جهد كبير، كما ينتشر الوباء القاتل. وقد رأينا ـ مثلاً ـ كيف تتم عولمة الجريمة اليوم، كما هو الحال في الاتجار بالأطفال، والمخدرات، والجنس، والصفقات المشبوهة، وغسيل الأموال ... ، أما الأشياء الجيدة والممتازة؛ فيبدو أن انتشارها يحتاج إلى شيء من الجهد والتنظيم والمتابعة. نحن إذن في حاجة إلى العثور على نقطة التعادل بين الخيرات والشرور الكونية المعاصرة؛ وإلاَّ فإنَّ التقدم على صعيد الاتصال سيكون ضاراً جداً، وربما كان مدمراً. ولعلي أشير على عجل إلى بعض ما يمكن عمله في هذا السياق على الصعيد الدعوي، على سبيل المثال، عبر المفردات الآتية:
١ ـ كان للذكاء في الماضي قيمة استثنائية؛ وذلك بسبب تضاؤل المعارف المنظمة في حياة الناس، وبسبب صعوبة تبادل الخبرات عبر العالم. أما اليوم فقد اختلف كل شيء، وصار للعلم والخبرة المكان الأسمى في الارتقاء بالبشر، وكان ذلك بالطبع على حساب نفوذ الذكاء. كان القصور في أدوات تنظيم الخبرات ونقلها وتعميمها يشكل العائق الأكبر أمام التخلص من الرؤى المحلية المحدودة، والعائق الأكبر أمام تكوين رؤية عالمية أو إسلامية واحدة في كثير من الأمور. أما اليوم فقد اختلف كل شيء على نحو مثير ومذهل.
٢ ـ يشكل (الإنترنت) وسيلة مثلى لتبادل الخبرات؛ فهو وسيلة رخيصة، وعامة جداً، وسهلة الاستخدام. وشيئاً فشيئاً يترسخ وجود الشبكة في الحياة الشخصية لكل الناس، ومن هنا فإنّه يمكن اعتماد الشبكة العنكبوتية في محط تفكيرنا، في مسألة التعرف على الآراء والتجارب والخبرات في أي مكان من الأرض، وعلى كل صعيد من الأصعدة.
٣ ـ في المجال الدعوي مئات الألوف من الشباب والكهول المهتمين بنشر الإسلام وشرح مفاهيمه، وتحسين مستوى التزام الناس بتعالميه. والمسلمون كما نعرف منتشرون في كل أنحاء الأرض، وكل مشتغل بالدعوة ـ رجلاً كان أو امرأة ـ ينطلق في الغالب من الخبرة الدعوية الموجودة في بلده ومنطقته، ونظراً لوجود ضعف عام في التدريب الدعوي لدى معظم الكليات التي تخرِّج الدعاة؛ فإن الداعية يستخدم قدراته الشخصية غير المصقولة. أضف إلى هذا أنّ لكل بيئة مشكلاتها الخاصة بحسب الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة فيها. لكل هذا فإني أعتقد أنّ من المهم تأسيس موقع عملاق على (الإنترنت) ، يستهدف تجميع الخبرات الدعوية في العالم، وإتاحة الفرصة لتبادلها على أوسع نطاق. وهذه دعوة موجهة إلى كبريات الجامعات والجماعات الإسلامية، وموجهة أيضاً إلى الشباب المتوثب والغيور والساعي إلى إيصال كلمة الله ـ تعالى ـ للعالمين. إن موظفي الموقع والمتطوعين لمساعدتهم يقومون بتصميم الموقع، وجمع ما يمكنهم جمعه من الخبرات الدعوية المتوفرة في: الكتب والدوريات، والمجلات والجرائد، والمحاضرات وأشرطة (الكاسيت) ، وتنزيلها على الموقع بحسب حال المدعوين؛ وذلك لأن حال المدعو هي التي تفرض النوعية المطلوبة من ثقافة الداعية وخطابه وأسلوب تعامله؛ وأحوال المدعوين متباينة تبايناً كبيراً، ومع أن هناك قاسماً مشتركاً بينهم جميعاً إلا أنَّ التفوق في الأداء الدعوي يتطلب التدقيق في التفاصيل، ومراعاة المعطيات الجزئية. ومن المساقات المقترحة في الموقع، الآتي:
٤ ـ بعد أن يتم توزيع المعلومات المتوفرة لدى موظفي الموقع على المساقات والفروع المذكورة، يُفتَتح الموقعُ لاستقبال الخبرات والتجارب والأفكار من العاملين في الدعوة، ويتم تصفية ما يتم استقباله، وتنظيمه على نحو معيَّن؛ ومن أجل تسهيل الاستفادة منه.
٥ ـ يكون في الموقع هيئة استشارية للإجابة على أسئلة الدعاة واستفساراتهم، في نطاق تخصص الموقع.
٦ ـ نشر مختارات من الخبرات المتجمعة في رسائل صغيرة، وفي الصحف والمجلات، وغيرها.
٧ ـ هذا العمل يتيح فرصة للتعبير عن التجارب الشخصية، كما يتيح فرصة للتطوع في سبيل الارتقاء بالعمل الدعوي