للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قراءة في كتاب

يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة [*]

تأليف/ جيمس باترسون وبيتر كيم

ترجمة: د. محمد بن سعود البشر

عرض: د. مالك الأحمد

توطئة:

يقرأ الإنسان في حياته الكثير من الكتب، لكن يغلب على القراءات أنها

انتقائية بمعنى أنه يقرأ فصولاً وأجزاء من الكتاب مما يثير في نفسه الفضول

والشوق لمعرفة شيء ما، لكن قلما يقرأ الإنسان كتاباً من الجلدة إلى الجلدة كما

يقولون وهذا ينطبق على الكتاب الذي بين أيدينا والذي يتميز بتوفر كمٍ من

المعلومات ذات الطبيعة الميدانية، إذ إن محور الكتاب المجتمع الأمريكي الذي يعد

نموذجاً من المجتمعات الغربية بصفة عامة.

أهمية الكتاب:

يعتبر الكتاب من المراجع القليلة ذات الطبيعة الاجتماعية التحليلية للمجتمع

الأمريكي، وذلك بناءاً على دراسات علمية وإحصاءات ميدانية ومقابلات شخصية،

ولقد نال الكتاب رواجاً كبيراً في أمريكا لأنه كشف بشكل كاف عن واقع المجتمع

الأمريكي كما يراه أبناؤه وأوضح الكثير من القضايا غير الظاهرة، وحصل على

تقريظ الكثيرين من الكتّاب ودور النشر والصحافيين البارزين، وقد استقى المؤلفان

معلوماتهما من دراسات سابقة متعددة إضافة إلى استبانات كثيرة، ومقابلات

شخصية مع آلاف من الناس من طبقات وأجناس وأعمار مختلفة مما يعطي نتائجه

مصداقية معقولة وبخاصة وأن شخصيات الناس بقيت مجهولة كي تعطى الفرصة

للتحدث بصراحة كاملة، وقد قالت عنه مجلة (Busiess week) الأمريكية: إنه

بمثابة رحلة فكرية مزعجة في عقول الأمريكيين وقال عنه الأديب الأمريكي

المعروف (اليكس هيلي) : أنه يعرض الحقائق عن أنفسنا مما لم أشاهده في أي

دراسة أو في استطلاعات الرأي ولا حتى في الأحاديث الشخصية.

منهج المترجم:

سعى المترجم د. محمد البشر أستاذ الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود إلى

الترجمة الكاملة والأمينة لمحتويات الكتاب كاملة لكنه لدواع إسلامية اضطر إلى

الترجمة الانتقائية في بعض الأحايين خصوصاً عندما يستخدم المؤلفان ألفاظاً سوقية

أو عند الكلام على قضايا جنسية بطريقة تخدش الحياء فيعمد المترجم حينئذ إلى

الحذف اضطراراً أو الترجمة بالمعنى، وذلك دون الإخلال بالمعاني العامة المرادة

وبما لا ينقص من المادة العلمية للموضوع.

ولم يعلق المترجم على المادة، إلا في حالات نادرة لتوضيح مبهم أو شرح

اصطلاح، مما يضفي على الكتاب المترجم قيمة علمية.

محتوى الكتاب:

الكتاب مكون من مقدمة وتسعة فصول وخاتمة في حدود مئتي صفحة.

المقدمة: يبين المؤلفان فيها نظرة الأمريكيين إلى الأشياء التي تهمهم في

الحياة، إضافة إلى حقائق توصلا إليها من خلال الكتاب.

الفصل الأول: الأقاليم الأخلاقية في أمريكا حيث يرى المؤلفان أن هناك

تمايزاً أخلاقياً في أمريكا تبعاً للمواقع الجغرافية.

الفصل الثاني: السلطة الأخلاقية الحقيقية في أمريكا حيث يشير الكتاب إلى

عدم وجود مرجع أخلاقي ديني أو اجتماعي للناس.

الفصل الثالث: مأزق الأخلاق والقيم حيث يُفَصّل الكتاب الحديث في أخلاق

الناس وانحرافاتهم وأسبابها.

الفصل الرابع: الرجال والنساء في عقد التسعينات حيث يبين الكتاب مدى

الخصام بين الجنسين والصورة السلبية للجنسين حيال بعضهما، ونتائج ذلك على

الأسرة والأطفال.

الفصل الخامس: العنف في أمريكا ويبحث فيه المؤلفان العنف والسلام

والاغتصاب والانتحار والإيدز والجريمة باعتبارها قضايا مرتبطة ببعضها بشكل أو

بآخر.

الفصل السادس: العمل: يتحدث الكتاب عن العمل والإخلاص فيه والعلاقات

بين أفراده وعن أخلاقيات العمل.

الفصل السابع: الحياة الاجتماعية: حيث يقارن المؤلفان بين أفقر حي في

نيويورك وأغنى حي في لوس أنجلوس، ثم يعرجان على غياب مفهوم القرية

الواحدة ثم أرقام الجريمة الحقيقية ويعرجان على الفقر والعنصرية والإدمان

باعتبارها ظواهر اجتماعية عامة.

الفصل الثامن: الله، والسلطة الأخرى: يبين الكتاب من الذين يؤمنون بالله

وهل هو مصدر التعاليم ومن هم قادة أمريكا الحقيقيون.

الفصل التاسع: أمريكا والعالم: يبين موقع أمريكا من العالم في نظر أبنائها،

ومستقبل الصراع الاقتصادي والحضاري.

الخاتمة: أربعة وخمسون حقيقة توصل إليها المؤلفان من مجمل ما توصلا

إليه في دراستهما هذه.

ماذا نستفيد من الكتاب:

لا شك أن الكتاب مكتوب للشعب الأمريكي ولذا فطريقة البحث ونتائجه تهم

ذلك الشعب، لكن بالنسبة للمسلمين فإن دراسة واقع المجتمعات الغربية التي لها

علاقات متشابكة مع العالم الإسلامي لها أهمية بالغة من عدة جوانب لعل أبرزها

ظاهرة تأثر الضعيف بالقوي، وظاهرة التقليد عموماً إضافة إلى استشراف مستقبل

هذه الأمم وتوقعات زمن الأفول لهذه الحضارات، مما يشجع ويدفع المسلمين

وبخاصة المقيمين في الغرب إلى الاستفادة من هذا الواقع المتردي لعرض الدين

الإسلامي عليهم كي ينجوا من واقعهم الحالي بعد التفكير في مآلهم ومصيرهم.

نتائج الكتاب:

لعلي أشير إلى ما لخصه المؤلفان وما استطعت تلخيصه من خلال استعراض

الكتاب فيما يلي:

* النساء أفضل خلقاً من الرجال مما يؤهلهن لتسلم مهمات قيادية في مجتمعهن.

* تفتقر أمريكا للقيادة الأخلاقية، أما قادتها الحاليون فهم مصدر الإخفاق في

كل المجالات.

* الشباب الأمريكي هم أكبر مآسي المجتمع.

* ما يصل إلى ٦٠% من مجموع السكان هم ضحايا الجرائم.

* فقدت نسبة كبيرة من الأطفال معاني الطفولة، وأصبحوا ضحايا ظواهر

سلبية جديدة، ومنها على سبيل المثال الاغتصاب، حيث إن نسبة كبيرة من

الصغيرات (تحت ثلاثة عشرة سنة) تعرضن للاغتصاب، وبشكل عام فإن واحداً

من سبعة أطفال تعرض لاعتداء جنسي.

* الانحراف الخلقي والتحلل من القيم هي المشكلة الأولى في البلاد.

* الزواج لم يعد حصانة للمجتمع فالمشكلات الأسرية متفاقمة لدرجة أن ثلث

الأزواج يخونون بعضهم بعضاً.

* غياب الأمن الاجتماعي من ظواهر السنوات الأخيرة، وانتشار الفردية في

كافة نواحي الحياة.

* ٢٠% من النساء تعرضن للاغتصاب وفي أكثر الأحيان يكون ذلك من

أصدقاء ومعارف.

* السلطة الأخلاقية في المجتمع مصدرها الإنسان نفسه والتبرير لذلك السلوك

المنحرف يكون عادة ببساطة غيري يفعله.

* ثلثا الناس يعتقدون أن الكذب لا حرج فيه رغم شعور الكثيرين بالخزي

تجاهه وتجاه السلوكيات الأخرى المنحرفة.

* أكثر من ٥٠% من الناس لا ترى مبرراً للزواج وبالنسبة لأكثر المتزوجات

فإن الإحصان الجنسي وإنجاب الأولاد ليسا السبب الرئيس للزواج، وما يدعى أنه

أكبر مبررات الزواج (الحب) هو من أكبر أسباب الطلاق فيما بعد.

* العلاقات الزوجية ليست جيدة في العموم، وطبيعة الحياة ونظرة الزوجين

لبعضهم بعضاً من أهم أسبابها.

* العنف من أبرز أمراض المجتمع الأمريكي ومعدلاته تفوق جميع البلدان

الأخرى بمراحل، وهو لا يقتصر على فئات معينة. ولوسائل الإعلام دور رئيس

في انتشار العنف، إضافة إلى واقع الحياة وظروف النشأة.

* ١٤% من سكان أمريكا يحملون سلاحاً، والحصول على السلاح رغم

القيود الإضافية متيسر خصوصاً لمن يدفع نقداً.

* الانتحار مستفحل في أمريكا والرقم الرسمي (٣٠.٠٠٠) ، لا يقل الرقم

الحقيقي عدداً عن آلاف من محاولات الانتحار الفاشلة فضلاً عن الأعداد الضخمة

التي تفكر في الانتحار وهذه الظاهرة تكثر في أوساط الرجال والشاذين والشباب.

* ٢.٢ مليون أمريكي مصاب بالإيدز، وسبعة ملايين يعتقدون باحتمال

إصابتهم به.

* هناك رغبة عامة في تدريس المبادئ والقيم الاخلاقية في المجتمع الأمريكي.

* الفساد والرذيلة والمخدرات أكثر انتشاراً في الأوساط الغنية منه في

الأوساط الفقيرة.

* نسبة ٩٠% من الأمريكيين يؤمنون بالإله، لكن الالتزام بأوامره ضعيف

للغاية.

* اليابان تمثل تحدياً اقتصادياً كبيراً لأمريكا حالياً، ويعتقد أكثر الأمريكان

بأفول أمريكا في القرن القادم لصالح اليابان.

* عضو الكونجرس الأمريكي لا يختلف أخلاقياً عن قادة الجريمة وتجار

المخدرات.

* المال هو العامل الرئيس لدى الأمريكي كي يكذب أو يغش أو يسرق أو

يقتل.

* ٢٠% من الأمريكان يتعاطون المخدرات بشكل أو بآخر.

* الجشع والأنانية من الصفات البارزة للمجتمع الأمريكي الحالي.

هذه الخصائص آنفة الذكر تمثل صورة قريبة جداً من الواقع لأنها نتاج

مقابلات شخصية مع آلاف من الناس، وفي الحقيقة ليست هي المقياس الوحيد لكنها

إضافة إلى ما ينشر من أخبار ودراسات وتحليلات للواقع الاجتماعي الحالي لأمريكا

تمثل صورة واقعية يمكن من خلالها رسم صورة معقولة والوصول إلى نتائج مقبولة.

هذا واقع الشعب الذي ما يزال نفر من بني أمتنا يرى فيه (نموذجاً) ويدعون

بكل صفاقة لتقليده واحتذاء أساليبه الحياتية وهو يعيش في جاهلية وانحراف وسقوط، لكن أولئك المقلدة علموا أو جهلوا إنما يدعون لهوان أمتهم وانحرافها، وهم

يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وياليتهم يدعوننا إلى تقليدهم في العلوم والتقنية

والأبحاث ولكن المشكلة أنهم يريدون السير وراء ذلك الشعب بحضارته وثقافته كما

قال كبيرهم الذي علمهم السحر لنأخذ الحضارة حلوها ومرها، خيرها وشرها.

وحينها نعلم إلى أي مدى يريد أولئك بأمتنا من شرور وفتن، وفاقد الشيء لا

يعطيه..


(*) صدر الكتاب عام ١٤١٤ هـ/١٩٩٤ م بعد ترجمته للعربية ويعتبر في طبعته الأصلية أحد الكتب التي احتلت الصدارة في قائمة المبيعات في أمريكا.