نص شعري
[المسجد الأقصى.. نجوى وحنين]
بقلم: د. عدنان النحوي
أنا المسجدُ الأقصى! وهذي المرابعُ ... بقايا! وذكرى! والأسى والفواجعُ
لقد كنتُ بين المؤمنين وديعةً ... على الدهرِ ما هبّوا إليّ وسارعوا
يضمّون أحناءً عليّ وأعْيُناً ... وتحرُسني منهم سيوفٌ قواطعُ
زُحوفٌ مع الأيّام موصُولةُ العُرا ... فترتجّ من عزْم الزّحوف المرابعُ
وعَهْدٌ مع الله العليّ يشدّه ... يقينٌ بأنّ المرء لله راجعُ
فما بالُ قومي اليوم غابُوا وغُيّبوا ... وما عادَ في الآفاقِ منهم طلائعُ
وما بال قومي بدّلوا ساحة الوغى ... فغابَتْ ميادينٌ لهم ومصانعُ
وما بَالُهُمْ تَاهوا عن الدرب وَيْحَهمْ ... فجالتْ بهم أهواؤهم والمطامعُ
فغاب نداءٌ ما أجلّ عطاءَه ... تتردّده في كل أفْقٍ مجامِعُ
وكانتْ ميادينُ الشهادة ساحَهم ... فصار لَهُمْ ملءَ الدّيار مَرَاتعُ
وفي كلّ يومٍ مَهْرَجانٌ يَضُمّني ... وتندبني بين القصيد المدامِعُ
فأصبحْتُ، يا ويحي، أَحاديثَ مجلس ... وأدمعَ بكّاءٍ حوتْه المضاجِعُ
وكان يُدوّي في الميادين جولةٌ ... فصار يدوي بالشعارات ذائعُ
ففي كلّ يومٍ، وَيْحَ نفْسي، مَسارحٌ ... تُدَارُ وأهواءٌ عليها تَنَازَعُ
تُدارُ خُيوطُ المكر خَلْفَ سِتَارها ... وتُعْلَنُ آمالٌ عليها لوامِعُ
ويَطْوِي عَلى هُونٍ أسايَ وذِلّتي ... شعَارٌ يُدوّي أو أمانٍ روائعُ
تُمزّقُ أوْصالي وتُنْزَعُ مُهْجتي ... ويطلب نصرٌ والديار خواضِعُ
يقولون (تحرير) ويُجْرون صَفْقَةً ... عليها شهودٌ ضامنون وبائعُ
يقولون (تقرير المصير) وإنه ... لِتَدمير آمال: فمعْطٍ ومانعُ
يفاوضُ فيه الشاةَ ذئبٌ وثعلبٌ ... وقد مَهّدَتْ عَبْر السنينَ الوقائعُ
يقولون: أهلُ الدار أدرى بحالها ... وأين همُ؟ ! إني إلى الله ضارعُ
وأهلي! وما أهلي سوى أُمّةٍ لها ... من الله عزمٌ في الميادين جامعُ
وصفّ يشدّ المؤمنين جميعَهمْ ... كأنّهُمُ البُنْيانُ: عالٍ ومانِعُ
إذا لم تقمْ في الأرض أمّة أحمدٍ ... فكل الذي يُرْجَى عَلى الساح ضائعُ
حنانيكَ يا أَقْصَى! حنانَيكَ كُلّما ... خَطَرْتَ وشدّتني إليك النوازعُ
فيافٍ ترامت بَيْنَنَا ومَسالِكٌ ... تُسَدّ وأشواقٌ إليك تصارعُ
تَمُرّ مع الذّكرى لتوقظ أمّةً ... وحولك غافٍ لو علمتَ وقابعُ
أُطأطئ رأسي ما خطرت وأنثني ... وطرفيَ من هُونِ المذلة خاشِعُ
وأُصغي! ونجْوى البرتقال تهزّني ... ووشوشة الزيتون منكَ قوارعُ
يعيدُ لنا العُتْبى حنينٌ مرجّعٌ ... يردّده فيك الحمامُ السواجعُ
فيا أيها الأقصى أنينك موجع ... تهيج به بين الضلوع الفواجعُ
حنينك أصداء العصور ولهفةٌ ... فصبراً وما يدريك ما الله صانعُ
رجعتُ! فناداني! وعدتُ لكي أرى ... على جانبيه دمعة تتدافعُ
وقال: إبائي يحجز الدمع كلّه ... ولكنّ حزني اليوم طاغٍ ودافعُ
جَرَتْ دَمْعة في الأرض مِنهُ فَأوْقَدتْ ... عزائمَ أجيالٍ وزحفاً يُتابعُ
فَلَسْطِينُ حقّ المسْلمين جَميعِهم ... وهذا كتابُ الله بالحقّ سَاطِعُ