للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبو مرزوق: حماس ترفض التفاوض حول الحل النهائي]

حاوره في القاهرة: حمدي عبد العزيز

تجيء الانتخابات التشريعية بعد مخاض طويل، حيث انتهى الدور التشريعي عام ٢٠٠٠م، ولم تجرِ الانتخابات منذ ذلك الوقت نظراً لظروف انتفاضة الأقصى، وممارسات الاحتلال التي أعاقت إجراءها طويلاً، وأظهرت نتائج هذه الانتخابات التي تقدم لها نحو ١١ قائمة انتخابية وجود ميل لدى الشعب الفلسطيني لصالح المقاومة، إلى جانب أنها تميزت بحضور نسبة عالية من الناخبين بلغت ٧٧.٦٩% ممن لهم الحق في التصويت؛ فقد فازت قائمة الإصلاح والتغيير التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس بـ ٧٦ مقعداً، إضافة إلى ٤ من المتحالفين على قوائمها من مسيحيين علمانيين اتفقوا على البرنامج الذي طرحته الحركة.

وحول هذه الانتخابات، وما أفرزته من تداعيات وقضايا ساخنة كان لـ (^) هذا الحوار مع د. موسى أبو مرزوق - نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على هامش زيارته للقاهرة، ومشاركته في المحكمة الشعبية الدولية الإنسانية ضد بوش وشارون، والتي نظمها اتحاد المحامين العرب.

انتصار للعرب والفلسطينيين:

^: نود السؤال في البداية عن الحكومة: هل ستشكل حماس بمفردها الحكومة الفلسطينية في ظل رفض فتح للمشاركة فيها؟ وفي ظل الاشتراطات الأمريكية والصهيونية بوقف المقاومة والاعتراف بـ (دولة العدو) مما يدفع بعضهم إلى التوقع بأن حماس لن تشكل الحكومة، فما ردكم؟

إن حماس لا يمكن أن تهرب من مسؤولياتها، ولن تتخلى عن ثقة شعبها بها، وسوف تشكل الحكومة، سواء شاركت حركة فتح أم لا؛ فهذا شأن عائد لهم، وعندما طرحت حماس مبدأ المشاركة لم يكن ذلك من قبيل الخوف من المستقبل أو عدم الاستطاعة، ولكن لأنها تطرح في برنامجها السياسي مبدأ المشاركة، وألا تكون السلطة بيد حزب واحد.

وما زلنا نطرح هذا المبدأ الذي يعتبر عهداً قطعته حماس على نفسها أمام الشعب الفلسطيني.

^: وهل هناك بالفعل ضغوط عربية تتوافق مع الاشتراطات الأمريكية والصهيونية؟

ليس هناك ضغوط عربية على حماس، ولم نسمع من الدول العربية غير التطمينات والتهاني بالفوز، وأريد أن أطمئن الجميع بأن الوضع العربي يقف بقوة مع خيار الشعب الفلسطيني، ولا يمكن أن تضع السلطة أو أي نظام عربي اشتراطات على هذا الشعب، بل بالعكس نجد أن دولاً عربية تؤكد أنها ستقدم المعونات والمساعدات.

وأرى أن ما حدث من نتائج الانتخابات هو انتصار لمجموع العرب والدول العربية قبل أن يكون انتصاراً للفلسطينيين؛ لأن هناك ضغوطاً قوية في المنطقة تصب باتجاه تهميش أدوار الدول العربية لصالح أن تكون للدولة العبرية وحدها القوة السياسية والاقتصادية والنووية الأولى.

^: نعود إلى الضغوط والاشتراطات الدولية، وخاصة الأمريكية والصهيونية.. ما ردكم عليها؟

أرد أنا بسؤال أيضاً: ومتى توقفت هذه الضغوط؟ لقد وضعت الولايات المتحدة حركة حماس على قائمتها للإرهاب، وقالت إنها ستوقف مصادر تمويلها وتلاحق قياداتها، وأنا بنفسي مطلوب للأمريكيين والصهاينة، أما في فلسطين المحتلة، فالضغوط أيضاً ليست جديدة، حيث يقتل الصهاينة القادة السياسيين والنشطاء خارج القانون.

إذن هذه ضغوط ليست جديدة، وعليهم أن يحترموا المبادئ الديموقراطية التي ينادون هم أنفسهم بها.

شروط الرئيس عباس:

^: قرأنا في وسائل الإعلام أن رئيس السلطة محمود عباس يشترط على حماس وقف المقاومة والتخلي عن السلاح، وقبول التزامات السلطة بموجب اتفاقيات أوسلو، فهل تقبلون بذلك؟

اشتراط إلقاء السلاح ليس قرار فصيل واحد أو حكومة، لكنه قرار شعب يتم في حال اقتنع هذا الشعب بأن المقاومة قد أوصلته إلى حقوقه، وأنه آن الأوان لكي تتحول المقاومة بشكل طبيعي إلى عملية البناء.

أؤكد أنه لا يوجد من يمنع شعباً من مقاومة الاحتلال حتى حماس نفسها؛ فلو افترضنا أن حماس اتخذت مثل هذا القرار، فسيخرج منها من يحمل السلاح ويقاوم، وهذا ما حدث مع حركة فتح بالضبط، وحدث مع كل الدول التي استقلت؛ حيث كان لديها مجموعات مسلحة تقاوم الاحتلال.

كما أن القانون لا يسمح بأية اشتراطات؛ حيث ينص على تكليف الحزب الحاصل على الأغلبية بتشكيل الحكومة، وفي مقابل هذا سنعلن أن خيارنا هو الحوار والتوافق والبرنامج الواحد لكل فصائل الشعب الفلسطيني.

^: إعلانكم الاستعداد للتفاوض حول هدنة مع (الصهاينة) ، هل يعني القبول بحل الدولتين؟

إن فلسطين بحدودها الجغرافية المعروفة هي حق للشعب الفلسطيني، وحينما يعود هذا الحق يجب أن يكون هناك دولة ديموقراطية إسلامية تتأسس على مبدأ المواطنة، ولكن هذه مسائل مؤجلة، وما طرحناه في البرنامج الانتخابي هو عدم الاعتراف بأي دولة أخرى على أرض فلسطين؛ مع السعي لإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة.

رسالة حماس إلى مصر:

^: بخصوص زيارتكم للقاهرة، هل تحملون معها رسالة من حركة حماس إلى مصر؟

رسالتنا إلى مصر واضحة، وهي أنها دولة قائدة في المنطقة، ولا يمكن تجاهل موقفها، والملف الفلسطيني بالنسبة لها دائماً ملف استراتيجي، ومع هذا فالمسألة ليست استراتيجية فقط، وإنما أيضاً أخوَّة وتضامن، وسوف يكون هناك حوار مسؤول، وتوضيح للسياسات ومطالب بدعم الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى تفاهمات مع مصر في كل القضايا المطروحة.

^: هذا يقودنا إلى الحديث عن أهم هذه القضايا، وخصوصاً الضغوط الأمريكية والوضع الفلسطيني الداخلي.

نؤكد على بعض النقاط فيما يتعلق بالضغوط الأمريكية: أولاً: لا يحق للولايات المتحدة أن تقف أمام الخيار الديموقراطي للشعب الفلسطيني، وخصوصاً أنها أرسلت فريق مراقبة برئاسة الرئيس (جيمي كارتر) ، وأشاد بهذه الانتخابات. ثانياً: يجب ألا يخلط الأمريكيون بين المبادئ والسياسة، وألا يعاقبوا الشعب الفلسطيني على خياره الديموقراطي. ثالثاً: أن المصالح الأمريكية ليست مرهونة بالخيارات الإسرائيلية في المنطقة، بل لا بد أن يكون هناك ربط بين مصالحها ومصالح الشعوب العربية والإسلامية بأن تتوافق مبادئها الديموقراطية وإرادات هذه الشعوب، ومن ثَم عليها أن تفكر طويلاً بسؤال: لماذا يكرهوننا؟ وتربطه بدعمها المطلق للعدو الصهيوني. رابعاً: أن حماس لن تساوم مطلقاً على كرامة الشعب الفلسطيني وحقوقه قُطِعت المعونات الأمريكية أم لم تقطع.

أما بالنسبة للوضع الداخلي فستكون كل النقاط الواردة في البرنامج موضع تطبيق، وسيرى الشعب الفلسطيني طريقة جديدة ترتكز على المسؤولية والعدالة والكرامة حتى نستطيع أن نقدم له ما يريده وندعم صموده ونحقق خياراته.

لا نتفاوض ولا نعترف:

^: هل بدأت مشاورات تشكيل الحكومة؟ وهل ستضمُّون فتح والفصائل الأخرى؟

المشاورات لم تبدأ بعد، إنما تبدأ بعد انعقاد المجلس التشريعي وقَسَم اليمين، ثم تكليف الرئيس عباس للأغلبية بتشكيلها. وليس هناك موقف معلن حتى الآن، ولكن بعد التكليف سيحدث حوار مع الرئيس عباس والفصائل حول البرنامج الانتخابي للحركة، وكيفية إنفاذه وتطبيقه في المستقبل.

^: وهل لديكم أية مخاوف من تشكيل حزب آخر غير حماس للحكومة؟

الأغلبية واضحة، ولا يمكن تجاوز هذه المسألة؛ لأن هذا يعني الاصطدام بمستقبل السلطة الفلسطينية.

^: الواضح أنكم ترفضون الاعتراف بدولة الصهاينة المحتلة وهذا يطرح تساؤلاً حول كيفية إدارة المفاوضات معها..

من قال إننا سنتفاوض مع دولة الكيان الصهيونى؟ حماس ترفض التفاوض حول القضايا السياسية الخاصة بالحلول النهائية لأسباب متعددة تتعلق بموازين القوى السائدة، وعدم الاعتراف بها كقوة احتلال؛ لأن هذا لا يعنى سوى قبول الخيارات المطروحة التي لا تلبي الحدود الدنيا لمطالب الشعب الفلسطيني، فضلاً عن أنها لا تتوافق مع ثوابت الحركة.

ومع ذلك فحماس سوف تتعامل مع هذه الدولة على اعتبار أنها ستحكم تحت الاحتلال في كافة مجالات الحياة.

محاكمة بوش وشارون:

^: شاركتم بشهادتكم في المحاكمة الشعبية الإنسانية الدولية لبوش وشارون التي عقدها اتحاد المحامين العرب بالقاهرة يومي ٣ و ٤ من فبراير الجاري: برأيكم هل ستؤدي هذه المحاكمة الجديدة لنتائج ملموسة؟

إن المحاكمة في مكانها وفي وقتها، ونشكر الرئيس مهاتير محمد على رئاسة جلساتها، واتحادات المحامين العربية التي نظمتها، ولعل من أهم نتائجها أنها رسالة إلى الشعوب والدول الغربية مفادها: أوقفوا المظالم التي يرتكبها بوش وشارون، ودافعوا عن الديموقراطية والعدالة.

^: وما رسالتك التي قدمتها في الشهادة أمام المحكمة؟

لقد أكدت على غياب العدالة وعدم توافق الممارسات الأمريكية - الصهيونية مع المبادئ الديموقراطية حينما يتعلق الأمر بالفلسطينيين والشعب الفلسطيني، وتحدثت عن بعض النماذج بصفتي معتقلاً سابقاً في السجون الأمريكية، كما تناولت ما يقوم به جيش الاحتلال والفِرَق التابعة له من قتل خارج نطاق القانون ضد القادة السياسيين والنشطاء والمواطنين العزل من الشعب الفلسطيني.

^: هذا يقودنا إلى سؤال أخير يتعلق بالدعاوى الصهيونية بأنكم تستهدفون المدنيين؟

إن ما تقوم به المقاومة هو رد على ممارسات الاحتلال وليس العكس، والمقاومة لا تملك قانوناً أو دولة قانون، فهي تدافع عن شعبها بكل السبل، أما دولة الكيان الصهيوني فإنها حينما تستهدف شخصاً واحداً فقد تقتل خارج القانون أفراداً عديدين حوله، أو يسكنون بجواره، كما حدث مع الشيخ صلاح شحادة - رحمه الله ـ حيث قتل معه ١٥ طفلاً في الغارة على منزله في غزة.


(*) كاتب وباحث سياسي.