للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصطلحات إسلامية

[الجوار]

إعداد: عادل التل

المعنى اللغوي:

الجوار: المجاورة.

والجِوار والجُوار بمعنى واحد، ولكن الكسر أفصح.

وجمع جار: أَجْوار وجيرة وجيران، ولفظ الجار له معانى كثيرة منها:

الجار: الذي يجاورك بيت بيت، والحليف، والناصر، والقاسم، والشريك

في التجارة، وجارة المرأة ضرتها، والمرأة جارة لزوجها لأنه مؤتِمر عليها،

وأمرنا أن نحسن إليها ولا نعتدي عليها لأنها تمسكت بعقد حرمة الصهر، وصار

زوجها جارها لأنه يجيرها ويمنعها.

والجار الجنب: أن لا يكون له مناسباً (ليس من أقاربه) فيجيء إليه ويسأله

أن يجيره، أي: يمنعه، فينزل معه، ومنه يقال للذي يستجير بك: جار، وللذي

يجير: جار، ومنه الجار الذي أجرته من أن يظلمه ظالم، وأجار الرجل: خفره.

المعنى الاصطلاحي:

قال تعالى: [قُلْ إنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ ولَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً] ،

أي: لن يمنعني من الله أحد، ولن ينصرني عليه أحد، وقال أيضا: [قُلْ مَنْ بِيَدِهِ

مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهُوَ يُجِيرُ ولا يُجَارُ عَلَيْهِ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] أي: وهو السيد

العظيم له الخلق والأمر والعظمة والكبرياء، فلا يحول شىء دون حكمه وأمره.

يلتقى معنى الإجارة مع الاستعاذة، فكل منهما يطلب خلاله الحماية والمنعة، ولكن

الاستعاذة لاتكون إلا بالله، بينما تكون الإجارة في الدنيا من الناس.

ويختلف حكم الجوار عن المعاهدة، والتي تكون بين المسلمين وغيرهم

وتضع أحكاماً على الطرفين المتعاهدين، بينما الجوار لا ينشأ التزامات متبادلة،

وإنما يقع الالتزام على طرف واحد -وهو المجير- لصالح المستجير، بأن يحميه

ويرفع عنه الظلم وفق أعراف الجاهلية، ومثال المعاهدة: (صلح الحديبية) ، ومثال

الجوار: دخول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة بجوار المطعم بن عدي،

وقد كان سابقاً في حماية عمه أبى طالب وبني هاشم، وهكذا يأخذ الجوار معنى

الأمان والحماية والمنعة.

من أحكام المصطلح:

قال تعالى: [وإنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ

أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ] [التوبة: ١٦] ، وفيها جواز إعطاء الكافر الأمان في بلاد المسلمين

حتى يسمع كلام الله تعالى ويطلع عن قرب على أمر الدين فتقوم الحجة عليه،

وكذلك لابد من ضمان عودته إلى بلاده آمناً، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه

وسلم-: «يد المسلمين على من سواهم، تتكافأ دماؤهم وأموالهم، ويجير على

المسلمين أدناهم» ، أخرجه ابن ماجه، لذلك قال لأم هانىء: (قد أجرنا من

أجرت) . أخرجه البخاري.

أما عندما يكون المسلمون في حالة الضعف، في مرحلة الدعوة، وعندما يشتد

عليهم أذى المشركين وتنزل بهم المحن والخطوب، فليس أمامهم إلا تحمل الآلام

والمشقة، أو الدخول في جوار أحد من الناس، أو الهجرة إلى مكان آمن، وقد

خرج جماعة من الصحابة فراراً بدينهم - ومن بينهم رجال من كبار الصحابة -،

مصطحبين معهم النساء والأبناء، حيث قصدوا أرض الحبشة ونزلوا مطمئنين

بجوار ملكها العادل - وذلك قبل أن يدخل النجاشي بالإسلام -، ومن المشهور عن

الصحابة أنهم لم يتنازلوا من أجل الحماية والأمان عن أي شيء من أمر دينهم، ولم

يبدلوا من سلوكهم أو مواقفهم لقاء هذه الحماية، وكان الدخول بالجوار دون قيد أو

شرط يحول بين المسلم ودينه، ولا يشترط في عقد الجوار أن يكون صريحاً من

إيجاب وقبول، فقد يكون من طرف واحد يعلن حمايته لهذا الرجل، وذلك من أجل

قرابة أو حباً في مواقف الشرف، وقد يكون الجوار على شكل بلاد مفتوحة أمام

المهاجرين، بحيث يستطيع الإنسان أن يقيم فيها دون الالتزام بقيود في مجال

الاعتقاد، وإنما يعتمد على قوانين تلك البلاد التي لا تتعرض للأحوال الشخصية

للناس، كما هو الحال في بعض البلاد الأوربية وغيرها.

ومن المآثر التي خلفها لنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن

منهم من رفض قبول جوار المشركين وهو يقول: (إني دخلت في جوار من هو

أعز منك.. لقد دخلت في جوار الله تعالى) ، ومنهم من رد الجوار بعد أن حاول

المجير أن يحد من مواقف ونشاط المستجير، ولقد رد أبو بكر الصديق -رضي الله

عنه-الجوار لابن الدغنة عندما طلب منه أن لا يصلي خارج بيته، قال أبو بكر:

(أو أرد عليك جوارك، وأرضي بجوار الله) .