البيان الأدبي
قراءات في الشّعر اليهوديّ المعاصر
الشاعر الإرهابيّ (أفرايم سيدون) نموذجاً
بقلم: محمد شلال الحناحنة [*]
يظلّ العداء اليهوديّ للإنسانيّة جمعاء، ولا سيما عداء المسلمين، يأخذ حيّزاً
واسعاً من العقيدة اليهوديّة المنحرفة، ولم يكن اليهود في يوم من الأيّام إلا محطات
إفساد للمجتمعات، وأدوات هدم لكل القيم المثلى، والأخلاق الفاضلة؛ فما من
شرور في الأرض إلاّ ويحرّكُها أو يدعمها اليهود، أمّا الأدب اليهوديّ، فلمْ يكن
أحسن حالاً من أصحابه وصانعيه، بل نرى هذا الأدب ملتحماً بالنفس اليهودية
الإجرامية، خاضعاً لسطوة القتل المتعطش لها اليهود أينما وجدوا؛ ومن هنا تأتي
هذه القراءات في الوجدان الأدبي اليهودي لتكشف بيسر أنه لا مجال لمسالمة يهود
وهم يوقدون نيران الحروب، ولا مجال للركون لمشاريعهم الكاذبة الحاقدة لما يسمَّى
الأمن والسلام في منطقتنا، وقد نرى أنَّ بعض شعرائهم يتباكون على الإنسانية
المظلومة المذبوحة متناسين أن هذا الذبح والظلم يتم بآلتهم الحربية المدمرة، وأن
هذا الآلة ما زالت تحصد كثيراً من الضحايا والأبرياء في فلسطين المحتلة،
وغيرها من بلاد المسلمين!
أما الشاعر اليهودي (أفرايم سيدون) ؛ فما زال يعيش هذه الغطرسة لبني
قومه، وهو يخاطب حكومته، فيظهر أنّها لن تسقط رغم مجازرها وإرهابها للشعب
الفلسطيني. يقول (أفرايم سيدون) في قصيدته:
(حكومة لن تسقط) المنشورة في صحيفة (دافار) اليهودية بعد مجازر بيروت
عام ١٩٨٥:
(لا ... هذه الحكومة لن تسقط ...
هي لن تسقط ...
لأن قلبها مطمئن وهادئ ...
ورصيدها الأخلاقي مرتفع ...
مَنْ أنتَ أيها الطفل الفلسطيني؟ ...
ومَنْ أنتِ يا جثة المرأة الحامل ...
أمام «مناحيم» الفارس العبريّ ...
الممسك بالتوراة القائل: بعون الله؟ ! ...
ومن أنتم أيها الشيوخ المبتورون بغضب؟ ...
ومن أنتِ يا أنهر الدّماء ...
أمام ضمير إيرليخ العادل ...
المدافع عن كرامة الإنسان؟ !
بدأ الشاعر الإرهابيّ (أفرايم سيدون) قصيدته ينفي إمكانية سقوط
حكومته، وهو يسوِّغ هذا المنطق بصورة تحمل الكثير من المعاني: فهي حكومة
أُسّست على الجريمة والإرهاب، وهي تمارس اليوم ذلك بكلّ جلاء؛ فكيف ستسقط
ورصيدها عظيم من التناقضات والمذابح والدّماء، والشاعر يكرّر أنَّها لن
تسقط تأكيداً وإصراراً لثقته بما يقول، وإنْ كان هذا المقطع يبدو ساخراً في ظاهره
من الحقائق الدامغة، ومن جرائم الذبح، وجثث الأطفال والنساء مقابل
ادعاءات الضمير اليهودي في الدفاع عن العدل وكرامة الإنسان! ! إلا أنَّ هذه
السخرية لا معنى لها، ولا مردود لأثرها في نفوس حاقدة ضالعة في الإرهاب،
وقد مارس هذا الشاعر المجرم مرات كثيرة تحريضاً دموياً في شعره ضد أهلنا في
فلسطين ولبنان، ومن هنا فلا سلطان في الدولة العبرية العنصرية إلا لسلطان
القتل والتشريد للشعب الفلسطيني المسلم.
ويجيء تكرار (أفرايم سيدون) للاستفهام الساخر من خلال صور المقابلة
المفجعة الدامية ليعطينا مؤشراً واضحاً على أن هؤلاء الشعراء يرتبطون بعقائدهم
الدينية الضالة المنحرفة بقوة وصلابة؛ بينما نجد من شعراء الحداثة عندنا من
يسخر من عقيدة الإسلام الصحيحة السوية لإرضاء أسياده، وتشعل المفارقة في هذا
الصدد المزيد من الجراح المثخنة والأسى الموجع!
ولا بد أمام ذلك أن ننتقل لمشهد زاخر بالدلالات المعنوية الروحية المقدسة
العميقة لدى يهود مع انحرافاتهم وضلالاتهم وفجورهم في هذا المقطع:
(من أنت أيها الطفل الفلسطيني ...
ومن أنت يا جثة المرأة الحامل ...
أمام «مناحيم» الفارس العبري ...
الممسك بالتوراة القائل: بعون الله؟ !)
هذا الزهو الفاضح، وهذا الغرور الدموي الذي يجعل جثث الحوامل
والأطفال الفلسطينيين لا تساوي مجرد التفاتة من الفارس المقدام لم يكن زهواً
دموياً مجرداً من دلالاته الضاربة في عمق النفس اليهودية الضالة؛ فالفارس هنا لم
يكن مجرد فارس بل هو معرّف وموصوف بالعبري، ثم نرى الشاعر يمعن في
الوصف الديني العقيدي فيقول: (الممسك بالتوراة) . كذلك لم يحمل هذا الفارس
العبري التوراة بل يمسك بها، وفرق شاسع في الدلالة بين من يحمل، ومن يمسك؛
فقد تحملُ شيئاً ليس لك، ولمجرد إيصاله لغيرك دون اهتمام، أمّا الإمساك ففيه
القوة والتمكن مما تمسكه. ثم نجد هذا الفارس يفيض روحيّة بأفعاله وأقواله؛ فهو
يبدأ حربه بالاستعانة بالله! إنَّ ترسيخ هذه الصفات الدينية لدى الفارس العبري
الممسك بالتوراة القائل بعون الله، لَيُثبت أنَّ هؤلاء الشعراء يدركون مفاهيم
عقيدتهم، ويحفظون تاريخهم، رغم أنَّ عقيدتهم ضالّة، وتاريخهم مزوّرٌ حافلٌ
بالإرهاب والانحراف والجريمة، كما يثبت هذا الشعر أن عداءنا لليهود عداءُ عقيدة،
وحربنا معهم ليست مجرّد حرب أرض وحدود.
(*) شاعر وناقد إسلامي أردني.