للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منتدى القراء

[الصحوة الإسلامية والتمكين]

محمد الخريف

إن أي كيان أو دعوة أو تنظيم يستمد قوته الأساسية الدافعة إلى التمكين

والاستخلاف من العقيدة أو المبدأ الذي يقوم على أساسه ويتبناه ويدعو إليه، فكلما

كانت هذه العقيدة واضحة قريبة من فطرة الناس وإدراكهم العقلي؛ كلما كان ذلك

كفيلاً بتوفير عوامل النجاح والتقدم لها، وجعل الناس يستقبلونها بالقبول والاتباع

عن قناعة راسخة يبذلون في سبيلها الغالي والنفيس، وهذا لا يوجد إلا في العقيدة

الإسلامية المنزلة من لديه ربنا -سبحانه وتعالى-، فهي الدين الوحيد الباقي على

وجه الأرض السالم من التحريف بحفظ الله له، وهذا هو سر رسوخه وانتشاره رغم

الحرب الضروس الموجهة إليه من قبل أعدائه، وتخاذل أتباعه عن نصرته

والالتزام بتعاليمه.

ومتى ما خالط الإيمان بهذه القضية سويداء القلوب وخامر التصديق بها مخ

العقول، فإن ذلك يمثل مصدر قوة عظيمة ودفع ذاتي للدعوة الإسلامية في مواجهة

التحديات وتجاوز العقبات والعوائق، في سبيل التمكين لهذا الدين في أرض الله.

إلا أن سنة الله الماضية تقتضي بذل الأسباب، وعدم الركون إلى القوة الذاتية لهذا

الدين فحسب، بل جعلها مصدر دفع مهم إلى الأمام يعوض ويكمل جوانب القصور، ولو كان الأمر خلاف ذلك - حسبما يتصور الخرافيون والصوفيون - لما شرع

الجهاد الذي تتطاير فيه الرؤوس وتسيل الدماء لإعلاء كلمة الله، ومن هذا المنطلق

يجدر بالقائمين على قيادة ركب الصحوة الإسلامية أن يدركوا هذه الحقيقة، وأن لا

تشغلهم بُنَيَّات الطريق عن أمور الدعوة الجسام، ورعاية هذا الكيان والعمل على

توفير مصادر القوة له، فالله قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، ودعوتنا كلها

جهاد لكن على مراحل تقتضيها المصلحة إلي أن ترقى إلى مرتبة الجهاد بالسنان

وبذل الدم، فإن القوة المادية كما قيل هي عصب الحياة الدنيا وقوامها، والضعيف

فيها على مر العصور مقهور مسحوق لا يحسب له حساب إلا في ظل شرع الله

حين يحكم، ولسنا بهذا نطلب بجعل الدعوة شركة تجارية! لكنه الاعتماد على

الذات بموارد ثابتة وهذا من القوة التي أمرنا الله بإعدادها لمواجهة الأعداء ونشر

الدين، والاستغناء عن مد يد الاستجداء، مما يوفر للدعوة حرية التحرك، واتخاذ

القرار دون ضغوط كابحة للنشاط، إضافة، ما توفره القوة المادية للدعوة من ثقل

سياسي واجتماعي هي بأمس الحاجة إليه، وقريباً منك أخي الكريم، مثلاً حياً

المنظمات الصهيونية والنصرانية في العالم وما تملكه من إمكانات ضخمة وفرت لها

نوعاً من السيطرة على محاور ثلاثة مهمة هي (المال والتقنية والإعلام) حتى

أصبحت ذات نفوذ مؤثر في مجرى الأحداث والقرارات السياسية الداخلية

والخارجية للدول التي تعمل بها، إضافة إلى نشاطاتها وبرامجها الهائلة، حتى

وصفت بالدول الخفية لعظم قوتها ونفوذها.

ولم يكن ليحصل لها هذا النفوذ والتمكن رغم فساد المنهج والانقطاع من حبل

الله. لولا ما تملكه من إمكانات وتنظيم عملي، يبعث الحسرة في قلب المسلم الغيور

لما يرى من حال الدعوة والأمة.

فحري بنا - ونحن حاملو الرسالة السماوية الخالدة - أن نأخذ بكافة الأسباب

المشروعة في ديننا، وأن الدعوة الإسلامية بوضعها الراهن بعيدة عن اتباع هذا

المنهج بشكل جاد، فهي فقيرة بالموارد الثابتة تعتمد على تبرعات الأخيار المتذبذبة، بشكل يفقدها القدرة على وضع الموازنة والتخطيط للبرامج المستقبلية، إضافة لما

تعانيه من ضعف البناء التنظيمي الذي يوحد الجهود ويستغل الطاقات، لاعتمادها

على الجهود الفردية المبعثرة - باستثناء بعض الجمعيات الخيرية ذات الطابع

الإغاثي - وهذا يكشف الحاجة الملحة لإجراء الدراسات والبحوث العلمية لتقويم

نشاط الدعوة وإيجاد البرامج والخطط المناسبة لتوجيه الأعمال وتقسيمها إلى كيانات

متنوعة النشاط ذات شكل مؤسساتي، يجري التنسيق بين أعمالها عبر القيادة

الشرعية العليا. صحيح أن الدعوة محاصرة ومقطوع عنها كل الموارد الرسمية في

الجملة، ولا يتوفر لها ولا إمكانات نادي رياضي ينمي العضلات!

لكن لا ينبغي الاستسلام للواقع، وأبواب الفتح واسعة بعون الله. على أن لا

يغيب عن بالنا ونحن نبذل الجهد وتقدم الأسباب أن نتشبث بعنصر مهم ألا وهو

التوكل على الله والثقة بنصره وتأييده وعدم الانقطاع عنه بأسبابنا الضعيفة لكي

نجمع بين الحسنيين التوكل والعمل كما أمرنا الله سبحانه في سبيل تحقيق الهدف

العظيم ألا وهو التمكين للأمة الإسلامية وإعادة العزة والريادة المسلوبة منها، بعد

هذا الضعف والهوان الذي طال ظلامه وادلهم غسقه، ونكاد نلمح فجراً وضاء يلوح

في الأفق بعد أن أوشك هذا الظلام على العسعسة، ليسطع نور الإيمان كي يعم

الأرض بالعدل والقسط بعدما ملئت ظلماً وجوراً، [واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ

أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ] والله أعلم.