للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القضية الكردية.. هل انتهت

من المؤكد أن قراء البيان يذكرون ما نشر في العدد (٣٥) تحت عنوان (القوى

العظمى تعد لحرب شرق أوسطية) وقد ذكر الكاتب في هذا المقال الاهتمام

البريطاني بمشكلة الأكراد في شمالي العراق ودورهم في إساءة العلاقات بين تركيا

والعراق، وتأتي الأحداث الأخيرة لمشكلة الأكراد لتؤكد هذا الكلام، وأن هناك

اهتماماً خاصاً من بريطانيا وفرنسا لهذه المشكلة، وعندما قدم رئيس وزراء

بريطانيا مشروعه (الجيب الأمني) للدول الأوربية وافقت عليه، ثم قدم إلى مجلس

الأمن وكان تجاوب الولايات المتحدة معه بارداً وكذلك روسيا لأسباب خاصة بها،

ثم وافقت أمريكا مجاملة لتحقيق الانسجام مع حلفائها، هذا الاهتمام من بريطانيا

وفرنسا ليس لعاطفة إنسانية ولكن لتبقى المنطقة أشلاء ممزقة يمسك الغرب

بخيوطها، وإذا كان الغرب يتباكى الآن على مشكلة هو أحد أسبابها فإننا من جانبنا

مع الشعب الكردي المسلم، وقد ساءنا جداً ما وقع له من تشريد وقتل ومجاعة وإننا

ضد الظلم من أي مصدر كان، وفي محن كهذه يجب أن نرتفع فوق العواطف

ونبين مكمن الداء والمشكلة ليست مع الشعب الكردي المسلم ولكن مع زعمائه، مع

البرزاني والطالباني، ولابد من الرجوع قليلاً إلى الوراء لنرى ما هي الصلة بين

هؤلاء وبين مخططات بريطانيا وفرنسا، وربما ونحن نكتب هذا المقال، يكون

هؤلاء الزعماء قد اتفقوا مع نظام العراق على حل المشكلة بنظرهم، ولكن من

وجهة نظرنا لا تحل المشكلة إلا بالرجوع إلى تاريخها وليس هناك حل في النهاية

سوى الرجوع إلى هويتنا وجذورنا إلى الإسلام.

بعد الحرب العالمية الأولى كانت خطة الغرب المنتصر تمزيق النسيج

الاجتماعي والسياسي للدولة العثمانية «ففي مؤتمر الصلح الذي عقد في سان ريمو

عام ١٩١٩م أدرجت مذكرتان وخريطتان كمسودة مشروع لإقامة كيان سياسي خاص

للأكراد [١] ولكن تركيا أفشلت هذه المعاهدة، وجاءت معاهدة (سيفر) عام ١٩٢٣م

خالية من الإشارة إلى دولة كردية، وبعد المقايضة بين فرنسا وبريطانيا حول مدينة

الموصل أصبحت أوراق القضية الكردية بيد بريطانيا، وبعد انتهاء الحرب العالمية

الثانية تقدم الأكراد بمطلبهم إلى هيئة الأمم المتحدة ولكن لم تجد أذناً صاغية،

فاهتبل الاتحاد السوفييتي الفرصة وعزز وضعه بين صفوف الأكراد وذلك لانحياز

تركيا وإيران نحو أمريكا، وهكذا رعى الاتحاد السوفييتي عام ١٩٤٦ مؤتمر (باكو)

عاصمة أذربيجان، وأسست جمهورية مهاباد التي لم تعش طويلاً، وتركها مصطفى

البرزاني ليؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني [٢] وفي عهد عبد الكريم قاسم

انتقل البرزاني إلى العراق، وحاول مع الحكومات المتعاقبة الحصول على مطالبه

في الاستقلال الذاتي، وفي هذه الفترة تلقى الدعم من الغرب ومن إسرائيل، وفي

السبعينات حصل الأكراد على شكل قانوني معين ومشاركة فعالة في حكم العراق،

ولكن يبدو أنها لم تنفذ عملياً وهي التي تجري المفاوضات حولها هذه الأيام.

إن وسائل تدخل بريطانيا باسم (الجيب الآمن) وغيره من المشاريع يعيد بنا

الذاكرة إلى أساليبها عندما دخلت مصر، فقد» صاحب عملية الغزو سيل من

التصريحات الرسمية البريطانية من يولية إلى أكتوبر عام ١٨٨٢ أن ليس لبريطانيا

مطامع في مصر وأنها لا تنوي فتحها، وأن هدفها الوحيد من إنزال جنودها هو

إعادة الأمن فيها والمحافظة على النظام، ولمدى سنين طويلة استمرت هذه

النغمة.. « [٣]

بعد هذا الاستعراض السريع نعود إلى الأحداث الأخيرة لنرى أن زعماء

الأكراد (البرزاني - الطالباني) تحركوا نتيجة لوعود من الغرب، وقام الغرب

بدعمهم في البداية ثم تخلى عنهم، لأن أمريكا والدول المحيطة لا تريد دولة كردية، وانساق هؤلاء الزعماء وراء الأحلام والأماني وتعاونوا مع الشيطان في سبيل

مآربهم، وهنا سنلاحظ أنه لا فرق بين البرزاني وغيره.

نشرت مجلة الأسبوع العربي بتاريخ ١/٤/١٩٩١م الخبر التالي» البرزاني -

إسرائيل، عادت حليمة إلى عادتها القديمة: صحيفة (الفيغارو) عدد ٢٦ آذار مارس

نشرت تقريراً من مراسلها في القدس في صدر صفحتها الخاصة جاء فيه أن مسعود

البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني قام بن بزيارة سرية إلى تل أبيب

من أسبوعين طالباً دعماً تسليحياً من الدولة اليهودية وكانت صحيفة معاريف

الإسرائيلية المقربة من الحكومة أول من أشار إلى زيارة البرزاني «

وتتابع مجلة الأسبوع العربي فتقول:

عادت حليمة إلى عادتها القديمة، والعادة القديمة أن اتفاق ١٩٧٥ بين العراق

وإيران أنهى دعم تل أبيب و (C.I.A) وإيران لمجموعات (البشمركة)

البرزانيين، وقبل ذلك كان مدربون إسرائيليون يلقنون هؤلاء البشمركة فنون القتال

الحديث عامي ١٩٦٥-١٩٦٧ وفي هذه الفترة كان مصطفى البرزاني يتردد إلى

إسرائيل» .

كيف تتبع الشعوب المسلمة أمثال هؤلاء الزعماء الذين يقودونهم دائماً إلى

الخراب، ولماذا تسلم هذه الشعوب قيادها إلى زعماء لا يؤمنون بالإسلام منهجاً

وسلوكاً، إن الحل ليس مع البرزاني والطالباني، الحل في الرجوع إلى الإسلام،

وهذا يستوي فيه العرب والأكراد وغيرهم من الأعراق المسلمة، ومشكلة العرب

السنة هي مشكلة الأكراد والسنة فالجميع تحت حكم الطغيان والاستبداد وعدم تحكيم

الشريعة الإسلامية، والقومية العربية لا يرد عليها بالقومية الكردية وإنما يرد

بالدعوة إلى تطبيق الإسلام.

وقد يعتب علينا إخواننا الأكراد أن نتكلم في مشكلتهم وهم في محنة، ونعود

لنؤكد أن مشكلتنا واحدة وهي مشكلة الشعوب العربية الأخرى، والذي يعصمنا من

هذه المزالق هو التعلق بالثوابت التي يدعونا إليها الإسلام ومنها وحدة المسلمين

وعدم تفرقهم على أساس عرقي أو لغوي.

إننا نتمنى أن توجه قوة الأكراد لمصلحة الإسلام وليس لمصلحة البرزاني

وأمثاله.


(١) مجلة الشراع ١٥/٤/١٩٩١ م.
(٢) المصدر السابق.
(٣) طارق البشري / دراسات في الديمقراطية المصرية / ٢٠.