الصفحة الأخيرة
[المشاريع السياحية]
عبد القادر حامد
هناك هبة مشهودة في تشجيع المشاريع السياحية والترفيهية في العالم العربي، حتى إن المرء ليظن أن كل شئ أصبح للسياحة والترفيه، قرى سياحية، فنادق
سياحية، استراحات سياحية، مسارح، ملاهٍ، مراقص، منتجعات ... حمى
السياحة تغمر الناس، والمشاريع الاقتصادية عقمت إلا من هذا المصدر السخي!
أين المشاريع الصناعية والتعدينية، أين الخطط الطموحة التي تسخر الموارد
الطبيعية بمساعدة التربية العلمية الحديثة التي أعددنا بها الأجيال منذ زمن ليس
بالقصير، أين الإمكانات والمواهب، أين التكنولوجيا التي نباهي بمعاهدها
وجامعاتها وخريجيها؟ .
أين الزراعة الحديثة التي يسد إنتاجها أفواهنا المفتوحة لإنتاج غيرنا، وماذا
حدث لأرضنا الصالحة المشهورة بخيرها، والتي سال لعاب الأغراب من أجلها
يوماً ومازال؟ لقد تفرق أهلها عنها، وزهدوا فيها، وهي ليست خليقة بزهد،
وهرعوا إلى زوايا البطالة المقنعة، خلف المكاتب التي قتلت الحيوية في النفوس،
وزرعت فيها (التنبلة) بدل الطموح، والتطلع إلى الإيقاع بالآخرين بدل أن يحرص
كلٌّ على ما ينفعه، ويستعين بالله ولا يعجِز.
ولعل الذين ساقوهم إلى هذا المصير يشعرون أن هذه الجموع المتبطلة لابد لها
من ترفيه ينسيها الويل الذي صارت إليه.
إن الشعوب الأوربية التي نقلدها بتشجيع السياحة مكفية من الضروريات
متخمة من الكماليات، وعندها المال الكافي الذي تستثمره في مثل هذه المشاريع،
وبمعنى آخر عندها طبقة وسطى هي الأغلبية، أما نحن فإما قلة قليلة متخمة لا
تعرف أين تنفق مالها ولا كيف تنفقه، وإما كثرة مسحوقة تعيش على الكفاف أو أقل، وليس من طبقة وسطى لها قيمة.
وعلى هذا فإن هذا الاتجاه الخطير إلى السياحة، وهذا الإنفاق عليها سيكون
من نتائجه تعميق الهوة بين هاتين الطبقتين؛ بحيث لا يبقى بينهما شيء مشترك إلا
الفساد الذي يهوون إليه باسم الفن والترفيه. هذا فضلاً عن الأزمات الاجتماعية
التي تترتب على تحويل بلادنا إلى أماكن لهو وعبث وانحلال لطالبي اللهو والعبث
والانحلال من أهل الغرب وأهل الشرق.