قديم جديد
من الأشياء القديمة المتجددة ما شكى منه المؤلفون أو الكتاب، من الإعراض عن القراءة أو من كثرة اقتراحات القراء، وفي هذه الزاوية ننقل كلاماً للأديب عباس محمود العقاد، وللشيخ محمد عبده.
(١)
المقترحون والمؤلفون
بين جمهرة القراء في اللغة العربية طائفة لا ترضى عن شيء، ولا تكف عن
اقتراح، ولا تزال تحسب أنها تفرض الواجبات على الكتاب والمؤلفين، وليس
عليها واجب تفرضه على نفسها.
إن كتبت في السياسة قالوا: ولم لا تكتب في الأدب؟
وإن كتبت في الأدب قالوا: ولم لا تكتب في القصة؟
وإن كتبت في القصة قالوا: ولم لا تكتب للمسرح؟
وإن كتبت للمسرح قالوا: ولم لا تحيي لنا تاريخنا القديم، ونحن في حاجة
إلى إحياء ذلك التراث؟
وإن أحييت التراث قالوا: دعنا بالله من هذا وانظر إلى تاريخنا الحديث،
فنحن أحق الناس بالكتابة فيه.
وإن جمعت هذه الأغراض كلها قالوا لك: والقطن؟ ومسائل العمال؟
ورؤوس الأموال؟ ، وكل شيء إلا الذى تكتب لهم فيه.
وقد شبهت هذه الطائفة مرة بالطفل المدلل الممعود: يطلب كل طعام إلا الذي
على المائدة، فهو وحده الطعام المرفوض.
إن قدمت له اللحم طلب السمك، وإن قدمت له الفاكهة طلب الحلوى، وإن
قدمت له صنفاً من الحلوى رفضه وطلب الصنف الآخر، وإن جمعت له بين هذه
الأصناف تركها جميعاً وتشوق إلى العدس والفول، وكل مأكول غير الحاضر
المبذول.
سر هذا الاشتهاء السقيم في هذه الطائفة من القراء معروف، سرَّه أن الجمهور
في بلادنا العربية لم «يتشكل» بعد، وإنما نعد الجمهور القارئ متشكلاً إذا وجدت
فيه طائفة مستقلة لكل نوع من أنواع القراءة، وإن ندر ولم يتجاوز المشغولون به
المئات.
وسنسمع المقترحات التي لا نهاية لها، ولا نزال نسمعها كثيراً حتى يتم لنا
«التشكيل» المنشود، وهو غير بعيد.
العقاد: يسألونك / ١٩٢
٢
«وإنا لو فرضنا أن كتاب الجرائد لا يقصدون بما يكتبون إلا نجاح الأمم،
مع التنزه عن الأغراض، فبعد ما عمّ الذهول، واستولت الدهشة على العقول وقل
القارئون، والكاتبون لا تجد لهم قارئاً، ولئن وجدت القارئ فقلما تجد الفاهم،
والفاهم قد يحمل ما يجده على غير ما يراد منه لضيق في التصور أو ميل مع
الهوى، فلا يكون منه إلا سوء التأثير ... »
محمد عبده: العروة الوثقى /٥٦.