للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

نعم..

قامت الجامعة العربية بدورها!

بقلم: عبد العزيز كامل

بعد أن انفض سامر الاحتفال بذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء جامعة

الدول العربية، وبعد أن أفرغ المتحدثون ما في جعبتهم من مدحٍ أو قدح، ومن ثناء

أو هجاء، ها نحن ندلي بما نراه في هذا الشأن، لا احتفالاً بهذه الذكرى، ولا

احتفاءً بيوبيلها الذهبي، ولكن إحقاقاً لحق ينبغي قوله، وتسجيلاً لشهادة لابد منها.

ولابد لنا من استحضار مشاهد سريعة من التاريخ الحديث، لاستظهار شواهد

من واقع مرحلة البدء التي تمخضت عن ميلاد فكرة الجامعة العربية، ذلك أنه في

أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وبداية القرن التاسع عشر، بدا أن دولة الخلافة

العثمانية قد أصبحت مرشحة للسقوط، بسبب ما اعتراها من خلل في البنيان ودَخَل

في المنهج، هذا في الوقت الذي كانت فيه دول العالم النصراني تتطلع إلى سقوطها

وإلى موت (الرجل المريض) لاقتسام تركته، وكان اليهود أيضاً يتشوقون للحدث،

ويرمقون الأحوال بشغف، عسى أن ينالهم نصيب من قسمة الميراث.

وفي أواخر حياته، سمع تيودور هرتزل (مؤسس فكرة الدولة اليهودية)

بحركة تدعو إلى تجديد شباب الخلافة الإسلامية، وأطلقت هذه الحركة على نفسها

(حركة الجامعة الإسلامية) ، وكان من دعاتها الشيخ محمد رشيد رضا، فاغتم لهذه

الحركة، وسرعان ما حركه حسه اليهودي الماكر من الاغتمام بالخبر إلى السعي

إلى اغتنامه، وخطر له أن يجري اتصالاته لإقحام النصارى في المناداة بتحرير

العرب من (استعمار) الترك، ولينادوا ب (القومية العربية) في مقابلة (القومية

التركية الطورانية) التي رفع يهود تركيا عقيرتهم بها، وكان أن اتصل هرتزل

بنجيب عازوري لمحاولة دمج حركته المسماة (اليقظة العربية) مع حركة (الجامعة

الإسلامية) ، ثم حدث أن قامت الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٤م، ليكون من أهم

نتائجها: هزيمة تركيا، والقضاء على دولة الخلافة العثمانية، وما هي إلا أعوام

ثلاثة حتى صدر وعد بلفور (وزير خارجية بريطانيا) بمنح اليهود وطناً قوميّاً في

فلسطين، ثم تقوم الحرب العالمية الثانية، التي كان من أهم نتائجها، تقسيم بلاد

العرب بين انجلترا وفرنسا، بمقتضى اتفاقية (سايكس بيكو) وزيري خارجية

البلدين، وهكذا انفرط العقد الذي كان يجمع البلدان العربية والإسلامية برباط

الإسلام، وأصرّ الأعداء على إيجاد رابطة بديلة لرابطة الانتماء للإسلام، وراج

الكلام وزاد الضجيج حول (رابطة العروبة) بدلاً من (رابطة الإسلام) ، و (الجامعة

العربية) بدلاً من (الجامعة الإسلامية) .

وفي ٢٩ مايو عام ١٩٤١م، أدلى السياسي البريطاني المخضرم إيدن

بتصريح في مجلس العموم البريطاني، عبّر فيه عن استعداد بريطانيا لاحتضان

الدعوة لإنشاء الجامعة العربية، وقال: إن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم

لتحقيق فكرة (جامعة عربية) وقال: إنه سيكون لبريطانيا شرف السبق إلى تحقيق

هذا المطلب! .

وفي مصر، ندب حزب الوفد المصري (أعرق الأحزاب العلمانية) نفسه

لتنفيذ الفكرة، فدعا زعيم الوفد مصطفى النحاس إلى إنشاء مؤتمر يبحث فكرة

التنسيق بين الدول العربية، لترسيخ المبدأ القومي ثم الوطني على أساس الانتماء

للعروبة، واقترح تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر لهذا الشأن.

وبالفعل: جاء اليوم الذي أعلن فيه عن تأسيس (الجامعة العربية) بعد أن

أجهض اليهود والنصارى والعلمانيون مشروع (الجامعة الإسلامية) وأعلن في ٢٢

مارس عام ١٩٤٥م، عن تأسيس الجامعة لتكون (القاهرة) مقرّاً لها، في وقت كانت

مصر فيه لا تزال تحت الاحتلال الإنجليزي الذي أعطى الضوء الأخضر لقيام

الجامعة التي تستطيع التعامل من خلالها مع العرب بأنها ليست ضد أماني العرب

في (الوحدة) ، وأدركت أنها من خلال سيطرتها على مصر، وسيطرة مصر على

الجامعة، ستستطيع تمرير ما تتطلبه المرحلة من مناورات ومؤامرات.

لقد ولدت الجامعة إذن لغرض واضح من البداية: سلخ العرب المسلمين عن

المسلمين غير العرب، لا لإعزاز العرب بغير الدين، ولكن طمعاً في إذلال الدين

بذُل العرب. لهذا: فقد كان مرسوماً منذ البداية أن تكون الجامعة تجسيداً للذل

العربي، فهل نجح البريطان - ومن بعدهم الأمريكان - في إنجاح الجامعة في هذه

المهمة؟ !

لنتأمل معاً ... ماذا أعلنت الجامعة من أهداف؟ وماذا تحقق منها في عالم

الواقع؟ ما الذي تحقق لمصلحة العرب؟ وما الذي تحقق لمصلحة أعداء العرب؟ .

لقد نص ميثاق الجامعة على عدد من الأهداف الكبيرة، فلنراجعها، ولنراجع

نتائجها بعد خمسين عاماً من إنشاء الجامعة وتوقيع ميثاقها:

أولاً: استكمال تحرير البلاد والشعوب العربية من الاحتلال الأجنبي:

لاحظ التعبير: الشعوب (العربية) والعربية فقط! وماذا إذن عن الشعوب

الإسلامية؟ ! لا ضير من احتلالها ما سلمت بلاد العرب، ومع هذا، هل سلمت

بلاد العرب وتحررت شعوب العرب من الاحتلال الأجنبي؟ نسأل بعد خمسين عاماً

من إعلان الميثاق ونترك الجواب للشعوب التي لا يزال يسيطر عليها الأجنبي

ويخضعها لمعسكره، بعد أن كانت خاضعة فقط لعسكره، نعم، لقد انتهى عصر

سيطرة العسكر، وبدأ منذ زمان عصر سيطرة المعسكر، ومع هذا أيضاً: فلا يزال

من بلاد (العرب) في ظل جامعة العرب، مَنْ لا يزال باقياً تحت سيطرة أذل

العسكر (اليهود) ، وأسألوا فلسطين التي وضعت الجامعة بصمتها على صك بيعها

في المعاهدات السلمية، بعد خمسة حروب، هُزمت جيوش العرب في أولاها سنة

١٩٤٨ وغابت في الثانية عام ١٩٥٦، وسحقت ونكست في الثالثة عام ١٩٦٧،

وسحبت منها الثمرة في الرابعة ١٩٧٣م، بينما تفرج عليها العالم وهي ساكتة

صامتة في الخامسة عام ١٩٨٢م، حيث اجتاح اليهود جنوب لبنان في حرب من

طرف واحد! .

ثانياً: كان من أهداف الجامعة العربية المعلنة، تحقيق فكرة الدفاع العربي

المشترك , وهذا يعني في أبسط معانيه: وجود جيش عربي قوي موحد، أو على الأقل: جيوش عربية قوية بينها تنسيق لرد أي أطماع من الغير، فهل هذا حاصل الآن بعد خمسين عاماً؟ ! لقد تم في عام ١٩٥٠م توقيع معاهدة: الدفاع العربي ... المشترك، وتم تشكيل مجلس للدفاع المشترك، ولكن هذه المعاهدة تم إيقاف العمل بها منذ ست عشرة سنة، كما تم إلغاء مشروع الإنتاج الحربي بدعم من الدول العربية مجتمعة، ولكن بعض لجان مجلس الدفاع المشترك لم تُلغَ، وإنما ... أُبقيت كرمز، وسمح لها باستئناف نشاطات من قبيل: رعاية الدورات الرياضية، وإصدار المعاجم العسكرية التاريخية والجغرافية! ونحو ذلك.

ثالثاً: كان من الأهداف المعلنة: تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية، وإقامة

سوق عربية مشتركة.

هل تحققت للعرب وحدة اقتصادية تحت مظلة الجامعة العربية؟

لقد أعلن في عام ١٩٦٢م، عن مشروع (الوحدة العربية الاقتصادية) ونص

المشروع على أن لرعايا الدول الموقعة حرية انتقال الأشخاص، ورؤوس الأموال،

وتبادل البضائع، والإقامة، والعمل، والترانزيت ... إلخ، وبعد عشر سنوات

كاملة من إعلان الاتفاقية، أُلغيت بعد تقويمها ومراجعتها ثم الحكم بفشلها. وأُرجع

سبب الفشل في حينه إلى أن: الأهداف كانت طموحة جداً..! !

أما السوق العربية المشتركة، فنسمع عنها فقط في إذاعة بلاد (واق الواق)

والصحف التي تتحدث عن الغول والعنقاء والخل الوفي! .

رابعاً: إحكام المقاطعة العربية ضد إسرائيل:

وهو هدف، استمرت الجامعة في المحافظة على إعلانه، وظلت المقاطعة

قائمة في العلن، حتى قوطعت من بعض أعضاء الجامعة العربية، وبدون إذنها،

وصدرت القرارات برفع المقاطعة كلياً أو جزئياً، وبرز مصطلح التطبيع بدلاً منها، ولا نكاد نسمع الآن بعد خمسين عاماً أن هناك من يتعاطف مع قطع العلاقات

السياسية فضلاً عن الاقتصادية، بل صار الرائج والسائد (المسارعة) بدل

(المقاطعة) ! فالكل يتلهف على فتح الأسواق أمام بضائع اليهود.

خامساً: ومما تم إعلانه من الأهداف قديماً:

إنشاء محكمة عدل عربية للنظر في فض المشكلات التي (ربما) تنشأ بين

الدول الشقيقة، فتكون المحكمة موئلاً لفض المنازعات بدلاً من اللجوء إلى المحاكم

الدولية، وقد نصت المادة (١٩) على ضرورة إنشاء تلك المحكمة.

ولكننا لم نسمع حتى الآن عن مشكلة واحدة عرضت على تلك المحكمة، لا

لأن العرب لم تنشأ بينهم خلال خمسين عاماً (لا قدر الله) أي مشكلة (! !) ، ولكن

لأن هذه المحكمة لم تعقد أي جلسة، ولسبب بسيط، وهو أن هذه المحكمة لم تُشكل

أصلاً.

سادساً: أعلنت الجامعة في ميثاقها عن أهمية ضمان حقوق الإنسان العربي:

لم يختلف العرب في أمر مثل اختلافهم في هذه القضية، حيث ظهر أن لكل

طرف عربي فهماً خاصاً لحقوق الإنسان، وقد جاءت الإشارة إلى حقوق الإنسان

في ميثاق الجامعة مجملة ومبهمة، ومع هذا: لم تجتمع الآراء في هذه القضية،

حتى إنه قد تشكلت في عام ١٩٦١م، لجنة للنظر في تعديل ميثاق الجامعة فيما

يتعلق بحقوق الإنسان العربي، إذ اختلفت بعض الدول في مجرد تبني الجامعة

(حقوق الإنسان) في بلد عربي كهدف من أهدافها! واعتبرت دول أخرى هذا الأمر

من حقوق السيادة، وأنه من الأمور الخاصة بكل دولة، حيث لها الحق في معاملة

رعاياها بما تراه ملائماً، وبعد أخذ ورد، انتهت المداولات إلى إعلان وثيقة

(وعظية) تدعو إلى احترام حقوق الإنسان (العربي) وصدر ما يسمى ب (إعلان

حقوق الإنسان العربي) كصدىً خافت ونقع باهت لـ (إعلان حقوق الإنسان) في

الأمم المتحدة، ومع هذا: تناقضت وجهات النظر حيال الإعلان العربي، ووجهت

إليه سهام النقد، حتى انتهت إلى الإلغاء والنقض! .

وإذا كان هذا هو شأن الجامعة مع أهدافها الكبرى، فماذا يا ترى سيكون حالها

مع الأهداف الأدنى منها؟ إن نظرة واحدة على المشروعات والاتفاقيات

والطروحات التي أعلنت عنها الجامعة دون أن تحقق منها شيئاً، لتصيب الإنسان

بالدهشة، وتدفعه للتساؤل: لماذا هذا الإصرار على الفشل؟ ! ولماذا يقترن الفشل

دائماً ب (العروبة) في مشروعات (بيت العروبة) كما يحلو لهم أن يسموه؟ !

اتفاقيات فاشلة، مشروعات فاشلة، أطروحات فاشلة ...

ففي عام ١٩٥٨م أُعلن عن مشروع لإنشاء مصرف للتنمية العربية.

وفي عام ١٩٦٠م أُعلن عن تشكيل المجلس الاقتصادي العربي.

وفي عام ١٩٦٢م أُعلن عن توقيع اتفاقية للوحدة العربية.

وهذه الاتفاقيات كانت حبراً على ورق، حيث لم يُر لها أي أثر في الواقع،

وهناك اتفاقيات أخرى أو مشاريع لم تر النور أصلاً، ولم تخرج من أدراجها ولو

لالتقاط الصور التذكارية بجانبها، من ذلك: إنشاء مجلس عربي للبحوث الذرية في

الأغراض السلمية، والاتفاقية العربية للتبادل التجاري وتنظيم التجارة لعام ١٩٥٣م، واتفاقية تسديد مدخرات المعاملات التجارية وانتقال رؤوس الأموال لعام ١٩٥٦م، واتفاقية توحيد التعرفة الجمركية ١٩٥٦م.

هذه أحوال الجامعة مع مشروعاتها وأهدافها النابعة من داخلها، فماذا عساها

أن تفعل مع مشاكلها المنبعثة من خارجها؟ إننا سنشير فقط مجرد إشارات لأبرز

التحديات التي واجهتها الجامعة، لا عبر سنيها الخمسين فهذا أمر يطول ولكن عبر

عقودها الخمسة.

ففي الأربعينات: وبعد ميلاد الجامعة بثلاثة أعوام، كانت نكبة فلسطين،

واحتلال عصابات اليهود لها، وفشل العرب من خلال الجامعة في الترتيب لمعركة

جادة مع اليهود، في الوقت الذي كانت كل الشواهد تدل على استعداد اليهود لتلك

الحرب، فلما قامت الحرب سنة ١٩٤٨م، اندحرت جيوش العرب المقاتلة تحت

لواء (العروبة) أمام جيش اليهود المقاتل تحت لواء (التوراة) ! .

وفي الخمسينات: حدث خلاف بين مصر والأردن، عجزت الجامعة عن حله

داخل أروقتها، فسجلت بذلك أول نقطة ضعف في السيطرة الداخلية بين أعضائها،

مما حدا بالأردن إلى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في ١٣/٧/١٩٥٨م، ولم

يكن للعرب من خلال الجامعة ذلك الموقف الذي يتناسب مع ضخامة الحدث.

وفي الستينات: كانت الهزيمة المهينة مرة أخرى لجيوش سبع دول عربية

أمام جيش اليهود ١٩٦٧م، وأصبحت العروبة أمثولة وأضحوكة أمام العالم الذي

طالما سمع التهديد بإلقاء (إسرائيل) في البحر، وأصيبت الجامعة العربية بالصفعة

الكبرى من جرائها، لأنه تأكد أنه بعد عشرة أعوام من وعودها بحشد العرب

لمعركة المصير والتحرير، كان العرب في ظلها منصرفين فقط لمعاركهم الداخلية،

وخلافاتهم المزمنة.

وفي السبعينات: تُوّجت حرب (التحريك) سنة ١٩٧٣م، بسلسلة من عمليات

الإجهاض للنصر الجزئي الذي تحقق، حتى انتهت إلى توقيع اتفاقية سلام (منفرد)

قامت به الدولة المحتضنة للجامعة، دون مشورة بقية الدول العربية، مما دفع تلك

الدول وقتها إلى سحب الجامعة نفسها من مقرها بالقاهرة إلى مقر مؤقت في تونس،

وبعد أول مؤتمر عقد في (بغداد) تقرر عزل مصر ومقاطعتها، وسخر الرئيس

المصري - آنذاك - من مقاطعة العرب وسحب الجامعة، وقرر إنشاء جامعة أخرى

في مصر! ، وسماها جامعة (الشعوب) العربية، بدلاً من جامعة (الدول) العربية! .

وفي الثمانينات: أُعيدت مصر إلى الجامعة العربية، وعادت إلى مقرها،

دون أن تتغير الأسباب التي من أجلها قوطعت مصر ونُقلت الجامعة! .

وكان هذا من علامات الاستفهام والتعجب التي أُثيرت حول كيفية إدارة

المواقف داخل تلك الجامعة، حيث تبين للجميع أنه لا ثوابت تحكمها ولا مبادئ

تسيّرها، ولا تأثير فيها ولا بها ولا منها، وقد تُرجم هذا الشعور إلى انصراف

العرب إلى إنشاء مجموعات إقليمية، ظهرت على شكل مجالس منفصلة مثل:

مجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون العربي، ومجلس الاتحاد المغاربي،

وبقيت الجامعة مجلساً لمن لا مجلس له! .

وفي التسعينات: توالت الكوارث على الجامعة، لتهدم ما تبقى في بنيانها من

قواعد، وليكون هذا العقد الذي لم ينته بعد هو العقد الفاصل في عمر الجامعة،

وكان أهم ما حدث فيه من الأحداث:

١- غزو الكويت من قبل الجيش العراقي، حيث سجل ذلك أول سابقة

اجتياح من دولة عربية لأراضي دولة عربية أخرى، وكلاهما عضو في الجامعة

العربية، وتعجز الجامعة في مؤتمرها للقمة أن تفعل شيئاً، فتتفاقم الأزمة عربياً،

وتتفاعل دولياً، مما مهد لتدويل الأزمة، كما هو معروف.

٢- كان فشل الجامعة في تقديم أي حلول في أزمة الخليج مما أطاح بما تبقى

من مصداقيتها، وكان هذا من أسباب تسريع عملية السلام مع اليهود، حيث بدا

لبعض العرب، أنه لا جدوى من التعايش مع وهم (الوحدة العربية) ، وبالتالي: لا

جدوى من الاستمرار في إدارة (الصراع العربي الإسرائيلي) ، فكان مؤتمر مدريد،

وكانت الصفعة الجديدة للجامعة، لأنها استبعدت من التمثيل في المؤتمر، حيث

تقرر التعامل مع الدول العربية كلاً على حدة، وهذا ما حدث في خطوات عمليات

السلام بعد ذلك، حيث جعل لكل دولة مشاركة في المفاوضات مساراً خاصاً بها.

ثم بدأ مسلسل التسارع العربي للارتماء في أحضان العدو المسالم، أو الحبيب

المحارب، دون أدنى تنسيق بين الدول العربية، ولا تملك أمانة الجامعة سوى إبداء

امتعاضها ودهشتها من سرعة إيقاع عمليات (الصلح المنفرد) الذي حدث من أجله

فيما مضى أشياء وأشياء.

٣- ثم جاءت الطامة الداهية، لتسقط على رأس الجامعة وهي ساهية لاهية،

إذ جاءها نعيها بلسان فصيح على لسان شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي

عندما أعلن في مؤتمر الدار البيضاء لتنمية الشرق الأوسط: إن إسرائيل يمكن أن

تنضم إلى جامعة الدول العربية مستقبلاً، بشرط أن تغير اسمها ليكون (منظمة

الشرق الأوسط) ! !

وأذاع التلفزيون الإسرائيلي بعد ذلك: أن إسحاق رابين رئيس الوزراء

الإسرائيلي قد طرح على العاهل المغربي مضيف المؤتمر فكرة البدء في خطوات

النظام الشرق أوسطي، وقال له: إن أسباب ومبررات وجود الجامعة العربية،

تعتبر لاغية الآن بعد الخطوات التي قطعت على طريق السلام، وأصبح الأمر

يتطلب استحداث مؤسسة شرق أوسطية جديدة تقبل بانضمام إسرائيل! .

وهكذا أُعلنت نتيجة المصارعة لجولة استمرت خمسين سنة في حلبة

(الصراع العربي الإسرائيلي) ، حيث رفع المصارع المتدين (اليهودي) ذراع نفسه،

فوق جثة المصارع العلماني (العربي) .

إن شيئاً واحداً نجحت فيه العلمانية العربية بعد خمسين عاماً من العمل

المؤسسي، وهو: الانتصار لكل المصالح، عدا مصلحة الأمة، وما أصدق كلمة

أحمد الشقيري الرئيس السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية في كتابه (الجامعة

العربية) عندما وصف الجامعة بأنها: منظمة إقليمية، أنشئت لخدمة السياسة

الغربية.

ونشهد مع أحمد الشقيري بأنها كذلك، ونزيد: وكذلك خدمة المصلحة اليهودية، ولهذا نقول بكل ثقة بعد خمسين عاماً من إنشائها:

نعم، قامت الجامعة بدورها.!