للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النفط في الاستراتيجية الأمريكية]

باسل النيرب

يستهلك العالم ما يقرب من ٨٠ مليون برميل من النفط يومياً، وتحرق الإمبراطورية الأمريكية منها ما يقرب من ٢٠ مليون برميل يومياً، وقد وصلت الولايات المتحدة إلى القدرة القصوى في إنتاج النفط من حقولها المحلية منذ سنة ١٩٧٠م حيث كانت تنتج ١٠ ملايين برميل في اليوم. ومنذ ذلك الوقت بدأت قدرتها الإنتاجية تتناقص حتى وصلت الآن إلى ٥ ملايين برميل في اليوم بينما تستهلك ٢٠ مليون برميل في اليوم.

كما تمتلك ٢٨ مليون برميل كاحتياطي استراتيجي، والأرقام الواردة، وهي من مصادر رسمية غربية، تفسر حاجة الولايات المتحدة الماسة للنفط، أي أنها تحتاج إلى ١٥ مليون برميل في اليوم لتعويض النقص في إنتاجها المحلي، وإذا حصل وقررت الدول المصدرة للنفط كإيران وفنزويلا مثلاً وقف إمداداتها من النفط للولايات المتحدة فلن يتبقى لديها من النفط والغاز الطبيعي ما يكفي لأربع سنوات فقط.

وفي ما يلي نحاول استعراض إدمان الولايات المتحدة على النفط، ومواقف الدول الأخرى: الصين والهند من النفط، ومحاولة قراءة أرباح شركات النفط وحجم الطلب الأمريكي، ودور السياسيات الأمريكية في كل من: فنزويلا، ونيجيريا، وروسيا، وإيران، والعراق في تقليص حجم الصادرات من تلك البلاد.

- إدمان الولايات المتحدة على النفط:

أصاب الخطاب السنوي عن حالة الاتحاد للرئيس الأمريكي (جورج بوش) الكثير من المحللين بالدهشة، وخاصة إشارته إلى «إدمان» الولايات المتحدة على النفط، ونية إدارته العمل على الاستعاضة عن الواردات النفطية من منطقة الشرق الأوسط (الخليج العربي) بمقدار ٧٥% بحلول عام ٢٠٢٥ بنفوط أخرى، في ظل الارتفاع غير المسبوق لأسعار المحروقات.

وهذه الدهشة التي أصابت الكثيرين ممن تابعوا خطاب (بوش) لم تجد صداها عند أقطاب صناعة النفط، الأمريكية فهم يدركون بقرارة أنفسهم استحالة الاستغناء عن الواردات النفطية من دول الخليج العربي، إلا أن (فوبيا) النفط، وخصوصاً من الشرق الأوسط بحد ذاته، أخذت أبعاداً سياسية وإعلامية في الولايات المتحدة دون غيرها، ويعود ذلك إلى تراكم انطباعات خاطئة حول الحظر النفطي العربي أوائل السبعينيات لدى الرأي العام وأوساط الكونغرس، وإلى حروب الولايات المتحدة في المنطقة والمواقف منها خلال العقدين الماضيين.

وما يؤكد ذلك ما قاله نائب شركة إكسون موبيل (ستيورات مجيل) إذ يقول: «إن الولايات المتحدة ستعتمد دائماً على واردات النفط الأجنبي لتلبية احتياجاتها، وينبغي لها أن تتوقف عن محاولة أن تصبح مستقلة في الطاقة، ومن الناحية الواقعية فإنه ليس شيئاً محتملاً في أي فترة زمنية متصلة، وفكرة بوش ليست فقط سيئة بل يتعذر تحقيقها أيضاً» ، وهذا القول يعيدنا إلى مقولة الصحفي اليهودي (أوري أفنيري) الذي وصف عمل الفريق الذي يحيط بـ (بوش) بأنّه: سرقة موارد الشعوب الفقيرة لزيادة ثرائهم. بمعنى آخر جشع الفريق الذي يحيط بـ (بوش) للسيطرة العسكرية لتحقيق المنافع الاقتصادية، حيث يقول (سمير أمين) في هذا السياق: «إنّ مشروع (بوش) للسيطرة على أوراسيا من خلال السيطرة على نفط الشرق الأوسط لم ينبثق من بنات أفكاره لتطبقه عصبة من المحافظين الجدد المتطرفين، بل هو مشروع الطبقة الحاكمة الأمريكية منذ عام ١٩٤٥م» . ويضيف: «لقد فهِمت المؤسسة الأمريكية جيداً أن سعيها للهيمنة يستند إلى ثلاثة عناصر تفوّق على منافسيها الأوروبيين واليابانيين، في طليعتها السيطرة على الموارد الطبيعية للكوكب، والاحتكار العسكري، وهيمنة الثقافة الأمريكية» .

إن كل من يتابع تصريحات الإدارة الأمريكية يجد مراراً مثل هذا النوع من الكلمات، فإذا عُدنا إلى السبعينيات حينما بدأ (بوش) في إنشاء شركته النفطية، كان (جيمي كارتر) يحاول إقناع الأمة الأمريكية بتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للطاقة، وقبله كان (ريتشارد نيكسون) يدشّن مشروع الاستقلال لمساعدة الأمريكيين على إنتاج كل أنواع الطاقة التي تحتاجها بنفسها، فالولايات المتحدة تستورد نحو ٢.٥ مليون برميل يومياً من منطقة الشرق الأوسط، تمثل ٢٠% من حصة وارداتها البترولية و ١٢% من استهلاكها، وجل الواردات من الشرق الأوسط تأتي من السعودية (١.٥ مليون برميل يومياً) ، والمتبقي من العراق والكويت وغيرها.

وتتوقع وزارة الطاقة الأمريكية أن يتضاعف حجم الواردات من منطقة الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة وغيرها؛ لأن تلك المنطقة، وببساطة، هي القادرة من حيث الاحتياط وظروف الإنتاج وخفض تكاليفه على تلبية حاجات العالم من النفط. ولا يفوتنا هنا التنويه على أن السوق الأمريكية تواجه مشاكل في التكرير بسبب تكاليف الإنتاج العالية ووصول غالبية المصافي إلى طاقتها الإنتاجية القصوى. في الوقت الذي يتوقع فيه ارتفاع الطلب الأمريكي على النفط إلى ٢٠,٩١ مليون برميل في اليوم.

أما حصة الشرق الأوسط من الواردات النفطية الأمريكية بغيرها من الدول، فنجد أن اليابان تستورد نحو ٨٠%من حاجاتها من تلك المنطقة، والصين ٤٥%، والاتحاد الأوروبي ٢٦%. والمتوقع تزايد تلك النسب، بل إن من المتوقع أن تزيد الصين وارداتها من المنطقة بستة أضعاف بحلول عام ٢٠٢٥م.

- دول أخرى متعطشة للنفط:

مع تجليات تأثيرات العولمة برزت قوى دولية كبيرة متعطشة للمزيد من مصادر الطاقة، ونجدها في كل من الصين والهند؛ فالصين كانت حتى نهاية القرن الماضي من الدول المكتفية ذاتياً من مصادر الطاقة المحلية، إلاَّ أن النمو المتسارع للاقتصاد الصيني ـ بلغ هذا العام ١٠% ـ إضافة إلى التحول من الفحم إلى النفط والغاز كمصادر للطاقة، رفع من حجم استهلاكها النفطي بقفزات غير عادية، وكذلك الهند.

وحسب النشرة الإحصائية لشركة (بريتش بتروليوم) فإن الزيادة السنوية لاستهلاك الصين من النفط وصلت إلى ٨٩٣ مليون برميل يومياً في ٢٠٠٤م مقارنة بـ ٤١٢ مليون برميل يومياً في ٢٠٠٣م، وكذلك فإن الهند بلغت الزيادة في استهلاكها من ٤٦ مليون برميل في ٢٠٠٣م إلى ١٣٦ مليون برميل يومياً في ٢٠٠٤م. وبالرغم من عدم دقة الأرقام في هذه النشرة بالنسبة لهاتين الدولتين إلا أن هذا يعطي مؤشراً على عمق هذا التغيير في الأسواق العالمية للنفط.

وعليه فإن الصين والهند بدأتا في البحث عن تأمين إمداداتهما النفطية ليس عن طريق الشراء من الأسواق فقط، بل محاولة الوصول إلى المصادر نفسها في الدول المنتجة، وساند هذا دعم حكومي قوي للشركات النفطية الوطنية الصينية والهندية لضمان الحصول على الامتيازات في هذه الدول.

وعمدت السياسة الصينية في هذا المجال إلى عدم التصادم مع مناطق نفوذ الشركات الغربية وذلك بتوجهها إلى أماكن في أفريقيا كالسودان وأنغولا، وذلك عن طريق اتفاقيات مقاسمة الإنتاج، إلا أن الشركات الصينية بدأت باقتحام مواقع النفوذ الغربي بطرحها صفقة شراء شركة (يونيكال) الأمريكية والتي لاقت معارضة شديدة في أوساط صُناع السياسة في الولايات المتحدة.

وقد بدأت الشركات الغربية في الحديث علناً عن أن الشركات الصينية والهندية تقدم عروضاً مغرية للدول المنتجة للنفط تتجاوز اقتصاديات المشروع المبنية على الربحية إلى تقديم خدمات اجتماعية، ومساعدة في بناء البنية التحتية في تلك الدول؛ ممّا يفقد الشركات الغربية مزايا تنافسية.

- أرباح شركات النفط:

كشفت دار السمسرة الفرنسية (أوريل لوفان) أن الشركات النفطية العالمية الرئيسية الـ٢٥٠ حققت عام ٢٠٠٥م أرباحاً إجمالية بقيمة ٢٤٣ مليار يورو، أي بزيادة ٣٥% عن عام ٢٠٠٤م، بالرغم من الأضرار الكبيرة التي لحقت بالإنتاج النفطي العالمي بسبب الأعاصير في خليج المكسيك.

وأعلنت شركة (أكسون موبيل) الأمريكية كبرى المجموعات النفطية في العالم عن أرباح بقيمة ٣٦ مليار دولار، ورقم أعمال بقيمة ٣٧١ مليار دولار خلال سنة ٢٠٠٥م، ما يزيد عن إجمالي الناتج الداخلي للسعودية، المنتج الأول للنفط في العالم.

أما المجموعة النفطية الثانية في العالم الشركة البريطانية (رويال داتش شل) ؛ فقد وصلت أرباحها عام ٢٠٠٥م إلى ٢٢.٩٤ مليار دولار، محطمة الرقم القياسي لأرباح الشركات البريطانية، مقابل ١٩.٣١ مليار دولار لشركة (بريتيش بتروليوم) (بي بي) البريطانية، وحوالي ١٥ مليار دولار لشركة (توتال) الفرنسية.

وكشفت دراسة أعدتها وكالة (موديز) للتقييم المالي أن المائة الأولى من الشركات النفطية العالمية وزعت العام الماضي حوالي مئة مليار دولار على مساهميها، ويبدو أن المساهمين مرتاحون لهذه الأرباح، إلا أن المستهلكين مستاؤون من تزايد أسعار الوقود التي تخطت الصيف الماضي عتبة رمزية قدرها ١.٥٠ يورو لليتر الواحد في العديد من الدول الأوروبية.

- الدور الأمريكي في تقليص المعروض من النفط:

إن ما يحدد أسعار النفط في السوق العالمي هو العلاقة البديهية بين العرض والطلب، فكلما قلَّ العرض وكثر الطلب ارتفعت الأسعار، وتكاد تجمع بعض الآراء أن السياسة غير المسئولة لإدارة الرئيس (بوش) في مجال الطاقة الداخلية أدت إلى رفع الطلب العالمي على النفط، كما قادت سياسته الخارجية العدائية إلى خفض حجم الإمدادات العالمية، والتأثير سلباً على كميات النفط المعروضة في السوق، ومن الأمثلة على ذلك:

نيجيريا:

تزخر نيجيريا بمواردها الهائلة من الطاقة، ولم تحرك إدارة (بوش) ساكناً للدفع بالإصلاحات الحكومية، وإنهاء الصراعات الدموية المستفحلة في البلاد. فقد أدت المواجهات العنيفة على خلفية الصراع حول توزيع عائدات النفط واستفادة السكان الفقراء من المداخيل، إلى منع إنتاج النفط بصورة طبيعية. وتشهد خطوط النفط سرقة وتفجيراً، كما يتعرض الموظفون الأجانب إلى الخطف، وهو ما أدى في النهاية إلى انخفاض نسبة إنتاج النفط بـ٢٠% مقارنة بالعام السابق.

فنزويلا:

وبالانتقال إلى فنزويلا التي كانت إلى عهد قريب رابع مزود لأمريكا بالنفط. فقد أدى تأييد إدارة (بوش) لانقلاب عسكري فاشل ضد (هوجو شافيز) عام ٢٠٠٢م إلى تسميم العلاقات المتوترة أصلاً بين البلدين، مما دفع (شافيز) إلى تحدي الولايات المتحدة مستفيداً من سياساته المالية وأسعار النفط المرتفعة. وفي الشهور الأخيرة، فرض (شافيز) ضرائب باهظة على الشركات الأجنبية العاملة في مجال الطاقة، كما سيطر على بعض مشاريع التنقيب التي كانت في يد شركات أجنبية، أسفر ذلك عن مغادرة تلك الشركات لفنزويلا، وبالتالي انخفاض مستويات الإنتاج. والأكثر من ذلك أن هذه التطورات تزامنت مع ارتفاع سعر الخام العالمي بسبب مخاوف السوق من تقلص الإمدادات النفطية.

روسيا:

أدى تغاضي إدارة (بوش) عن تراجع الرئيس (فلاديمير بوتين) عن الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها بلاده في وقت سابق، وتأميمه لشركة النفط العملاقة (يوكوس) ، إلى انخفاض حصة روسيا من الإنتاج العالمي للنفط.

إيران:

تعد إيران رابع أكبر منتج للنفط في العالم. وقد رفضت إدارة (بوش) التفاوض مباشرة مع طهران معززة بذلك احتمالات المواجهة العسكرية، أو فرض عقوبات عليها، وهي العقوبات التي قد توجه ضربة قاصمة إلى الإمدادات العالمية من النفط، مما سيرفع الأسعار إلى مستويات قياسية، ويلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد العالمي.

العراق وحكاية أخرى:

في العراق نجد عجز الإدارة الأمريكية الواضح عن إحلال الأمن وفرض سيادة القانون، مما تسبب في انخفاض مطرد لمستوى إنتاج النفط، علماً بأنّ العراق يمتلك ثالث أكبر احتياط من النفط في العالم. فبينما كان حجم إنتاجه من النفط قبل الغزو الأمريكي لأراضيه في مارس ٢٠٠٣م يصل ٢.٥ مليون برميل يومياً، تراجع هذا الرقم مع حلول ٢٠٠٥ إلى ١.٨ مليون برميل يومياً، فعشية سقوط بغداد لم يحرس الجيش الأمريكي إلا وزارة النفط؛ حيث اشتدت بعدها المعركة القانونية لاقتسام نفط العراق بمجرد وصول سلطة الحكم العراقية، وبدأت المفاوضات بين القوى النافذة في السلطة العراقية ورجالات المنطقة الخضراء وشركات النفط الأمريكية والبريطانية لاقتسام الغنيمة.

واحتدم هذا التنافس لمناقشة الوضع القانوني للامتيازات الروسية والصينية التي تم التعاقد عليها إبّان الحكم السابق في العراق، فالصين وروسيا لم تتنازلا بسهولة عن امتيازاتهما، وكانت الحلول المقترحة من وجهة النظر الأمريكية تنحصر في توجهين وفقاً لما هو متاح من كتابات في هذا الخصوص، الأول: هو الطعن في شرعية تأميم النفط وإعادة الامتيازات القديمة للشركات العالمية التي انتزعت منها، والثاني: هو خصخصة النفط العراقي بنزع ملكيته من الدولة العراقية ونقلها للقطاع الخاص سواءً كان محلياً أم أجنبياً. يقول (أرييل كوهين) في ورقة بعنوان: (نماذج وسياسات إنتاج النفط، وتحصيل الدخل، والإنفاق العام: دروس من العراق) نشرت بواسطة مؤسسة (هيرتج) اليمينية المعروفة: «إنَّ على مستهلكي النفط أن يدفعوا باتجاه خصخصة قطاعي النفط والغاز في الدول المنتجة» ، ويقترح فيما يخص النموذج العراقي، بحجة حاجة العراق إلى إعادة البناء، بأنْ يتم بيع الاحتياطي النفطي العراقي مقدماً مع فرض ضرائب على الإنتاج الفعلي.

وحول خصخصة نفط العراق نشرت مؤسسة (بلاتفورم) Platform وهي بريطانية تهتم بمراقبة نشاطات الشركات النفطية العالمية دراسة معنونة باسم (عقود مشاركة الإنتاج خصخصة النفط) للكاتب (جريج ميوتيت) وهي موجودة على الإنترنت في موقع المؤسسة وباللغة العربية. ملخص هذه الدراسة يقول: لا الخصخصة ولا اتفاقيات مقاسمة الإنتاج هما الأسلوب الأمثل لإدارة الثروة النفطية العراقية، حيث لم تثبت الشركات الغربية الكبرى التي كانت موجودة بالعراق لحين تأميم النفط في السبعينيات أي توجه للمحافظة على البيئة أو تطوير المجتمعات المحلية أو القوى الوطنية العاملة؛ بل استغلت وجودها بالعراق لتحقيق أقصى استفادة ربحية بغض النظر عن أي عوامل أخرى، ولا توجد أي إشارات عن تغيير في هذا التوجه.

إن الذي يقوم اليوم على سرقة نفط العراق هو الشركات الأمريكية والبريطانية التي وقعت العقود والصفقات لشراء نصف إنتاج الخام العراقي المقدر بنحو ٨ آلاف برميل، إلى جانب أن الشركات الكبرى أبرمت صفقات لإعادة العافية لقطاع النفط العراقي، إضافة إلى أن شركة (إكسون موبيل) تعتبر من أكبر المشترين؛ حيث تقوم بتصفية الخام في مصافيها الضخمة في (بايتون) ، وعقود مقاسمة الإنتاج تعقد عادة بين دولة ذات إمكانيات إنتاجية ضعيفة سواء من الناحية التقنية أو الناحية المالية، وهي إلى جانب توفيرها غطاء تعاقدياً للشركات الأجنبية لتجنب مخاطرة الهبوط في السعر فإنها مجزية؛ حيث تحصل الشركات على برميل النفط بعد اقتطاع كافة المصاريف بتكلفة لا تتجاوز الدولار الواحد للبرميل لفترة تمتد من ٢٠ إلى ٣٠ سنة، هذا يعني أن متوسط أرباح هذه الشركات لحصة ٣٠% من إجمالي إنتاج العراق ٣ مليون برميل يومياً عند سعر ٢٠ دولاراً للبرميل سيصل إلى ٢٠٨ بليون دولار في ٢٥ سنة، وترتفع إلى ٦٤٦ بليون دولار في حال ما بقي السعر عند ٦٠ دولارا للبرميل. هذه الأرباح تقتطع في الواقع من حقوق المالك وهو في هذه الحالة الشعب العراقي، وللتدليل فإن دولاً عديدة (السعودية والكويت) ما زالت ترفض العمل بمثل هذه العقود المجحفة. هذا الذي دعا مؤلف دراسة (بلاتفورم) المذكورة إلى إضافة عنوان جانبي لها وهو: سرقة ثروة العراق The Rip-Off of Iraqs Oil Wealth.

وأخيراً:

إن تصريحات (بوش) حول النفط في خطاب حالة الاتحاد رسالة يجب استيعابها جيداً وعدم الاستهانة بها؛ لأن شركات الأبحاث الدولية؛ والأمريكية بالذات، تعمل ليل نهار لاستنباط تكنولوجيا حديثة لتطبيقات الطاقات البديلة يمَكنُها بشكل واقعي أن تكون بديلاً اقتصادياً مناسباً في المستقبل، هذه السيناريوهات تستدعي تفعيل خطط التنويع الاقتصادي والمالي لدول (الأوبك) ، فلا أحد يعرف مايدور في كواليس المطبخ السياسي والاقتصادي الأمريكي الذي تحركه مصالحه بالدرجة الأولى، فخلال الشهور الستة الأخيرة صدرت ثلاثة كتب تتقاطع كلها عند نقطة واحدة هي أن الوفرة النفطية العالمية انتهت أو تكاد، وأن الندرة النفطية العالمية بدأت أو تكاد. وعمّا قريب ستندلع حروب موارد جديدة قد لا يكون لها سابق في التاريخ.

والكتاب الأول الذي يحذر من هذا الخطر هو لـ (ديفيد غودشتاين) البروفسور في مؤسسة كاليفورنيا للتكنولوجيا وهو بعنوان (نفاد الغاز) وهو علمي ـ تقني، يسند افتراضاته إلى نظرية الجيولوجي الأمريكي الشهير (م. كينغ هابرت) الذي تنبأ العام ١٩٦٥م بأن معدلات استخراج النفط من الولايات الأمريكية الـ ٤٨ ستصل إلى ذروتها العام ١٩٧٠م ثم تبدأ انحدارها السريع. وقد عرّف هذه الذروة بأنها تعني الوصول إلى استهلاك نصف احتياطي النفط، ونبوءة هابرت هذه صدقت. فاستخراج النفط الأميركي وصل إلى ذروة بلغت تسعة ملايين برميل يومياً العام ١٩٧٠م، وهو يهبط منذ ذلك الحين حيث بلغ اليوم أقل من ستة ملايين برميل. وقد طبق (غودشتاين) معادلات (هابرت) وحساباته على النفط العالمي، فاستنتج أنه من أصل تريليونين برميل المخزّنتين في جوف الأرض، وصل استهلاك البشر الآن إلى النصف، وبالتالي باتت معادلة (هابرت) حول الذروة ـ الانحدار قاب قوسين أو أدنى.

الكتاب الثاني لـ (بول روبرتس) وهو بعنوان (نهاية النفط) يركّز على الجوانب الاستراتيجية والدولية لأزمة الطاقة، ويرى أن الطلب على النفط يتزايد بوتيرة كبرى، خاصة من جانب الصين والهند الصاعدتين، فيما يتقلص الاحتياطي والقدرات الإنتاجية. هذا التطور يعطينا برأيه فكرةً واضحةً عن أسباب حرب العراق، فقبل الغزو كان العراق ينتج ٥.٣ ملايين برميل يومياً، و (بوش) اعتقد أن هذا الرقم سيتضاعف قبل نهاية ٢٠١٠م. وإذا كان بالإمكان إقناع العراق الجديد بتجاهل (كوتا أوبك) وإنتاج أقصى طاقته، فإن دفق النفط الإضافي يمكن أن ينهي سيطرة (أوبك) على التسعير. ثم إنه إذا ما نجحت أمريكا في تفكيك (أوبك) ، وبسبب كونها متقدمة لمدة عقد عن كل العالم في مجال التكنولوجيا العسكرية، فهذا سيضمن لها التفوق العالمي لمدة قرن أو أكثر.

الكتاب الأخير لـ (مايكل كلير) ويحمل عنوان (الحروب على الموارد) ، وفيه تركيز على أن حروب الطاقة مندلعة بالفعل منذ نهاية الحرب الباردة عام ١٩٨٩م بسبب الزيادة الكبيرة في طلب النفط. وتشارك في هذه الحروب، إلى جانب أمريكا، الصين واليابان والهند وأوروبا وروسيا، هذا في وقت تشير فيه آخر الدراسات إلى أن الأرض خسرت نحو ثلث ثرواتها الطبيعة المتاحة (خاصة الماء والنفط) في فترة قصيرة للغاية من ١٩٧٠م إلى ١٩٩٥م، أي أكثر مما خسرته في أية فترة أخرى في التاريخ.