للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

الشيخ حارث الضاري (عضو رابطة علماء العراق)

في حوار خاص مع البيان..

أجرى الحوار: عبد الغني الزهراني

الاحتلال سيشد رحاله ويرحل

لأننا شعب لا يقبل أن تداس كرامته

تمر الأمة بمنعطف تاريخي حساس، وخاصة ما يشهده الشعب العراقي من

أحداث بعد سقوط نظام صدام حسين، واحتلال العراق، ومحاولة الاحتلال

الأمريكي البريطاني تدويل القضية بعد ما أفرزته من نتائج لم تكن متوقعة، على

الأقل في دوائر القرار الرسمي في كل من واشنطن ولندن.

لقد تفجرت المقاومة العراقية ولم يكد يمر على سقوط النظام البعثي أقل من

شهر واحد فقامت بقلب الموازين وتغيير الأوراق التي كانت أهدافاً واضحة وسهلة

المنال لدى المخطط الاستراتيجي الأمريكي البريطاني.

ونظراً لأوجه الالتباس التي صاحبت هذه المقاومة، وكثرة التصريحات

الصادرة من قياداتها المختلفة، وما يصدر عن الطرف الآخر المحتل من أخبار

ومعلومات بخصوص مصادر هذه المقاومة؛ تحاول مجلة البيان من خلال هذا اللقاء

مع الشيخ الدكتور حارث الضاري استقصاء الحقائق، وكشف الخفايا؛ من خلال

طرح مجموعة من التساؤلات في محاور ثلاثة، حتى يطلع القراء على أحوال أهل

السنة في العراق من جهة، ومن جهة أخرى الاطلاع على بعض خفايا السقوط

السريع والمفاجئ للنظام البعثي السابق، والدروس المستفادة من ذلك.

وأخيراً الوقوف على ما يدور حالياً في العراق، ومعرفة طبيعة الأحداث

المذهبية والطائفية الجديدة التي تحركها الأيدي الخفية سواء من الخارج أو الداخل.

والشيخ هو حارث سليمان الضاري الزهري الشمري، وقد عرّفنا بشخصه

الكريم لما طلبنا منه نبذة عن حياته، فقال: ولدت بمنطقة حمضاي في أبو غريب

في ضواحي بغداد عام ١٩٤١م، ولما ميّزت ذهبت إلى مدرسة تحفيظ للقرآن،

وتعلمت فيها، والتحقت بعد ذلك بالمدرسة الدينية التي أكملت فيها الدراسة الأولية،

وأخذت منها الشهادة الثانوية، ثم التحقت بجامعة الأزهر عام ١٩٦٣م، حيث

حصلت على شهادة الليسانس العالية بكلية أصول الدين والحديث والتفسير، ثم

دخلت الدراسات العليا وحصلت على شهادة الماجستير في التفسير عام ١٩٦٩م،

وبعدها سجلت في شعبة الحديث، فأخذت منها أيضاً شهادة الماجستير عام ١٩٧١م،

وبعد ذلك سجلت رسالة الدكتوراه في الحديث، وحصلت عليها عام ١٩٧٨م،

وبعدها عدت إلى العراق وعملت في الأوقاف مفتشاً، ثم بعد ذلك نُقلت إلى جامعة

بغداد بوظيفة معيد، فمدرس، فأستاذ مساعد، فأستاذ. قضيت في التعليم الجامعي

أكثر من ٣٢ عاماً، وأنا الآن متقاعد بعد عملي في عدة جامعات عربية، كجامعة

اليرموك في الأردن، وجامعة عجمان في الإمارات المتحدة، وكلية الدراسات

الإسلامية والعربية في دبي أيضاً بالإمارات العربية، وقد عدت إلى العراق بعد

احتلاله في ١/٧/٢٠٠٣م.

البيان: فضيلة الشيخ: هل لكم أن تحدثونا عن رابطة علماء العراق التي

أنتم عضو فيها، متى تأسست، ومن هم أعضاؤها، وما هو منهاجها، وما

طموحاتها؟

- هيئة علماء المسلمين تأسست بعد احتلال العراق مباشرة؛ إذ دعت

الضرورة إلى أن يجتمع الحاضرون من العلماء ليسيّروا أمور أهل السنّة في هذا

البلد، حيث سقط النظام، وذهبت قوى الأمن والإدارة.. وما إلى ذلك، فاضطر

مجموعة من العلماء إلى تكوين هذه الهيئة؛ لتقوم بما يمكن القيام به من معالجة

الأوضاع الطارئة، من ذلك مثلاً: الحفاظ على المساجد، ثم تشغيل أئمة بالمساجد

بدلاً من الذين لم يحضروا من أئمتها؛ إما بسبب عدم إمكان الوصول، أو الخوف

من الوصول إليها.. وما إلى ذلك، فأحضروا أئمة بدائل ليقوموا بأداء الصلاة في

أوقاتها المعهودة. ثم الحفاظ على أموال الأوقاف، والإشراف على المدارس،

وعلى المؤسسات ذات النفع العام، حيث كانت المساجد والحمد لله هي التي ينطلق

منها الرجال الذين يحرسون هذه المؤسسات بتوجيه هؤلاء العلماء، من الأئمة

والخطباء وغيرهم، وحافظوا على الكثير من المؤسسات ذات النفع العام كمؤسسات

الكهرباء والماء في الأماكن التي يوجدون فيها. ثم قاموا بزجر الناس عن النهب

والسلب، وأفتوا بحرمة ذلك، فارتدع الكثير من الناس والحمد لله، ثم جمعوا هذه

المسروقات. وأيضاً كانوا يقومون بإسعاف الجرحى، ودفن الشهداء الذين سقطوا

في هذه المعركة، وقاموا بالكثير من الأعمال خلال الشهر أو الشهرين اللذين تليا

هذا الاحتلال للعراق، ثم لما هدأت الأوضاع نسبياً؛ سعى هؤلاء العلماء إلى أن

يثبتوا هذه الرابطة بضم الراغبين إليها من العلماء، وأيضاً بإيجاد منهج لها يسيرون

عليه، وهو منهج أولي يمكن أن يعاد النظر فيه إن شاء الله.

ومن أعمال هذه الهيئة بعد الاحتلال مباشرة: اتصالها بمواطنينا من الشيعة

وتنبيههم إلى ضرورة التعاون والتشاور في المسائل المشتركة؛ لتفويت الفرص

على أهل الفتنة وأهل الشر الذين يريدون بالعراق وأهله سوءاً.. وأثمرت هذه

الاتصالات في بداية الأمر إظهار الوحدة أمام الناس، وسيّرنا مظاهرات مشتركة مع

الشيعة، ثم حدث بعد ذلك للأسف الشديد شيء من الاعتداء على مساجد أهل السنة؛

حيث استولى نفر من الشيعة على بعض مساجد أهل السنّة في بغداد وفي الجنوب،

وهي تزيد على ثلاثين مسجداً، فرأت الهيئة أن تبعث وفداً إلى مرجعيات الشيعة،

وذهب هذا الوفد، فتلقاهم الشيعة بالترحاب، وباركوا وفادتهم، وتعهدوا بأن

يعيدوا الأمور إلى نصابها، إلا أن الأمر لم يتحقق، ثم عاد وفد آخر بعد أسبوعين

أو ثلاثة ليطالب الشيعة بالوفاء بما وعدوا به؛ إلا أنهم لم يعطوا جواباً شافياً،

فتركوهم فترة ثم عادوا مرة ثالثة، وإذا بهم يعودون كما يقولون بخفي حنين؛ إذ لم

يجدوا ذلك الاستقبال الصادق، لم يجدوا منهم إلا القول بأن المسألة عادية، وأنه

ينبغي أن نشاركهم في كل المساجد؛ لأن المساجد بنيت من أموال الدولة ونحن

شركاء في ذلك! فعاد الوفد مستاءً وقرر عدم العودة مرة أخرى.

وبهذه المناسبة أقول: هذا الادعاء إذا كان ثابتاً قوله فإنه ادعاء غير صحيح،

فالمساجد مساجد أهل السنة كلها بنيت بأموال أهل السنّة، فما يقرب من ٨٠ منها

بني بأموال أوقاف أهل السنّة والجماعة، والباقي كله بني بتبرعات المحسنين من

التجار العراقيين وغيرهم من العرب الذين تبرعوا ببناء هذه المساجد، وبالتالي فإن

كل المساجد التي في يد أهل السنّة قد بنيت بأموال أهل السنّة، ولم تبن كما يُزعم

بأموال الدولة.

هذا شيء مما قامت به الهيئة، وبعد هذا التحق بالهيئة عدد من العراقيين

الذين كانوا في الخارج، وكنت من بين العائدين الذين انضموا إلى هذه الهيئة،

فتوسع عملها، وقامت بأعمال كثيرة، ولا سيما بالداخل، كما أنها كانت لها مواقف

محددة في بعض الأمور التي مر بها العراق من سياسية ودينية.. وما إلى ذلك،

ومن أبرزها رفض الهيئة لقرار تشكيل الحكم الانتقالي.

البيان: فضيلة الشيخ: ما هي الأسباب التي حارب من أجلها النظام السابق

العلماء؟

- من المعلوم أن النظام البائد نظام علماني تسلطي، فهو قد حارب العلماء

وغيرهم، كل من عارضه حاربه، فكان من العلماء ثلة حاربت هذا النظام؛ بمعنى

أنها لم توافق على الكثير من مواقفه والكثير من إجراءاته، فلما علم بذلك اتخذ

مواقف ضدها؛ مواقف تبدأ بالتخويف ثم بالسجن ثم بالقتل أو الاعتقال الطويل..

وما إلى ذلك، فكان العلماء، وهم جزء من أبناء الشعب، يتعرضون لأذى هذا

النظام لعدم رضاهم أو موافقتهم أو مماشاتهم لإجراءات النظام، ومن المعلوم أن

الإجراءات التي كان يقوم بها النظام أغلبها غير مقبول لدى الشعب العراقي؛ لما

كان فيها من الكثير من التعسف، وكان الكثير منها يخالف الثوابت، ويخالف القيم..

وما إلى ذلك، فكان النظام يقوم بمضايقة هؤلاء العلماء، وقد أدى ذلك في بعض

المراحل إلى قتل بعض العلماء، فمن الجانب السُّني مثلاً: الشيخ عبد العزيز

البدري، والشيخ ناظم، والشيخ محمود، والشيخ محمد السامرائي، والشيخ نوري،

هؤلاء كلهم اغتيلوا من قِبَل أمن النظام، إضافة إلى من سُجنوا وعُذبوا في

السجون: كالشيخ أحمد حسن، والشيخ عبد الملك، والشيخ إبراهيم الذي سجن

شهوراً، حتى وصل الأمر إلى أن هددوه بالإعدام؛ إلا أن الله تعالى وقاه وخرج من

السجن، وبعدها توفي وفاة طبيعية رحمه الله تعالى، وعلى الجانب الشيعي مثلاً:

الشيخ محمد باقر الصدر، وهو إمام معروف من أئمة الشيعة، واتُّهم النظام أيضاً

بقتل عدد من علماء الشيعة.

فالنظام يعارض ويقاوم ويؤذي كل من لا يستجيب لطاعته، وكل من لا

يخضع لأوامره، وكان العلماء جزءاً من هؤلاء الذين نالهم أذى هذا النظام.

البيان: فضيلة الشيخ: علماء السنة في العراق مع كثرتهم مشتتون، ولم

تربطهم رابطة كما هو الحال مع غيرهم إلا مؤخراً؛ فما هو السبب؟ وهل هناك

خلافات تجري بينهم؟ وفي حالة وجود شيء من ذلك فما هي الأسباب؟

- الخلافات بين علماء أهل السنة ترجع إلى اختلافهم في المناهج والمشارب،

فهناك من يسمَّون بالسلفية، وهناك من يسمَّون بالصوفية، وهناك من يعرفون

بالإخوان، وهناك المستقلون، وهناك التحريريون، فالمناهج متعددة، وهذه

المناهج أسهمت في فتور العلاقات، وفي إيجاد الحساسيات بين هذه الأطياف

والفئات الإسلامية السنّية. وقد ساعد النظام، أو بعض زبانيته، في توسيع شقة

الخلاف بين بعض هذه الفئات؛ إذ كان يستخدم فئة ضد غيرها، فتوسعت الخلافات

وتعمقت، ووجد بين هذه الفئات الكثير من الشحناء والبغضاء والأحقاد.

وذلك على الرغم من سعي الكثير من المخلصين والدعاة من علماء السنّة في

العراق في تذليل هذه الخلافات، والتقريب بين وجهات النظر بين هذه الفئات؛

لكيلا تؤدي إلى قطيعة كاملة يتضرر منها العلم والعلماء.. وأهل السنّة بوجه خاص.

هذه الخلافات - كما قلت - غذّاها النظام ورموزه، ولكن بعد سقوط النظام

وُجدت محاولات لجمع هؤلاء الأطراف، وذلك لحساسية الموقف، وضرورة جمع

الكلمة ووحدة الصف، فاستجاب كثيرون، بل أكثر هذه الفئات، اليوم إلى مساعي

التوفيق والإصلاح، فالهيئة والحمد لله تُمثل في رأيي الجامعة التي توحد هذه

الأطياف؛ إذ إن فيها كثيراً من الأعضاء الذين يمثلون كل هذه الأطياف، رغبة

منهم في جمع الكلمة، وتوحيد الصف، والعمل المشترك في هذه الظروف التي

يتهددهم فيها الكثير من المخاطر، وأملنا أن يستجيب الجميع في المراحل القادمة؛

لأنهم كلهم يستشعرون الخطر، وكلهم مخلصون لدينهم وربهم ووطنهم، وهذا هو

أملنا فيهم.. أن يجتمعوا ويوحدوا الكلمة، وهذا ما نسعى إليه في الهيئة، بل هذا

من أهم أهداف الهيئة.

البيان: بعد أن اطلعنا على أحوال علماء السنّة في العراق، وبعض

طموحاتهم وما حققوه من إنجازات، نود من فضيلتكم أن تبينوا تقويمكم لسقوط

النظام البعثي بسرعة مذهلة، وما هي الدروس التي ترون بيانها من ذلك السقوط؟

- هناك أسباب عديدة لسقوط النظام، ومن أهمها عدم تكافؤ القوى كما هو

معلوم، ومنها أيضاً عدم الإعداد الصحيح لمثل هذه الحرب؛ حيث تبين لنا أنه لم

يكن هناك إعداد، وأن ما أذيع في وسائل إعلام النظام لم يكن دقيقاً في هذا المجال،

ومنها عدم وضوح الهدف الذي يقاتل من أجله الجيش والشعب العراقي، ومنها

أيضاً كره الكثير من أبناء العراق للنظام بسبب ما حدث منه من تجاوزات وأذى

لأبناء الشعب العراقي، ومنها عدم تربية هذا الشعب على مدى خمسة وثلاثين عاماً،

عدم تربيته وتوجيهه من خلال العقيدة، ومن خلال القيم التي يؤمن بها هذا

الشعب.

البيان: أحدثت الحرب الأمريكية على العراق نوعاً من التعاطف مع شخص

صدام حسين، وتحدث بعضهم عن تغييرات في سلوكياته ومواقفه من الإسلام

والإسلاميين في الفترة الأخيرة من حكمه؛ مما أحدث لبساً عند الكثيرين، فهل

لكم أن توضحوا لنا هذا الأمر؟

- التعاطف الذي حدث مع النظام هو في تقديري ليس في الغالب مع النظام،

وإنما هو مع العراق البلد، مع العراق التاريخ، مع العراق بوصفه جزءاً مهماً من

الأمة، في وقت تُستهدف فيه الأمة من قِبَل أعداء معروفين، فاستهداف العراق هو

الذي دعا الغيورين من أبناء الأمة في الخارج، وكذلك في الداخل، إلى أن

يتضامنوا مع هذا النظام؛ لا من أجل عيون النظام وإنما من أجل العراق، أملاً في

صلاح هذا النظام، وخاصة أن بعضهم كان يعوّل على ما طرأ من تغير بعد عام

١٩٩٠م على إعلام النظام، وعلى بعض سلوكياته لا كلها؛ من توجه يستشعر

الإنسان منه أنه توجه يلامس عواطف الشعب ويتفق مع توجهاته كشعب مسلم، إلا

أن هذه التوجهات بقيت في الإعلام وبقيت في الكلام، ولم تطبق عملياً في السياسة

مع الشعب؛ إذ لم يصالح النظام الشعب، لم يخفف من نظرته إلى خصومه، لم

ينتقل من المرحلة البوليسية الأمنية إلى شيء من المرحلة التي تعطي الشعب شيئاً

من الحرية، حرية الكلام، حرية الصحافة، حرية التعبير، حرية العمل.. وما

إلى ذلك، بقيت الأنظمة هي هي، كما كانت قبل تحوّل الخطاب من خطاب علماني

بحت، إلى خطاب فيه شيء من المسحة الدينية.

البيان: هل هناك تعداد رسمي للسكان في العراق، يوضح التعداد الصحيح

للطوائف المعروفة؟

- هناك تعداد قد جرى قبل حوالي عقدين، وهناك ما يسمى بالبطائق

التموينية التي تعدها الأمم المتحدة لكل عائلة عراقية ولكل فرد.

ثم هناك النسب التقديرية التي تعتمد على مراكز وجود أبناء الشعب من سنّة

أو شيعة في المحافظات، فهناك محافظات سنّية بحتة، تكاد أن تكون بحتة، تصل

النسبة فيها إلى ٩٠% أو ٩٥%، ومحافظات شيعية أيضاً تصل النسب في بعضها

إلى ٩٠% أو ٩٥%، وهناك محافظات سنّية وشيعية مشتركة.

ونجد أن النسب السنّية في المحافظات السنّية أعلى منها في المحافظات

الشيعية، ثم نجد أن الكثافة السنّية هي أكثر من الكثافة الشيعية في المحافظات

الشيعية، وعلى هذا فالمسألة هي ادعاءات متعارضة، لكن رأينا مبني على شيء

من الواقعية، وهذه النسبة في رأينا لا تقدم ولا تؤخر، وإثارتها في مثل هذه

الظروف قد تؤدي إلى إثارة نعرات طائفية نحن نأباها، ولا نركز عليها، وندع

الأمر إلى الإحصاءات المستقبلية، أو إلى صناديق الاقتراع، إذا حصلت هناك

انتخابات ديمقراطية كما يقولون حقيقية، وعلى أي حال فالسنَّة كمٌّ كبير، ووزنهم

في البلد ثقيل، وهم من أكثر أبناء البلد تمسكاً ببلدهم وإخلاصاً له، واستعداداً

للتضحية من أجله.

البيان: ما دام الأمر كما تفضلتم به؛ فما السبب في نيل الشيعة نسبة كبيرة

من مجلس الحكم الانتقالي جعلتهم ضعف أهل السنّة، مع أن نسبتهم لا تتفق وهذا

التمثيل؟ وما أسباب تهميش أهل السنّة؟

- بالنسبة للشق الأول من سؤالك: لماذا جعلت نسبة الشيعة هي الأغلب في

مجلس الحكم الانتقالي؟ الشيعة كما تعلم بعد سنة ١٩٩٠م خرج منهم العديد من

المثقفين والعلماء إلى الخارج، وأتيحت لهم كل التسهيلات في الخارج من قِبَل دول

عربية وإسلامية وغيرها من دول العالم، قدمت لهم تسهيلات، ووفرت لهم وسائل

إعلام يتكلمون من خلالها على النظام وعلى ما فعله النظام بهم من مظالم، وأضافوا

إلى هذا وادَّعوا أنهم الأكثر وأنهم محكمون من قِبَل الأقل، ويعنون بذلك السنّة،

علماً بأن السنّة محكومون مثلهم من قِبَل هذا النظام، وأصابهم أكثر مما أصاب

الشيعة، بل إن أذى النظام أول ما بدأ بدأ بأهل السنّة وبقي محصوراً فيهم ما يقرب

من عقد كامل، من سنة ١٩٦٨م إلى ١٩٧٩م، ولم يتجه الأذى إلى الشيعة إلا بعد

سنة ١٩٧٩م، حين علم النظام أن حزب الدعوة الشيعي يتآمر عليه أو هكذا أو كما

يقول النظام، فحصل بين النظام وبين الحزب خلاف، ووقع من النظام أذى لهذا

الحزب، وهو أذى مبالغ فيه، وردّ الحزب على النظام، ثم كانت الحرب بينهما

سجالاً، إلا أن النظام لم ينس السنَّة، بل كان أذاه في الوقت نفسه يقع على السنَّة

وعلى الشيعة.

على أي حال؛ هذه الدعوى قيلت في الخارج، وأخذت وسائل الإعلام ترددها

قبل احتلال العراق بما يقرب من عشر سنوات أو يزيد، ثم لما احتُل العراق أخذ

الإعلام أيضاً يكررها ويكررها كثيراً، حتى سُئل الكثير من أهل السنة: هل

الشيعة هم الأكثر؟ فلم يجيبوا، ومنهم من أجاب، وترك هذا الموضوع للمستقبل

لأن الكلام فيه قد يثير الضغينة.

لما حصل تشكيل المجلس يبدو أن الأجواء كانت مهيأة لقبول هذه الدعوى أو

هذا الادعاء من قِبَل قادة الشيعة لدى إدارة الاحتلال في العراق، فاعتمدته لأنه هو

الرائج، ولأن أهل السنّة لم يتكلموا بخلافه، هذا سبب.

والسبب الثاني في تقديري هو أن الشيعة كانوا قد رحبوا بهذا الاحتلال، وهم

متعاونون معه، فلعله أراد أن يكافئهم بتحقيق ما أرادوا، وهو تكثير نسبتهم في هذا

المجلس.

البيان: تلوح في الأفق بوادر ما يمكن تسميته عملية فرز عرقي جغرافي،

على الأقل من جانب الشيعة في المدن المختلطة بين الطائفتين، فما موقف السنة

من ذلك؟ وهل حدثت منهم ردود فعل في هذه العملية؟

- نعم أخي الكريم؛ بدأت بوادر تطهير عرقي في بعض المحافظات الجنوبية

للأقلية السنّية؛ إذ هُجّرت عائلات، وطلب من عائلات أخرى أن تغادر المناطق

التي تقطن فيها، مثل ما حدث في محافظة السماوة، وفي الناصرية، وفي الديوانية،

والنجف، ولعل هذه الأعمال تعود إلى أعمال خاصة أو شخصية، نأمل أنها لا

تكون نتيجة لقرار شيعي متفق عليه، نأمل أن يكون الأمر محدوداً ومقتصراً على

بعض العوائل، ونأمل أن تنتبه المراجع الشيعية إلى خطورة هذه الأعمال فتقف

ضدها وتمنعها، ويا ليتها أصدرت فتاوى وبيانات تعارض هذا التوجه، وتمنع

هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الأعمال بمضايقة أهل السنّة والجماعة، نأمل أن

يصدر من هذه المرجعيات ما يردع هؤلاء، ويكفُّهم عما يؤدي أو سيؤدي إذا استمر

إلى تفجر أو إلى فتنة طائفية لا يستفيد منها الجميع، لا السنّة ولا الشيعة.

أما أهل السنة فلم يقوموا بشيء من ردود الأفعال إلى هذا الوقت، وهم

سيستمرون على هذا الموقف إن شاء الله؛ آملين أن ينتبه الشيعة إلى خطورة مثل

هذا العمل لو استمر؛ إذ إن هناك الكثير من الأقليات في المحافظات السنّية،

ونعاهدهم على أن أهل السنّة لن يقوموا بمثل هذا العمل؛ لإدراك المسؤولية في مثل

هذا الظرف الذي يمر به البلد، وتفويتاً لما يتوقعه الأعداء، أعداء هذا الوطن وهذا

الشعب، من اختلاف بينهم أو إحداث فتنة بين أبناء الوطن.

البيان: ما هو تقويمكم للعلاقة بين أهل السنّة من عرب وأكراد؟

- أقول وبكل تأكيد: العلاقة بين العرب والأكراد من أهل السنّة علاقة ودية

وحميمة وأزلية، وستبقى كذلك في المستقبل إن شاء الله، وإذا كان قد حدث بين

الأنظمة السابقة، ولا سيما النظام السابق، وبين بعض الفصائل السياسية الكردية

خلافات؛ فإن هذه الخلافات لم تنعكس على الشعبين العربي والكردي، وما حدث

من النظام السابق لإخواننا الأكراد معلوم لديهم أنه كان بفعل النظام وليس بفعل

العرب، لا سنّة ولا شيعة أيضاً، وكذلك يعلم العرب أن ما أصاب العرب، ولا

سيما بعد احتلال العراق، من قتل لبعض العرب في مدينتي الموصل وكركوك،

وما حصل من تهجير للكثير من العوائل العربية؛ لم يحصل من قِبَل إخواننا الأكراد،

وإنما كان من قِبَل الفصائل الحاكمة في الشمال، وعليه فلا توجد خلافات بين

الشعبين العربي والكردي، وحسبنا قول الله تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]

(الحجرات: ١٠) .

البيان: انضم بعض رموز العمل الإسلامي السنّي إلى مجلس الحكم في

العراق، وهو معيّن من المحتلين؛ فهل هناك تنسيق معهم، أو أن الأمر اجتهاد

منهم، حتى لا تسيطر طائفة بعينها على البلد في غيبة أهل السنة؟ وما رأيكم

أنتم في ذلك؟

- دخول إخواننا في الحزب الإسلامي إلى ما يسمى بـ «الحكم الانتقالي»

كان أمراً اجتهادياً منهم؛ رغبة في أن يسهموا في خدمة هذا البلد، وأن يشاركوا

غيرهم في جلب ما يمكن جلبه من فوائد لأهل السنّة، ونحن على صلة دائمة بهم،

وإن كنا قد عارضناهم في هذا الدخول، إلا أن المعارضة أو الخلاف كما يقولون لا

يفسد للودّ قضية، بل نعتبر عملهم مكملاً لعملنا، وعملنا مكملاً لعملهم إن شاء الله.

البيان: الاحتلال الأمريكي للعراق من خلال ما نشر وأذيع يبدو أنه يريد

البقاء أطول فترة ممكنة؛ لترسيخ أهدافه المرسومة تجاه العراق، حيث يعمل

على أن يكون مركزاً وقاعدة ينطلق منها في المنطقة، لكنه فوجئ بمقاومة

يتعرض لها يومياً جعلته يطالب بتدويل الاحتلال، فهل تتوقعون طول إقامته أم أنه

سوف يشد الرحال أمام ضربات المقاومة؟

- توقعي أن الاحتلال سيشد الرحال ويرحل عن بلدنا إن عاجلاً أو آجلاً؛

لأن الشعب العراقي كغيره من شعوب العالم لا يقبل أن يُحتل بلده، وأن تداس

كرامته، وأن تلغى سيادته من قِبَل أعداء محتلين ساقتهم أطماعهم وأحقادهم إلى

احتلال هذا البلد، ويقيني أن هذا الاحتلال سيرحل وإن طال مكثه في النهاية إن

شاء الله تعالى.

البيان: فضيلة الشيخ، ما هو تقويمكم للمقاومة القائمة في العراق ضد

المحتلين؛ أهي ذات اتجاهات إسلامية محددة، أم أنها من فلول الحكم البائد، أم

أنها ردود أفعال المواطنين حيال الجبروت الأمريكي ضدهم؟

- المقاومة هي رد طبيعي من الشعب العراقي على من احتل أرضه، وهي

خليط مما ذكرت؛ من فلول النظام، وردود أفعال.. وغير ذلك، إلا أن الغالب فيها

كما يبدو هو التوجه الإسلامي والوطني، وهذا في تقديري هو الدافع لجميع فئات

المقاومة.

البيان: في ظل انهيار نظم الدولة في العراق خصوصاً فيما يتعلق بالإدارة

المحلية والأوقاف والأمن؛ يرى كثيرون أن هذه الظروف تقدم بيئة مثالية لازدهار

الدعوة الإسلامية في صفوف الشعب العراقي تعبيراً عن التضييق والمحاربة؛ فما

مدى مطابقة هذا الكلام للواقع، وما هي أحوال الدعوة الآن في العراق؟

- أرى أن هذا الوضع هو من الظروف المثالية لجمع كلمة العراقيين بوجه

عام، وأهل السنّة بوجه خاص، وإذا اجتمعت كلمة العراقيين، وأهل السنة بوجه

خاص، فإن هذا يعدّ من أكبر الإنجازات أو الإيجابيات التي ترتبت على هذا

الاحتلال، وبالتالي يصدق المثل القائل: «رُبَّ ضارة نافعة» ، وإن كان الضرر

أكبر من هذا بلا شك، وعليه إذا استفاد العراقيون من هذا الضرر في جمع كلمتهم

وصفوفهم، ولا سيما أهل السنّة، فإن الدعوة بالتأكيد ستزدهر؛ لأن الجهود كلها

ستفرغ في هذا الاتجاه، وتبعد أهل السنّة عن مجالات الخلاف التي أكلت الكثير من

وقتهم ومن جهودهم التي كان ينبغي أن تصرف إلى الدعوة الواعية، والدعوة

الوسط.

البيان: في نهاية هذا اللقاء؛ ما هي توجيهاتكم لإخوانكم القراء حيال

الحرب القائمة على الاتجاهات الإسلامية بدعوى محاربة الإرهاب من أمريكا

وحلفائها؟

- دعوتي إلى القراء وإلى الكتّاب العرب والمسلمين أن يكونوا على حذر من

الدعوة التي تصف الإسلام والإسلاميين جميعاً بالإرهاب، وأدعو هؤلاء القراء

والكتّاب والمثقفين أن يميزوا بين ما هو إرهابي وبين ما هو مسلم محافظ على دينه؛

حتى لا نلحق الأخضر باليابس كما يرغب في ذلك أعداؤنا، فنحارب أنفسنا

بأنفسنا ونبتعد بذلك عن المفاهيم الصحيحة، فلكل مصطلح مدلوله، ولكل مسمى

اسمه، فالإرهاب معلوم؛ فهو الاعتداء على الآخرين من غير سبب ولا مبرر،

وبناء على هذا.. نجد الإرهاب اليوم يقع من الجماعات ومن الدول، وما يقع اليوم

من أمريكا على بعض الشعوب كالعراق، وأفغانستان، وما يجري من أذى من قِبَل

العدو الصهيوني لشعبنا الفلسطيني، وما يقع من كثير من الدول الأخرى، وكثير

من الجماعات والشعوب.. هو الإرهاب بعينه، ولذا آمل أن نميز كما ذكرت آنفاً

الإرهاب الحقيقي الذي هو الأذى من جماعة أو دولة، والذي يقع على فئة أو

جماعة أو شخص بغير سبب.

أما ما يطلق على الكثير من الناس الذين لم يقع منهم أذى لغيرهم، لمجرد

أنهم ينتسبون إلى هذه الجماعة أو هذا الدين أو ذاك؛ فهذا ادعاء باطل واتهام بلا

دليل ينبغي ألا ننساق وراءه، ولا نصدق من يدعيه أو يتفوه به.