[الحفاظ على المكتسبات]
محمد بن عبد الله الدويش
ثمة مكاسب عدة للدعاة تزيد من فرص تأثيرهم في الميدان الدعوي، هذه المكاسب تتمثل في مؤسسات رسمية أو تطوعية، وهذه المؤسسات تتيح قدراً أوسع في ممارسة الأنشطة الاجتماعية والإغاثية والدعوية.
وحين يمنحنا المجتمع هذه المؤسسات، ويثق في قيادتنا لها فينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن رؤية المجتمع وتطلعه لهذه المؤسسات قد تختلف عن رؤيتنا لها، والغالب أن هذا الاختلاف لا يصل إلى حد التناقض والتضاد؛ فهناك مساحات واسعة من الاشتراك والالتقاء، وهناك مساحات أخرى تمثل دائرة الاختلاف، والأخيرة قد يكون الحق في أجزاء منها مع غيرنا.
وحين تتاح لنا المشاركة في هذه المؤسسات فلا ينبغي أن نتجاهل ما يطلبه وينتظره منا المجتمع ونعتقد أننا وحدنا الذين نصنع الرؤية لها، أو نتعامل معها كما نتعامل مع أي مؤسسة شخصية.
إن من حق المجتمع أن يحاسبنا، وأن يراجع مساحة الثقة التي يمنحنا إياها بناء على أدائنا.
ولو اتسع أفقنا فسنرى أن كثيراً من تطلعات مجتمعاتنا تطلعات مشروعة، وأن من واجبنا الإسهام في تحقيقها والسعي في بناء مجتمعاتنا، دون أن نحصر مشروعنا الإصلاحي في الخطاب الوعظي والدعوي المباشر.
إن الإسهام في الارتقاء بمستوى التعليم في المجتمع، والمشروعات التي تستهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تسعى للارتقاء بمستوى الخدمات العامة في المجتمع، ومشروعات النفع العام ... كل ذلك جزء من إسهامنا الدعوي.
فلئن كانت إعانة الرجل وحمله على دابته، أو رفع متاعه عليها، لئن كان ذلك صدقة فمن باب أوْلى الإسهام في مشروعات ودراسات تحل أزمات النقل التي يعاني منها الناس، وتستهلك أوقاتهم، وترفع مستوى القلق لديهم.
ولئن كان تفريج كربة المسلم عبادة، فكيف بتفريج كربة قرية أو مجتمع؟ وليس ذلك بالضرورة حكراً على مشروعات إغاثية وصدقات وإن كانت مما يدخل فيه.
إن اتساع أفقنا في مشروعنا الإصلاحي سيدعونا لإعادة النظر في التعامل مع كثير من المؤسسات والمشروعات التربوية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد تكون لتلك المكاسب مواقع أو مسؤوليات تتيح لأصحابها توظيف قدر من إمكاناتها في الإصلاح والدعوة.
إن هذا يتطلب منا قدراً من الواقعية والحكمة في التعامل مع هذه المؤسسات والمواقع، وقد نضطر للانحناء للعاصفة، أو تحمُّل مفاسد مقابل درء ما هو أكبر، أو تفويت مصالح مقابل الإبقاء على ما هو أعظم منها.
وهذا النمط من التعامل لا يعيه أولئك الذين لا يفرقون بين الصورة النظرية التي يرسمونها وبين الواقع الذي يفرض التعامل معه قدراً من التنازل حين يكون البديل أسوأ حالاً، أو أولئك الذين لا يجيدون التوازن، فيصرون على مصالح تفقدهم ما هو أعظم منها، أو يتورعون عن ارتكاب مفاسد فيقعون فيما هو أعظم، أو أولئك الذين يصرون على تحويل كل مجال ومؤسسة وموقع إلى منبر دعوي مباشر مختزلين بذلك مجالات العمل الدعوي.