المسلمون والعالم
إريتريا.. الوعد الكاذب بالحرية
مظاهر العلمنة والتنصير في توجهات الجبهة الحاكمة
(٢من٢)
بقلم: جمال سعيد حسن
تطرق الحديث في الحلقة الأولى إلى تاريخ إريتريا بعد نهاية الحرب العالمية
الثانية وحتى استقلالها عن الهيمنة الإثيوبية عام ١٩٩١م وتسليم الحكم فيها للجبهة
الشعبية الصليبية، وما اتخذته من وراء ذلك، وبيان حقيقة التقسيم الإداري للبلد
لتأكيد هيمنة النصارى، وبيان موقفهم من المهجرين المسلمين، وعلاقات الجوار
الساخنة، وضلوع الحكومة في مؤامرة تدويل الصراع في البحر الأحمر لصالح
الأعداء والمستفيدين منه ضد أهله، ويواصل الكاتب عرضه لمحاور باقية من
الموضوع. ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... -البيان-
العلاقات مع دول الجوار والصراع في البحر الأحمر:
كان من المفترض على دولة مستقلة حديثاً أن تسعى لخطب ود دول الجوار؛
لترسيخ وضعها السياسي والاقتصادي، ولكن الأمر في إريتريا كان على العكس من
ذلك، فقد استَعْدَت الجبهة الشعبية بعض الدول العربية الجارة وغير الجارة، فقبل
إعلان الاستقلال رسميّاً بدأت وسائل إعلامها بشن حملات عدائية ضد (السعودية،
وسوريا) ، وفي نهاية عام ١٩٩٤م، قطعت علاقاتها الدبلوماسية رسميّاً مع السودان، وسلمت السفارة السودانية في إريتريا للمعارضة السودانية، بحجة أن السودان
بدت منها مظاهر عدائية، وأنها تدعم المجاهدين الإريتريين، متناسية موقف
السودان التاريخي المؤيد والداعم للقضية الإريترية في فترة النضال الذي استمر
ثلاثين عاماً، ثم ظهرت قضية جديدة افتعلها النظام في (أسمرا) ، وذلك في بداية
عام ١٩٩٦م، وهي قضية (جزر حنيش) في البحر الأحمر، وعلى الرغم من أن
الخلافات بين دول الجوار في مسائل الحدود طبيعية في هذا العصر، وتعاني منه
كثير من الدول، إلا إن الأسلوب الذي سلكته حكومة (إسياس) لم يكن حضاريّاً ولا
مهذباً، بل كان أسلوباً ينم عن الحقد الدفين الذي لا يراعي حقوق الجوار، يصطنع
حرباً وطنية ضد دولة جارة، ادعى النظام في (أسمرا) أنها اعتدت على الأراضي
الوطنية لإريتريا، فذهب إلى الخيار العسكري لحل الخلاف، بالإضافة إلى
التحرشات العسكرية المتكررة أيضاً ضد دولة (جيبوتي) .
ومن جانب آخر نجد العلاقة مع دول الجوار الأخرى متينة وقوية تتجاوز
المعاهدات الأمنية والعسكرية والاقتصادية.. إلخ، وتطمح للترابط (الكونفدرالي)
كما هو الحال مع إثيوبيا، كما أن العلاقة بـ (كينيا، وأوغندا) ممتازة جدّاً.
نخرج مما سبق: أن منهج حكومة الجبهة الشعبية في تكوين علاقتها
وصداقاتها يختص بالمتانة والقوة مع الدول التي تحمل الصبغة الصليبية، بينما كان
نصيب دول الجوار المسلمة: الحرب، والعداء، مما يعني أن (إسياس) يسعى
جاهداً إلى إيجاد حاجز كبير بين الشعب الإريتري وجيرانه المسلمين، بالإضافة إلى
أن هناك مؤامرة كبرى تحاك في شرق إفريقيا، كلها تشير إلى ترابط الدول
النصرانية في مواجهة الدول الإسلامية، وتحجيم انتشار الإسلام في المنطقة، فكل
من (إريتريا، وإثيوبيا، وأوغندا) تقف موقف العداء السافر ضد الحكومة السودانية، وتدعم بالإضافة إلى كينيا (جون قرنق) النصراني، وذلك حيال توجه السودان
الإسلامي المعلن، وإمكان انتشار تأثيره على منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.
وإذا أضفنا إلى كل ما سبق العلاقة الحميمة التي يتمتع بها النظام في (أسمرا)
بالدولة اليهودية، والتعاون المطلق في المجالات الأمنية والدفاع والاقتصاد.. فلا
نستغرب سلوك النظام القائم في إريتريا هذا المسلك المشين والمسيء للشعب
الإريتري، ف (إسرائيل) ما زالت تسعى منذ نشأتها للسيطرة على المنفذ الجنوبي
للبحر الأحمر، وما (إسياس) إلا مجرد أداة ينفذ رغبات القوى النصرانية
والصهيونية العالمية.
الاقتصاد: يسيطر حزب الجبهة الشعبية متمثلاً في جهازه الذي يرمز إليه بـ
(٠٩) على الاقتصاد الإريتري الضعيف أصلاً، وأصبح هذا الجهاز عائقاً أمام
التطور الاقتصادي للبلاد وللمواطنين، فكل الامتيازات الاقتصادية من استثمار
واستيراد وتصدير متاحة لهذا الجهاز الذي أصبح يمارس منافسة غير شريفة وغير
متكافئة مع التجار، ويدعي هذا الجهاز أن هدفه خدمة المواطنين ووقايتهم من جشع
التجار غير المحدود، بينما الأهداف الحقيقية غير المعلنة هي تحقيق دخل مالي
كبير لحزب الجبهة الشعبية، وإتاحة فرصة العمل لأعضاء الحزب، ومن ثم:
سيطرة هذا الحزب بواسطة هذا الجهاز على مقومات الاقتصاد الإريتري واحتكار
مقدرات الشعب واسترقاقه سياسيّاً وثقافيّاً عبر وسائل لقمة العيش.
الدستور ومجموعة القوانين: لا شك أن التقنين والتنظيم في الأمور الإدارية
على مستوى الأفراد والجماعات والدول سمة حضارية متى ما حُققت العدالة
والمساواة وتجنب الظلم، ولكن الخلاف والجدل يُظهر ماهية تلك النظم ونوعية
المراسيم التي تصاغ بها ليلتزمها الفرد والمجتمع، وقد أصدرت الجبهة الشعبية منذ
استيلائها على إريتريا وتربعها على عرش الحكم في (أسمرا) عدداً من القوانين التي
كانت مثار الاستغراب ومن ثم: الرفض من قبل الشعب الإريتري أجمع.
وقد كان قانون الجنسية الذي سبق عملية الاستفتاء على استقلال إريتريا من
المراسيم التي لم يستسيغها الشعب الإريتري، حيث فُتح المجال لكل من هب ودب
للحصول على الجنسية الإريترية، وحسب الواقع المعاش فإن المستفيد الرئيس من
هذا القانون كان نصارى إقليم (تجراي) الإثيوبي، وبهذا كثر سواد النصارى في
إريتريا في ظل غياب المسلمين في مخيمات اللاجئين في السودان والدول العربية،
مما يؤثر مستقبلاً على الأمن العام لإريتريا ويحدث معه خلل في تركيبة المجتمع
الإريتري لصالح النصارى.
ومن القوانين الأكثر جدلاً والأشد رفضاً من قبل المسلمين: قانون التجنيد
الإجباري الذي ألزم الفتيان والفتيات على حد سواء بالمشاركة في التدريب العسكري
والخدمة العسكرية لمدة سنتين، وقد قبل الشعب الإريتري على مضض تجنيد
الشباب لما يعرفه من أن الهدف من تجنيدهم ليس الدفاع عن الوطن والشرف، بل
لأغراض أخرى في نفس (إسياس) ، منها: صياغة جيش جديد بعقلية جديدة
تتناسب والمرحلة القادمة من مرحلة الحكم في إريتريا، لأن الجيش الشعبي السابق
فيه بقية من روح الثورة بل الجهاد الذي قد يرفض توجهات (إسياس) الدكتاتورية
والارتماء في أحضان الصهاينة والغرب.
أما تجنيد الفتيات فقد رفضه المسلمون من منطلق شرعي بحت، وما زالت
المواجهات بين النظام والشعب مستمرة في هذا الشأن، وقد تعرض كثير من
الفتيات والآباء والأمهات لعقوبة السجن من جراء رفضهم تنفيذ هذا القرار الجائر،
بل وصل الحال في بعض مناطق إريتريا أن واجهوا جنود النظام بالعصى
والهراوات والسيوف عندما حاولوا أخذ الفتيات قسراً لتجنيدهن.
والمتأمل للأمر يدرك أن الاتجاه إلى تجنيد الفتاة المسلمة ليس الغرض منه سد
النقص في عدد المدافعين عن إريتريا، ولا تنفيذ المساواة المزعومة بين الرجال
والنساء، إنما الغرض تربية الفتاة المسلمة على أفكار ومبادئ تناوئ العقيدة
الإسلامية وما ينبثق منها من شريعة وأخلاق وفضائل.
أما آخر المراسيم مكراً فقد كان المرسوم التشريعي رقم ٧٣ لعام ١٩٩٥م،
الذي نص على عدم أحقية المؤسسات الدينية في القيام بأعمال إغاثة أو خدمات
اجتماعية بالوكالة عن حكومات أو مؤسسات أجنبية، وهو القرار الذي عرف باسم
مرسوم تنظيم عمل المؤسسات الدينية، وقد حدد النظام في الوقت نفسه وجه التعامل
مع الجهات الخارجية، بحيث يكون عبر أجهزة الدولة الرسمية.
والغرض من هذا القرار هو تحجيم عمل المعاهد والمدارس الإسلامية وشل
العمل الدعوي الإسلامي في إريتريا؛ لأنه من المعلوم أن المؤسسات الإسلامية في
إريتريا تقوم على الجهد الأهلي، وبما أن الشعب الإريتري عاش ثلاثين عاماً في
حرب قاسية فَقَدَ فيها كثيراً من مقوماته الاقتصادية، فإن العمل الدعوي هناك أصبح
لا يستغني عن الاتصال بالمؤسسات الخيرية والتطوعية في العالم الإسلامي، وذلك
بغية الحصول على العون المادي والعلمي والأدبي، إنه في حاجة إلى المؤسسات
الرسمية في الدول الإسلامية (من جامعات ووزارات) التي توفر له منحاً دراسية
للطلاب، وإرسال الدعاة ومعلمي اللغة العربية والعلوم الشرعية، إلا إن هذا
المرسوم يقف عائقاً الآن أمام هذه المساعدات التي كان من الممكن أن تسهم في
مسيرة الدعوة الإسلامية في إريتريا، وهذا هو المقصود تماماً.
ولهذا ولغيره من الأسباب نجد اليوم إريتريا تخلو من المؤسسات الإسلامية
الخيرية، بينما تعج بالمؤسسات التنصيرية التي تعمل ليل نهار في بناء الكنائس
وتقديم خدمات الإغاثة والعلاج في ربوع إريتريا! ! .
حقيقة دستور الدولة: وقد تم تتويج هذه القوانين جميعاً في نهاية المطاف
بالدستور الذي صدرت مسودته في يوليو ١٩٩٦م، وهو دستور علماني بحت، بل
علماني متطرف حسب تعبير الدكتور (جلال الدين محمد صالح) في جريدة
(المستقلة) العدد ١٢٨ تاريخ ٩/٦/١٤١٧هـ ٢١/١٠/ ١٩٩٦م لم يراع ديانة شعبه
بل لم يراع العادات والتقاليد والموروثات الثقافية للشعب الإريتري كما زُعم في
ديباجته.
وقد تعمد الدستور تهميش الجوانب الفكرية والثقافية والاجتماعية، والتركيز
علي الجوانب الإدارية والفنية البحتة في معظم فقراته، وأعطى الأجهزة التنفيذية
في الدولة مجالاً واسعاً لإصدار قوانين وتشريعات تنظم عمل الأجهزة الحكومية.
وقفات مع الدستور:
على الرغم من ذلك فإننا سوف نتناول منه عدداً من القضايا التي ما زالت تثير ردود الأفعال المتفاوتة، وتسبب الجدل والنقاش الحاد في اللقاءات التي تعقدها لجنة الدستور مع الشعب الإريتري في الداخل والخارج، وهذه القضايا هي:
١- اللغة: نص الدستور في الفقرة الثالثة من المادة الرابعة على أن (مساواة
جميع اللغات في إريتريا مصانة) ، ولم يحدد اللغة الرسمية للبلاد، بل ترك الأمر
بهذا الشكل عمداً، وفي ذلك دغدغة لمشاعر العامة وتلاعب بعواطفهم، فمن ذا الذي
يكره المساواة؟ ! ، وإذا قيل لأي مواطن: إن لغته الأم متساوية مع جميع اللغات
الأخرى التي في بلده فسوف يتقبل الأمر بكل سرور، إلا إن العمل بهذا النص بعيد
عن الواقع ولا يقبله عاقل؛ لأن المساواة تعني أن تتعامل الحكومة مع جميع لغات
إريتريا بنظرة واحدة وبقدر واحد في التعليم والإعلام وإصدار المراسيم والمكاتبات،
والخطب الرسمية ... إلخ، فيفترض بناءً على ذلك أن يُلم جميع موظفي الدولة
باللغات الإريترية على الأقل إن لم يتقنوها، ومعلوم أن في إريتريا تسع لغات
مختلفة، تتحدث بها تسع مجموعات لغوية، تسميها الجبهة الشعبية (قوميات) .
وقد حاولت حكومة الجبهة الشعبية تنفيذ هذا الأمر في مجال التعليم الابتدائي،
حيث حاولت إيجاد مدارس ابتدائية في القرى تدرس بلغة أهل المنطقة حتى إذا لم
تكن حروفها مكتوبة، فبدأت بكتابتها بالحروف اللاتينية والبعض الآخر بالحروف
التجرينية (لغة أغلب نصارى إريتريا وشمال إثيوبيا) ، إلا إن الأمر لم يحقق
المساواة الحقيقية للغات وأهلها، ففي المدن التي تختلط فيها القبائل والأعراق
والمجموعات اللغوية لم تستطع الوفاء بهذا الأمر، ففي مدينة (كرن) مثلاً لا توجد
مدرسة تدرس بلغة (البلين) مع أن أغلب سكان هذه المدينة من المتحدثين بهذه اللغة، بل بالعكس من ذلك فإن أكبر مدرستين حكوميتين تدرسان باللغة التجرينية مع
أهلها أقلية في المدينة المذكورة.
وإذا نُظر إلى هذا القرار من منظور الوحدة الوطنية التي تُرجع إليها الجبهة
جميع نظرياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية نجد أن لهذا الأمر تأثيراً سلبيّاً،
حيث إن تعلم كل مجموعة لغوية بلغتها الخاصة مع عدم وجود لغة وطنية واحدة أو
اثنتين يتعلمها جميع أفراد الشعب يضع حاجزاً بين أفراد الشعب الواحد، ويؤثر
على تفاهمهم وتعاملهم اليومي وأنشطتهم الثقافية والسياسية والاجتماعية، فمن أين
يأتي هؤلاء الموظفون الذين يعرفون جميع اللغات الإريترية والحال هكذا؟ .
إلا إن النتيجة النهائية لهذا النص الدستوري: تفتيت وحدة المسلمين في
إريتريا بإيجاد حاجز لغوي ومزاج ثقافي فكري محدود فيما بينهم حيث إن وجودهم
ينتشر في المجموعات اللغوية التسع، وإبعادهم عن خيارهم للغة العربية التي ما
زالوا ينادون بها، وفرض الأمر الواقع بنشر اللغة التجرينية وإسقاط اللغة العربية
كما أسلفنا.
٢- المرأة: وجدت المرأة في الدستور الإريتري ذكراً لحاجة خبيثة في نفس
(إسياس) الماكرة، فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة السابعة: (تعتبر ممنوعة كل
الممارسات التي تنتهك حقوق المرأة، أو تحط من شأنها، أو تقلل من دورها، أو
تعيق من مشاركتها) .
والفقرة بهذا الشكل عامة يمكن تفسيرها تفسيراً مقبولاً، ولكن.. ما هي
الحقوق التي تقصدها الفقرة والمنهي عن انتهاكها؟ .
إن الحقوق المعتبرة لدى الدستور لا تخرج حسب ممارسات الجبهة الشعبية
عن الحقوق التي نادى بها مؤتمر (بكين) النسائي في عام ١٩٩٥م والذي أثار
مشاعر المسلمين، بل ومشاعر (بابا الفاتيكان) ، وقد شاركت إريتريا في هذا
المؤتمر بوفد نسائي كبير رفيع المستوى من عناصر حزب الجبهة الشعبية، وقد
احتفت وسائل الإعلام الإريترية بهذا المؤتمر وأيدت قراراته بدون تحفظ.
فالمقصود إذن: ضمان جميع الحقوق والأدوار التي تنافي الشرع الإسلامي
السمح وأخلاقه الحميدة، فقد يُعد في نظرهم الحجاب مما يحط من شأن المرأة،
ونصيبها الشرعي من الإرث انتهاك لحقوقها في المساواة، وإبعادها عن الاختلاط
والخلوة بالرجال مما يعِيق مشاركتها.... وهكذا.
٣- الأسرة والزواج: فيما يتعلق بالأسرة والزواج حدد الدستور في الفقرة
الثانية من المادة (٢٢) طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، قائلاً: (من حق الرجل
والمرأة اللذين بلغا السن القانوني أن يتزوجا ويؤسسا أسرة بحرية، وبملء إرادتهما، ودون أي شكل من أشكال التمييز، كما يكون لهما حقوق وواجبات متساوية في
كل المسائل الأسرية) .
وبهذا يحق لغير المسلم سواء أكان يهوديّاً أو نصرانيّاً أو وثنيّاً أن ينكح مسلمة، وكذا بالعكس، حيث لا تمييز في الدين وغيره، ولا يهم أن يكون الزواج بعقد
تتوفر فيه الشروط الشرعية من شهود وولي أم لا، كما إن المساواة في كل المسائل
الأسرية تعني أن الزوجين يتساويان في النفقات الخاصة بأمور الأسرة من مهر
وسكن وملبس ومأكل ومشرب، وأن يكون الطلاق في يديهما بالتساوي، وأن ترث
المرأة زوجها بالمقدار الذي يرثها زوجها، وأن تكون القوامة لهما، وما أدري هل
تعدد المرأة الأزواج إذا عدد الرجل زوجاته أم إن التعدد محرم في نظر الدستور؟ !
إذن: فلا مكان بمقتضى هذا الدستور لقوله (تعالى) : [إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ] [الطلاق: ١] ، وقوله (تعالى) : [وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً]
[النساء: ٤] ، وقوله (تعالى) : [لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ] [النساء: ١١] ، وقوله (تعالى) : [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا] [النساء: ٣٤] ، وقوله (تعالى) : [فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ] [النساء: ٣] ، وقوله: (لا نكاح إلا بولي) .. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث النبوية، مما يعني هدم نظام الأسرة في الإسلام، والاعتداء الصارخ على حرية الشعب الإريتري في ممارسة عقيدته ودينه الذي ارتضاه لنفسه وارتضاه الله له من قبل.
٤- القَسَم: جاء في المادة (٣٥) في القَسَم الخاص بأعضاء المجلس الوطني،
والمادة (٤٥) الخاصة بقسم رئيس الدولة، والمادة (٥١) الخاصة بقسم القضاة أن
صيغة القسم تكون: (أقسم باسم شهداء إريتريا ... ) .
وهذا يعني أن يتناول المسلم باباً من أبواب الشرك بالله إذا قدر له أن يكون
عضواً في البرلمان، أو رئيساً للدولة، أو قاضياً في محكمة! ، إلا إذا كان
المقصود أن تولي هذه المناصب مما لا ينبغي أن يتولاها المسلم في إريتريا، فماذا
يرتجى ممن استهل عمله بأعظم ذنب يرتكبه الإنسان في حياته الدنيا كلها؟ ! .
ولم تترك هذه المادة للمرء فرصة في أن يضمر ما يعتقده في القسم، بحيث
تكون على حسب اعتقاده، بأن تكون الصياغة مثلاً: (أقسم أن كذا وكذا) بل تم
تعمد صياغة القسم بهذا الأسلوب، مبالغة في إبعاد الناس عن دينهم، وتطرفا في
علمنة الدستور.
٥- المحاكم الشرعية: معلوم أن المحاكم الشرعية في إريتريا (استئنافية
وعادية) ما زالت تعمل منذ عهد الخلافة العثمانية، ومروراً بعهود الاحتلال الغربي
(إيطاليا، وبريطانيا) ، ثم الاحتلال (الإثيوبي) ، وعندما تحدثت مسودة الدستور
الإريتري عن القضاء والمحاكم لم تذكر المحاكم الشرعية بشيء، لا بالإلغاء
الصريح أوالبقاء الصريح، ولكن يبدو أن المراد هو موت المحاكم الشرعية بطريقة
تلقائية بعيداً عن الإثارة؛ فالفقرة الثالثة من المادة الثانية تقول: (يعتبر هذا الدستور
أعلى قانون ومصدراً لكل القوانين الإريترية؛ لذا: فإن أي قانون أو أوامر أو
ممارسات لا تتماشى مع نصوصه وروحه تعتبر لاغية) (هكذا) ! ! .
وقد أحال الدستور صلاحيات تنظيم وأداء المحاكم الدنيا وفترة عمل قضاتها
إلى القانون في المادة (٥٠) ، ولا تدخل المحاكم الشرعية ضمن المحاكم الدنيا
المزمع تكوينها، لأن المحاكم الشرعية مختلفة عنها تماماً، كما إن أحكامها تتعارض
قطعاً مع نصوص الدستور، كالفقرة الثانية من المادة (٢٢) الخاصة بالزواج
والأسرة على سبيل المثال.
إذن: فإن إقصاء المحاكم الشرعية عن الحياة في إريتريا أمر مؤكد، حتى
وإن أصبحت قاصرة على الأحوال الشخصية.
٦- ملكية الأرض: كانت حكومة الشعبية قد سبقت دستورها في إصدار
قانون يجعل ملكية الأرض للدولة، وقد نص الدستور الجديد في الفقرة الثانية من
المادة (٢٣) على (أن الأرض وكل الثروات الطبيعية ملك للدولة، وحقوق
المواطنين في استخدام الأرض تتحدد قانوناً) .
وقد فتح هذا القانون الباب على مصراعيه للنصارى للنزوح إلى مناطق
المسلمين الواسعة، واغتصاب أراضيهم (بالطرق القانونية) ، ومعلوم أن المساحة
التي يمتلكها المسلمون في إريتريا لا تقل عن ٨٠% من مساحة إريتريا، وأغلبها
صالح للزراعة والرعي.
وبهذا يتضح أن المقصود من وراء هذا القانون هو التلاعب بالتركيبة السكانية
لمناطق إريتريا، ودعم النصارى اقتصاديّاً على حساب إفقار المسلمين الذين ما زال
أكثرهم يعيشون في مخيمات المهاجرين واللاجئين في السودان، ويعمل كثير منهم
أيضاً في دول الخليج العربي.
وفي الختام: يمكن أن نخلص من هذه الجولة القصيرة إلى أن الخطى سائرة
في إريتريا وفق مخطط نصراني مدروس يصب في نهاية المطاف لتحقيق حلم
المنصِرين بجعل (إفريقيا نصرانية عام ٢٠٠٠! !) .
[وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ] [الأنفال: ٣٠] .
مما يلزم أن يتداعى المسلمون الإريتريون لتحديد موقفهم حيال ما صاغته
الجبهة الشعبية من أنظمة وقوانين تؤكد الوجهة النصرانية لهذه البلاد الإسلامية
لصالح فئة محدودة.
ويؤكد العمل بكل الوسائل المتاحة لإيقاف المد النصراني الجائر عند حده،
وعلى كل المسلمين تحديد موقفهم من هذه الدولة العميلة التي ناصبتهم العداء
وصارت مخلب قط لصالح أعدائهم.