للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوروبا ـ تركيا ـ جُحا

أحمد فهمي

حسب الطرفة المروية فإن جحا تعهد أن يعلِّم حمار السلطان اللغة الإنجليزية خلال ٢٠ عاماً، وكان منطقه يعتمد على استخدام نظرية الاحتمالات؛ فبعد ٢٠ عاماً سيحدث غالباً واحد من ثلاثة على الأقل: أن يموت السلطان، أو يموت الحمار، أو يموت جحا.

بعض الكتابات تقول إن شخصية جحا الأسطورية ذات أصل تركي، وربما لذلك يفضل الاتحاد الأوروبي أن يتعامل مع الاشتياق التركي للانضمام إلى الاتحاد وفق المنطق الجحوي، فأعلن بدء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، وهي مفاوضات - لمن لا يعرف - يُرجح أن تستمر مدة لا تقل عن عشرة أعوام كاملة، وهو ما يطرح ظلالاً من الشك حول ماهية القرار، هل يعد قبولاً عاجلاً أم رفضاً آجلاً؟

والقرار الأوروبي لا يقدم ضمانات حقيقية لانضمام تركيا إلى الاتحاد، ولذلك اعتبره المراقبون تعبيراً عن تأجيل أو ترحيل لقضية شائكة إلى أجيال قادمة؛ فلا تزال دول رئيسة في مقدمتها فرنسا وألمانيا ترفضان الانضمام التركي، وأي (فيتو) من هاتين الدولتين يمكن أن ينسف الحلم التركي في لحظات، كما أن ٧٠% من الفرنسيين يرفضون الأتراك، ولذلك فإن ترحيل الأزمة في قالب متفائل تمثل حلاً ذهبياً لجميع الأطراف؛ فبعد عشر سنوات أو أكثر قد يغير القادة الجدد مواقفهم، أو تغير الشعوب رأيها، وربما يريح الأتراك الجميع ويتنازلون عن حلمهم العظيم.

ولكن ماذا يفترض أن يحدث في مفاوضات السنوات العشر؟ أشياء كثيرة في مقدمتها قيام الأتراك بالتهيؤ لتنفيذ ٨٠.٠٠٠ صفحة من قوانين الاتحاد الأوروبي تشمل كل مجالات الحياة، وبعبارة مبسطة: سيبدأ الأتراك مرحلة جديدة في ماراثون «خلع الهوية» الذي يمارسونه من عقود طويلة، وكأن ما قدمته العلمانية التركية منذ أتاتورك إلى الآن لإثبات النزاهة أو البلاهة غير كاف؛ فإسقاط الخلافة، وتحريم الإسلام، وتأليه العلمانية، وتحريف اللغة، ليست إنجازات كافية، وكأن قيام تركيا بدور القدوة ومصدر الإلهام للعلمانيين في بلاد المسلمين ليس مقنعاً للعالم الغربي القديم كي يرحب بالنظام التركي الذي قدم آخر إنجازاته وهو مشروع علمنة طَموح للحركات الإسلامية السياسية ممثل في حزب العدالة الحاكم.

والطريف أن الأتراك أنفسهم يعلمون جيداً أن الصراع هو محور العلاقات بين العالمين الغربي المسيحي، والإسلامي. ويقرأ الأتراك حالياً بشغف رواية تركية من الخيال العلمي اسمها «العاصفة المعدنية» وتتحدث عن حرب صليبية تشنها الولايات المتحدة بزعامة (جورج بوش) في العام ٢٠٠٧م لطرد الأتراك البرابرة من الأناضول وتحويلها إلى أرض نصرانية، وقد بيع من الرواية ٣٠٠ ألف نسخة.

ونعود إلى المنطق الجحوي لنجد أن دولاً أوروبية أخرى بدأت تعتبره مفيداً في التعامل مع القضايا العربية، فقد بشَّر وزير الخارجية البريطاني جاك استرو بقرب استقرار العراق، فقال: «أنا متفائل بالنسبة للعراق أعتقد أنه بين خمس إلى عشر سنوات سوف نراه وقد أصبح مستقراً» .. فهل هناك أحد يحسب؟