للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

فلسطين.. نزف مستمر وعطاء دائم!

[حماس وما حولها بعد الشيخ ياسين]

أمير سعيد

[email protected]

شأن العظماء دوماً ألا يكون موتهم وحياتهم سواء، وأن يتعدى فقدانهم

التأثيرات المحلية إلى الإقليمية والدولية، وذاك شأن الشيخ أحمد ياسين الذي أحدث

استشهاده انقلاباً في حياة فلسطين والأمتين العربية والإسلامية.. وسر العظمة أن

في «غيابه» تجتمع الخسارة الكبيرة والربح الوافر، وهما لا يتقابلان إلا لدى

استشهاد الشيخ أحمد ياسين تاج المقاومة الإسلامية الفلسطينية وعنوان الصمود.

هل شهد العالم المعاصر من قبل رجلاً تُوِّج زعيماً للأمتين العربية والإسلامية

يوم استشهاده؟ بالتأكيد إن ذلك لم يحدث من قبل، ولم يتوافر إلا للشيخ ياسين عليه

رحمات الله المدرارة؛ فقد شهد العالم الإسلامي أعظم استفتاء بزعامة الشيخ ياسين؛

عرفاناً لرجل ضن التاريخ أن يخلف مثله.

لم يكن الزعيم قبل استشهاده بهذه الشعبية الجارفة، ولم يكن موحداً للأمة

الإسلامية مثلما كانها يوم أن نال الشهادة، فكان شهيداً وشاهداً للأمة الإسلامية

وشاهداً عليها، ولا غرو؛ فذاك أمر قضاه الله، ونطق بآيه القراء في الآفاق:

[إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ

اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] (آل عمران: ١٤٠) ،

فهو إذن اصطفاء من المولى للشهيد وإعلاء قدر واستشهاد من الله، ليلقي شهادته

للأمة ويكون شاهدها عند الله.

يقول صاحب الظلال في تفسير الآية: (.. هم شهداء يتخذهم الله،

ويستشهدهم على هذا الحق الذي بعث به للناس. يستشهدهم فيؤدون الشهادة.

يؤدونها أداء لا شبهة فيه، ولا مطعن عليه، ولا جدال حوله. يؤدونها بجهادهم

حتى الموت في سبيل إحقاق هذا الحق، وتقريره في دنيا الناس. يطلب الله سبحانه

منهم أداء هذه الشهادة، على أن ما جاءهم من عنده الحق، وعلى أنهم آمنوا به،

وتجردوا له، وأعزوه حتى أرخصوا كل شيء دونه، وعلى أن حياة الناس لا

تصلح ولا تستقيم إلا بهذا الحق، وعلى أنهم هم استيقنوا هذا، فلم يألوا جهداً في

كفاح الباطل وطرده من حياة الناس، وإقرار هذا الحق في عالمهم وتحقيق منهج الله

في حكم الناس.. يستشهدهم الله على هذا كله فيشهدون. وتكون شهادتهم هي هذا

الجهاد حتى الموت. وهي شهادة لا تقبل الجدال والمحال!) .

وللمفارقة البحتة الدالة على عظمة الرجل ومدى تأثيره الفاعل في العالم كله،

أن يلقب الرجل بين المسلمين بـ «شيخ المجاهدين» وبين اليهود بـ «زعيم

الإرهاب» وهو في الحالين لم تكن تقوى يداه على الإمساك بورقة فضلاً عن حمل

قنبلة!!

قضى الشيخ نحبه، ويستقوي غيره بالانتظار، وقد ترك المحللين السياسيين

يتحدثون في بقاع الدنيا عن تأثيرات «غيابه» المفترض على الساحتين العربية

والإسلامية، سواء داخل فلسطين أو خارجها، ومدى تأثير قتله غيلة على أيدي

شارون وعصابته على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي كان الشيخ ياسين

يتزعمها.

- أوروبياً: بحكم قرب أوروبا من فلسطين فإن الحدث لم يكن غائباً عن

الأوروبيين، وهو من دون شك سيرفع تلك النسبة العالية أصلاً التي صوتت في

آخر استطلاع للرأي حول الإرهاب والذي أوضح مسؤولية «إسرائيل» عن

انتشار الإرهاب في العالم؛ حين صوت الأوربيون على اختيار «إسرائيل» كأول

«دولة» إرهابية في العالم بنسبة ٥٩%، ما أحرج السياسة الأوروبية كثيراً في

حينه.

وأوروبا وإن كانت ماضية في طريق وصم حركة حماس بالإرهاب وحظر

أنشطتها ومنع المسلمين فيها من دعمها مادياً ومعنوياً فإن استمرارها في هذا السبيل

مرتبط بعقيدتها أولاً، ثم مدى تحررها من ربقة التبعية السياسية للولايات المتحدة

الأم الرؤوم لـ «إسرائيل» ومدى استثمار المنظمات الإسلامية لهذا الحادث في

تجسيد إرهابية الفعل العسكري «الإسرائيلي» .

- أمريكياً: ليس لها كبير تأثير على السياسة الأمريكية على المدى القريب؛

إلا أن لها تأثيرات على المدى البعيد استناداً إلى انزعاج الـ A. I. C من

الغضبة الشعبية العارمة التي عمت الحوض الإسلامي (الشرق الأوسط الكبير

حالياً!!) من المحيط إلى المحيط، والتي أظهرت أن هذه الأمة رغم كل ما حاق بها

من تغريب تمسك بتلابيبه الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلا أنها ما زالت عصية على

كل محاولات تركيعها وتسجيدها للبيت الأبيض، وأنها لا تحلم بغد أمريكي بقدر ما

تحلم بالخلاص منه.

- عربياً: كان الأمر مفاجئاً للجميع ومحرجاً لزعامات كانت تستعد لقمة

مهيضة سرعان ما عرفت طريقها إلى الانزواء. والحق أن تتويج الشيخ ياسين

كزعيم حاضر للأمة العربية كان أعظم نتائج حادثة الاغتيال؛ فبعد الزعيم القومي

عبد الناصر لم تلتئم الأمة العربية على زعيم، وإذ أردنا الدقة أكثر من ذلك لقلنا إن

الذي يجمع الأمة العربية هو الإسلام لا القومية، ولذا فإن تتويج الشيخ كزعيم

حقيقي للأمة لا كزعيم حنجوري كما ألفناه في القوميين وعلى رأسهم «الزعيم

الملهم» يعد سابقة فريدة في العصر الحديث؛ ذاك أنه ولأول مرة منذ سقوط

الخلافة العثمانية تدين الأمة العربية لرجل لا يمارس فعلياً أي سلطان على الأمة

العربية إلا سلطان العقيدة، وإذا كان كثير من الزعامات الكرتونية قد نجحوا في

أسر عشرات الآلاف من مناضلي شعوبهم؛ فإن الشيخ من دون أن يحرك يديه كان

قادراً على أسر قلوب مئات الملايين في العالم العربي والإسلامي. حتى صار

كرسيه أشهر من كل الكراسي الوثيرة، ولا غرابة فكرسيه «متحرك» وكراسيهم

«جامدة» ، وكرسيه وإن خلا فهو مفعم بكل معاني القيادة والرفعة والشموخ،

وكراسيهم متخمة وأصحابها خواء وأفئدتهم هواء.

وفي صلب السياسة لا نبتعد ولا نهرب إلى الأحلام وعبارات الأدب حين

نقول إن مشهد رأس الشيخ وهو يبتسم وقد خرج دماغه من رأسه لا يعبر فيما يعبر

إلا عن أفكار كانت حبيسة رأسه فشاعت في الآفاق لا تحدها حدود فلسطين، لتكون

عنوان المرحلة «عقيدة بلا حدود.. مقاومة بلا حدود.. جهاد بلا حدود» .

ولا أبالغ إن قلت: إن اغتيال الشيخ سيكون له أثر قد لا يظهر الآن؛ لكنه قد

انقدح في لا شعور الكثير من شباب وأطفال العروبة بما لا يمكن تلمسه في يوم

وليلة، وبما يعجز معه المتابع أن يدعي إلمامه بتأثيره النفسي والسلوكي على المدى

القريب فضلاً عن البعيد.

لم يكن العرب كل العرب يجتمعون على شخص زعيم سياسي مثلما اجتمعوا

إثر استشهاد الشيخ الزعيم، ومكسب كبير للأمة العربية أن يكون رمزها المرحلي

هو رمزاً إسلامياً سواء كان حياً في الأرض أم حياً عند ربه.

- فلسطينياً: وهو بيت القصيد: لتداعيات اغتيال الشيخ الشهيد تداعيات

على أصعدة مختلفة يمكن اختزالها فيما يلي:

١ - يتوقع أن يكون لاغتيال الشيخ تأثير قوي على حركة حماس؛ فهي قد

فقدت رمزاً لها كان موضع احترام كل الفصائل ولا يختلف بشأنه اثنان، وهو في

الوقت المناسب كان فائق النجاح في لملمة الجراح والحؤول دون انفراط عقد الوحدة

الفلسطينية وصمام أمان ضد احتمالات الاحتراب الداخلي الفلسطيني.

إن خسارة الشيخ هي خسارة للحمة الفصائل وإلى المهابة الكبيرة الداخلية

للحركة بسبب أن الشيخ ياسين كان موضع تقدير واحترام الجميع من أتباعه

ومخالفيه أيضاً.

٢ - من جهة أخرى؛ فإن اغتيال الشيخ سيؤدي في الغالب إلى منح حركة

حماس قدراً من الحصانة الداخلية لعدة أشهر على الأقل لا يتوقع خلالها أن تستهدف

الحركة من قِبَل السلطة الفلسطينية أو أي جهة قد تتولى مسؤولية إدارة قطاع غزة

في القريب المنظور، ومرد هذه الحصانة المفترضة ليس قوة حماس المادية فهي قد

تأثرت بالغاً من سياسة الاغتيالات في الداخل والتضييق على سبل دعمها من

الخارج وإنما من ارتفاع شعبيتها الملحوظ في فلسطين خصوصاً والعالم الإسلامي

والعربي عموماً الذي بات متفهما إلى حد كبير لضرورة ردها على العدوان

الصهيوني الذي لا يسير إلا بطريق القهر المسلح للفلسطينيين.

وإلى ذلك، فالمتوقع أن تكون حركة حماس الآن قد تبوأت وضع الفصيل

الشعبي الأول في فلسطين، وإنها وإن كانت تخسر كل فترة وجيزة قيادياً متميزاً

يندر أن يجود الزمان بمثله إلا أنها تكسب آلافاً من الأنصار الجدد، ولعلنا نلحظ أن

رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس وزرائه أحمد قريع لم يكن لهما أي

حضور أو تأثير يذكر في الحادث برغم أنهما أرادا أن يركبا موجة التنديد، وأن

بيت العزاء الذي أقامه الأول لم يشهد حضوراً لائقاً من أحد اللهم إلا من أركان

حكمه وبعض المستفيدين والبسطاء، وهذا كله يشي بأن الحركة قد صارت عنوان

فلسطين الأوحد في هذه المرحلة وهو مكسب عظيم لحماس في وقت تعاني فيه من

الضعف العسكري واللوجيستي.

٣ - أخطر ما في قضية اغتيال الشيخ ياسين فيما يخص حركة حماس، أن

الكيان الصهيوني بات يتحرك بلا محرمات وبلا خطوط حمراء، وهو يسعى جاهداً

للنيل من قادة الحركة الفلسطينية الراشدة، ومن ثم فإن الحديث عن عزم أجهزة

الأمن الصهيونية استهداف نحو ٧٠ من قادة حماس لا يمكن وضعه في خانة التهديد

الفارغ، وإنما هو هدف ستسعى إليه «إسرائيل» حثيثاً، ويعني أول ما يعني أن

الحركة الإسلامية الفلسطينية باتت في خطر بالغ يتهددها؛ إذ لا فرق بين عسكري

ومدني من قادة حماس، وهذا من شأنه أن يدفع الحركة للانكماش التأميني لحياة قادة

لا ترى لهم نظراء في الجيل الثاني والثالث من الشباب.

وصحيح أن الحركة مؤسسة ولها أجندتها الواضحة، وقد تجذرت بعمق سحيق

داخل التربة الفلسطينية بما لا يجعل اجتثاثها حتى مجرد حلم يراود الصهاينة؛ غير

أن ذلك لا يجعلنا ندفن رؤوسنا في الرمال مهملين تأثير غياب قادة الفكر والتنظير

والتنظيم والتاريخ والخبرة والحنكة والتجارب وحتى العسكرية منها على هذه

الحركة المناضلة واحداً تلو الآخر (الشيخ أحمد ياسين زعيمها الروحي ٢٢/٣/

٢٠٠٤م، المهندس إسماعيل أبو شنب مؤسس بُناها التنظيمية وخلاياها، والشيخ

صلاح شحادة مؤسس كتائب عز الدين القسام يوليو ٢٠٠٢، وإبراهيم المقادمة

القيادي البارز مارس ٢٠٠٣م، ومحمود أبو هنود أحد أبرز قادة كتائب عز الدين

القسام ٢٣/١١/٢٠٠١، وجمال منصور وجمال سليم القياديين السياسيين البارزين

في نابلس (الضفة الغربية بعد دقائق من إدلائهما بحديث صحفي لـ C. B. B

٣١/٧/٢٠٠١م، فضلاً عن المحاولتين اللتين لم تفلحا لاغتيال زعيم حركة حماس

في غزة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والقائد السياسي البارز إسماعيل هنية) .

وإذا كان المنظِّر الصهيوني (رؤوبين باز) من مركز هرتسليا قد قال في

ندوة أجرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية بعد أيام قليلة على اغتيال

الرمز الفلسطيني إن «اغتيال ياسين لن يضعف حماس البتة. وما تفعله إسرائيل

من شأنه فقط أن يضاعف قوة الجذب التي تنطوي عليها هذه الحركة (..) وحتى

لو تم القضاء على سائر القادة فإن هناك ما يكفي من الناس لدى القيادة الوسطى

لملء الصفوف في القيادة العليا أيضاً» .

وإذا كان هذا أيضاً ما قاله مسؤول أمني صهيوني كبير حين وصف سياسة

التصفيات التي تنتهجها «إسرائيل» بأنها «مثل تفريغ البحر بوعاء» ، وأيضاً

ما أكده (يعقوب بيري) الرئيس الأسبق للشاباك، قائلاً: «لا يمكن تصفية

الأيديولوجيات بالقوة من خلال قتل الزعماء» ، إلا أن ذلك لا يقلل أبداً من حجم

العبء الذي تنوء به حماس وحدها حين تجد نفسها مضطرة كل يوم لتغيير تحركات

قادتها، مدفوعة إلى الانكماش رغماً عنها.

٤ - وثمة ما هو أخطر من النقطة السابقة؛ بيد أنه غير متضح إلى اللحظة،

أننا نخشى أن يكون تصفية القادة وسياسة الاغتيالات توطئة لمرحلة الترانسفير؛ إذ

إن الواضح أن كلا الكيانين المحتلين في فلسطين والعراق لا يتورعان عن تنفيذ

مخططاتهما الشيطانية؛ سواء بالنسبة للترحيل القسري لأعداد كبيرة من الفلسطينيين

خشية من تغير الخريطة السكانية في فلسطين لصالح أصحاب الأرض، وعطفاً

عليه الهجرة العكسية الصهيونية التي أدت لرحيل ثلاثة أرباع مليون صهيوني منذ

بدء الانتفاضة قبل ٤٠ شهراً، أو بالنسبة لتقسيم العراق «الإقليم الشرقي لدولة

إسرائيل الكبرى» ، وكلا الأمرين لا يحدهما في نظر المحتلين سوى وجود

«المتاعب» التي تسببها لهم المقاومة في فلسطين والعراق.

٥ - وضع اغتيال الشيخ ياسين حركته المجاهدة في موقف صعب؛ إذ كان

توقيت اغتياله محكماً؛ فقد قرأ شارون رد فعل الحركة على اغتيال كل من المهندس

إسماعيل أبو شنب والشيخ إبراهيم المقادمة وغيرهما من قادة حماس البارزين فوجده

دون قدر الرجلين، وأثار ذلك شهوته الدموية لتسديد ضربة مؤلمة لحماس في وقت

ربما تكون فيه عاجزة عن الرد المكافئ ما يوفر له ميزة كسر الحاجز النفسي

الصهيوني لاغتيال زعماء المقاومة بشكل عام ويمهد لتكرار ذلك دون خوف من رد

الفعل، ويظهر الحركة بصورة العاجز أمام الشعب الفلسطيني وهو ما يخلع عنها

حينئذ بأمله البائر رداء حامية الفلسطينيين.

٦ - بقدر ما كانت حادثة الاغتيال موضع فخر لرئيس العدوان الصهيوني

شارون وزادت من شعبيته (أظهر استطلاع فوري للرأي عقب اغتيال الشيخ أن

نسبة الصهاينة المؤيدين لسياسة شارون بلغت ٦١%) ، بقدر ما كشفت عن أن

شارون نفسه وأركان حكمه مأزومون ويمارسون سياسة الهروب إلى الأمام في

ظلال سياسة لا ترى أي أفق للحل يوفر للمغتصبين قدراً من الأمن.

شارون الذي عجز عن إسكات صوت المقاومة واختراق كتائب القسام التي لا

زالت تعمل تحت الأرض لم يجد أمامه سوى هذا الهدف السهل الذي لا يراه وحده

بل يراه كل العالم، ولا يحتاج اصطياده لأجهزة استخبارات كبيرة بل لمجرد مرشد

أمني لا يجيد القراءة والكتابة ليعرف متى يخرج الشيخ من بيته للصلاة.

هو إذن كان معروفاً للجميع وتعاقبت الحكومات عليه ولم تجد مسوغاً

لاستهدافه، بل مر أكثر من ٣٠ شهراً وشارون في الحكم ولم ير لذلك بداً؛ فما

الذي تغير؟ الذي تغير هو حالة الانسداد التي بات يحياها الكيان الخرب؛ الذي

يمارس زعيمه سياسة الهروب إلى الأمام ويتبعه القطيع (٦١%) لا يرون في

الأفق أي حل لكنهم يسيرون بلا هدى في طريق الخنازير.

ولعل شارون نفسه الآن يضحك باستهزاء بينه وبين نفسه لهؤلاء الذين

استحسنوا غباءه، لكنني عن يقين أقول إن فرحته هذه نسفها الـ (١٠٠%) الذين

خرجوا يوم ٢٢ مارس يصوتون بحناجرهم ودموع مآقيهم وقبضات أيديهم الفتية

الواعدة المتوعدة للشيخ الجليل وشهيد الأمة البار.

٧ - مثلت عملية اغتيال الزعيم المسلم أحمد ياسين هزيمة نوعية للجيش

الصهيوني ونظريات الأمن الصهيونية؛ فكما هو معلوم أن تراكم عمليات المجازر

توهن كثيراً من عضد الجيوش التي أنشئت بالأساس لخوض غمار حروب وتحقيق

بطولات عسكرية، والجيش الصهيوني برغم خسته وأصوله الضاربة بجذورها

الوضيعة، وبرغم تنفيذه عدة مجازر من قبل إلا أن عملية بهذا الحجم من الحقارة

والضعة لا تجعل الجيش الصهيوني موضع فخر حتى عند اليمين الصهيوني ذاته؛

لأن ما ينسحب على كل جيوش العالم ينسحب أيضاً على جيش الاحتلال من حيث

إن طياريه ومقاتليه الذين يحظون بتدريبات فائقة الجودة لم يكونوا يخوضونها

ليصطادوا المقعدين مهما مثلوا من قيمة عندهم وعند عدوهم، ولذا فلا يستبعد أن

يجر هذا الحادث مزيداً من الاحتقان داخل جيش الصهاينة وهو ما قد يستدعي من

جديد صوراً لرافضي الخدمة العسكرية التي لا تخدم إلا الأعمال الاستخبارية

القذرة.

٨ - حركة حماس يعرف الجميع أن لمكتبها السياسي وضعاً متميزاً فيها قبل

رحيل الشيخ وبعده، ولعل أول من يعرف أهميته هو الكيان الصهيوني ذاته؛ فهو

قد حاول اغتيال عبقري الحركة الأستاذ: خالد مشعل رئيس المكتب (سلمه الله

وحفظه) من قبل، وأوعز إلى الولايات المتحدة فألقت القبض على الأستاذ موسى

أبو مرزوق نائب رئيس المكتب (ورئيسه سابقاً) إلى أن أرغمت على الإفراج عنه

قبل سنوات. ونخشى أن يتعرض الآن وبعد مضي «أيام العزاء» إلى ضغوط أو

ربما اغتيالات، أو لنقل بكل أسف هذا ما نتوقعه في ظل ضغوط عامة على الدول

العربية، لا سيما بعد أن أصبحت سوريا تحت المطرقة الأمريكية مباشرة بعد إذعان

ليبيا وخلو المنطقة من معارضي الولايات المتحدة.

ولا شك أن الكيان الصهيوني لن ينظر للظهور المتكرر لقادة حماس في

الخارج بعين «الارتياح» ومن ثم فإنه وهو يسعى لتصفية الداخل، سيسعى بمعية

الأمريكان لأن ينال من البعد السياسي الخارجي للحركة.

وتبقى حركة حماس بحاجة أكثر من أي وقت مضى للمساندة الشعبية الفاعلة،

ولا يقبل على وجه الإطلاق أن تبقى مساندة الشعوب العربية والإسلامية لهذه

الحركة التي تدافع عن دينها ومقدساتها وأعراضها وأوطانها في هذه المرحلة

العصيبة مقتصرة على تلك الدموع التي جرت على الخدود هتانة حزناً على الشيخ

الجليل. بل لا بد من تحركات شعبية مساندة لحق هذه الشعوب السليب في فلسطين،

وتظل الحركة رغم كل أتراحها وجراحها هي أمل هذه الشعوب بعد الله سبحانه

في تحقيق نصر لهذه الأمة المهيضة ولمّ شعثها، وتظل هي السد المنيع الذي يقف

بوجه الطوفان الصهيوني أن يُغرق المنطقة.. تظل مرابطة بأكناف بيت المقدس لا

يضرها من خذلها ولا من خالفها، ولكن يضر خاذليها خذلانهم لها، [وَاللَّهُ غَالِبٌ

عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ] (يوسف: ٢١) .