للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

مناهجنا.. آخر الحصون

مناهجنا.. آخر الحصون

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه

أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها

جدعاء؟) [١] ، وفي رواية للترمذي والبيهقي ( ... أو يشركانه..)

والحديث يشير إلى دور التنشئة الاجتماعية التي يقوم بها الأبوان لإحداث

تحولات جذرية في عقيدة النشء الجديد وإيمائه، تلك التحولات التي تحدث عن

طريق الفعل المقصود الذي قد يصل إلى مرحلة القسر غير المحسوس (يهودانه)

و (ينصرانه) و (يمجسانه) و (يشركانه) ..

وإذا كان الأبوان في الماضي هما اللذان يقومان بالدور الأكبر في إحداث هذه

التحولات فإن طبيعة المجتمعات المعاصرة جعلت لهما شركاء في إحداث هذه

التحولات، تتمثل في المدرسة ووسائل الإعلام والمنتديات والبيئة الاجتماعية ...

ولكن يبقى الأبوان دائمًا هما المسؤولان الأساسيان عن هذه التحولات، إذ إنهما هما

اللذان يوجهان وليدهما أو يدفعانه أو يلقيان به إلى هذه (البدائل الأبوية) الجديدة

لتعيد تشكيل عقله وصياغة عاطفته وقلبه.

وقد فطن أعداؤنا إلى أهمية هذه (البدائل الأبوية) فاعتنوا بها وركزوا عليها

ففتحوا في بادئ الأمر مدارس الإرساليات التبشيرية (التنصيرية) واستقطبوا

فيها أبناء الطبقات المؤثرة في المجتمع، ثم عملوا على شطر نظم التعليم إلى شقين:

تعليم ديني وتعليم أسموه تعليمًا مدنيًا، مع احتواء الأخير على بعض المناهج

الشريعة، ثم علموا بعد ذلك على إضعاف هذه المناهج الشرعية في هذا التعليم

المدني بعدة طرق، منها: طريقة وضع المنهج، وطريقة تدريسه، وموقع

حصصه في اليوم الدراسي، ومنها: الحط من مدرسية وإهمالهم، ثم عملوا بعد

ذلك على تخفيض عدد ساعات هذه المناهج، وفي مرحلة لاحقة عمدوا إلى تعديل

هذه المناهج بما يتوافق مع الاتجاهات العلمانية والعولمية.

أما التعليم الديني فلم يسلم هو الآخر من أذاهم، فباسم التطوير أدخلوا فيه

مناهج لبعض المواد غير الشرعية، لا لتوسيع أفق الطالب ولكن لمزاحمة مناهج

المواد الشرعية، وبعد ذلك طالبوا - تخفيفًا على الطالب - تخفيض حجم المواد

الشرعية.

وفي حقبة ما بعد ١١ سبتمبر ازدادت الهجمة شراسة ووضوحًا وصراحة على

المناهج الشرعية في التعليم الديني وغيره بدعوى أن هذه المناهج هي المسؤولة عن

تفريخ الإرهاب بزعمهم، بل طالت هذه الهجمة الإسلام نفسه ومصادره الأصلية كما

صرح بذلك بعض المسؤولين الغربيين، ووضعوا الخطط للتدخل في هذا التعليم كما

يظهر في عدة بلدان وتعد باكستان واليمن أبرز نموذجين لذلك.

فما هي جذر هذه الهجمة، وما هو واقعها؟ وما حقيقة العلاقة بين التعليم

الديني والإرهاب؟ وما أثر تغيير هذه المناهج على حياتنا وحياة أبنائنا، وفي

المقابل: ما هو موقع التعليم الديني وحجمه عند الطرف (الآخر) ؟

كل ذلك وغيره نحاول الإجابة عنه في هذا الملف الذي نرجو أن يكون إسهامًا

في توضيح هذه القضية المهمة.


(١) أخرجه البخاري، رقم ١٣٨.