للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حوار مع الدكتور محمد بشار الفيضي]

الناطق الرسمي لهيئة علماء المسلمين:

لا يمكن أن يبدأ أي مشروع مالم يغادر المحتل

أجرى الحوار: إبراهيم جاسم

شغلت هيئة علماء المسلمين في العراق الناس منذ ظهورها؛ فهي تمثل أبرز مرجعية سنية في العراق، وقد حاولت أن تجمع أغلب أطياف الشعب العراقي، وتبنت مقاومة الاحتلال منذ أول يوم وكانت لها مواقف مشهودة في ذلك.

والدكتور محمد بشار محمد أمين الفيضي عضو تأسيسي للهيئة، وعضو الأمانة العامة لها، والمتحدث الرسمي باسمها، إضافة إلى كونه رئيس قسم الحديث في الجامعة الإسلامية في بغداد، وإمام وخطيب جامع طيبة في بغداد، التقت به البيان للحديث عن العراق في الظرف الراهن والمستقبل ودور الهيئة. وكنا نتمنى أن نستكمل معه أطراف المستجدات الأخيرة، لكن أوضاعه الأمنية لم تسمح له بذلك خاصة بعد مقتل أخيه عضو هيئة العلماء ـ رحمه الله ـ.

البيان ترحب بكم فضيلة الشيخ، وتشكركم على إتاحة الفرصة لهذا اللقاء.

الدكتور الفيضي: شكراً جزيلاً وأنا أرحب بها أيضاً في هذا اللقاء للمرة الأولى.

البيان: لنبدأ حوارنا فضيلة الدكتور بتعريف قرّاء البيان بهيئة علماء المسلمين.

- هيئة علماء المسلمين تشكلت بعد سقوط النظام بأربعة أيام لمعالجة مشكلات أفرزها الاحتلال؛ منها الفراغ الإداري فيما يخص إدارة المساجد خصوصاً؛ ومنها معالجة مشكلة الطائفية التي بدأ المحتل يضع بذورها كمقدمة لحرب أهلية؛ ومنها مشكلة موالاة المحتل؛ فقد كانت هناك مشاعر بالرضا بالوجود الأمريكي، وكنا نعلم خطورة ذلك، ولذلك أيضاً بدأ العمل منذ الأيام الأولى بتثقيف الشعب على البراءة من الاحتلال، وأن لا يغتروا بالشعارات؛ لأن التأريخ يشهد بأنها مزيفة، وأن هناك أهدافاً خطيرة من وراء هذا الاحتلال. هذه هي المحاور الثلاثة التي بدأت من خلالها الهيئة أعمالها. بدأت بهيئة تأسيسية تكونت من عشرين عضواً، ثم تحولت الهيئة التأسيسية مع عشرين آخرين دخلوا إليها فيما بعد إلى مجلس شورى، انبثق من مجلس الشورى الأمانة العامة بثلاثة عشر عضواً، وعبر الانتخابات كان أمينها العام الشيخ د. حارث الضاري.

البيان: هل لديكم برنامج سياسي تقدمونه للناس؟ وهل تنطلقون فيه من منطلق ديني أم من منطلق وطني؟

- نحن بصفتنا مرجعية دينية لا بد أن نكون بمستوى المسؤولية؛ لذلك لدينا برنامج سياسي ينطلق بالدرجة الأولى من الثوابت الشرعية، ويراعي كذلك المصالح الوطنية؛ لأننا نعتقد أنَّ المحافظة على الوطن جزء من الدين حسبما يقول سيدنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «من قاتل دون ماله فهو شهيد، ودون أهله فهو شهيد، ودون دينه فهو شهيد» . نسأل أين يوجد هؤلاء؟ يوجدون على الأرض؛ فبالضرورة أن يكون مَنْ قتل دون أرضه فهو شهيد كذلك. أما مشروعنا السياسي فهو يركز بالدرجة الأولى على المشكلة الكبرى وهي الاحتلال، لا يمكن أن يبدأ أي مشروع ما لم يغادر الاحتلال أرض العراق، ونعتقد أنَّّ الدعوات التي تدعو لقبول المشاريع السياسية في ظل الاحتلال تضمن تكريساً لوجود الاحتلال، وهي من الخطورة بمكان؛ بحيث لا تقل آثارها السلبية عن الاحتلال نفسه، أما بعد أن يمنَّ الله علينا بجلاء الاحتلال؛ فنحن مع الانتخابات التي تُمنَح للشعب العراقي ليمارسها بحرية، وينتخب القادة الذين يعقد عليهم الآمال، والشورى ثابتة من ثوابت الدين.

البيان: لِمَ هاجمتم قانون الدولة المؤقت، ورفضتم المشاركة في الجمعية الوطنية؟ وما موقفكم من الانتخابات القادمة؟

- القانون المؤقت نحن سميناه مؤامرة، والمتأمل في فقراته يجد أنَّ في كل فقرة فيه شيئاً من السم ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، أراد هذا القانون أن يسوغ الوجود الأجنبي، وأن يسمح ببيع منشآت العراق، وأن يسمح بدخول الوافدين إليه، والعمل على أرضه، من دون قيد أو شرط، وأن يلغي التوجه الإسلامي لأبناء هذا البلد، وفيه مشكلات كثيرة أعربنا عنها في وقتها، لا يمكن أن تثق بقانون يضعه جلادوك، ونحن نعتقد أنَّ القانون لم يُصَغ من قِبَل أعضاء مجلس الحكم كما يُشاع، وإنما هو قانون جيء به جاهزاً من شخصيات غربية، ومن الطريف أننا وجدنا فيه فقرة تؤكد هذا؛ إذ تناقش هذه الفقرة قضية العبيد، وقضية العبيد عندنا في العالم الإسلامي انتهى أمرها منذ أمد، لكنها إلى حد قريب كانت موجودة في أمريكا، فحتى هذه غفل من وضع القانون فنقلها إلينا بحماقة، ولعلها من لطف الله ليترك هذه البصمة لتدل على أنَّ القانون أمريكي، نحن نرفض صياغة أي قانون يتجاهل ثوابت الإسلام، نحن مسلمون، ومن حقنا أن نختار القانون الذي يلائمنا.

أما الجمعية الوطنية فنحن لم نشارك فيها، وقلنا إنَّ هذه الجمعية لن تحصل على الثقة، وفي لقائنا مع الأخضر الإبراهيمي سلمنا له مقترحات كانت رائعة جداً لو تم الأخذ بها، وكان من الممكن أن تحل المشكلة العراقية إلى حد كبير، ويوم جاء الإبراهيمي رأينا أنه نوّه بالكثير من هذه المقترحات التي رفضها الأمريكيون ورفضها أعضاء مجلس الحكم.

البيان: ما هي هذه المقترحات؟

- نحن اقترحنا أن تشكل الحكومة العراقية الحالية من غير أعضاء مجلس الحكم، وقلنا إنَّ هؤلاء الأعضاء تعرضوا لفقدان الثقة فلا يمكن أن تُشكَل الحكومة الحالية منهم، وهذه مرحلة حساسة يُفترَض أن يقتنع من خلالها الشعب العراقي بأعضاء الحكومة ليتعاونوا معها، وقلنا لا بأس من تشكيل لجنة من الأمم المتحدة تتقدم إليها شخصيات مختارة تمتحنهم، وتنسب إليهم المهام حسب الاختصاص والكفاءة، وأن تشارك في هذا جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وقلنا أيضاً لا بد أن يخرج الأمريكيون من المدن كمرحلة مؤقتة، وأن تباشر هذه العملية برمتها الأمم المتحدة باعتبارها طرفاً محايداً إلى حد ما، وهي في قضايا كثيرة ليست محايدة حين تتعرض للضغوط الأمريكية، ولكنها في قضية العراق هناك نوع من الثقة بها بسبب أنها رفضت أن تمنح الأمريكيين إذناً بغزو العراق؛ هذا الرفض جعلها تتمتع بشيء من المصداقية، فقلنا لو أنَّ الأمم المتحدة باشرت هذا الموضوع فإننا نعتقد أنَّ الشعب العراقي سيستقبل فكرة الحكومة الجديدة، ولكن رُفِضَ هذا الأمر من قِبَل الأمريكيين، وتمت صياغة الحكومة بطريقة تتضح عليها آثار التدخل الأمريكي، لذلك قلنا من أول يوم تشكلت فيه: إن َّ هذه الحكومة لن تحظى بثقة الشعب العراقي، وستتعرض للطعن، وقلنا: نتوقع أن تشهد الأشهر السبعة القادمة تصاعداً غير طبيعي للمقاومة، وحدث ما كنا توقعناه، وللأسف الشديد أن بعض مواقع شبكة المعلومات الدولية قالت (ومن أين للفيضي علم بهذا هل نزل عليه الوحي؟) . أنا أتعجب من اعتراض كهذا الذي لا يحتاج إلى وحي، والوحي من الله قد انقطع منذ انتقال سيدنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، ولكن من البديهيات السياسية لكل مشتغل في عالم السياسة، أو لديه معلومات متواضعة يعلم أن حكومة يضعها المحتل لن تحظى بالثقة، وستقاوَم من قِبَل الشعب.

أما بالنسب للانتخابات القادمة فنحن لدينا مواقف ثابتة منبعثة من ثوابتنا الشرعية؛ قلنا إنا لن نشارك في أيّ عملية سياسية تجري في ظل الاحتلال، أو بإشرافه؛ لأنَّ هذه العملية لن تحظى بالمصداقية، ولن تكتسب الشرعية، وكما قلت سابقاً لا يمكن أن تُسنِد إلى الجلاَّد مشروعاً مهماً مثل هذا المشروع، ولكن جدَّ جديد في حينه هو فكرة انعقاد مؤتمر في القاهرة، ورافقه مقترح فرنسي رأيناه خطوة في الاتجاه الصحيح تضمّن بندين مهمين:

١ ـ أن يتضمن المؤتمر جدولاً زمنياً لانسحاب قوات الاحتلال.

٢ ـ أن تشارك أطياف الشعب العراقي في المؤتمر، ومنها أبناء المقاومة العراقية (١) .

قلنا إذا أُخِذَ هذا المقترح بعين الاعتبار فنؤجل كلمتنا الفصل في الانتخابات لحين انعقاد المؤتمر وانتظار النتائج التي سيتمخض عنها المؤتمر، ثم حدث طارئ آخر هو الإعداد لاجتياح الفلوجة، وطلب منا أهل الفلوجة أن نعقد مؤتمراً لعلماء العراق كافة من أعضاء الهيئة ومن غير أعضاء الهيئة لتدارس موقف الفلوجة، وقمنا بالفعل باستضافة هذا المؤتمر، واجتمع فيه ما يقرب من مئتي عالم من علماء العراق، وتدارسوا الموضوع، وخرجوا بقرارات مهمة منها أنه في حالة اجتياح الفلوجة، أو استمرار قصفها بالطائرات، أو طال هذا القصف أي مدينة عراقية أخرى، فإن علماء العراق سيدعون الشعب العراقي إلى مقاطعة الانتخابات. التزمنا بموجب هذا الطارئ مع إخواننا العلماء، لذلك فإن موقفنا هو هذا.

بطبيعة الحال لا يعني هذا أن الأمريكيين إذا لم يجتاحوا الفلوجة فإننا سنشترك في الانتخابات؛ لأنَّ هذا الشرط إضافي. لو افترضنا جدلاً أن الأمريكيين لن يجتاحوا الفلوجة، فسنعود إلى موقفنا الأول وهو عدم المشاركة في الانتخابات، والطعن في مصداقيتها. على أنه من المناسب القول إن هذا القرار قد استوفى شرطه؛ لأنَّ الأمريكيين بعد صدور قرارنا قصفوا الفلوجة عدة مرات.

البيان: هل تعد الهيئة واجهة سياسية للمقاومة؟ وما مدى تأثيرها على الجماعات الجهادية؟

- حتى نكون صرحاء نحن لسنا واجهة، ولكن القدر ساقنا، وهذا قدر الله، لنعبر عن مواقف أبناء المقاومة العراقية. المعلوم أنَّ أبناء المقاومة العراقية هوياتهم ليست واضحة المعالم، تطغى عليهم صفة الشبحية، هم فيما علمنا يرون ذلك ضرورة؛ لأنهم إذا ظهروا فسيستهدَفون حتماً؛ فنحن من حرصنا على قضيتنا بدأنا نجهر بالمطالب الوطنية والمطالب الدينية التي تتفق مع مطالب أبناء المقاومة العراقية، لذلك أصبحنا من حيث لا نشعر كأننا وجه سياسي للمقاومة العراقية، أصبحنا في وضع يعبر عن مواقف العراق السياسية، وهي أيضاً ذات المواقف التي تطمح إليها المقاومة. أما تأثيرنا على أبناء المقاومة العراقية فنحن نلاحظ أننا نؤثر على الكثيرين، ولكن ليس على الجميع، ولاحظنا هذا من مؤشرات كثيرة؛ منها أنّ أبناء المقاومة كانوا يصدرون بيانات يدينون فيها شخصيات وهيئات دينية وسياسية، ويتجنبون التعرض لهيئة علماء المسلمين، مما يوحي أن هناك رضا عن سياسة الهيئة، وقناعة بمصداقيتها، ومنها موضوع الرهائن كشف لنا شيئاً من هذا؛ فيوم أطلقنا نداءنا بإطلاق الرهائن الذين لا علاقة لهم بقوات الاحتلال، فوجئنا بإطلاق سراح أكثر من عشرين رهينة خلال فترة وجيزة، وكان المحتجِزون يظهرون على الشاشة، ويقولون فعلنا هذا استجابة لنداء الهيئة. هنا أدركنا أننا نتمتع بثقة مباركة لدى أبناء المقاومة، وبصراحة هذا يُدخل في قلوبنا البهجة، لكن في الوقت نفسه نلاحظ أن هناك جماعات لا تمنحنا هذا الاعتبار، وحينما نناشدها بتصحيح خطئها فإنها لا تستجيب.

البيان: تحدث في العراق دورياً العديد من عمليات الاختطاف، وقد كنتم وسيطاً ناجحاً في إطلاق العديد منهم؛ فما رأيكم في هذه العمليات؟ وما رأيكم فيمن يدعي أنكم وراء بعض عمليات اختطاف الرهائن ثم إطلاقهم لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية؟

- ظاهرة اختطاف الرهائن ظاهرة عنف نحن لا نميل إليها، ولكن في الحرب خصوصيات. نحن نخوض حرباً، وأعداؤنا يمارسون الاختطاف ضدنا، يختطفون شبابنا، يختطفون نساءنا، بل يختطفون حتى أطفالنا، أنا لا أستطيع أن ألوم أبناء المقاومة العراقية حينما يبادلون الأسلوب بنفس الأسلوب هذا من حقهم؛ لأن الله منحهم هذا الحق {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] ، ونحن قلنا للإعلام بصراحة غير وجلين: لا نستطيع أن نلوم أبناء المقاومة العراقية حين يختطفون رهائن لها علاقة بالمحتل، ونقصد لهم علاقة. إنهم يقدمون دعماً مباشراً أو غير مباشر؛ لأنّ الذي يقدم الدعم حكمه حكم المحتل، السائق الذي يأتي بالتجهيزات العسكرية للأمريكي هو مقاتل، والذي يأتيهم بالطعام والشراب والدواء هو مقاتل، وهكذا. فحينما تحتجز رهينة من هذا النوع لا يقال إنَّ هذا الاحتجاز مرفوض لأن هذا بريء؛ هذا ليس بريئاً، هذا يطعم من يقتل أولادي، ويسقي من يهدم مسجدي، لكن في نفس الوقت نحن نرفض أي احتجاز لرهينة ليس له علاقة بالمحتل حتى وإن كان أمريكياً أو بريطانياً أو إيطالياً، ونحن حريصون على أن تسير المقاومة في الاتجاه الصحيح، وأن لا ترتكب أي أخطاء؛ فلذلك تلاحظنا عندما يحدث احتجاز رهينة يتأكد لنا أنه بريء سرعان ما نظهر على شاشات التلفاز وعبر الفضائيات نناشد إخواننا أن يطلقوا أو سراحه، وكثيرون يسألوننا: لماذا هذا الاهتمام؟ نقول: إننا حريصون على القضية العراقية وهي قضية أصبحت اليوم إسلامية ووطنية، لا نريد أن يرتكبوا أخطاء؛ لأن الأخطاء تشوّه القضية، وتضعف التفاعل معها، وللأسف الشديد هناك من لا يستجيب. كما أننا نرفض أساليب يرتكبها بعض أبناء المقاومة حتى مع الأسرى الذين يتبعون قوات الاحتلال ومنها مثلاً أسلوب الذبح، وقلنا هذا الأسلوب لا يصب في مصلحة قضيتنا، ونحن نعرف كيف يفكر شبابنا؛ لأن أكثرنا علماء ومتعايشون مع الشباب في المساجد، فقلنا لهم: قد تقولون إنّ أسلوب الذبح قد يحقق هدفاً مرحلياً؛ وهو إرعاب العدو والعمل على إضعافه، ولن نقول لا يحقق هدفاً مرحلياً، لكن يجب أن تضعوا في حسابكم أن هذا الهدف المرحلي يسيء إلى الهدف الاستراتيجي؛ وهو المحافظة على صفة الخلود للشريعة الإسلامية. نحن لا نضحي بالأهداف الاستراتيجية من أجل أهداف مرحلية؛ على سبيل المثال: الاستشهاد شيء عظيم إلا أنه هدف مرحلي، وتحقيق النصر على العدو هو هدف مرحلي أيضاً أمام الهدف الاستراتيجي {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: ٩] ، لذلك كنا نقول: يا شباب! لا تبتهجوا بهذا النصر المؤقت؛ لأنكم تضرون بالهدف الاستراتيجي حين يبصركم العالم وأنتم تذبحون رجلاً كما تذبح الشاة وهو يتلوى، إن هذا يُحدث شرخاً في التصور تجاه القضية المركزية، نتمنى منكم أن تتركوا هذا الأسلوب، ولكن للأسف الشديد لا نرى استجابة، ولن نقطع الأمل. إن من له نية صادقة في حفظ هذا الدين لا بد أن يستجيب للنداء المخلص؛ لأننا جميعاً مدعوون للحفاظ على هذا الدين وهذه قضيتنا الأولى.

أما الادعاء بأننا نتفق ـ والعياذ بالله ـ مع الخاطفين من أجل تحقيق مكاسب إعلامية؛ فأنا أتعجب منه، نحن لو أردنا المكاسب الإعلامية فقد حققناها من أول عملية اختطاف، وهي عملية اختطاف اليابانيين، عرف بهيئتنا كل العالم، وبدأت تأتينا الفضائيات بالعشرات، وأستطيع أن أقول: لا يوجد رجل في العالم لم يسمع بهيئة علماء المسلمين بسبب ذلك الحادث؛ فلو كانت القضية قضية مكاسب، لأكتفينا بهذا القدر، ولكن القضية قضية منهج، ولهذا حتى هذه اللحظة لم ننقطع عن المناشدة على رغم من أنها سببت لنا إحراجاً، وجرأت الكثير ممن يصطادون في الماء العكر على الإساءة إلينا، بسبب هذا الموضوع ترانا ما زلنا متشبثين؛ لأننا كما قلت لا ننطلق من أجل المصالح، بل نحن ننطلق من ثوابت لا تتغير، لذلك هذا الكلام للأسف الشديد مغرض، وليس له أي رصيد من الحقيقة، وأعتقد أن حصول رفض لبعض دعوات الهيئة بإطلاق سراح بعض الرهائن، لعله حكمة من الله ليبرئ ذمتنا.

البيان: بصفتكم تمثلون المرجعية الأبرز لأهل السنة في العراق فما هو حجم أهل السنة، وكيف تتصدون لعملية التهميش التي تتعرضون لها؟

- سياسة تهميشنا هي سياسة أمريكية مقصودة؛ فمنذ الأيام الأولى لغزو العراق بدأ التهميش من خلال الزعم بأننا أقلية، وأننا لا نشكل ثقلاً في الساحة، والزعم أن غيرنا أكثرية وهو ما يردده (جورج بوش) وبقية أركان الحكومة الأمريكية، والذي يعرفه كل المتخصصين في العالم أنه لا يوجد إحصاء في العراق يحدد أي جهة أقلية وأي جهة أكثرية. إذن السؤال: لماذا يتجاوز الرئيس الأمريكي منطق العلم ولغة الأرقام ويتحدث بهذه القضية؟! واضح أن هناك تهميشاً مقصوداً لنا، في أكثر من مرة سُئلنا: ألا تخشون هذا التهميش؟ فقلنا: لا؛ حين يهمشك عدوك فهو يزكيك، نحن الذي يهمنا تقييم أبناء شعبنا، فأبناء شعبنا يعرفون جداً مدى ثقلنا في الساحة، ويعرفون جيداً صحة موقفنا وسلامة خطواتنا. وأنت تلاحظ التهميش في السياسية الأمريكية على لسان رجالها؛ فمثلاً (بريمر) كان يذكر كل الناس عرباً وأكراداً وغيرهم ولا يذكر اسمنا، وهكذا يفعل بوش، ولكن، واللهِ لم يكن هذا ليزعجنا؛ لأننا نعرف أهداف الأمريكيين، ولا نعبأ إن هم همشونا أو لا، الذي يثبت على الأرض هو الذي تمتد جذوره إلى أعماقها.

البيان: ما رأيكم بالمشروع الفدرالي لإدارة العراق، وهل يعد السبيل الأمثل لحكم العراق لما يتمتع به هذا البلد من تنوع عرقي وديني وطائفي؟

- أنا أعتقد أنَّ العراق إذا بقي موحداً فهذا هو السبيل الأمثل ليبقى قوياً؛ لأن العراق يشكل نقطة مهمة في المنطقة، وتداعياته تؤثر كثيراً على العالم العربي والإسلامي، فإذا كان هشاً فستمتد هشاشته إلى العالمين العربي والإسلامي، وإذا كان قويا فستمتد قوته إليهما أيضاً، وقد لاحظنا أن الحدث يحدث في العراق وتداعياته تصل إلى أقصى الصين، لذلك نحن في الهيئة لا نرغب بأي مشروع يضعف العراق، والفدرالية تضعف العراق، أحياناً يضربون لنا أمثلة بالإمارات وأمريكا؛ نقول لهم إن الوضع يختلف. أمريكا، والإمارات كانت في الأساس دولاً ضعيفة؛ لأنها متفرقة فقوت نفسها بالمشروع الفدرالي، وانتقلت من حالة الضعف إلى حالة القوة، أما العراق فوضعه يختلف، نحن في الأساس دولة واحدة قوية، لماذا نضعف أنفسنا بالفدرالية، لكن بلا شك إنا نعتقد أن لإخواننا الأكراد وضعاً خاصاً باعتبارهم مجموعة عرقية كبيرة، تعرضت في التاريخ الماضي إلى ضغوط كبيرة، وأُلحِق بها كثير من الظلم، لكننا نقول إنَّ موضوع الفدرالية أو ما هو دونه كالحكم الذاتي ... صحيح هو يهم إخواننا الأكراد؛ لكنه في الوقت نفسه يهم العراقيين، لذا طلبنا من إخواننا الأكراد تأجيل النظر في هذا الموضوع لحين تأسيس حكومة منتخبة وكتابة الدستور، ويعرض هذا الموضوع على التصويت؛ فإذا وافق الشعب العراقي على الفدرالية بمحض اختياره، فلن نخرج على إرادة الشعب العراقي، أما استغلال الظروف، وفرض قضية الفدرالية أو غيرها، أعتقد أن ذلك ليس صحيحاً، وسيعقِّد الوضع في العراق، وإخواننا الأكراد أو أي فئة أخرى إنما تكون قوية يوم تكون ممتزجة بلُحمة العراق.

البيان: هناك استراتيجية قد تلجأ إليها أمريكا إذا أُحبطت في العراق؛ وهي تقسيم العراق إلى ثلاث دول: كردية، وسنية، وشيعية، والأكراد يلعبون الدور الرئيسي في ذلك، ولعل جولة البرزاني الأخيرة على دول الجوار، وإعلانه أن كركوك الغنية بالنفط مدينة كردية، دليل على النوايا المبيتة؛ فما موقفكم تجاه محاولة التقسيم الأمريكي؟

- مشروع الانفصال وتقسيم العراق هو مشروع صهيوني، وليس مشروعاً أمريكياً بحتاً، إنما يوافق على المشروع بعض المتصهينين من الإدارة الأمريكية، وأنا أعتقد حتى هذه اللحظة أنه لا توجد قناعة عند الأمريكيين بهذه اللعبة؛ فلو كانت لديهم قناعة لكان بمقدورهم تقسيم العراق منذ أمد بعيد، كانت الظروف مهيأة أكثر لهذا التقسيم، أعتقد أننا تجاوزنا هذه المرحلة إلى حد ما. أنا أعتقد أن العراق وضعه معقد، وفي معاهدة سايكس ـ بيكو تم الاتفاق على كثير من الدول وبقي العراق هو المعضلة، ولم يقسم العراق رغم أنه كانت هناك رغبة في تقسيمه؛ لأنه بطبيعته الجغرافية معقد، وأظن أن هذا التعقيد سيبقى قائماً، وسيبقى تقسيم العراق خياراً بعيدا، وليس بمصلحة الدول الكبرى تقسيمه؛ لأن تقسيم العراق إلى منطقة كردية وسنية وشيعية يعني الآتي: يعني الجنوب يلحق بإيران، وأمريكا يجنُّ جنونها من ذلك؛ لأنه إذا أُلحق الجنوب بإيران، فإيران ستهيمن على منطقة الخليج، والدولة الكردية إذا انفصلت ليست فيها مصلحة لكثير من الدول التي لها علاقة قوية بأمريكا كتركيا، وأنا أعتقد أن أمريكا لا تفرط بحليفتها تركيا، ونحن نبقى دولة واحدة بسبب أن تقسيمنا ليس فيه مصلحة، لذلك أنا شخصياً أستبعد هذا الخيار، ولكني أعتقد أنهم إذا قرروا الانسحاب، فسيحاولون إشعال حرب أهلية قبل أن ينسحبوا، سواء كانت مذهبية أو طائفية أو عرقية أو دينية، ويتركونا في حرب لسنة أو سنتين حتى يضعفونا تماماً، ثم آنذاك تعود الدولة العراقية بزعامة ضعيفة، لكن في الوقت نفسه لا أعتقد أن الشعب العراقي تافه إلى هذا الحد، والتجارب التي مضت أكدت للعالم أنه أكثر الشعوب نضوجاً؛ فقد حيكت له الدسائس، ووضعت له مصائد تكفي لتقسيمه مائة مرة، وإشعال العشرات من الحروب الأهلية فيه، لكن المفاجئ لهم وليس لنا أن الشعب العراقي كان فوق المكائد، واستطاع أن يتحلى بضبط النفس رغم الظروف التي تعرض لها، وحينما يكون الشعب بهذا المستوى فليس من السهل أن يفقد هذا المعنى خلال أشهر؛ فأنا أستبعد تقسيم العراق أولاً، وأستبعد ثانياً أن تحدث حرب أهلية، ولديَّ أمل أن هذا العراق في الوقت الذي أريد له أن يكون نموذجاً أمريكياً سيتحول ـ هكذا أقول متفائلاً ـ إلى نموذج إسلامي شاء الأمريكيون أم أبوا.

البيان: هناك من يقول إنَّ الشيعة سيكسبون كل شيء لاختيارهم الحل السلمي، والسنة هم الخاسر الأكبر لاختيارهم الحل المسلح. كيف تردون على ذلك؟ وكيف تنظرون إلى الدور الشيعي في رسم خارطة العراق الجديد؟

- بصراحة أنا لا أحب الخوض في مثل هذه الأشياء: السنة، والشيعة؛ أنا أعتقد أنها تثير الحساسية، ونحن في ظرف إثارة الحساسية فيه ليس من مصلحتنا؛ أطالب أن تعفيني من الإجابة عن هذا السؤال، ولكن أقول لك أمراً: الشيعة والأكراد والسنة من مكونات الشعب العراقي، ومن الخطأ أن نقيّم هذه المكونات بمواقف ساستها. هناك فصل بين مواقف الساسة ومواقف الشعب. أنا لدي قناعة أن عموم الشعب سواء كان من السنة أو الشيعة أو الأكراد متفقون على رفض الاحتلال، ومتفقون على رفض المحاصصة الطائفية وغيرها، لكن المشكلة أن صوتهم مغيب تماماً، والأمريكيون لا يبرزون من الأصوات إلا التي تتماشى مع أهدافهم؛ فمن الظلم أن نحاكم الشيعة أو السنة أو الأكراد من خلال ساستهم، نحن شعب واحد، وسنبقى بإذن الله شعباً واحداً، وسنقضي على نوازع الفرقة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

البيان: هناك تدخُّل إيراني في مناطق الشيعة، وقد تجنس العديد منهم بالجنسية العراقية، وتمت عملية تهجير للسنة من تلك المناطق؛ فكيف تنظرون إلى ذلك الدور؟

- إيران لها حدود تمتد مئات الكيلو مترات، وإذا تركنا إيران بوصفها دولة إسلامية تعلن عن نفسها إضافة إلى كونها دولة سياسية، فمن الطبيعي أن تتدخل ـ وسياسة القوم تعرف كيف تسير ـ حتى تحفظ مصالحها، لذلك فهي تبقى عاملاً مؤثراً في داخل العراق، وليس إيران وحدها، بل كل دول الجوار. نعم! قد تختلف نسب التدخل حسب نشاط تلك الدول، لكن بالمحصلة هناك تدخل من كل دول الجوار، ولذلك نحن نقول دائماً، وهذا من أسباب رفضنا للانتخابات: لا نقبل أن تجري انتخابات في ظل هذه الظروف؛ لأنّ الحقوق ستضيع وسيدخل أناس غير عراقيين يشاركون في التصويت، وهذا ليس عدلاً، نحن نريد أن تجري الانتخابات في ظل حكومة تتمتع بثقة الشعب العراقي، وتعمل على عزل العراق حدودياً لفترة أشهر؛ عزله تماماً، ولا بأس أن تستعين بقوات دولية وتبدأ بعملية تنظيف العراق وتعمل على تطهيره من العناصر الدخيلة. ولدينا وثائق مهما حاول الآخرون إخفاءها ـ لا تزال توجد وثائق كثيرة ـ تؤكد من هو عراقي ومن هو ليس عراقياً؛ فإذا استتب لها الوضع وأيقنت أن العراق أصبح جاهزاً فحينذٍ تكون الانتخابات. أما أن تجري الانتخابات في ظل هذه الظروف الراهنة، فبلا شك ستكون هناك نتائج غير عادلة، وستبقِي العراق قلقاً؛ لأنّ هذه النتائج لن يرضى عنها أحد. قد يرضى عنها طرف لكن قطعاً الأطراف الأخرى ستقف منها موقف الريبة وستعارضها. وللأسف هذا ما يريده الأمريكيون. نحن نعتبر أن الأمريكيين حتى إذا انسحبوا فإنهم يريدون أن يبقى العراق ضعيفاً؛ لهذا فإن المطلوب منا أن نتعاون بكل مكوناتنا على أن نجعل العراق قوياً، وأن نتجنب مثل هذه الأخطاء. من هنا نحن وجهنا أكثر من مرة نداء للإخوة الشيعة أن يؤجلوا موضوع الانتخابات على الرغم من أنهم قابلونا بدعوة أن نندفع للانتخابات، لكننا نعتقد أن الانتخابات ليست من مصلحتنا كعراقيين؛ لأن النتائج مهما كانت لن ترضي الآخرين، وهذا يعني أننا سنخسر بلادنا. طلبنا وما زلنا نطلب منهم تأجيل الانتخابات حتى يحين ظرف يثق فيه العراقيون بنتائجها.

البيان: لعب الصهاينة دوراً كبيراً في غزو العراق، ودوراً أكبر في إدارته بعد الغزو؛ فقد أصبح العراق مباحاً لعناصر الموساد والتجار اليهود؛ فما ملامح هذا الدور، وكيف تتصدون له، وما موقفكم من إقامة علاقات مع إسرائيل خصوصاً بعد مصافحة علاوي لشالوم؟

- دولة يهود عدوة ليست للعراق فحسب بل عدوة لدول العالم العربي والإسلامي، وهي لا تألو جهداً في إحداث التخريب في أي بنية تصل إليها، وكان غزو العراق بالنسبة لها الفرصة الذهبية؛ فهي من دعت إلى هذا الغزو ونمَّت هذا الشعور لدى الإدارة الأمريكية الحالية التي هي وجه من وجوه الصهيونية في تقديرنا؛ لذلك نعلم جيداً أنها استغلت الفرصة أبشع استغلال؛ فعلت ما لا يخطر على البال، وما لا يخطر على البال، ولكن هذا قدر الله حالياً، وليس بأيدينا أن نفعل شيئاً إلا ما نستطيع أن نفعله لذلك. الفيصل هو الحكومة العراقية القادمة، إذا حرصنا أن تكون الحكومة القادمة منتخبة تتمتع بمصداقية الشعور الديني والوطني؛ فمن الإمكان أن نصلح كل ما فسد، وأن نخرج الصهاينة من أرضنا كما دخلوها كاللصوص، ولكن المصيبة ـ نسأل الله أن لا تقع علينا مصيبة كهذه ـ إذا جاءت حكومة موالية لأمريكا؛ فهذا يعني أن يتغير وجه العراق تماماً، وأن يبدأ عده التنازلي نحو الحضيض على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي. ولهذا نحن قلقون جداً من موضوع الحكومة المقبلة، وسنبذل كل جهدنا أن لا تحدث أي انتخابات في ظل الاحتلال. أما الوجود الإسرائيلي فأنا أعجب ممن يقولون لا يوجد وجود إسرائيلي. المئات إن لم أقل الآلاف شاهدوهم في الفنادق يرتدون قبعاتهم فوق رؤوسهم، والآن هناك معلومات كثيرة أنهم يشترون الكثير من الأراضي بأسماء عراقيين، ويقيمون المشاريع. لكن هذا لا يخيفنا؛ لأنه في ظل ظروف شرعية من الممكن بترها في لحظة واحدة، لكن المصيبة حينما تأتي حكومة تمنح هذه الممارسات الشرعية، فآنذاك سيكون الموقف في غاية الصعوبة.

البيان: هناك حملة شرسة تشن على الهيئة تستهدف تشويه صورتها في وسائل الإعلام واتهامها بدعم الإرهاب. ما أسباب هذه الحملة، وما أثرها على سياسة الهيئة؟

- الهيئة على الرغم من عمرها القصير؛ كتب الله لها النجاح بالحصول على ثقة العراقيين من مختلف الأطياف. أؤكد من مختلف الأطياف. كثير من إخواننا الأكراد يحترموننا، ويثقون بكلامنا ويتابعوننا، وكثير من إخواننا الشيعة يحترموننا ويتابعون كلامنا، وكذلك بقية العراقيين، بلا شك هذا أثار النقمة عند كثيرين يريدون أن يكسبوا الجولات السياسية المقبلة حتى ولو على حساب قضية العراق. والسياسيون اليوم في العالم ليس لديهم مبادئ في الأعم الأغلب، لا أريد أن أقول الجميع، لذلك سلُّوا سيوفهم ضد الهيئة في محاولة لإضعافها وزعزعة الثقة بها، وجندوا لذلك صحفاً وفضائيات، وأنفقوا أموالهم. والغريب في الأمر أنهم اعتمدوا طريق الكذب؛ لأن الهيئة ليس لها ما يستدعي الإدانة. المتابع لمواقف الهيئة يجدها ـ بفضل الله ـ تتمتع بالتوازن وبالمصداقية، وبأنها تنطق باسم العراقيين جميعاً مع أننا نمثل أعلى مرجعية للسنة، لكننا لم نتحدث يوماً باسم السنة، بل نتحدث باسم العراق، بل حين نرى بعض الفضائيات تدعونا باسم هيئة علماء السنة نُستشاط غضباً، وقناة العربية كررت هذا الخطأ أكثر من مرة مما دفعنا قبل أيام أن نرسل لها كتاباً شديد اللهجة ونأخذ منها تعهداً خطياً أن لا تكرر ذكرنا بهذا العنوان (هيئة علماء السنة) بل نحن (هيئة علماء المسلمين) . يسألنا بعضهم: ولِمَ هذا التشدد وانتم سنة ومرجعية لأهل السنة؟ فنقول لهم: نحن نراعي الجانب النفسي للشعب العراقي، لا نريد أن ننمي بيننا هذه المصطلحات (الشيعة، والسنة، عرب، وأكراد، وتركمان) لا بد أن نحبط المشروع الأمريكي، ونحن مسلمون جميعاً، وعراقيون، ونتحدث بهذه اللغة العامة، لقد بلغ الكذب حداً لا يصدق؛ فإحدى الصحف العراقية نشرت على لساننا بياناً وأعطته رقماً أذكر الرقم ٣٢ تضمن معلومة ما، ونشرته الجرائد وقرأنا البيان وكان مصاغاً بطريقة ذكية تحاكي صياغة بياناتنا، فاضطررنا إلى عقد مؤتمر صحفي وقلنا لهم: انظروا إلى أي حد بلغ الجنوح ببعض الصحف حينما تدعي الكذب بهذه الطريقة من غير خجل، وأخرجنا بياننا رقم ٣٢ وكان عن قضية بعيدة تماماً عن القضية التي أثارها، كان عن قضية العلم العراقي. وهناك قناة الآن تسمى قناة الفيحاء مدعومة حسب معلوماتنا من بعض الشخصيات كأنها أنشئت لهدف واحد وهو الطعن بالهيئة، وليتها تقول صدقاً. سنرحب نحن بأي نقد صادق، ولكنها للأسف تختلق الكذب وتلصقه بنا وتحاسبنا عليه؛ فعلى سبيل المثال أصدرت شريطاً مسجلاً أن بعض الأشخاص قاموا بمحاولة اعتقال رجل مرجع ديني شيعي، وأن هؤلاء الأشخاص قالوا في التحقيق إن الهيئة هي التي طلبت منهم ذلك، وهذه كذبة كبيرة؛ لأن هؤلاء مطلق سراحهم الآن وبعد التحقيق تبين أن ليس لهم علاقة بالموضوع، وأن هذا التسجيل كان تحت التعذيب لغرض أن يخرجوا منهم ما يدين الهيئة، وهم الآن أحياء شهود عيان وعلى الرغم من وضوح هذه الفرية التي عرفها كل الناس؛ فقناة الفيحاء للأسف تختلق المعلومة كذباً، وتحاول أن تشوه سمعتنا، لكن نحن لسنا مستائين؛ فإن حبل الكذب قصير، وإن الكاذب لا يحصد إلا الخيبة، ونلاحظ ردود فعل الناس كلما زاد هؤلاء طعناً فينا ازداد الناس حباً لنا، وما يدرينا لعل هذا من لطف الله بنا.

البيان: تم استهداف العديد من الكنائس بعد انتهاك الأمريكيين لحرمة المساجد؛ فما موقفكم تجاه ذلك خصوصاً بعد مطالبتكم البابا والهيئات النصرانية بإدانة استهداف المساجد ولم تصدر تلك الإدانة؟

- هذه من القضايا التي استُغلت للطعن بنا، وللأسف أنا قرأت في صحف عراقية وبعض مواقع الإنترنيت ما أتعالى عن ذكره. اتهمونا بأننا نحرض على قتل المسيحيين، ونحرض على تفجير الكنائس. هذا كله كلام باطل ليس له أصل من الصحة، كل ما حدث أن مساجدنا استهدفت في الآونة الأخيرة بطريقة يتضح منها أن الغرض هو الإساءة للدين فقط، بحيث كانت المساجد خالية ليس فيها مصلون أو أسلحة، وبعد ذلك فجر الأمريكيون أبوابها وداسوا حرمها بأحذيتهم، وقلبوا المصاحف على الأرض، فكان من الواضح منه هو الإساءة للدين، ونحن حينما حدث التفجير الأول للكنائس أدنَّا ذلك العمل واعتبرناه خرقاً كبيراً، وحينما حصل الاستهداف للمساجد لم يصدر شيء من المسيحيين، فبدأ الناس يأتوننا ـ ونحن لدينا مقاييس لردود أفعال الناس بسبب كثرة مراجعتهم لنا ـ وقالوا انظروا إليهم إنهم راضون عما يحدث لنا، فدفعنا حرصنا على أبناء العراق، وحرصنا على أن لا تحدث بيننا وبين مواطنينا المسيحيين فتنة، فطلبنا عبر قناة الجزيرة ولم نناشد؛ طلبنا من رجال الدين من كافة الطوائف والمذاهب أن يدينوا هذا التصرف، وقلنا: كما تضامنَّا معكم في موقف تفجير الكنائس عليكم أن تتضامنوا معنا حتى نفوِّت الفرصة على من يصطاد في الماء العكر ليحدِث بيننا فتنة. وللمعلومات المسيحيون استجابوا في اليوم التالي، واصدروا بياناً شديد اللهجة أدانوا فيه الاحتلال وسموه احتلالاً، واعتبروا الاعتداء على المساجد انتهاكاً لحرمة الدين، وقالوا إن هذا يمثل وجهة نظر البابا، وصرح بذلك البطريرك عمانوئيل دلي وهو مسؤول عالمي، وانتهت المشكلة بفضل الله، واستطعنا أن نفوت الفرصة على من أراد الإساءة إلى الوطن، ولكن مع هذه التصريحات انبرى من يوجه إلينا التهم، وكأنه يريد أن يوحي إلى العالم أننا من حرَّض على تفجير الكنائس، وهذا باطل بطبيعة الحال، ومع ذلك فرموز المسيحيين زارونا في الهيئة، وكانوا أكثر من خمس عشرة شخصية رفيعة المستوى، تمثل الأطياف المسيحية، وبينوا لنا وجهة نظرهم، وأنهم لا يحبون الأمريكيين، وأنهم ينظرون إليهم على أنهم قوات احتلال، وأنهم يعتبرون الإساءة إلى المساجد إساءة إلى الكنائس، وهكذا بفضل الله انقلب السحر على الساحر.

البيان: هناك مرجعيات سنية أخرى كمجلس شورى أهل السنة والجماعة، والهيئة السلفية للدعوة والإرشاد والفتوى، ما علاقتكم بتلك المرجعيات، ولِمَ لا تتوحد في مرجعية واحدة لأهل السنة؟

- نحن لسنا ضد أن يكون هناك أكثر من مرجعية، وأنا قلت في لقاء مع قناة الجزيرة مع بداية تشكيل مجلس شورى أهل السنة والجماعة قالوا: ألا يضايقكم هذا؟ قلنا: بالعكس كلما تعددت المرجعيات تعددت نقاط الاستقطاب، وهذا بدوره يسهل عملية الحوار. أنا حينما أريد أن أوحد الشعب العراقي على رأي لا أستطيع أن ألتقي بالشعب كله، فسألتقي بمرجعياته، ومن ثم كل على رعيته، وبذلك نحصل على موقف موحد.

البيان: وقد يكون العكس!!

- إذا أخلصنا النيات لا يكون العكس بدليل أننا نجحنا في اختبار في قضية الفلوجة؛ فقد قمنا بدعوة عامة لعلماء العراق، ووجهت الدعوة لكل المرجعيات السنية، واشترك ما يقرب من مائتي عالم يمثلون مختلف الأطياف، ثم دخلنا للمداولة وكانت أيسر مداولة رأيتها في حياتي؛ فسرعان ما اتفقنا على المقررات، ولم تحدث سوى مناقشات طفيفة. بالعكس نحن راضون بهذا التعدد، وكل ما نأمله أن لا يحدث تقاطع؛ فالتقاطع لا يخدمنا، بل يخدم أعداءنا. وبالمناسبة أعطيك معلومة أرجو أن تعفيني عن ذكر مصدرها: حاول الأمريكيون من خلال أشخاص عراقيين التسلل إلى بعض المراجع لتعبئتها ضدنا، بل بعضهم دخل بصفة محسن يريد دعم المرجعية الفلانية، وقدم أموالاً طائلة، لكن بفضل الله الإخوة في جميع المراجع يتحلون بالوعي، وفوّتوا الفرصة على الأمريكيين بأن يجعلوا منا أنداداً يعادي بعضنا بعضاً؛ فهي ظاهرة إيجابية وليست سلبية؛ فلا يمكن أن تحكم الناس بمرجعية واحدة؛ شاء الله أن يخلق الناس طبائع وتيارات؛ وبدل أن ننظر إلى كل تيار على أنه عدو ننظر إليهم على أنهم سلة فواكه لكل فاكهة طعمها الخاص، ولكل مرجع فائدة في إيضاح هذا الدين؛ فنحن نحب التعدد، ولا يغيظنا، بل يسعدنا. المهم أن نتوافق في المواقف.

البيان: كيف تقيِّمون عمل أجهزة الشرطة وجيش الدفاع والحرس الوطني؟

- إن هناك حقيقة شرعية لا ينبغي أن تغيب عن البال، فكما أن الجهاد فرض فحفظ الأمن فرض، ووجود مستشفيات يتعالج فيها الناس فرض، ووجود أسواق يتعيش منها الناس فرض. أقصد فرض كفاية، ومن ثم لا بد من توفير المناخ المناسب لمثل هذه المؤسسات لتأخذ دورها في المجتمع؛ وعُرفاً أجهزة الشرطة هي المسؤولة عن ذلك؛ لذا قلنا يحرم استهداف الشرطة إذا تمسكت بواجبها الوطني ولم تخرج عن هذه الدائرة إلى دائرة العمالة والتجسس. عبرنا عن هذا في مؤتمر صريح، وما زلنا على هذا الموقف. المشكلة في خطأ فادح ارتكبته الحكومة العراقية هو أنها استعملت هذه القوة في ضرب المقاومة، ليس هذا فحسب، بل بالمشاركة مع قوات الاحتلال، وهذا الخطأ من الحكومة لن يُغتفَر؛ لأنها هوّنت من شأن هذه الأجهزة وأفقدتها احترامها في نظر الشعب العراقي، ومن ثم أصبحنا نميز بين الشرطة الذين يخدمون المجتمع ولا يتواطؤون مع المحتل، وبين شرطة آخرين يضرون المجتمع ويتواطؤون مع المحتل. هذا بحث، وهذا بحث آخر.

البيان: هناك مشاريع لتغيير المناهج الدراسية ولا سيما الدينية منها يتضمن حذف العديد من ثوابت الإسلام كآيات الجهاد وأحاديثه، ويتضمن إدخال الآراء المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة؛ فكيف تعمل الهيئات السنية لمواجهة هذه المشاريع؟

- هذا طموح أمريكي؛ فقبل أن تصل قوات أمريكا إلى منطقة الخليج قالوا لا بد من تغيير المناهج الدينية في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنها تخرِّج إرهابيين حسب زعمهم. ونحن واعون لهذه اللعبة، ولكن حينما وصل الأمريكيون وبدأت المقاومة اختلفت مواقفهم واختلت كل مشاريعهم ومنها هذا المشروع لم يستطيعوا أن يحققوه.

البيان: لقد تم حذف آيات الجهاد من بعض المناهج.

- نعم! حذف آيات الجهاد جزء من اللعبة. لا تستبعد أن يأتونا بآيات من التوراة والإنجيل، قد لا يأتون بالنصوص ذاتها لكن يأتون بمضامينها. حتى الآن الوضع لا يسمح لهم بتحقيق مشاريعهم، ولكن كما قلت سابقاً الخطورة في الحكومة القادمة، وأكرر هذا دائماً، وأتمنى أن يعي الشعب العراقي أنه إذا جاءت حكومة مقبلة موالية للأمريكيين؛ فهذا سيحدث كله، وهنا تكون الطامة. ولكن إذا تعاون العراقيون على الحيلولة دون مجيء حكومة من هذا النوع فلن يحدث كل هذا. إن انتخاب حكومة حرة بعمليات حرة هذا الذي نعوِّل عليه. الشعب العراقي لا يمكن أن يتخلى عن ثوابته الدينية. ومن ثم هو يرى أن حدوث مثل هذا الأمر أشبه بالكارثة.

البيان: ما هي نظرتك لمستقبل العراق وفق الظروف الراهنة؟

- أنا شخصياً متفائل جداً لمستقبل العراق. منذ الأيام الأولى للغزو الأمريكي لديَّ خطب ومحاضرات مسجلة قلت فيها لأبناء شعبي: حذارِ أن تيأسوا؛ ما يدريكم لعل ما حدث بداية الخير، وما يدريكم لعل ما حدث بداية النهاية للشر، وأنا شخصياً أعتقد أن الأمريكيين متورطون في العراق، وأن ابتداءهم بتحقيق مشاريعهم بغزو العراق كان من القدر الإلهي، وأن نهايتهم ستبدأ من هنا. إن شاء الله، هذا الكلام قلته منذ الأيام الأولى للغزو، ولو تتابع سير الأحداث فستجد أن الأمريكيين فقدوا الكثير خلال السنة والنصف الماضية: فقدوا الكثير من سمعتهم، وفقدوا الكثير من التأييد الدولي لهم، وفقدوا الكثير من الأموال، وفقدوا الكثير من الشباب، ولا يوجد في الأفق ضوء يجعلهم يشعرون بالأمل. بالعكس نلاحظ أنّ المقاومة تتسع دائرتها، وأن البغض بلغ الذروة. لذلك لا أعتقد أن الأمريكيين سيتمكنون من البقاء في العراق، بل لدي قناعة أنهم لن يتمكنوا من بناء قواعدهم العسكرية، وسيخرجون حتماً أو يرضون بالمصائب التي لا تتحملها بلادهم. هناك تعمية على حقيقة الخسائر. نحن في الهيئة في المركز في بغداد، ولدينا فروع في المحافظات يأتينا بشكل يومي حقيقة ما يجري. حينما يقول الأمريكيون أنفسهم أن هناك ثمانين عملية تحصل لهم في اليوم، فلك أن تتصور حجم الخسائر لثمانين عملية؛ فعلى فرض أنه يموت في كل عملية جندي واحد؛ فهذا يعني أنه يموت ثمانون أمريكياً في اليوم، يعني في الشهر ما يقارب ألفين وخمسمائة إن لم يكن أكثر. ولعل استغاثة الأمريكيين بالبريطانيين أن يأتوا بجنودهم إلى وسط العراق، يعد عند العسكريين مؤشراً على نقص كبير في العدد يوازيه نقص كبير في العدة يوازيه النقص في المعنويات؛ فأنا أعتقد أن أمريكا في مأزق كبير، وإذا استمر هذا المأزق فلا أستبعد أن تغادر العراق في ليلة مظلمة كما غادرت الصومال.

البيان: ما الذي تتوجه به إلى الأمة لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني؟

- ما يجب أن تعرفه الأمة أنها مستهدفة جميعاً. مستهدفة على مستوى الشعوب، مستهدفة على مستوى الحضارة والثقافة، وكانت البداية هنا في العراق، هكذا أرادوا وهكذا شاء الله كما قلت ليكون بداية نهاية هذا المشروع، لكن المؤسف والمحبط أن الأمة من حولنا ساكتة حكاماً وشعوباً. أتمنى أن يتيقظوا وان يعينونا على طرد هذا المحتل بكل ما يستطيعون. لا نريد مهم رجالاً ليقاتلوا، ولا نريد منهم أموالاً نريد منهم مواقف: موقفاً للحكام، موقفاً للشعوب، مواقف مشرفه تبرئ ذمتهم أمام خالقهم جل وعلا، أنت تعلم أن العدو يحارب بكل الوسائل ومن أهم الوسائل أن يضيق عليك سياسياً. على مستوى العالم الإسلامي أنا أوجه نداء من أرض المعركة إلى أبناء الإسلام أقول لهم: إن أمريكا ليست إلهاً، بل هي عبد عاق سيقصم سيدُه ظهرَه ـ أقصد المولى سبحانه وتعالى، وهو رب الناس جميعاً، لكن الله سيسألنا جميعاً: من الذي أعان على طرد المحتل، ومن الذي أعان على بقائه؟ أتمنى أن يكون لأبناء الأمة الإسلامية حكاماً وشعوباً مواقف تثلج الصدور، وتؤكد لهذا العدو أننا كما أراد الله أمة واحدة.

البيان: كلمة أخيرة!

- هناك سلاح فعال بمقدور المسلمين أن يلجؤوا إليه وهو الدعاء. نعتقد أن دعاء المسلمين المخلصين منهم سيكون أمضى سلاح، لذا نرجو أن لا ينسونا من الدعاء.


(*) مراسل مجلة البيان في العراق.