مأساة أراكان
يرويها شاهد عيان
مندوب المجلة إلى بنجلادش
أراكان ... !
أراكان ... ليست اسماً لشركة من شركات العطور الفرنسية!
أراكان ... ليست اسماً لمجلة من مجلات الأزياء الإيطالية!
أراكان ... ليست اسماً لشركة من شركات التصدير الأمريكية!
أراكان ... أرض من أراضي المسلمين التي انتزعت منهم وأصبحت نسياً
منسياً.. هل سمعتم بها؟ !
تقع أراكان جنوب غربي بورما ويحدها من الشمال بورما والهند، ومن
الغرب بنجلادش، ومن الشرق بورما. دخلها الإسلام في العصر العباسي الأول.
وقد كانت أراكان خاضعة تحت الاحتلال البريطاني مع مجموعة الدول المجاورة لها. ولما حصلت بورما على الاستقلال في عام ١٩٤٨ م ضمت بريطانيا أراكان إلى
بورما، ومنذ دلك اليوم وأراكان تقع تحت سيطرت بورما الاشتراكية.
يبلغ عدد سكان أراكان ٤ ملايين نسمة تصل نسبة المسلمين إلى ٧٥%.
وبورما دولة بوذية متعصبة جردت مسلمي أراكان من جميع حقوقهم المدنية
ومنعتهم من ممارسة شعائرهم الإسلامية. وفي عام ١٩٦٢ م قام بعض العسكريين
الاشتراكيين بانقلاب عسكري وتولوا السلطة بقيادة الجنرال نيوين، وحكموا بالحكم
الاشتراكي فازداد الاضطهاد والضغط على المسلمين، فهدمت مساجدهم ومدارسهم
الدينية، ومنعوا من الحج من عام ١٩٦٨ م حتى عام ١٩٨٢ م بل منعوا من التنقل
داخل البلاد، وتعرضوا لحملات إبادة واسعة النطاق، وصودرت أموالهم وأراضيهم
ومزارعهم، فاضطر قسم كثير منهم إلى الهجرة إلى الدول المجاورة.
وفي الأيام الاخيرة ازداد القمع والإرهاب، وارتكب البوذيين جرائم وحشية
بشعة، حيث قتل الرجال واعتدي على النساء، وشرد العزل عن ديارهم مهاجرين
إلى بنجلادش أكثر الدول فقراً في العالم. ولا توجد إحصاءات دقيقة لعدد المهاجرين
في الأشهر الأخيرة، لكن يقدر عددهم بحوالي ٧٥ ألف مسلم وهم بازدياد مستمر.
وقد زرت مدينة كوكس بازار في بنجلادش على الحدود البورمية، حيث
توجد نسبة كبيرة من المهاجرين، فوجدت المأساة تطل من وجوه الناس بصورة
يهتز لها القلب وتتفطر منها النفس، فكل واحد من مسلمي أراكان يحمل على عاتقيه
جراحات وآلام تنهد لها الجبال، إذ أنهم يعيشون بصورة محزنة جداً، فقد فروا
بأنفسهم وهم لا يملكون شيئاً من حطام الدنيا.. فصنعوا لأنفسهم بيوتاً من أغصان
الأشجار لا تسلم من الأمطار أو الرياح، ولا تحميهم من البرد والأعاصير، ومعظم
عششهم التي يسكنون فيها لا يزيد ارتفاعها عن الأرض مقدار متر واحد فقط،
يجتمع فيها جميع أفراد الأسرة بلا غذاء أو دواء، وهم شبه عراة لأنهم لا يجدون
لباساً، وخاصة أطفالهم الذين ألفوا العري!
ومن المآسي المحزنة التي رأيتها أثناء تجولي في مخيماتهم: فتاة شابة ومعها
طفل صغير يعاني من المرض، أسر والدها وقتلت أمها، واعتدى الجنود البوذيون
على الفتاة، وألقيت محطمة، ففرت مع الفارين بهذا الطفل الصغير الذي ينتظر
الموت على يديها.
وامرأة أخرى أنهكها الجوع، فلما وضعنا بين يديها كيساً صغيراً من الأرز
ضمته إلى صدرها بشدة كما تضم الأم ولدها المفقود.
ولما قام بعض المحسنين بتوزيع بعض المواد الغذائية على الناس، أتى إليّ
رجل كبير في السن من المهاجرين، وتكلم معي بكلام لم أفهمه، فقلت له: أشهد أن
لا إله إلا الله ... فقال لي وقد أشرق وجهه بالفرح: مسلم! فقلت له: مسلم. فسلم
علي بحرارة ووضع يدي على صدره وضمها بشدة وبكى وهو يقول: مسلم.. مسلم! ثم أخبرني المترجم أنه كان يقول: لقد مات هذا الصباح أربعة أطفال صغار من
شدة الجوع والبرد.. وهكذا في كل يوم.
وفي إحدى العشش فوجئت بثلاثة من الأمريكيين، قيل لي: إنهم صحفيون
من مجلة النيويورك تايمز والواشنطن بوست، ومعهم مترجم من مجلة بنجلادش
غارديان. ولما ذهبنا إليهم وجدنا امرأة ملقاة على الأرض مع ولدها المصاب بنزلة
حمى شديدة، وبجوارها شيخ هرم تجاوز الستين عاماً يرتجف من البرد، ومعهم
طفلان صغيران ليس عليهما لباس ينظران إليهم بصورة محزنة، ويذكر ذلك الشيخ
أنه لم يذق الطعام منذ سبع ليال.
والعجيب أن النصارى أحسوا بهذه المشكلة، وأرادوا استغلال هذه المحنة
لممارسة أعمالهم التنصيرية، إذ أني رأيت عند حاكم المقاطعة طبيبتين فرنسيتين.
جاءتا إلى الحاكم لكي يسمح لهما بافتتاح عيادة طبية بين مخيمات اللاجئين
المسلمين ... ! !
هؤلاء هم مسلمو أراكان.. مشردين، جياعاً، عراة، انتشرت بينهم
الأمراض، يصارعون البقاء، أذلهم أعداء الإسلام، وساموهم سوء العذاب.. ومع
ذلك فلا يعرف بحالهم كثير من المسلمين..! !
وتساءل أحد الإخوة قائلاً: أين مواثيق هيئة الأمم المتحدة.. وأين دعاة السلام
والديموقراطية.. وأين منظمات حقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب.. وأين ...
وأين؟ ! !
فقلت له: لا تتوقع يا أخي شيئاً من هذه الشعارات التي يتلبس بها الكفرة..
ولكن قل لي أين المسلمون، وإلى متى هذه الغفلة؟ ! ثم أين الصحفيون العرب عن
مآسي إخوانهم؟ ! أو أنهم مشغولون بالتزمير والتطبيل.. والهجوم على الحركات
الأصولية التي أصبحت مادة يتسلق عليها أصحاب الأهواء للوصول إلى المال
والشهرة! !