للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[منهج الاعتدال]

محمد العبدة

هل تستطيع الدعوة الإسلامية القضاء على هذا التشرذم والتفتت الذي أضر

بالعمل الإسلامي أيما ضرر؟ وعلى هذه النوابت التي ما تفتأ تظهر بين الحين

والآخر، ويغلب على كثير منها الغلو في الدين، مما يدع الناس حيارى لكثرة ما

يلقى إليهم من خلاف في الدين واجتهادات ما أنزل الله بها من سلطان، ويحق

للمسلم أن يسأل عن سبب كثرة هذه الظواهر في السنوات الأخيرة، وهل هذا شيء

طبيعي؟!

إن ظاهرة الغلو أو التساهل في الأوامر والنواهي، نشأت قديماً وربما يكون

هذا من طبيعة الإنسان الذي لا يقهر نفسه على منهج الاتباع والاعتدال والوسطية،

ففي التشدد والتساهل أهواء نفسية، وطموحات دنيوية، وجهل بأسس هذا الدين

ومقاصده العامة، وإنما تكثر هذه النوابت عندما يضعف العلم ويقل العلماء، وإن

كان العلم متيسراً ومنتشراً في هذه الأيام ولله الحمد ولكن العلماء المستقلون الذين

يجمعون بين العلم والتقوى ويكونون مرجعاً للمسلمين وللشباب خاصة، هؤلاء قلة

قليلة، وقد تخلو منهم بعض الأقطار.

وإذا أردنا الاستفادة من الماضي فهناك تجربتان تدلان على أنه عندما يوجد

العلم والتطبيق العملي للإسلام، فإن ظاهرة الغلو تضعف إلى حد بعيد.

١- عندما انحاز الخوارج عن علي رضي الله عنه استأذن ابن عباس رضي

الله عنهما في مناقشتهم وتبيين الحق لهم، فذهب إليهم وسألهم عن سبب مخالفتهم،

ورد عليهم شبهاتهم من القرآن والسنة وتراجع عدد كبير منهم عن بدعتهم، وعادوا

إلى صفوف أهل السنة.

٢- استمرت بدعة الخوارج زمن بني أمية، ولما تولى الخلافة عمر بن

عبد العزيز رحمه الله حاورهم وكان عالماً ربانياً، ولما لم يجدوا في سلوكه

وتصرفاته منفذاً للنقد أو الاحتجاج كما كان في تصرفات بعض من سبقه أقروا له

بكل ما قال، إلا ما كان من موافقته بأن يكون الخليفة بعده «يزيد بن عبد الملك» ،

فوعدهم ببحث هذا الأمر، ولكن المنية وافته قبل أن يتمه.

نخلص من هذين المثالين إلى أن العلماء الراسخين في العلم، هم الذين

يكشفون الشبهات، ويبينوا حكم الإسلام في كل مسائل العصر، ويجيبون عن كل

الأسئلة التي تقلق بال الشباب المسلم، وأن على الدعوة الإسلامية القيام بخطوات

عملية جادة لتقوية جبهة الإسلام علمياً واجتماعياً واقتصادياً، فلعل من عنده بقية من

دين أو عقل يثوب ويرجع وتهدأ نفسه، فالإنسان مجبول على الميل لمن يأخذ بيده

لحل مشكلات الحياة التي تواجهه، فهكذا رجع الخوارج عندما شاهدوا التطبيق

العملي في سيرة عمر بن عبد العزيز، وسيبقى أصحاب الأهواء يستمرئون أعراض

المسلمين، ويخوضون معارك وهمية، ويُذهبون أوقاتهم في جدال لا خير فيه،

فهؤلاء لا يؤبه لهم، والقافلة تسير بدونهم.