الورقة الأخيرة
[الاستسلام بلفظ آخر]
بقلم: علي العيسى
هذا بعضٌ مما يمكن قوله عن استعمال اللفظ في غير موضعه، الصلح
مقاسمة، والاستسلام عطاء بلا أخذ، ولا يكفي أن توضع كلمة مكان أخرى ليتحول
الواقع إلى مراد المصطلح، فالمصطلح لا يطلق على الأشياء لتتغير حقائق الأشياء، وإنما الأشياء هي التي توجد المصطلح المطابق لواقعها.
واليهود الإسرائيليون يخفون ما يصيبهم؛ من أجل الحرب النفسية لعدوهم،
ورفع الروح المعنوية لذويهم، ولذا: كرسوا كل جهودهم للسلام بمعنى الاستسلام
لهم؛ لأنهم في الواقع كما قال (تعالى) لنا: [وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ القَوْمِ إن تَكُونُوا
تَأْلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً
حَكِيماً] [النساء: ١٠٤] ، [إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ
نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ ... الظَّالِمِينَ] [آل عمران: ١٤٠] ، إلا إنهم على باطل، والمسلمون على حق، ويجتهدون أن يفعلوا ما يؤمرون: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] [آل عمران: ١٤٢] .
واليهود اليوم، وإن كانوا أكثر نفيراً، إلا أنهم أكثر تضرراً لقلتهم، ولأنهم
يريدون الاستسلام من عدوهم، لكي يسيطروا على العالم الإسلامي كما يظنون كما
سيطروا على العالم الغربي والشرقي المتقدمين عسكريّاً، ولأنهم يودون إتمام ذلك
قبل نضج الصحوة الإسلامية وتمكنها.
والغريب فقدان كثير من الحجج والمنطق في وسائل الإعلام؛ فمثلاً: اليهود
الإسرائيليون يهدمون بيت من يقوم بعملية فدائية، فمن احتج قانوناً وقضاءً بأن أهل
البيت لا دخل لهم فيما حصل، وليسوا مسؤولين عنه، والبيت ليس بيت من
استشهد، وإنما تحولت ملكيته إن كان يملك أساساً إلى غيره: لم يسمعوا له.. هذا
هو الإرهاب، وهذا هو التطرف والعنف والغلو والتشدد والوحشية وضياع حقوق
الإنسان والقيم والحضارة ومبادئ النظام الدولي الجديد الواعد بالعدل، ثم: لماذا لم
يهدم بيت الإرهابي (جولد شتاين) مجرم مذبحة الخليل؟ ، ولماذا لم يهدم بيت
(إيجال عامير) قاتل رابين؟ ، هل وُجِّه مثل هذا السؤال في المحافل الدولية،
والصحافة، وكل وسائل الإعلام، ومؤسسات الدعوة إلى حقوق الإنسان، والمحاكم
في فلسطين المحتلة وغيرها، والمحاكم الدولية بالذات والأمم المتحدة..؟ ! هذا
الكلام يساق لمن يؤمنون بفعالية الإعلام والملاحقة القانونية والحديث عن التعصب
والتمييز العنصري.
ونتهم اليهود بنقض العهود والمواثيق، فهل نوقع على عهود بدعوى إمكانية
نقضها متى ما أحسسنا بقوتنا وقدرتنا، (لا تنهَ عن خُلُق وتأتي مثله) ، لذا: لا
ترتبط بعهد لن ترعاه، إن من يتمسك بالإسلام لن يخذله من أسلمنا وأسلم أمره إليه، وما دعوى ضعف الإسلام في المسلمين بمبرر للاستسلام، وإنما هي مبرر للحث
على تقوية الإسلام في نفوسنا وسلوكنا وواقعنا.