مقابلة
البيان تحاور المتحدث الرسمي
باسم حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان
أجرى الحوار: د. مالك الأحمد
ضيف (البيان) في هذا اللقاء هو سيد قيام الدين غازي المتحدث الرسمي
لحزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان، وهو من الخمسة المؤسسين لهذا الحزب
وعضو مجلس الشورى فيه، وهو خطيب الحزب المفوه الذي كان يخطب في
الجماهير المحتشدة في ميدان الشهداء في دوشنبه أيام الاعتصام، وكان عددهم يربو
على المائتي ألف، وكان الناس يستمعون لتوجيهاته، ولم ينفضُّوا إلا بعد أن أمرهم
بذلك.
* يستغرب الكثيرون الظهور القوي والمفاجئ لحزب النهضة في طاجيكستان
فكيف تعلل ذلك؟
يظن الكثيرون أن حزب النهضة وليد السنوات القليلة السابقة وهذا غير
صحيح، نحن كنا نعمل منذ ١٥ سنة لكن جهادنا كان سرياً، كنا نعلم أبناءنا في
الإسطبلات والسراديب كي نحفظ عليهم دينهم. لكن بعد سقوط الشيوعية أنشأنا
الحزب كي يكون واجهة لنا، ورغم ذلك لم نكشف كل ما لدينا خوفاً من الشيوعيين
الذين ما زالوا على رأس الحكم، فقد خشينا أن ينضم الناس نظراً لجهلهم وتشوقهم
للحرية إلى الأحزاب الجديدة الوليدة وبعضها إسلامي الاسم؛ كالحزب الديمقراطي
الإسلامي لكنها كانت علمانية التوجه.
* كيف سمح لكم الشيوعيون بإنشاء الحزب رغم أن كثيراً من البلدان
الإسلامية تعارض إنشاء أحزاب ذات توجه ديني إسلامي؟
ظن الشيوعيون أن الإسلام قد دفن وللأبد في بلادنا وبالتالي فلا خوف من
ظهور حزب إسلامي لأنه في نظرهم مهزوم لا محالة، لكن الله رد كيدهم وظنهم
في نحورهم، فانطلق الشباب للدعوة في أصقاع البلاد، وأنشأت المساجد، وظهر
الحجاب، وعم الخير في بلادنا ولله الحمد.
* كيف تطورت الأمور بعد ذلك؟
بعد انتشار المد الإسلامي خلال سنتين تقريباً صدم الشيوعيون بهذا الأمر
وكان التخوف لدى الروس أيضاً، وعقدوا اجتماعات كثيرة متتالية لدراسة خطة
ملائمة لمقاومة المد الإسلامي، وبعدها أصدر (البرلمان) الكثير من القرارات
الجائرة للتضييق على المسلمين، وحبسوا بعض العلماء، وشددوا على حزب
النهضة، فاضطررنا للخروج ومواجهة الحكومة سلمياً عن طريق الاعتصام بميدان
الشهداء، وجلسنا أياماً مطالبين بتغيير الحكومة، وإلغاء الأحكام الظالمة ضد العلماء، وتطبيق نظم الإسلام في البلد سواء في العطلة (الأحد) أو اللغة (الروسية) أو
الإعلام أو القوانين الأخرى.
وقبلت الحكومة مطالبنا، فطلبنا من الناس الرجوع إلى منازلهم، لكن فوجئنا
بعد ذلك بنقضهم للاتفاقات، بل زادوا من التشديد على المسلمين؛ فخرجنا مرة ثانية
- ومعنا الأحزاب الأخرى التي تنادي بالديموقراطية - وحدثت اضطرابات شديدة
أدت إلى استقالات جماعية للوزراء، وسقط الرئيس، وتحولت الصلاحيات إلى
البرلمان وأغلبه من الشيوعيين، وتطورت الأمور سلباً لأن البرلمان استمر في
الضغط والتضييق على المسلمين، ووضعت المساجد تحت يد الحكومة وكذلك
الخطباء. فاضطررنا للخروج مرة ثالثة ضد قرارات البرلمان المجحفة واعتصمنا
في الميدان قرابة الشهر، فوافق البرلمان أخيراً على مطالبنا، لكن ظهر أنهم قبلوا
فقط ليتفرق الناس، وفوجئنا في الوقت الذي كنا نستعد فيه للخروج من الميدان
بتجمع عدد من الشيوعيين في ميدان مجاور مطالبين بأمور مخالفة لمطالبنا، وهذا
كان من تدبير قادة الشيوعية في البلد، فأصبح الوضع متفجراً خصوصاً بعدما
حصلوا هم على أسلحة.
* كيف أنقذتم الموقف المتفجر في تلك الساعات العصيبة؟
خطبت في الناس وقلت لهم نحن لا نخشى شيئاً لأن الله معنا، نحن مسلحون
بالإيمان والثقة بالله. وطمأنت الناس، فهدأت النفوس، وخاف الشيوعيون وظنوا
أنه لدينا أسلحة فهربوا من الميدان المجاور.
* كيف تكونت الحكومة الائتلافية؟
في البدء انسحب الروس من العاصمة ومعهم الأسلحة، ومع تطور الأمور
أوقع الله في قلوب الشيوعيين الرعب، فبدؤوا بالفرار، فاستولى بعض الشباب -
من حزب النهضة - على مبنى الإذاعة والتلفاز بعد معركة قصيرة، وسقطت البلاد
بأيدي التحالف الإسلامي الديمقراطي، وكونت حكومة ائتلافية ووافق عليها البرلمان
(والذي ما زال شيوعياً) .
* وكيف سقطت الحكومة بعد ذلك ووقعت المأساة؟
تطورت الأمور باتجاهين داخلي وخارجي، ففي الداخل أُخرج الشيوعيون
المجرمون من السجون وجمعوا قواتهم - وهم يملكون في الأصل أسلحة - وبدؤوا
بحملات عسكرية خارج العاصمة. وخارجياً اجتمع الشيوعيون من طاجيكستان
وأوزبكستان وروسيا وكازاخستان وقيرغيزيا، واتفقوا على ضرب الإسلاميين
خوفاً من استفحال أمرهم في طاجيكستان؛ وانتقال الأمر إلى الدول المجاورة.
وفعلاً أرسلت الدبابات والأسلحة الثقيلة، وهاجموا بالطائرات من أوزبكستان،
وساعدتهم القوات الروسية الموجودة أصلاً في المنطقة.
* حبذا لو أعطيتمونا نبذة عاجلة عن المأساة؟
الأمر أصعب وأشق من أن يصور، فالقتلى بعشرات الآلاف والمفقودون
كذلك، فضلاً عن أكثر من مليون مشرد، لقد دمروا منطقة قرغان تبه حيث معقل حركة النهضة ودمروا القرى وأحرقوا المساكن والبشر حتى الحيوانات لم تسلم من شرهم، لقد فعلوا ما لم يفعله جنكيزخان أو هولاكو، لم يرحموا صغيراً ولا كبيراً ولا مريضاً، حتى بيوت الله لم تسلم من شرهم. وكان العلماء أشد بلاء، فقد عذبوهم ثم مثلوا بهم قبل أن يقتلوهم.
* يؤخذ عليكم أنكم دخلتم اللعبة السياسية قبل أن تنضج الحركة؟
أقولها لك صريحة، أنا شخصياً لا أؤمن باللعبة الديموقراطية، ولنا في
التجربة الجزائرية خير شاهد، أنا أريدها إسلامية صريحة، وكنت أقول للناس في
الميدان ماذا تريدون؟ قالوا: نريد الإسلام. وكان الناس يستمعون لقولي، لو قلت
لهم قوموا لقاموا. بالنسبة للحزب كان هناك رأيان في مجلس الشورى. الأول:
هو التدرج في إعلان الحكومة الإسلامية، واستخدام سياسة الخطوة خطوة كي لا
نثير الأعداء الشيوعيين علينا مرة واحدة. وكان الرأي الثاني - وكنت من أنصاره
- أن الفرصة مواتية والشيوعيين في أضعف أحوالهم والناس تريد الإسلام، وإن
كان ولا بد فدعوا الأمر يتناطح فيه الشيوعيون والديموقراطيون حتى تحين فرصة
مواتية لنا، وساد الرأي الأول، وأنصاره يأسفون اليوم لما آل إليه رأيهم ويبقى
الأمر اجتهاداً منهم لنصرة الدين.
* ألم يحسب الأخوة في حزب النهضة أي حساب لما قد تؤول إليه الأمور؟
لم يكن لدينا خيارات كثيرة فقد علمنا - بعد مدة قصيرة من تكوين الحكومة
الائتلافية - عزم الشيوعيين على التحرك ضدنا، ولكنا كنا محاصرين. فالدول
المجاورة كلها شيوعية، ولا يمكن أن نتحرك من خلالها، أما أفغانستان فقد كان
الروس يحرسون الحدود، وكان من الصعب علينا التحرك، ولم تكن لدينا أصلاً
أسلحة، وليس لدينا أموال لشرائها.
* هل من كلمة خاتمة؟
أقول مأساتنا قد علمتموها وتفاصيلها قد نشرت، ونحن نحتاج من إخواننا
المسلمين لكل أنواع المساعدة بالمال والسلاح والدعاء والله لا يضيع أجر المحسنين.