للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[دولة فلسطين بين الصورة والحقيقة]

د. يوسف الصغير

لقد تلاقت مصالح الحركة الصهيونية مع مصالح الدول الأوروبية وخاصة

بريطانيا أيام كانت عظمى في أهمية إنشاء كيان مصطنع يفصل المنطقة العربية

شرقها عن غربها؛ فبعد مؤتمر بال ١٨٩٧م للجمعيات اليهودية توجهت جهود الدول

الاستعمارية المتنافسة على تقاسم تركة الرجل المريض (الدولة العثمانية) بتأليف

لجنة من سبع دول أوروبية رفعت اقتراحاتها إلى رئيس وزراء بريطانيا كامبل

بانرمات عام ١٩٠٧م.

وتتلخص التوصيات بما يلي:

١- العمل على إيجاد حالة من التفكك والتجزئة والانقسام في المنطقة.

٢- إنشاء دويلات مصطنعة تابعة لتلك الدول الاستعمارية وخاضعة لها.

٣- محاربة أي نوع من أنواع الوحدة والاتحاد الفكري والروحي أو التاريخي، وإيجاد الوسائل العملية لتجزئة المنطقة.

٤- لتحقيق ذلك يجب العمل على إقامة حاجز بشري قوي وغريب في

المنطقة بحيث يشكل قوة مناوئة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها.

ومن الواضح أن هذا التخطيط يشكل معلماً من معالم السياسات الأوروبية

عامة والإنجليزية خاصة في التعامل مع المنطقة العربية؛ فقبل احتلال الإنجليز

المدعومين بقوات الثورة العربية الكبرى للقدس بحوالي شهر أصدر (بلفور) وزير

خارجية بريطانيا وعده المشهور الذي ينص على إنشاء وطن قومي لليهود في

فلسطين.

وقد تضمن صك الانتداب الذي منحته عصبة الأمم لبريطانيا على تهيئة

الظروف لإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين؛ مع ملاحظة أن دولة يهود قد أنشئت

من عدم؛ حيث إن وجود اليهود في فلسطين لا يُذكر؛ ومع ذلك فقد حرصت دولة

بريطانيا العظمى وعصبة الأمم على التأكيد على أن إقامة الوطن القومي لليهود

يراعى فيه ألا يمس حقوق الآخرين. ولا يخفى على عاقل أن استقدام اليهود من

أنحاء العالم وتوطينهم في فلسطين سيتم على حساب أهل البلد الأصليين، ولكن لا

يعدو أن يكون الأمر كذباً ونفاقاً، ويضاف إليه أيضاً أن تصرفاتهم المتتالية حتى

اليوم توحي أنهم لا يعتقدون أن الشعب الفلسطيني له حق في فلسطين وأن وجوده

حجر عثرة في إتمام مشروع الدولة الصهيونية. وبعد حوالي ثلاثين سنة من العمل

الدؤوب في تمكين وبناء مقومات الدولة اليهودية، أعلنت بريطانيا تخليها عن

الانتداب، وعرض الأمر على الأمم المتحدة (وريث عصبة الأمم) وكانت تهدف من

وراء ذلك أن يكون إعلان الدولة من قِبَل المجتمع الدولي وليس من قِبَل دولة بدأت

تغيب عنها الشمس.

ففي ١٤ شباط (فبراير) ١٩٤٧م أعلن رئيس وزراء بريطانيا قرار حكومته

بإحالة قضية مستقبل فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة. وفي ١٣/١١/١٩٤٧م أعلنت

بريطانيا عن طريق ممثلها في مجلس الأمن وأثناء مداولات القضية في الأمم

المتحدة أنها قررت الانسحاب من فلسطين في ١٥ أيار (مايو) ١٩٤٨م.

وكانت مظاهر التمثيل والخبث الإنجليزي هو امتناعها عن المشاركة في

التصويت على القرار، إظهاراً لنقاء الحياد.

وقد بدأ الانسحاب من فلسطين بالتدريج وبطريقة مكنت اليهود من الاستيلاء

على أمهات المدن الفلسطينية مثل حيفا وطبريا وصفد.

وعلى سبيل المثال ففي أكبر موانئ فلسطين وهو حيفا أعلن الإنجليز أنهم لن

ينسحبوا إلا بعد الأول من آب (أغسطس) ١٩٤٨م، وفي هذه الأثناء منع أهل

المدينة من الفلسطينيين من إقامة أي تحصينات للدفاع عن مدينتهم مع السماح لليهود

بإقامة التحصينات وجلب الأسلحة.

وما إن أتم اليهود استعداداتهم حتى أعلن الإنجليز انسحابهم فجأة إلى منطقة

الميناء، وسلموا معسكراتهم إلى اليهود، وفتح ميناء حيفا وجهزت السفن لترحيل

الفلسطينيين من المدينة.

وكما يقول (بن جوريون) فإن سقوط حيفا كان نقطة التحول الرئيسة في فتح

الطريق نحو القدس. وفي ٢٩/١١/١٩٤٧م أصدرت الأمم المتحدة قرارها التاريخي

المشؤوم بتقسيم فلسطين، وكان للولايات المتحدة دور كبير في الضغط على الدول

المستضعفة لتأييد القرار الذي ينص على تقسيم فلسطين إلى (دولة يهودية) ودولة

فلسطينية مع وضع نظام دولي خاص للقدس وضواحيها مع إنشاء اتحاد اقتصادي

بين الدولتين.

ومن أهم ملامح قرار التقسيم ما يلي:

١- منح اليهود الطارئين ويمثلون ٣٥% من السكان حوالي ٥٥٠٠ ميل مربع.

٢- بقي للفلسطينيين حوالي ٤٥٠٠ ميل مربع.

٣- تقرر أن يدخل في نطاق الدولة اليهودية المقترحة جميع الأراضي

المزروعة بالحمضيات، وهي مقسمة بالتساوي من حيث الملكية بين اليهود

والفلسطينيين في ذلك الوقت.

٤- يدخل في نطاق الدولة اليهودية أيضاً ٨٠% من الأراضي المزروعة

بالحبوب مع أنها مملوكة للفلسطينيين.

٥- تضم الدولة اليهودية المقترحة ٤٠% من مجموع الصناعات.

٦- قطع الصلة بين الميناء الفلسطيني الرئيس (يافا) على البحر الأبيض

المتوسط وبين بقية أراضي الدولة الفلسطينية المقترحة.

٧- فصل قطاع غزة عن أراضيه الزراعية في النقب.

٨- منع الاتصال المباشر مع سوريا والبحر الأحمر.

إن القرار يمثل انتصاراً للحركة الصهيونية ومشروعها السياسي لإقامة دولة

(إسرائيل) ، وقد قَبِلَ الصهاينة مشروع التقسيم باعتباره خطوة تكتيكية. ويمكن ...

القول إنه على الرغم من عدم مشروعية القرار فإنه يعد أول اعتراف دولي بحقوق

الشعب الفلسطيني؛ حيث نص على إقامة دولة عربية لعرب فلسطين.

لقد سارع اليهود إلى إعلان قيام دولتهم مما أدى إلى حرب ١٩٤٨م التي نتج

عنها مزيد من المكاسب لليهود ومزيد من اللاجئين الفلسطينيين.

تحولت القضية بعد قيام دولة (إسرائيل) وانضمامها إلى الأمم المتحدة بعد عام

من تأسيسها إلى مجرد قضية لاجئين؛ حيث إن دولة فلسطين لم ترَ النور؛ فقد تم

مؤقتاً وضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، أما الضفة الغربية وشرقي القدس

فقد تم ضمهما للأردن، وأعلن دمج الضفة بشرق الأردن ابتداء من عام ١٩٥٠م

عبر ما يسمى بالاتحاد الدستوري للشعب العربي في الضفة الغربية والأردن في

نيسان (إبريل) ١٩٥٠م.

لقد كان ذكر الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في

القرار (١٨١) لازماً لتمرير تأسيس الدولة اليهودية التي أعلنت بعد منتصف ليلة

١٤/١٥ أيار (مايو) ١٩٤٨م، واعترفت بها أمريكا بعد ذلك بعشر دقائق!

أما دولة فلسطين الموعودة فقد تم تناسيها بسرعة، وتمت التغطية على ذلك

بالتركيز على مشكلة اللاجئين وقضية العودة طبقاً للقرار ١٩٤ في ١١/١٢/١٩٤٨م

الذي يؤكد على حق العودة والتعويض، وكان هذا التأكيد يتكرر في كل دورة تناقش

فيها القضية.

وفي الجانب الآخر فإن (جولدا مائير) صرحت أمام الجمعية العامة للأمم

المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٦٠م بقولها: (إن (إسرائيل) تعلن بكل

صراحة وبساطة أنها لا يمكن أن تسمح بعودة أي لاجئ إلى أرضه) .

ولكن نتيجة للحرب الباردة فقد حدثت تطورات في الجمعية العامة للأمم

المتحدة، فبدأت سلسلة من القرارات التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير

مصيره وإنشاء دولته المستقلة؛ ففي العاشر من كانون أول (ديسمبر) ١٩٦٩م،

صدر أول قرار جاء فيه أن الجمعية العامة تؤكد من جديد حقوق شعب فلسطين غير

القابلة للتصرف.

وفي ٢٢ نوفمبر ١٩٧٤م تم أيضاً التأكيد على هذه الحقوق.

ومع الانتفاضة وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني قيام دولة فلسطين، في

١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٨٨م أعلنت الجمعية العامة أنها تعترف بإعلان دولة

فلسطين، وأكدت الحاجة إلى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على

أراضيه المحتلة منذ عام ١٩٦٧م.

إلا أن مجلس الأمن كان له موقف مغاير؛ حيث صدر القرار ٢٤٢ الذي لم

يتعرض لذكر القضية الفلسطينية صراحة، واكتفى بالإشارة إلى (مشكلة اللاجئين) .

ولا يغيب عن البال أن كل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن غير قابلة

للتطبيق كما ذكر ذلك صراحة الأمين العام السابق بطرس غالي، ولا ننسى أنه

أصدر قرارات تدين الصهيونية وأنها شكل من أشكال العنصرية؛ ولكن سرعان ما

تم إلغاؤها رسمياً بعد التفرد الأمريكي بالقرار.

المهم أن الدولة الفلسطينية لم تكن هدفاً استراتيجياً له الأولوية؛ بل كان أقرب

إلى الشعار السياسي.

فبعد حرب ١٩٤٨م وقيام دولة اليهود تم الالتفاف حول مشروع الدولة بقصد

أو بغير قصد حتى يكاد يخيل للمرء أن ضم الضفة الغربية للأردن أقرب ما يكون

إلى مكافأة الملك عبد الله على دوره في حرب ١٩٤٨م؛ حيث قام الجيش الأردني

بتسليم مناطق واسعة لليهود دون قتال وكأنها ناتجة عن اتفاق ما. إن مناقشة أمر

الدولة الفلسطينية المقترحة لا يمكن أن يفصل عن العلاقة الأردنية الفلسطينية.

أما إعلان ياسر عرفات قيام دولة فلسطين عبر إعلان الجزائر في نوفمبر

(تشرين الثاني) ١٩٨٨م حيث عقد المجلس الوطني الفلسطيني الذي أعطى اليهود

صك الاعتراف ورضي بإعلان دولة فلسطين في اللامكان، ومع اعتراف (١٢٤)

دولة بها فإنه سرعان ما نسيت المنظمة نفسُها هذه الدولة، وأعلن عرفات أنه سيعلن

الدولة في ٤ مايو (أيار) ١٩٩٩م رضي بذلك من رضي، أو سخط من سخط. فما

هي إمكانيات قيام الدولة، وعلى أي أرض ستقام؟ !

لقد كان شعار المنظمة الفلسطينية هو: (تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر

إلى البحر) وبعد عام ١٩٦٧م بدأت النبرة تتراجع، وبدأ يتكرر كثيراً: (الانسحاب

من الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧م) وهذا يشعر بشرعية اغتصاب اليهود لأكثر من

٧٥% من أراضي فلسطين.

وقد كان إعلان الجزائر صريحاً بتحديد حدود الدولة بالضفة والقطاع فقط؛

ومع ذلك وبعد اتفاقيتي أوسلو وواي ريفر، فإن الرقعة تقلصت إلى حوالي ٤ ١٠%

وهي مناطق حضرية مزدحمة بالسكان تقطع الاتصال بينها خطوط إسرائيلية أنشأها

اليهود بدعوى أمن المستوطنات المتناثرة التي أقاموها في الضفة الغربية المحتلة.

إن هذا التراجع في مفهوم الدولة بالنسبة لمنظمة التحرير أو وريثتها السلطة

الفلسطينية قابلة لتراجع آخر من جانب اليهود أملته ظروف الانتفاضة واستحالة

التعايش مع خطورة العامل البشري، واختلال التوازن السكاني مع مرور الوقت

بعد أن كان اليهود يرفضون الحديث عن حق الشعب الفلسطيني بل ويكابرون بأن

فلسطين كانت خالية من السكان، وأن الفلسطينيين طارئون عليها، ويدبجون في

ذلك المقالات الطوال، أما عندما يتحدثون عن حل مشكلة الفلسطينيين فإنهم

يتحدثون عن أن دولة فلسطين قائمة بالفعل، وهي الأردن، ويستشهدون على ذلك

بقيام الاتحاد الدستوري وإدارة الأردن للضفة، وحملِ الفلسطينيين في الضفة

الوثائقَ الأردنية حالياً، وأن أغلبية سكان شرق الأردن هم من أصل فلسطيني؛

وهذا الطرح قديم ويؤيده حالياً بقوة (شارون) وزير الخارجية الحالي وأحد أقطاب

الحكومة القائمة، ولهذا لوحظت حساسية الملك حسين من هذا الطرح وإحساسه

بخطره على الرغم من صلته الحميمة مع زعماء اليهود، فقد كان يكرر كثيراً ذكر

الأخطار المحدقة بالمملكة الهاشمية، وقد سارع بفك الارتباط مع الضفة الغربية

حتى لا يتم الحل على حسابه، وكانت الفيدرالية التي يطرحها عرفات مثار كثير

من القلق لدى الملك؛ حيث إنه يعرف أنها ستكون على حسابه. وقد يكون دعم

حسين لحماس سياسياً ينبع من قناعته أن عرفات قد يقبل بدولة فلسطينية تكون فيها

الأردن هي الأساس؛ بينما هو مطمئن إلى أن طرح حماس المبدئي يتجه نحو

فلسطين الواقعة غرب النهر.

هل عرفات جاد في إعلان الدولة؟

لقد كان من نقاط ضعف عرفات الرئيسة حبه للسلطة وافتتانه بمظاهرها؛

وهذا واضح لمن يتابعه في مراسم الاستقبال والتوديع الكثيرة التي يستمتع بها،

بالإضافة إلى حرصه منذ أمد بعيد على التوسط في الصراعات المختلفة ليضفي

على شخصه أهمية قد لا يكون متمتعاً بها، وكان إعلان قيام الدولة الفلسطينية في

الجزائر فرصة لجولات مكوكية يُستقبل فيها استقبال الرؤساء، وتعزف له

الموسيقى، والأهم أن يُدعى: (الرئيس الفلسطيني) . وقد فتر الحماس بعد فترة من

الزمن؛ فقد كان الشعار المرفوع وإعلان الدولة مجرد مسوّغ وطُعم لقبول قضية

أخطر، وهي الاعتراف بدولة إسرائيل؛ ولهذا سرعان ما قَبِلَ رئيس الدولة

بمنصب رئيس السلطة، وعادت نغمة: الزعيم الفلسطيني أو رئيس السلطة.

ولم يفُت الزعيم الفلسطيني المتمرس الضارب على الوتر الحساس نفسه؛ فقد

كان يعلن ويصرح أن السلطة هي المرحلة الأولى لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة

التي عاصمتها القدس؛ مع أن اليهود يكررون أن القدس الموحدة هي عاصمة

دولتهم الأبدية كما يزعمون فقد كانت التصريحات الاستهلاكية رائجة ومقبولة

لمخاطبة غوغاء الناس وعوامهم.

أما حقيقة دور السلطة وانحصاره في إدارة المدن الفلسطينية التي عجز عنها

اليهود أيام الانتفاضة مع تحديد صلاحياتهم وتجريدهم من حرية السفر والانتقال

حتى بالنسبة لياسر عرفات الذي كان أكبر ما حصل عليه هو عدم تفتيش طائرته

الرئاسية عند هبوطها في مطار غزة.

إن سلطة الحكم الذاتي تعتمد اعتماداً شبه تام على المساعدات الخارجية التي

تدفع نيابة عن اليهود وبرضاهم، ولا يتصور أن عرفات جاد في إعلان الدولة؛

لأنه لم يقم حتى بجهد دبلوماسي واضح لدعم هذا الإعلان بل اقتصر على إعلانات

دعائية، ثم يتراجع عن الموعد المحدد بشرط وعد من بعض الدول بتأييد إعلان

الدولة في موعد لاحق. ولا يفوت الإشارة إلى موقف الرئيس الأمريكي كلينتون

الذي وصف إعلان الدولة من جانب واحد بالكارثة، أما اليهود فقد بلغ بهم

الاضطراب والفزع من الإعلان الصوري أنهم هددوا بإعادة احتلال مناطق السلطة.

إن مواقف اليهود المتشنجة من هذا الإعلان تبين أنهم ينظرون للسلطة

الفلسطينية على أنها مؤقتة فرضتها ظروف الانتفاضة والانتقال إلى صفة الدولة؛

وهذا يمثل تطوراً سلبياً وتراجعاً في أحلامهم حتى ولو على المستوى النظري؛ فقد

بذلوا الكثير من أجل إبعاد شبح قيام كيان مستقل للشعب الفلسطيني، ونزعوا صفة

السيادة عن السلطة الفلسطينية.

والخوف هو أن يجتمع زعماء اليهود مع رجال السلطة الفلسطينية على الحل

الوسط المتوقع الذي يمكن أن يقبل به الطرفان وهو إقامة دولة فلسطين على جزء

صغير ومبعثر في الضفة مع القطاع ومتحدة فيدرالياً مع الأردن؛ ولا يخفى تطلّع

اليهود إلى هذا الحل، أما ياسر عرفات فقد عرضه فعلاً على ملك الأردن الجديد

قبل أن يجف ثرى أبيه.

إن إعلان الدولة مسألة وقت ليس إلا ذلك، ولكن المهم هو: أين ستقام هذه

الدولة، وما هي مهمتها؟

إن الدولة الجديدة ستمثل الحاجز الواقي لإسرائيل من جهة الشرق، والأهم

من ذلك أنها ستكون الحل الأمثل لمشكلة اللاجئين الحاليين والمتوقعين؛ حيث لا

يستر اليهود خوفهم على مستقبل الدولة ونقائها العنصري من تزايد نسبة

الفلسطينيين التي لا يقابلها أي تزايد في أعداد المهاجرين اليهود.

إن اليهود في سباق مع الزمن لتوطيد أركان دولتهم والحفاظ عليها من الهزات

المتوقعة، وإن ما يسمى بخيار السلام هو خيار استراتيجي وضروري لأمنهم،

ولكنهم لا يريدون دفع كل تكاليفه ومنها إرضاء عرفات بدولة رمزية صورية.

إن سيطرة اليهود على مقاليد السلطة في أمريكا وروسيا لا يتوقع لها

الاستمرار طويلاً مع نمو المشاعر المعادية لليهود، ولهذا فلا يمكن التعويل على

الدعم الخارجي غير المحدود؛ بالإضافة إلى تزايد الوعي الإسلامي الذي يتقدم

شعبياً بقوة على حساب التوجهات العلمانية المهادنة أو المتحالفة مع اليهود في الوقت

الحاضر.

إن طروحات عتاة الصهاينة في حزب العمل دائماً متقدمة على الليكود؛ ولهذا

نرى أن حزب العمل يقبل حالياً بفكرة إقامة الدولة الفلسطينية باعتبارها مؤقتة ولكن

على جزء بسيط من الضفة والقطاع، ولا أظن أن نتنياهو وحزبه يملكون البديل

الواقعي.

استغل الإنجليز هيمنتهم على المنطقة بتوطيد دعائم دولة يهود واستغلوا هيئة

الأمم المتحدة لترسيخ الكيان واقعاً جديداً

الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره

وإنشاء دولته لكن مجلس الأمن له موقف مغاير تماماً

الدولة الفلسطينية لم تكن هدفاً استراتيجياً بل كانت أقرب للشعار السياسي فقد

أعلنت ١٩٨٨ وما زال الزعيم يهدد بإعلانها.