الجهاد الأفغاني ومرحلة البناء
كم نتمنى أن ينتقل الجهاد الأفغاني بعد محنته الأخيرة مع مجددي وكيلاني
والتحالفات المشبوهة التي أرادت أن تسرق ثمرة الجهاد أو التي تخصصت في
استغلال جهود الآخرين لمصلحتها أن ينتقل إلى مرحلة البناء، ويا لها من مهمة
صعبة، تتطلب جهوداً مخلصة دؤوبة، جهوداً فيها صبر وحكمة واتخاذ القرار
الصائب، فبعد التخريب الشيوعي وجهل المسلمين بشكل عام وكثرة تفرقهم في مثل
هذه الأجواء قد يكون البدء من الصفر. إن أعداء الإسلام من أبناء جلدتنا خاصة
يراهنون على أن المسلمين إذا حكموا فلن يستطيعوا الاستمرار وإدارة البلاد،
ويقولون فلندعهم يحكموا حتى يظهر فشلهم. وهذه مقولة ماكرة مضللة ولكنها في
الوقت نفسه تضع المسلم في موقع التحدي، وخاصة في الظروف الدولية السائدة.
والتحديات كثيرة جداً ومن أصعبها توحيد الصف الإسلامي الذي جاهد طوال
السنوات السابقة، وتوجيه الشعب الأفغاني، الذي إن لم يتدارك الأمر فستمزقه
الصراعات القبلية والعرقية وإننا من موقع الأخوة والنصح والمشاركة في الرأي
نبدي بعض الملاحظات حول المرحلة الحالية.
١- نتمنى أن يستمر التعاون والتنسيق بين فصائل الجهاد الحقيقي والذي كان
قوياً في الأيام الأخيرة لمواجهة المؤامرة، بل لا بد من جمع فصائل أهل السنة ونبذ
أي نوع من التفرق (وهو داء عميق) ، ولا بد من تضميد جراح الشعب الأفغاني
والمسارعة في بدء التوطين والإعمار حتى يلتف هذا الشعب حول حكومته. ويجب
ألا يخطر ببال جبهة واحدة الانفراد بالأمور، ولا بد من إبعاد المنافقين وأصحاب
الأهواء وعدم تمكينهم من المراكز المهمة، فإنهم يفسدون أكثر مما يصلحون.
٢- إن أهم ما يبدأ من جوانب الإصلاح والبناء هو التعليم وإعداد المناهج
المناسبة للأطفال والشباب، فهؤلاء الأجيال إذا أعدوا ديناً وخلقاً وعلماً وعملاً هم
حماة الدولة واستمراريتها، ولا ننسى مقولة الشاعر الهندي المسلم: (يا لغباء
فرعون كان بإمكانه أن يفتح المدارس ويخرب عقول شباب بني إسرائيل عوضاً أن
يذبحهم) ، فالتعليم هو الذي يصلح أو يفسد. ولا بد من الحرص على تعلم الشباب
شتى الاختصاصات التي تؤهله للمشاركة في الاستقلال الاقتصادي والسياسي عن
الدول الكافرة، وعند المسلمين كفاءات تربوية لإعداد المناهج المناسبة فيجب أن
يستفاد منها.
٣- الاستفادة من التجارب الفاشلة للدول العربية ودول العالم الإسلامي بشكل
عام عندما رفعوا شعارات التصنيع وأهملوا موضوع الزراعة فلا هم أتقنوا الصناعة، ... ولا هم تركوا الناس يزرعون وأصبحوا يستجدون القمح من أمريكا، وذلك لأن
الشيء الطبيعي أن تبدأ الدول الصغيرة خاصة بالزراعة والصناعة تأتي في مرحلة
تالية.
٤ - إن الذي يثبت أركان الدولة هو إقامة العدل ولا شك أن تطبيق الإسلام
فيه العدل الشامل، والشعب الذي يعامل بالعدل وتصان حريته وكرامته سيلتف حول
دولته ويكون معها في السراء والضراء، والشعب الذليل لا يقيم دنيا ولا دينا، وإن
كل المقولات التي تبرر الضغط على الناس وممارسة الاستبداد غير مقبولة.
٥- لا يقولن أحد من ضعفاء النفوس إننا لا نستطيع في هذه الظروف إلا أن
ننحاز إلى إحدى الدول الغربية القوية. نعم يجب أن نتعامل مع الواقع حولنا،
ولكن استقلال القرار السياسي والإداري ليس صعباً وبشيء من الهدوء وضبط
النفس ومعرفة ظروف المرحلة وتقوية العلاقات مع الدول الصديقة، مع تماسك
الجبهة الداخلية تستطيع الدول أن تكون مستقلة القرار. وهناك أمثلة من القريب
والبعيد، فالسلطان عبد الحميد استطاع لمدة ثلاثين سنة أن يجنب الدولة ضربات
الغرب المتربصين وذلك لمعرفته بالظروف الدولية واستغلالها لصالحه.
هذه ملاحظات سريعة مشفقة، وأمر البناء أكبر من هذا وخاصة في مجال
بناء النفوس.