المسلمون والعالم
[دعوة الوثنيين في مالي]
المنتدى الإسلامي مكتب مالي
لمحة تاريخية:
الدولة التي تعرف اليوم بـ (جمهورية مالي) تقع ضمن أراضي دولة مالي
الإسلامية التي قامت وتأسست من قِبَل قبائل المانديجو بين المحيط الأطلسي غرباً
ونهر النيجر شرقاً وجنوباً وذلك في القرن الثالث عشر الميلادي.
دولة مالي اليوم:
استقلت هذه الدولة عن فرنسا يوم الخميس ٢٢/٩/١٩٦٠م وهي دولة كبيرة
مترامية الأطراف مختلفة في التضاريس؛ حيث تبلغ مساحتها ١,٢٤٠,٠٠٠ كم٢،
وعدد سكانها حوالي ٩,٤٠٠,٠٠٠ نسمة، ولها موقع جغرافي استراتيجي؛ حيث
كانت حلقة الوصل بين غرب إفريقيا وشمالها عبر الصحراء في التجارة.
ونسبة المسلمين فيها حوالي ٨٠% بينما يبلغ عدد النصارى ١٥% والوثنيين
٥%. والدولة يوجد بها أراضٍ واسعة صالحة للزراعة والرعي وتربية المواشي،
وهي تحتل المركز الثاني في إنتاج القطن على مستوى القارة بعد جمهورية مصر
العربية. ولكن هذه الطاقة الطبيعية لم تستغل إلا قليلاً؛ فالدولة تعاني من المشاكل
الاقتصادية وتصاعد الديون الخارجية عليها، وتحتل المرتبة ما قبل الأخيرة من
حيث سلم التعليم على مستوى العالم، ويعيش أغلبية الناس في فقر مدقع.
وتنقسم الدولة إدارياً إلى ثمانية أقاليم هي:
كاي، كولوكورو، سيكاسو، سيقو، موبتي، تمبكتو، غاو، كيدال،
بالإضافة إلى دائرة العاصمة باماكو.
ويتألف المجتمع المالي من أجناس وقبائل منها:
البمبارا، السونكي، الفولانية، السينفو، مينقا، الدجون، بوبو، البوزو،
السونغي، الطوارق، وغيرهم.
مواطن الوثنيين في مالي:
الوثنية تنتشر في مجموعة من الأجناس البشرية في مالي كالبمبارا في منطقة
كولوكاني، بيلدوقو، وهي المنطقة الواقعة بين كيتا وباماكو جنوباً ونيورون
وناران شمالاً. والقرى التي أسلمت على يد دعاة المنتدى الإسلامي قريباً جزء
من هذه المنطقة.
وكذلك في منطقة سيقو يوجد بعض قبائل البمبارا الذين ما زالوا يدينون
بالوثنية وخاصة في بعض القرى الواقعة بين ماركالا، وكولو كانكوانتومو وهي
المعروفة بـ (سنة) كقرية جونغون وكوابوغو.
أما القبائل البوبو والسينفو ومينقا فيقطنون في المناطق الشرقية لـ (سيقو)
وخاصة بين مدينة بلا وكوتييلا وسان وحدود مالي المتاخمة لدولة بوركينا فاسو.
ثم نتوجه في شرق البلاد فنجد مجتمع الدجون على مرتفعات الدجون في
منطقة بنجاغارا وخاصة سنقو وكماديقلي والقرى التابعة لهما، كما أن للوثنيين
وجوداً في منطقة واسولون وبوغوني والحدود المتاخمة لدولة ساحل العاج.
أهمية دعوة الوثنيين:
الوثنية أحد الأديان الثلاثة المنتشرة في مالي (الإسلام، والنصرانية،
والوثنية) .
والوثنية في الحقيقة نوعان:
١ - الوثنية في لباسها القديم: هم عبدة الأصنام والأوثان، وقد وجهت
دعوات إسلامية وغيرها إلى هؤلاء الوثنيين في عقر بيوتهم منذ فترة طويلة، ولا
يزال بعضهم على وثنيته إلى الآن، وأسلم بعضهم إسلاماً يشوبه شيء من العادات
الوثنية كالحفلات السنوية للأصنام والتمائم. وأهم وجه للديانة عند الوثنيين هو
الاعتقاد بوجود قوة خفية غامضة تسيِّر حياة البشر، وهذه القوة قد تحل في الكائنات
البشرية أو الحيوانات أو الأشياء.
ومن عادة الوثنيين أيضاً تقديم القرابين إلى الآلهة والأرواح في المناسبات
المختلفة، وتتمثل هذه القرابين عادةً في مقادير معينة من الحبوب أو الثمار، أو في
كميات محدودة من الطعام أو في رأس أو أكثر من الماعز أو الغنم أو الماشية.
ومنهم مَنْ لا يكتفي بهذه الأنواع من القرابين بل تقاليده تسمح بتقديم قرابين بشرية.
ومن الأمثلة على المجتمعات التي تجري تقاليدها بتقديم قرابين بشرية البمبارا فعندما
تمر بالقرية أحداث خطيرة يُختار أحد الأشخاص وفي الغالب يكون شخصاً أشقر
اللون لتقديمه قرباناً. وكانت طريقة التضحية تختلف تبعاً للظروف؛ فإذا تعلق
الأمر بقضية مصيرية للقرية كان الشخص يشطر إلى شطرين ويُلقى شطره الأسفل
إلى المعبود، أما الجزء العلوي فيدفن.
والحمد لله؛ فقد بدأت هذه الظاهرة تنقرض كثيراً بسبب انتشار الإسلام
والوعي.
ومن ملامح الوثنية المنتشرة بكثرة حتى الآن - مع انتشار الإسلام وحتى في
بعض القرى التي أسلم بعض سكانها أو معظمهم - ما يسمى: «حامية القرية» .
فيعتقد الوثنيون أن أرواح الأسلاف وخاصةً مؤسسي القرى تسكن في أشياء
معينة وخاصةً الحيوانات كالتماسيح والأفاعي أو بعض الحيوانات الأليفة.
ويعتقدون أن رخاء القرية متوقف على بقاء هذه الأشياء، وأن حمايتها واجبة
وفرض عين على كل أهالي القرية، والويل كل الويل لمن تسول له نفسه المساس
بأمن هذا الشيء.
ويهتم المنصرون بهذه الفئة من الوثنيين وتقف معهم جنباً إلى جنب لحل
مشاكلهم الاجتماعية التي لا تخرج عن دائرة الفقر والجهل والمرض فيبنون لهم
الكنائس والمستوصفات، ويحفرون لهم الآبار، ويعطونهم الغذاء والكساء والدواء،
ويعلمونهم مبادئ النصرانية، ويشجعونهم على شرب الخمور وتربية الخنازير على
أن يشتروها منهم؛ وقد يضحي بعضهم بحياته للبقاء معهم فترة من الزمن - ليست
قليلة - للدعوة إلى النصرانية بكل ما يملكه من الوسائل المادية والمعنوية.
يقول البروفيسور كري دمبلي في محاضرة له عن «الفلسفة» الإنسانية
في الشيوعية والإسلام والنصرانية في باماكو: «إن إله المسلمين لا يعرف إلا
تعذيب الناس بالنار، أما إله النصارى فإنه يبشر بالحب والرحمة» .
وقد حقق المنصرون بسبب خططهم، ثم بالعوامل المساعدة من فقر وجهل
حققوا أهدافاً عجيبةً، فارتفعت نسبة النصارى من ٣% إلى ١٥% في غضون
أعوام قصيرة من عمر الزمن؛ فقد ركز المنصِّرون في دعوتهم للوثنيين على أمور:
١ - تحديد الهدف.
٢ - الداعية.
٣ - المدعو.
وهذا ما صرحوا به خلال مؤتمر سيقو في مالي عام ١٩٨٧م في محاضرة
للباستير محمد إنجاي بعنوان: ما هي الطرق الناجحة للدعوة إلى النصرانية؟
ولهم وسائل أخرى مؤثرة كإذاعات حرة دينية.
أما المسلمون فمع ما يبذلونه من جهود مباركة إلا أنها قليلة في مقابل الجهود
التنصيرية لأسباب كثيرة منها صعوبة الوصول إلى أماكن تواجد هؤلاء الوثنيين،
وقلة الدعاة في أوساطهم، وقلة المساعدات الإنسانية في مقابل مثيلاتها التنصيرية.
٢ - الوثنية المعاصرة: وهؤلاء هم الذين يصرفون أنواع العبادة لأمواتهم،
ويتقربون بها إليهم لكي تشفع لهم عند الله، والطامة الكبرى أن هؤلاء يمثلون
السواد الأعظم ممن ينتمون إلى الإسلام؛ وهذا يتمثل في بناء القباب والمساجد على
أضرحة أموات أوليائهم؛ وسبب تعلقهم بهذا النوع من العبادات شدة الفقر مع غلبة
الجهل وضعف الإيمان، وهذه الفئة متعصبة لمبادئها ومشائخها.
وبعد: فهل الوثنيون السالفون والحاضرون بحاجة إلى دعوة إسلامية صحيحة
في مالي؟
وضع الوثنيين والصعوبات التي تواجه الدعاة في مناطقهم:
منذ بداية السبعينيات والبلاد تمر بمرحلة قاسية عصيبة، وهي كغيرها من
البلاد الواقعة جنوب الصحراء الكبرى؛ فبسبب تتابع الجفاف ومواسم القحط التي
سادت أجزاءً كبيرةً من البلاد وخاصة مناطق الزراعة والمزارعين وهي أكثر
المناطق تأثراً بالوثنية تردت الأوضاع الاقتصادية، وفقدت كميةً كبيرةً من
المحصولات والغلات الزراعية والتربة الصالحة وهي التي تعتمد عليها سكان
القرى اعتماداً كلياً في تسيير الحياة اليومية، وبالإضافة أيضاً إلى بداوة المناطق
وبساطة سكانها كل هذا جعل مناطق الوثنيين أراضي خصبةً لتلقي الدعوة الإسلامية
والإقبال على الدعاة، وخاصةً إذا كانت هذه الدعوة تصاحبها المعونات الإنسانية
التي تسد حاجات الوثنيين. وبالتجربة أعطت هذه المعونات ثماراً يانعةً من إسلام
وثنيين جدد، واستمرار من أسلم على إسلامه على يد دعاة المنتدى الإسلامي في
منطقة كلوكاني «بيلدوقو» .
أما الصعوبات التي تواجه الدعاة في مناطق الوثنيين فتتمثل في عدم توفر
سبل المواصلات إلى بعض الوثنيين كمرتفعات الدجون لوعورة الطريق واتخاذ
بعض الوثنيين سفوح الجبال وداخل الكهوف مساكن لهم مما يكون عائقاً للوصول
إليهم.
ومن العوائق أيضاً: صعوبة التفاهم بين الدعاة والوثنيين في بعض المناطق؛
حيث يجد الداعية حواجز نفسية كتمسك بعض الوثنيين بمعتقداتهم القديمة واعتقادهم
بأن التخلي عن هذه المعتقدات قضية مصيرية وقضية حياة أو موت.
ومن الصعوبات والعوائق أيضاً: تنافس المنصرين مع الدعاة في استغلال
هذا الميدان الخصيب؛ فكثيراً ما يجد الداعية وثنياً يسلم على يديه وبعد فترة ولعدم
المتابعة يتنصر هذا المسلم لظروف الحياة ومغريات المنظمات التنصيرية، فيذهب
عمل الداعية أدراج الرياح، كما أن اللغة قد تشكل حلقة من سلسلة هذه الصعوبات.
فالوسائل التي يجب أن تُتَّبَعَ لكي تثمر دعوة هؤلاء الوثنيين: متابعة من أسلم
منهم متابعةً جادةً مدروسةً ومنظمةً ومرتبةً؛ وذلك بتنفيذ القوافل الدعوية المستمرة
لصعوبة توفير داعية لكل منطقة؛ فالدولة مترامية الأطراف، وهذه القوافل تكون
مزودة بالدعاة والمواد التموينية (الغذائية) والمنشورات باللغات المحلية لما لمسنا
بالتجربة من أثر طيب وناجح لهذه القوافل.
ومن الوسائل أيضاً: إقامة دورات، وإنشاء مراكز محو الأمية، وتنظيم
الجولات الدعوية في مختلف المناطق، وكذلك بناء المساجد في مناطق المسلمين
الجدد لإحياء رسالة المسجد وتنشيطها دعوياً بإلقاء المواعظ، والقيام على حلقات
تحفيظ القرآن من قِبَل الدعاة وفتح المدارس لتعليم أبناء المسلمين مبادئ دينهم.
ومن أهم الوسائل أيضاً: تبني المشاريع الإنسانية الخيرية في مناطق
المسلمين الجدد؛ لأنه السلاح المستخدم من قِبَل المنصرين كبناء المستشفيات وحفر
الآبار وبناء السدود وإنشاء المراكز الإغاثية في المناطق المنكوبة على أن يصاحب
كل هذا برامج دعوية مدروسة جادة هادفة.
طرق دعوة الوثنيين ووسائلها في مالي:
إن دعوة الوثنيين المعاصرين أدت إلى صراعات عنيفة بين السنيين
والصوفيين - ولا زالت وإن كانت قليلةً - وهذا ما يفرض علينا وعلى كل عاقل
ترك الاستفزاز والعصبية مع ضرورة النظر الاعتباري إلى الواقع لمصلحة الدعوة
الإسلامية الصحيحة في مالي، فيا ترى ما هي الطرق والوسائل الكفيلة لذلك؟
أما الطرق الدعوية: فإنها لا تخرج عما يأتي:
أ - أن يكون الوثني قابلاً للحق معترفاً به، لكن عنده نوع من غفلة وتأخر،
وله أهواء وشهوات تصده عن اتباع الحق، وهو الوثني عابد الأصنام والأوثان،
فهذا يُدعَى بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترهيب من الباطل،
ويوجد الآن جهود ومواقف وشواهد للمنتدى الإسلامي وهيئة الإغاثة - حسب
علمنا - في مناطق (سان، وكولوكاني الوثنية) .
ب - أن يكون الوثني معانداً جاحداً، وهو القبوري الذي يعتقد تأثيراً لأوليائه
من أصحاب القبور. فهذا يجادَل بالتي هي أحسن. ويوجد حالياً - حسب علمنا -
للدعاة مواقف وشواهد وجهود دعوية مباركة مع هؤلاء القبوريين.
قال - تعالى -: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (النحل: ١٢٥) .
أما الوسائل الدعوية: فكثيرة جداً، ولكن كلتا الطائفتين الوثنيتين تحتاجان
إلى دعاة من ذوي القدوة الحسنة في العلم والعمل، فاهمين لطبيعة أحوال الوثنيين
وعاداتهم وتقاليدهم، وذلك ليتسنى لهم معرفة المدعوين أولاً، ثم التدرج والأخذ
بأيديهم إلى نور الهداية والإيمان الصحيح ثانياً، وذلك باللين والرفق والتواضع
والتسامح وحسن المعاملة بالزيارات التفقدية، وتكريمهم بالهدايا في المناسبات
وغيرها، ثم غرس الإيمان الصحيح في قلوبهم من خلال البرامج الدعوية المخططة
تخطيطاً حكيماً، كالتعليم ودروس الوعظ ونحوهما، ويمكن الاستعانة بوسائل
الإعلام كلها، وخاصةً التلفزة، والاهتمام بحاجتهم الاجتماعية كبناء المستشفيات
ودور الرعاية الاجتماعية ككفالة الأيتام والعجزة، وبناء المساجد والمدارس، وحفر
الآبار وغير ذلك، والاهتمام بتربيتهم الصحيحة؛ وذلك من خلال تنظيم اللقاءات
العامة والخاصة، من دروس ومؤتمرات ومناقشات ومحاضرات، وتوزيع الكتيبات
والمنشورات المترجمة بالفرنسية، وغيرها، يقوم بها دعاة من ذوي الحكمة البالغة
والسيرة الحسنة في مجال الدعوة، ويكون همهم وجهودهم قاصرة على السعي إلى
هداية الوثنيين وغيرهم ولا يستعجلون النتائج، بل تكون أنشطتهم الدعوية مبنيةً
على خطط مدروسة ومحكمة، ووسائل حية مع الجدية والإتقان في العمل.
والله نسأل التوفيق والسداد على درب الحق.