للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مراجعات في عالم الكتب

الكتاب والسنة

يجب أن يكونا مصدر القوانين

بقلم العلامة: أحمد محمد شاكر

تقديم: أحمد بن صالح السيف

في وقت تأزمت فيه التبعية في البلاد الإسلامية لقوانين البشر الطاغوتية [أَلَمْ

تَرَ إلَى الَذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ ومَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن

يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً

بَعِيداً] [النساء: ٦٠] ، وما زالت الأمة تجر ذيول الهزيمة والتخلف في جميع

مجالاته بما جره القائمون على شؤونها، على إثر تخليها وإعراضها عن أمر ربها

وابتغائها حكم الجاهلية: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلِي

الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ

والْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً] [النساء: ٥٩] .

حري بنا أن نقدم رسالة في أصلها محاضرة ومشروع قدمه العلامة المحدث

الشيخ أحمد شاكر - القاضي الشرعي وعضو المحكمة الشرعية العليا (سابقاً) في

مصر ١٣٠٩-١٣٧٧ هـ - رحمه الله رحمة واسعة، بعنوان (الكتاب والسنة

يجب أن يكونا مصدر القوانين) يقدمها كلمة حق في وجه ذلك الادعاء الموبوء الذي

تولى كبره آنذاك - الوزير عبد العزيز فهمي - حينما دعا إلى كتابة العربية

بالحروف اللاتينية وأتبعه بادعائه المشين ألا وهو (أن التشريع الإسلامي لا يصلح

لهذا الزمان) وذلك في حقبة مرة من الزمن والتي ما زال أولئك الأذناب ينبشون هذه الادعاءات بين الفينة والأخرى بصورة أكثر نفاقية ودهاء.

سأقف وإياك - أخي القارئ - مع الشيخ في أبعاد طرحه لقضيته: وجوب

جعل الكتاب والسنة مصدراً للقوانين، حيث بدأه في تحميل مصر عبء العمل إلى

الرجوع والأخذ بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- (نعم ومصر بلد

إسلامي وهي تقعد الآن بين الأمم مقعد الصدارة في ممالك الإسلام وإلى ما تصنع

ينظر المسلمون في أنحاء الأرض وبها يقتدون فيهتدون أويضلون) في حين أن

مصر واقعاً وللأسف قد قادت بقوانينها الوضعية البشرية جل البلاد الإسلامية -

العربية - ممن أخذها جملة أو تفصيلاً.

والشيخ يتعوذ بالله من أن تضل مصر بعد أن ملكت أمرها واستقلت شؤونها

فتحمل إثم العالم الإسلامي كله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من

سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص

من أوزارهم شيء» .

والله شرع هذه الشريعة الكاملة للناس كافة في كل زمان ومكان بعموم بعثة

المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وبختم الرسالة والنبوة به وأنها ليست خاصة بأمة

دون أمة وأن فيها ما هو ثابت لا يقبل التغيير وما هو جزئي بحسب اختلاف الدهور

والعصور.

ثم يتناول رحمه الله آثار القوانين الوضعية - الأجنبية - في نفوس الأمة،

فقد صبغتها بصبغة غير إسلامية: (وإليها يرجع أكثر ما نشكو من علل في أخلاقنا، في معاملاتنا، في ديننا، في ثقافتنا، في رجولتنا، إلى غير ذلك من أمور

التربية والتعليم وقضايا المرأة والإعلام) .

وبين أن هذه القوانين قد أجرمت في حق الأمة والدين أكبر الجرائم فبثت في

كثير من الناس روح الإلحاد والتمرد على الدين أو حمتها وساعدت على بقائها

ونمائها. مؤكداً ذلك ببعض الأمثلة من القوانين ومدى مخالفتهما الصريحة للكتاب

السنة كجرائم القتل والزنا وغيره..

ثم يطرح الشيخ - رحمه الله - خطة عملية لرجال القانون في مصر وممن

يسير على خطاها للعمل مع العلماء بحكم أنهم أصحاب السلطة في البلد وبيدهم

الأمر والنهي مع تركهم للتعصب لتشريع الإفرنج وآرائهم جانباً، وموجز الخطة

العملية كما يرى الشيخ: (أن تختار لجنة قوية من أساطين رجال القانون كلهم ثم

تستنبط من الفروع ما تراه صواباً مناسباً لحال الناس وظروفهم مما يدخل تحت

مواعد الكتاب والسنة ولا يصادم نصاً ولا يخالف شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة) .

ثم يعرض الشيخ نقاشاً مع صاحب الادعاء المشين:

(فإني أرجو أن أظهر الناس على مبلغ علم الباشا فيما هو أيسر من ذلك العلم، وهذا الرجل الذي بلغ علمه بالقرآن وباللغة وبعلوم الإسلام ما ترى، والذي

أشرب في قلبه قوانين الإفرنج حتى لا يسع غيرها لم يكد يمسك القلم حتى خلق فرصة لا أدري كيف خلقها لإبراز ما يحمل قلبه من ضغن على التشريع الإسلامي ولتقديس قوانين الإفرنج والإشادة بها والذوذ عنها خشية أن يفوز) القائمون بالدعوة إلى تشريع مقتبس من الكتاب والسنة موافق لروح الإسلام وعقائد المسلمين) .

ليتصدى بعدها لادعاءات فهمي لنقضها والتحذير منها بالأدلة قوله: إن الدين

لله وأما سياسة الإنسان فللإنسان: (وأن الحاكم في الإسلام عليه أن يسوس الناس

على ما يحقق مصالحهم مؤسساً عمله على الحق والعدل على أن لا يمس العقائد

وفرائض العبادات) ومعنى هذا الكلام الخروج بالإسلام عن حقيقته وجعله دين

عبادة فقط، وإنكار ما في القرآن والسنة الصحيحة من الأحكام في كل شؤون

الإنسان.

وأعجب ما في الأمر أن يسأل معالي الباشا السيد محب الدين الخطيب هل

يرى في تلك النظم والقوانين ما يخالف شيئاً من عقائد المسلمين أو يعطل فرضاً من

فرائض الدين؟

ثم يجيبه الشيخ جواباً حاسماً:

(نعم إن القوانين الإفرنجية والنظم الأوربية فيها كثير مما يخالف عقائد

المسلمين وفيها تعطيل كثير من فروض الدين.

فيها إباحة الخمور علناً والترخيص رسمياً ببيعها بتصريح كتابي يوقع عليه

وزير من وزراء الدولة أو موظف كبير من موظفيها، بل إن فريقاً من رجال الدولة

الكبار لا يخجلون أن تدار عليهم الخمور في حفلات رسمية فتنفق عليها أموال

الدولة بحجة أن هذا إكرام لمدعويهم من الأجانب أو بما شئت من حجج تجردت من

الحياء حتى إن الدهماء ومن يسمونهم بسمة (الطبقة الراقية) اقتدوا بسادتهم

وكبرائهم واستغلوا هذه القوانين فيما يذهب عقولهم ويذيب أموالهم فانحطوا إلى

الدرك الأسفل.

وفيها إباحة الميسر بكل أنواعه، وفيها إباحة الفجور بطرق عجيبة من حماية

الفجار من الرجال والنساء.

واختلاط الرجال والنساء، ثم المصايف وما فيها من البلاء.. وفيها إبطال

الحدود التي نزل فيها القرآن كلها وغير ذلك ...

ثم يحقق الشيخ بقوله: لسنا ننعى على هذه القوانين كل جزئية فيها بالضرورة

نفسها ففيها فروع في مسائل مفصلة تدخل تحت القواعد العامة في الكتاب والسنة،

ولكننا ننكر المصدر الذي أخذت منه وهو مصدر لا يجوز لمسلم أن يجعله إمامه في

التشريع، وقد أمر أن يتحاكم إلى الله ورسوله، فالكتاب والسنة وحدهما هما الإمام

نستنبط منهما وفي حدودهما ما يوافق كل عصر وكل مكان مسترشدين بالعقل

وقواعد العدل، ولكنا نسخط على الروح الذي يملي هذه القوانين ويوحي بها، روح

الإلحاد والتمرد على الإسلام في كثير من المسائل الخطيرة والقواعد الأساسية، فلا

يبالي واضعوها أن يخرجوا على القرآن، وعلى البديهي من قواعد الإسلام، وأن

يصبغوها صبغة أوربية مسيحية أو وثنية إذا ما أرضوا عنهم أعداءهم ونالوا ثناءهم

ولم يخرجوا على مبادئ التشريع الحديث وهم في نظر الشرع مخطئون إذا ما

أصابوا مجرمون إذا ما أخطأوا، أصابوا على غير طريق الصواب، إذ لم يضعوا

الكتاب والسنة نصب أعينهم بل أعرضوا عنها ابتغاء مرضاة غير الله) .