هكذا يديرون أوقاتهم!
إبراهيم بن سليمان الحيدري
غنيُّ الناس وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم لا يملكون في يومهم سوى أربع وعشرين ساعة فقط، الوقت مورد محدود، ومع محدوديته فلا يمكن تخزينه أو ترحيله.
الوقت والموج لا ينتظران أحداً.
محدودية الوقت جعلت الناس يتعاملون معه بطرق مختلفة، راجين أن يجدوا وسيلة فعّالة لإدارته، مكوِّنين بذلك ما يمكن اعتباره شخصيات مختلفة، من هذه الشخصيات:
الشخصية المنظَّمة: وهي التي ترى أن الفوضى هي السبب الرئيس لضياع الوقت، لذا فهي تحاول أن تنظم ما حولها من الأشياء والأعمال والأشخاص، معتقدة أن العيش في بيئة منظمة كفيلٌ بتوفير مزيد من الوقت.
الشخصية المحصَّنة: وهذا النوع يرى أن الناس والاختلاط بهم سبب مؤثر في إهدار الوقت، ولذلك يلجأ إلى الانعزال الكلي أو الجزئي عن الناس، والتقليل من الاختلاط بهم، ليتوافر لديهم مزيد من الوقت وقدرة أكبر في التحكم فيه.
الشخصية التقنية: تعتمد هذه الشخصية على ما توفره الأدوات التقنية الحديثة ـ كالحواسيب الكفّية والمفكرات الآلية ـ من سرعة في الأداء وسعة في التخزين، مما يختصر لدى هذه الفئة الوقت والجهد، ويمنحهم كما يظنون مزيداً من الوقت.
مع الإيجابيات المتنوعة للآليات التي تستخدمها الشخصيات السابقة إلا أنها لا تخلو من سلبيات؛ فالشخصية المنظمة قد تغرق في التنظيم ليتحول لديها إلى هدف بدلاً من أن يكون وسيلة، بينما ستتفاجأ الشخصية المحصنة بأن لديها وقتاً كثيراً وعلاقات اجتماعية قليلة أو نادرة، وهو الوضع الذي لا يستطيع الكثير الاستمرار فيه، كما أن الشخصية التقنية سوف تكتشف أن الآلات لن يتعدى دورها سوى التنظيم والترتيب، وليس إدارة الوقت، كما أن مصدر أساليب الشخصيات السابقة كلها خارج نطاق الذات، وهذا ما فطنت إليه الشخصية التالية:
الشخصية المخطِّطة: هذه الشخصية تؤمن بأن الواجب أن ندير ذواتنا بدلاً من أن ندير الوقت، لأن الوقت ـ ببساطة ـ منظم جداً، فما لم تكن ساعتنا متعطلة فإن الوقت يسير بطريقة منظمة ودقيقة. إدارة الوقت لدى هذه الشخصية هي إدارة الذات، ولذا فهي تنطلق في تعاملها الإيجابي مع الوقت؛ من خلال فلسفة داخلية، تتمثَّل في تحديد الأهداف الشخصية بوضوح، وترتيب الأولويات بدقَّة، وتنظيم برامجها السنوية والشهرية واليومية وفقاً للوقت المتاح لديها، وهي مع ذلك لا تُغفل أهميةَ التنظيم والتقنية كعوامل مساندة في تعظيم الوقت.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: «السَّنَة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل. وإنما الحصاد يوم المعاد، فعند الحصاد يتبين حلو الثمار من مرِّها» .
(*) ماجستير في الإدارة، باحث في إدارة العمل الخيري.