للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبل التقدم العلمي والتقني في البلاد الإسلامية]

إعداد: خباب بن مروان الحمد

المشاركون في الإجابة عن أسئلة التحقيق:

١ ـ د. إيهاب الشاعر: فلسطيني مقيم بأمريكا، متخصص في الحاسوب والاتصالات.

٢ ـ د. باسم خفاجي: مصري، متخصص في الهندسة المدنيَّة.

٣ ـ أ. د. زغلول النجار: مصري، متخصص في علم التربة والجيولوجيا.

٤ ـ د. عبد الله الضويان: سعودي، متخصص في علم الفيزياء.

٥ ـ د. عبد الوالي العجلوني: أردني، متخصص في علم الفيزياء.

٦ ـ أ. د. نعمان الخطيب: فلسطيني مقيم بالسودان، متخصص في هندسة البترول والتعدين.

٧ ـ د. محمد المدهون: فلسطيني، متخصص في تنمية الموارد البشرية.

لا ريب أنَّ من أبرز التحديات التي تواجه أمتنا الإسلامية ذلك الضعف العلمي والتقني إلى حد أن صرنا ندعى بأننا (العالم المتخلف) أو (النامي) ، فأصبحنا عالة على غيرناوللأسف.

(البيان) ألقت الضوء على هذه القضية قناعة بأهمية مناقشة هذا الموضوع بأبعاده المختلفة، وتوجهنا لضيوفنا الكرام بالعديد من الأسئلة:

لماذا تأخرنا ولماذا تقدم غيرنا؟ وما سبل التقدم العلمي والتقني للأمة الإسلامية؟ وهل هناك محاولة احتكار لحصار العالم الإسلامي؟ وكيف نتعدى هذه العقبة إن وجدت؟ وما دور صناعة الرأي والمشورة في عملية الاختراعات؟ ... إلى غير ذلك من المحاور العديدة بإذن الله التي ستناقش هذا الموضوع.

٣ مدخل مفيد لكنَّه مؤلم:

هكذا استهلَّ الدكتور الضويان حديثه حول واقع العالم الإسلامي مقارنة مع العالم الآخر، من حيث الأميَّة وميزانيَّة التعليم بالنسبة لحجم الدخل القومي، وميزانيَّة البحث العلمي.

كما أبدى عدد من المشاركين استياءهم لقلَّة المخصَّصات لوسائل التقنية في العالم الإسلامي، ورأى الدكتور إيهاب الشاعر أنَّ تخلُّف العالم الإسلامي في المجال التقني والمعلوماتي أقل من الحد الأدنى الذي بدونه لا تعيش الشعوب عزيزة.

في حين يقول الدكتور العجلوني: إنَّ ميزانيات البحث العلمي في الدول العربية والإسلاميَّة هزيلة للغاية، ولا تُذكر ضمن ميزانيات المؤسسات العلمية العربية كالجامعات إلا من باب استعمال الديكور أو المظاهر؛ فهي للأسف لأغراض الزينة وليس للبحث العلمي الحقيقي.

وعودة لأطروحة الدكتور الضويان؛ حيث يتحدث قائلاً: لا يتجاوز ما تنفقه الدول الإسلامية على البحث والتطوير ٠.٢% من إجمالي الدخل القومي، وهو أقل بكثير مما تنفقه شركة عملاقة واحدة كشركة سوني اليابانية مثلاً على البحث والتطوير. وباستقراء التغيُّر الحاصل في الدول الإسلامية في هذا الجانب خلال السنوات الثلاثين الماضية نجد أنه ـ مع الزمن ـ يتجه إلى الأسوأ؛ مع كل أسف.

ويدلي الدكتور باسم خفاجي دلوه في هذه القضية فيقول: أبسط معطيات التقدم لدى العالم العربي والإسلامي، تفترض إجادة الشعوب لمبادئ القراءة والكتابة في عالم اليوم، بينما تظهر الإحصاءات ـ الصادرة أخيراً عن المنظمة العربية للثقافة والعلوم ـ أن عدد الأميين في العالم العربي قد وصل إلى سبعين مليون شخص خلال العام الميلادي (٢٠٠٥م) . كما أن نسبة ما ينفَق عربياً على التعليم العالي لا تتجاوز ١% من ميزانيات الدول الإجمالية، وهي نسبة متدنية، خصوصاً مع واقع الأمة الإسلامية.

وقد أظهر تقرير صدر أخيراً عن منظمة اليونسكو أن العالم العربي الذي يصل عدد سكانه إلى ٢٩٠ مليون نسمة، يوجد فيه أكثر من ٤٠ مليون تلميذ في سن المرحلة الابتدائية، كما يوجد أيضاً ما يقارب من ٨ ملايين طفل في سن المرحلة الابتدائية خارج المدارس، أي أن ما يقارب ٢٠% من أطفال العالم العربي هم ممن لا يتلقون التعليم الأساسي اللازم لإجادة القراءة والكتابة. وهذه المشكلة تزداد تفاقماً عندما نعرف أن المجتمع العربي مجتمع شاب، فأكثر من ٣٧% من أبناء العالم العربي أعمارهم دون أربعة عشر عاماً، تبعاً لتقرير اليونسكو نفسه عام ٢٠٠٥م.

ويضيف الدكتور باسم قائلاً: بلغت نسبة الإنفاق على التعليم الأساسي في العالم العربي أرقاماً متدنية مقارنة بباقي دول العالم؛ فإجمالي الإنفاق على التعليم الأساسي في مصر لا يتجاوز ٠.٦% من ميزانية الدولة أي أقل من ١%، وفي المغرب يصل إلى ٢.٦%. ويقارن ذلك بالكيان الصهيوني الذي ينفق ٢.٨% على التعليم الأساسي (أي ما يقارب خمسة أضعاف ما تنفقه مصر) . أما إجمالي الإنفاق على التعليم تبعاً لتقرير اليونسكو عن عام ٢٠٠٥م، فإنه يتراوح بين ١% ولا يزيد عن ٦% في معظم الدول العربية.

ويذكر الدكتور زغلول النجار أنَّ السبب الرئيسي لهذا التباين الكبير في متوسط دخل الدول الإسلامية يرجع إلى عامل التجزئة، والكيانات المصطنعة التي رسمت حدودها الراهنة القوى الاستعمارية العالمية (وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا) وحافظت عليها، لتبقى الأمة الإسلامية على هذه الصورة من التفتت الذي لا يمكِّن أياً من دولها من القيام بذاته.

٣ سبب إهمال دراسات العلوم التقنية في العالم الإسلامي:

يقدم لنا الدكتور محمد المدهون رأيه باختصار حول ذلك في ثلاث نقاط: التبعيَّة، غياب الحوافز، عدم رعاية المبدعين والأفذاد.

بينما يسهب الدكتور زغلول النجَّار في ذكره لأسباب إهمال دراسات العلوم التقنية فيقول:

١ ـ تفشّي الأميّة بين المسلمين البالغين في هذا العصر بصورة مزعجة تتراوح نسبتها بين ٥٠% و ٨٠% (بمتوسط حوالي ٥٨%) .

٢ ـ كثرة ما تحتاجه دراسات العلوم والتقنية من تجهيزات، ومختبرات، وأجهزة، ومعدات، وما وصلت إليه تكلفة ذلك في هذه الأيام من مبالغات.

٣ ــ انعدام التخطيط والتنسيق والتعاون بين مختلف المؤسسات العلمية والتقنية في العالم الإسلامي المعاصر.

٤ ـ هجرة أعداد كبيرة من العلماء والفنيين إلى خارج حدود العالم الإسلامي؛ وهذا في حد ذاته يمثل استنزافاً لأهم طاقات المسلمين ولأعظم إمكاناتهم.

٥ ـ تمزُّق العالم الإسلامي المعاصر إلى أكثر من خمسين دولة بالإضافة إلى أقليات منتشرة في كل دولة من الدول غير الإسلامية تفوق أعدادها مئات الملايين في بعض هذه الدول، واحتلال أجزاء عديدة من أراضي المسلمين؛ مما أدى إلى تشتيت المقومات المادية والروحية والطاقات البشرية للمسلمين.

٦ ـ اعتماد الدول الإسلامية على الاستيراد من الدول الأخرى بدلاً من التكامل الاقتصادي والصناعي والزراعي فيما بينها؛ مما أدى إلى خنق كثير من النشاطات الصناعية والزراعية في العالم الإسلامي، وإلى استنزاف أموال المسلمين، واستغلالهم، وفرض السيطرة عليهم من قِبَل الدول الموردة وتكتلاتها الصناعية والزراعية والتجارية المختلفة.

وتجدر الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين الدول الإسلامية لا يمثل أكثر من ١% من تجارتها الدولية، وأن هناك أسعاراً خاصة تفرض اليوم على واردات العالم الإسلامي بصفة عامة، كما أن ما تدفعه تلك الدول سنوياً في الاستيراد يكفي لإقامة أكبر الصناعات، ولدعم أضخم المشروعات الزراعية والإنتاجية التى يمكن أن تسد حاجة المسلمين كافة، وتغنيهم عن تحكم التكتلات العالمية المستغلة فيهم.

ويضيف الدكتور العجلوني شيئاً من الأسباب التي يرى أنَّ لها دوراً في إهمال الدراسات للعلوم التقنية؛ حيث قال: عدم معرفة الأولويات، وانشغال الشعوب بالملهيات، وأحياناً الشعور بالعجز المطبق عند مشاهدة الهوة الواسعة بين مستوانا التقني والمستوى التقني في الغرب واليابان.

ويرى الدكتور نعمان الخطيب رؤية مغايرة لما رآه بعض المشاركين؛ حيث يرى أنَّه ليس هناك إهمال في دراسات العلوم التقنيَّة؛ فيقول: لكن الدراسات في العالم الإسلامي سواء كانت علوماً نظرية (إنسانيَّة واجتماعية) أو علوماً تقنية؛ فإنها لا تُدرّس بالطريقة الصحيحة، وتعتمد على التلقين وليس على البحث والتفكير والابتكار. أما إذا كان المقصود إهمال الأبحاث في الدراسات التقنية؛ فإن السبب هو صعوبة إجراء هذه الدراسات، واعتمادها على أجهزة متطورة غير متوفرة في معظم الأحيان في الجامعات ومراكز الأبحاث في العالم الإسلامي، والتركيز على الأبحاث النظرية التي تحتاج إلى ورقة وقلم فقط.

٣ هل تعاني الدول الإسلامية من احتكار التقنية؟

كان العلم متقدماً عندنا في السابق؛ فقد ذكر (سارتون) أن الحضارة الغربية كان مفتاحها الوحيد لغة العرب التي ملَّكتهم ناصية العلم والتقنية، والآن الدول المتقدمة تقنياً تحاول عرقلة التنمية التقنية للدول الإسلاميَّة، ولا أدل على ذلك من تدمير أمريكا بواسطة اليهود المفاعلَ النووي العراقي، وأوضح من ذلك منع بعض التخصُّصات العلمية في بريطانيا بأن تُدرَس من قِبَل طلاَّب دول معيَّنة، بل ما زالت بعض الدول الصناعيَّة تحتكر سوق التقنية وكأنَّه لها فحسب؛ فكيف نتعدى هذه العقبة ونتغلب عليها؟

حول هذه القضيَّة انطلق عدد من المختصين بالتحدث حول الحلول العمليَّة لتعدِّي مرحلة الاحتكار والتبعيَّة في السوق العالميَّة، فيتحدَّث الدكتور محمد المدهون ملخصاً رأيه باختصار حول هذه القضيَّة قائلاً:

نتجاوز تلك العقبة بإذن الله ـ تعالى ـ من خلال: السرية في العمل، الانتقائيَّة والتركيز الدقيق، نشر العلوم التقنية، تبنّي المواهب والقدرات الخاصة.

ويرى الدكتور الضويان أنَّ احتكار التقنية ليس مشكلة إن وُجد، ويوضح مراده بقوله: فالنظرة المادية بشكل عام هي التي تحكم الشركات المصنّعة خاصة العابرة للقارات، كما أن التقنية مستويات، والاحتكار إن وُجد على المستويات المتقدمة جداً منها والباهظة التكاليف والتي يمكننا تأجيلها، لكننا لا نملك التقنية على مستويات أدنى وإن كانت في مجالات تخصنا وهذه هي مشكلتنا.

ويضرب الدكتور الضويان مثالاً على رأيه بقوله: انظر إلى صناعة النفط؛ هل نحن نصدِّر تقنيتها إلى غيرنا؟ وما الشركات البارزة في عمليات التنقيب على سبيل المثال؟ على الرغم من أن امتلاك التقنية مرتبط بالقدرة الصناعية؛ فلا أقل من أن تتميز الدول الإسلامية المنتجة منذ عقود للنفط في مجال التنقيب وتقنياته وصناعة النفط.

ويختتم حديثه بقوله: المهم أنَّ امتلاك التقنية مسألة حضارية يُنظر إليها بشكل متكامل مع قضايا أخرى، وحين تتخلف هذه القضايا تتخلف مسألة التقنية تبعاً لها؛ على الرغم من انتمائها لهذا الدين العظيم.

ويلفت الدكتور الضويان انتباه المتابع بقوله: انظر لحال الأمة المزري: الدكتاتوريات السياسية تخنق الإبداع، وضياع الصدق والأمانة والانضباط يطرد الإنتاج البحثي الناجح، وانتشار الفقر والأنانية والجهل؛ كل هذا عدو للتقدم العلمي. والإباحية الإعلامية وتسطيح الاهتمامات لا تتناسب مع المنافسة التقنية ... إلى غير ذلك من الأمراض الحضارية.

ويقدم الدكتور باسم خفاجي تفسيراً وتحليلاً آخر حول هذه القضية، فيذكر أنَّ المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ذكرت ضمن تقريرها عن واقع التعليم ومستقبله في العالم العربي أنَّ «تطوير التعليم في بلداننا، الذي هو الشرط الأساس لتحقيق النقلة النوعية الحقيقية المطلوبة في النهوض الحضاري، يتوقف على المشاركة الشعبية الواسعة في تحمّل تكاليف التعليم التي تَتَزَايَدُ أعباؤها سنة بعد سنة، وبذلك ستتمكّن الدولة من القيام على نحو أفضل بدور الإشراف والرعاية، وضبط الاتجاهات العامة لمسيرة التعليم وفق المصالح العليا للوطن، وبما يحقق الأهداف الوطنية، ويمهد السبيل نحو الاندماج في المسيرة العالمية.

وفي محاولة ناقدة يقول الدكتور باسم: إننا كثيراً ما نلقي باللائمة على الدول والأنظمة، وأحياناً على الغرب وأمريكا في التعامل مع مشكلة التعليم وارتباطه بالتقنية في عالمنا العربي والإسلامي، ولكن الحقيقة أن الشعوب مسؤولة أيضاً بالدرجة نفسها. وكما علمنا الخالق ـ جل وعلا ـ عندما يُذكِّرنا {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٦٥] ، فهنا مفتاح الحل. لا شك أن خصوم الأمة يكيدون لها، ولكن هذا الكيد لم يوقف الأمة على مر التاريخ عن التقدم والازدهار عندما أخذت بالجد والحزم وعلو الهمة، وهو ما نفتقده اليوم.

ويؤكد الدكتور باسم أنَّ احتكار سوق التقنيات بالنسبة للغرب لم يمنع الصين وتايوان وسنغافورة، وحتى ماليزيا المسلمة والهند من المسابقة، بل والتقدم إلى الدرجة التي أصبحت معها هذه الدول مصدرة للتقنية إلى البلاد الأوروبية والأمريكية، ويضيف قائلاً: رغم أن أمريكا ومن يحالفها حاربوا هذه الدول بالأمس كما يحاربوننا اليوم. فليس من اللائق عقلاً ولا شرعاً أن نلقي باللائمة على الخصوم كمبرر لتخلفنا، وكأننا نتوقع من خصوم الأمة أن يرفقوا بنا، وأن يعاونونا على النجاح والتقدم.

وينبِّه الدكتور باسم إلى أنَّ الغرب يحاول احتكار أسواق التجارة العالمية ويضيف: والشركات متعددة الجنسية صار لها تأثير كبير في علاقات التبادل التجاري بين الدول؛ فمن جملة (٥٠) أكبر شركة متعددة الجنسية في العالم تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية (٣٣) شركة، بينما تمتلك بريطانيا (٥) شركات، واليابان وسويسرا تمتلكان (٣) شركات، وألمانيا تمتلك شركتين، وفرنسا شركة واحدة؛ وبقية الدول (٣) شركات فقط، وذلك بحسب ما أورده موقع إسلام أون لاين في مقال (الاحتكار.. مزايا للشركات وأضرار للمستهلك) . ولكن بالمقابل فإن هذه الشركات تحتاج إلى أسواق، وهنا تكمن قوة المستهلك الذي يمكنه اختيار من يريد أن يتعامل معه، ممن يساعده على التقدم التقني.

٣ الاحتكار عقبة.. كيف نتعداها؟

وعن الطرق الكاسرة لسوق الاحتكار يقدم الدكتور باسم وجهة نظره بقوله: إننا في حاجة إلى أن نربط أسواقنا الاستهلاكية ـ وهي قوة لا يستهان بها ـ بمن يساعدوننا على التقدم التقني، وليس فقط من يريدون تصدير التقنيات لنا.

ويوضح الدكتور زغلول النجار رأيه في المسألة قائلاً: نستطيع التغلب على هذه العقبة بوحدة المسلمين وعن طريق الاستغلال الصحيح لمقومات العالم الإسلامي المعاصر في اتباع الخطوات المؤدية للتقدم العلمي والتقني في العالم الإسلامي. أما الدكتور الخطيب فيرى أنه لا يمكن كسر هذا الاحتكار إلا بالاعتماد على الذات، واتخاذ قرار سياسي سيادي بالخروج من الهيمنة السياسية والاقتصادية والتقنية الغربية الاستعمارية، ولا يكون ذلك إلا عندما تصبح الحكومات الإسلامية من الشعب وللشعب.

ويستند الدكتور نعمان إلى أن العالم العربي يمتلك من الموارد البشرية والطبيعية (نفط، زراعة، معادن) أكثر مما تمتلك الدول الغربية (أوروبا وشمال أمريكا) ؛ فلو كان يملك المقدرة التكنولوجية لأصبح متقدماً على الدول الغربية اقتصادياً وتكنولوجياً، ولفقدت تلك الدول هيمنتها الاقتصادية والسياسية على العالم.

٣ هل تحاصر التقنية بلادنا؟

هناك عدد من المحللين الاستراتيجيين يرون أنَّ هناك محاولة لحصار العالم الإسلامي. فمن الملاحظ مساعدة الدول الغربية للبرنامج الهندي النووي، ومحاربة البرنامج الباكستاني النووي، كما يخالفهم آخرون في ذلك كل حسب الزاوية التي ينظرون من خلالها.

فالدكتور نعمان الخطيب يقول: نعم! هناك حصار للعالم الإسلامي؛ وهو حصار متعمد ومدروس ومخطط له؛ حتى يبقى العالم الإسلامي متخلفاً تقنياً ويعتمد على الغرب.

ويضرب الدكتور الخطيب على ذلك مثلاً فيقول: الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح ببيع الحاسبات المتطورة التي يمكن استخدامها في برامج معينة إلا للدول التي تثق بها، والتي تكون متأكدة أنها لن تستخدمها في برامج مثل: تصميم الصواريخ أو تقنية الفضاء والذرة.

أمَّا الدكتور الضويان فيختلف في نظرته لهذه القضية مع الدكتور الخطيب حيث يوضح مراده بقوله: لا أعتقد أن هناك حصاراً على العالم الإسلامي من الخارج، لكنه فرض الحصار على نفسه. أما موضوع البرنامج النووي الهندي والباكستاني فالمنطلقات فيه مصالح استراتيجية، ولا تُلام الدول على السعي لتحقيق مصالحها ولو أغضبت مواقفها هذا الشعب أو ذاك. وبالمناسبة: من الذي أتى بحكومة البلدين؟ أحدهما اختيار الشعب والأخرى الدبابة والعمالة للأجنبي، وهنا التخلف عينه. الهند تصنع جميع ما تحتاج داخلياً، بينما باكستان لا تستغني عن الدول الأخرى.

٣ صناعة الرأي والمشورة في عملية الاختراعات لنقل التقنية:

يبتدئ الدكتور العجلوني الحديث حول هذه القضية؛ إذ يقول: ليس الأساس المشاورة بمعناها المعروف وإنما العمل الجماعي، وهذه يجب تربية الأجيال عليها منذ الصغر قبل تكليفهم بمهام البحث العلمي وهم كبار، وبناء قاعدة علمية في الدولة حتى لو كان مستواها دون مستوى تلك التي في الدول الغربية، ومن ثم تحديد ما يلزم أو الضروري من التكنولوجيا ضمن جدول أولويات والسعي الحثيث لامتلاكها.

كما يؤكد الدكتور نعمان على أهميَّة استشارة ذوي الاختصاص والمعرفة، وأن يتم الأخذ بآرائهم والعمل بها، ويضيف: يجب العمل على تشكيل مجالس استشارية متخصصة من ذوي الخبرة والكفاءة، وأن يعطَوا الصلاحية الكاملة في اتخاذ القرارات الملزمة لكافة القطاعات لتنفيذ هذه التوصيات والتوجيهات.

ويضيف الدكتور المدهون عدَّة نقاط تؤكد على أهميَّة المشورة؛ حيث يلخصها في الآتي:

ـ إنَّ صناعة الرأي تفتح الطريق أمام المبدعين والمتميزين.

ـ توفر المناخ الحيوي للتطور.

ـ يمكن تطويرها بنشر حرية الرأي واعتماد المنهج الإسلامي الذي احترم العقل.

ويختتم الدكتور الضويان الحديث حول هذه الفقرة بقوله:

أما صناعة الرأي في عملية الاختراعات، فلا بد قبلها أن يكون للأمة رأي في أبجديات القضايا يُسمح لها أن تُعبر عنه، قبل أن نقفز إلى مسألة الاختراعات.

ويختتم رأيه متأسفاً ومتأسياً بقوله: شعوب جائعة لا تشارك في قراراتها المصيرية كيف تخترع؟ لا بد من الواقعية العملية وترتيب الأولويات.

٣ التقنية لها خطوات فعَّالة ... فما هي؟

في المقدمة نبتدئ بتقديم رأي الدكتور زغلول النجَّار حيث يقول:

لا بد من تطوير التقنية في بلادنا لنساير التطورات العالمية من حيث المستوى؛ فالوسائل والكتب والطرائق والمختبرات وغيرها أساس من أسس التقدم العلمي، كما تتطلب حسن التنسيق بين الجامعات ومراكز البحوث الإسلامية، وبينها وبين الصناعة في المنطقة العربية والإسلامية؛ وهذا التنسيق مهم بالنسبة للاستفادة من كفاءاتنا العلمية، وكذلك نقل التقنية الحديثة ممن سبقونا فيها.

ثم يضرب الدكتور النجار مثالاً في التأسي بمن قبلنا من المسلمين في خطوات نقلهم للتقنية فيقول: ففي عصر الحضارة الإسلامية التي امتدت قروناً طويلة، تحرك المسلمون من منطلق حب الحكمة الذي غرسه الإسلام في نفوسهم، فجمعوا تراث الحضارات السابقة وترجموه ونقدوه بمعيار الحق الإسلامي، وأضافوا إليه إضافات أصيلة في مختلف مجالاته، فأخذوا صناعة الورق وطوروها، وأضافوا الصفر، ونشروا الأرقام، وابتكروا علوم الجبر وحساب المثلثات واللوغاريتمات.

كما أبدى الدكتور الضويان رأيه في هذه الفقرة، ملخصاً إياه في كلمة قصيرة؛ فيقول: خطوات نقل التقنية موضوع كبير قد كُتبت فيه كتب وأبحاث، لكنها لا تتجاوز الأطر النظرية. وبالجملة: نحتاج لتحديد التقنية اللازمة سواء أكانت مادية (hardware) أو معلوماتية (information) أو فنية (know-how) إلى التعامل الأمثل مع الأجهزة والمعلومات، ومن ثَمَّ وضع خطة على المستوى الفكري والاقتصادي والإداري.

من جهة أخرى يسوق الدكتور باسم خفاجي فكرته حيث يقول: أرى أن الخطوة الأولى في مشروع (نقل التقنيات) تتركز في تغيير طريقة التفكير لدى النخب العلمية والمثقفة في العالم العربي، والتأكيد على أهمية تطوير العقل العربي والإسلامي في مجالات الإبداع والابتكار، وليس فقط في سبل الاستهلاك والاستخدام لما يصنعه الآخرون.

ويعقب خفاجي على حديثه مضيفاً: ينبغي التركيز على فكرة الانتقائية في التعامل مع التقنيات المراد نقلها؛ فليس كل ما أنتجه الغرب صالح لعالمنا، أو حتى صالح للبشرية بوجه عام، فلا يجب أن ننقل إلا ما يثبت لنا صلاحه لأمتنا ليس فقط على المستوى التقني، وإنما على المستوى الأخلاقي والثقافي والعقدي أيضاً.

ويضيف الدكتور باسم قائلاً: أما في مجال الخطوات اللازمة لنقل التقنيات؛ فقد ذكر أهمها أحد الباحثين العرب، وننقل عنه هنا أهم هذه الخطوات:

أولاً: إيجاد قاعدة علمية قادرة على التطوير والابتكار العلمي.

ثانياً: إيجاد قاعدة صناعية متميزة تأخذ بأحدث ما وصلت إليه التقنية مع قبولها التطوير المستمر.

ثالثاً: الترابط الوثيق بين القاعدة العلمية والقاعدة الصناعية، لتحويل الإنجازات العلمية إلى واقع صناعي. ويفضَّل أن يكون هذا الترابط ناشئاً عن مركز بحوث رئيس مُلِمٍّ باحتياجات البلاد وأهدافها التنموية، قادر على الدعم السخي، له صلاحية التنسيق والتنظيم مع وحدات البحث العلمي المختلفة في البلاد والقطاع الصناعي المتطور، وقد أشار إلى مثل هذا الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي في مقال له نشر في موقع (صيد الفوائد) بعنوان: (نقل التقنية المتطورة إلى الدول الإسلامية/عوائق وحلول) .

٣ مقومات التقدم العلمي وسبل تنميته:

يبتدئ المشاركة في هذه الفقرة الدكتور إيهاب الشاعر، حيث يقول: قبل البدء بالتحدث عن مقومات التقدم العلمي والتقني لا بد من تسليط الضوء على قياس معيار التقدم العلمي؛ فهو يكمن في معيارين:

١ ـ قدرة العالم العربي والإسلامي على أن يكون مستقلاً بصناعة ما يحتاجه للقيام بضرورات الحياة المدنية والعسكرية.

٢ ـ قدرة العالم الإسلامي والعربي على تطوير ما هو موجود من تقنية وتوظيفها في مصالحه العامة: اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً، وغير ذلك.

ويشير الدكتور إيهاب إلى أنَّ مجرد استيراد التقنيات واستخدامها أمر استهلاكي وليس أمراً جوهرياً يمس التقدم العلمي.

ثم انطلق الدكتور إيهاب الشاعر مجيباً عن هذه القضيَّة بنوع من التفصيل والبسط؛ وذلك لأهميتها في نظره؛ حيث قال: مقومات التقدم العلمي تكمن في الآتي:

أولاً: الجامعات ومراكز البحوث: وهي القلب النابض للتقدم العلمي في كل الدول وبغيرها لا يمكن عمل شيء، ويكون ذلك عبر عدَّة نقاط هي:

أـ استقطاب المؤهلين من ذوي الخبرات التعليمية والتطويرية وتوظيفهم في الجامعات، وإعطاؤهم حرية البحث.

ب ـ إنشاء صندوق دعم مالي للبحوث، يكون من الدولة والتجار وأهل الخير والشركات المحلية والأجنبية؛ لدعم بحوث الأساتذة في الجامعات.

ج ـ إعطاء المدرسين والأساتذة العاملين في مجال البحث امتيازات خاصة لإشعارهم بالأمن والاستقرار، وليس على أساس عقود وتجديدات.

د ـ منع هؤلاء الأساتذة وتحذيرهم من الانتقال إلى مجالات أخرى إدارية أو غيرها قبل مدة دنيا من البحث والإنتاج.

هـ ـ تشجيع البحث والتفكير منذ عمر مبكر (الثانوية) ، وصياغة المواد التعليمية على هذا الأساس.

وـ الاهتمام بالموهوبين والنابغين من الطلاب، وإنشاء جمعيات خاصة لهم، وإعطاؤهم منحاً خاصة للدراسة والتطوير.

ز ـ إنشاء نوادٍ صيفية لتحفيز العمل الابتكاري والإبداعي وعمل مسابقات في ذلك.

ثانياً: ربط الشركات والصناعة المحلية بالجامعات ربطاً قويما علمياً عن طريق: بحوث مشتركة، وورش عمل، ودعم مالي مفروض على الشركات الكبرى بالذات.

ثالثاً: الدعم الحكومي الرسمي ويتمثل بالتالي:

أـ إنشاء، ومن ثمَّ الإشراف على صندوق دعم وطني لبحوث الجامعات.

ب ـ ربط الجامعات بمثيلاتها من العالم العربي والإسلامي والغربي عن طريق ندوات وورش عمل مدعومة.

ج ـ إنشاء القوانين التي تحث الجامعات والشركات على الاتصال والعمل البحثي، وسنِّها.

د ـ تشجيع الصناعات المحليَّة، حتى ولو كانت جدواها الاقتصادية أقل في البداية.

واختتم الدكتور إيهاب ما قدم بقوله: فهذه خطة متكاملة، ولكنها تحتاج إلى مخلصين؛ وهو الشرط الرابع.

ويقدم الدكتور نعمان الخطيب مقومات يرى أنَّها ذات أهميَّة بقوله:

تحرير مراكز الأبحاث من البيروقراطية والرتابة، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والتخلص من المحسوبية والواسطة في التعيينات والترقيات والقرارات، ولا يكون ذلك إلا بإصلاح سياسي شامل.

ومن زاوية أخرى يلمح الدكتور زغلول النجَّار إلى أنَّ مقومات التقدم تكمن في الآتي:

ـ مقومات بشرية: (يفوق تعدادها الألف مليون نسمة تتوزع في أكثر من خمسين دولة مستقلة وعلى هيئة أعداد متباينة من الأقليات في كافة دول العالم، ويمثل هذا العدد قرابة ربع سكان العالم، ويضم ملايين من العلماء والأطباء والأدباء والمفكرين)

ـ مقومات أرضية: (مساحة الدول المكونة للعالم الإسلامي تمثل أكثر من ربع مساحة اليابسة وتقدر بـ ١٤٨.٣٥٤.٠٠٠ كيلو متراً مربعاً) ، ويزيد فى قيمة تلك المساحة الشاسعة اتصال بعضها مع بعض، وتوسطها دول العالم، وتكاملها من ناحية المناخ والتضاريس وطبيعة الأرض، وتعدد ثرواتها، وتنوع مصادر المياه فيها.

ـ مقومات بحرية: (يطل العالم الإسلامي على مسطحات مائية عديدة تخترقها أهم خطوط المواصلات البحرية في العالم، وله موانئ هامة على كل من: المحيط الأطلسي، والمحيط الهندي، والمحيط الهادي، وكل من: البحر الأحمر، والبحر الأبيض، والبحر الأسود، وبحر قزوين) .

ـ مقومات اقتصادية: (الثروة الزراعية، الثروة الحيوانية، مصادر الطاقة، الثروة التعدينية) .

ـ مقومات تعليمية: (تضم دول العالم الإسلامي اليوم الكثير من الجامعات والمعاهد المتخصصة، بالإضافة إلى ما يفوق التسعمائة من مراكز البحوث، وأكاديميات العلوم والتقنية، ومراكز للطاقة الذرية والنظائر المشعة) .

٣ لا يشترط في التقنية أن تكون منافسة لتقنية الآخرين:

كانت هذه إجابة الدكتور إيهاب الشاعر؛ إذ سألته: هل يشترط للتقنية المأمولة من الدول الإسلامية أن تكون منافسة لتقنية الآخرين؟ أم يكفي أن تحقق هذه الدول المسلمة من التقنية ما يحفظ لها كيانها، ويحميها من كيد العدو؟

وتابع حديثه قائلاً: ذلك الاشتراط يكون في البداية، حتَّى نقوم بالحد الأدنى لاستبدال التقنية الغربية. بينما يرى الدكتور الضويان خلاف رأي الدكتور الشاعر؛ حيث يقول: التقنية المأمولة من الدول الإسلامية لا بد أن تكون منافسة بكل تأكيد وإلاَّ فلا مكان لتقنية رديئة، لكن لا بد أن تكون هذه التقنية ملائمة لهذا البلد أو ذاك من جهةِ: التكاليف، وحجم اليد العاملة، والمردود الاقتصادي المباشر، والآثار الاجتماعية؛ فبعض التقنيات استهلاكية وتُعمّق التبعية للثقافة الغربية مثلاً.

ويتقارب الدكتور العجلوني والمدهون في إجابتيهما؛ حيث إنَّ فيهما جمعاً بين الرأيين السابقين؛ حيث يقول الدكتور المدهون: مرحلياً يكفي أن تحقق هذه الدول المسلمة من التقنية ما يحفظ لها كيانها، ويحميها من كيد العدو، واستراتيجياً عليها أن تكون منافساً كبيراً لتقنية الآخرين.

وفي الحلقة القادمة ـ إن شاء الله ـ نستكمل دوائر ومحاور التحقيق، نسأل الله أن ينفع به.