[المسلمون في الغرب تحت المجهر الأمني]
يحيى أبو زكري
استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية وعبر أجهزتها الأمنية بمختلف عناوينها أن تنقل الهاجس الأمني الكبير الذي يتحكّم في مسلكيتها السياسية، والذي أوجدته أحداث سبتمبر / أيلول إلى العواصم الغربية التي راحت أجهزتها الأمنية ترتّب أوراقها وتفتح كل الملفات القديمة والجديدة، وتعيد رسم خريطة وضع المسلمين تحت المجهر في هذا البلد الغربي وذاك.
وإذا كانت العواصم الغربية تبدي احترامها لحقوق الإنسان وقوانين الدمقرطة السائدة فيها، إلاّ أنّها لا يمكنها الإفصاح عن الترتيبات الأمنية المتخذة، والخطوات المدروسة لمراقبة تحركات المسلمين؛ وتحديداً الملتزمين والحركيين منهم.
والخطوات المتخذة لوضع المسلمين تحت المجهر كثيرة، ومنها:
المعروف أنّ المسلمين في الغرب حصلوا على حقّ الإقامة في الغرب؛ إمّا عن طريق اللجوء السياسي وإما الإنساني، وهؤلاء الأغلبية، وتتوفّر ملفاتهم على تفاصيل مملّة عن ماضيهم السياسي والحركي والفكري والانتماء الديني، وكل الملفات موجودة لدى دوائر الهجرة والأجهزة الأمنية، وهذه الملفات مفتوحة دوماً لتضاف إليها كل النقاط الصغيرة والكبيرة من المهد وإلى اللحظة الراهنة المتعلقة بهذا اللاجئ. وللإشارة فإنّ كل لاجئ حصل على حقّ الإقامة في هذه الدولة الغربية أو تلك له مسؤول يتابع أخباره من الجهاز الأمني في هذا البلد أو ذاك دون أن يعرف اللاجئ ذلك.
وإذا احتاج هذا الجهاز الأمني إلى معلومة أو استكمال البحث في شأن تقرير وارد من دولة غربية أو عربية بشأن هذا الشخص؛ يقوم هذا المسؤول باستدعائه بطريقة مؤدبة طبعاً، وبأسلوب مغاير لأساليب الأجهزة الأمنية في البلاد العربية.
وبقية المقيمين المسلمين أو المتجنسين فإنهم حصلوا على الإقامة عن طريق الزواج أو جمع الشمل وما شابه، وحتى ذلك هؤلاء لهم ملفات كاملة في دوائر الهجرة التي هي واجهة للأجهزة الأمنية، ومن ثم فإنّ ملفات المسلمين مفتوحة ومعروفة بدقّة للأجهزة الأمنية التي تقرر فيما بعد مَن الأوْلى بالمراقبة والتنصت على مكالماته وتتبّع تحركاته.
وبعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول باتت الأجهزة الأمنية الغربية تعمل بمقتضى قانون الإرهاب الذي أطلق يدها، وعندما تقرر الدوائر الأمنية وضع شخص ما تحت المجهر أو مجموعة بكاملها؛ فإنّها تسخّر كل الإمكانات للتقصّي عنه، وقد سمحت لها التقنية الأمنية المتطورة بمعرفة أدق التفاصيل المتعلّقة بهذا الشخص أو المجموعة: بمن يتصل هذا الشخص، ولمن يرسل البريد الإلكتروني، وأي الرسائل يستقبل، ومتى يخرج من بيته، ومتى يوجد في هذا المسجد أو ذاك؟ وما إلى ذلك من التفاصيل الدقيقة.
وأحياناً تستعين الأجهزة الأمنية الغربية بأشخاص عرب ومسلمين لجمع تقارير عن هذا أو ذاك، وكثيراً ما توظّف الأجهزة الأمنية الغربية عرباً ومسلمين لجمع معلومات عن إخوانه العرب والمسلمين مقابل مكافآت مادية أحياناً، أو مقابل الغضّ عن بعض الانتهاكات للقانون الغربي التي يقترفها هذا العميل في مجال تسديد القروض، أو التحايل على مؤسسات الدولة، وما إلى ذلك.
وأثناء قيامنا بهذا التحقيق صرح العديد من المستجوبين الإسلاميين بأنّ أجهزة الاستخبارات الغربية كانت تعرف عنهم كل صغيرة وكبيرة، حتى في بعض التفاصيل التي كان على علم بها أشخاص من الدائرة الضيقة من رحم هذا الشخص أو ذاك.
وقد روى شخص شيعي من العراق حقق معه جهاز أمني غربي أنّه سُئل عن «المقلَّد» الذي يقلّده: هل هو السيستاني أو باقٍ على تقليد أبي القاسم الخوئي!
وبالإضافة إلى هذه الأساليب؛ فإنّ معظم المساجد والمراكز الإسلامية مرصودة بشكل كامل، ويتم التنصّت على مجمل المكالمات التي ترد إلى المسجد أو تخرج منه، بالإضافة إلى المؤتمرات الإسلامية التي تقام في هذه العاصمة الغربية أو تلك.
وإذا شعر هذا الجهاز الأمني بأنّ هذا المسلم مهم ويملك معلومات معينة؛ فإنّه يُتنصّت عليه لكي تمتص معلوماته دون أن يشعر، وأحياناً تقوم الأجهزة الأمنية الغربية وبطريقة ذكيّة بإدخال شخص عربيٍ أو مسلم إلى دائرة هذا المرصود، وعندما يستأنس المرصود بالدخيل يشرع الدخيل بطرح عشرات الأسئلة على هذا المرصود، وطبعاً الأجوبة تحفظ في أشرطة خاصة، وتصنَّف في خانة الذين يخدمون الأجهزة الأمنية الغربية مجاناً.
وحتى رسائل الفاكس تراقَب بإحكام إلى درجة أنّ مترجماً عراقيّاً ذكر لي أنّ جهازاً أمنياً غربياً عرض عليه التعامل معه على أن يقوم بترجمة رسائل الفاكس ورسائل البريد الإلكتروني، أو بيانات معينة من اللغة العربية وإلى اللغة الغربية، وفي هذا السياق يشار إلى أنّ كل الأجهزة الأمنية الغربية ـ في مطلقها ـ تستعين بجيش عرمرم من المترجمين العرب والمسلمين، وبعضهم يعمل ضمن ملاك هذه الأجهزة، ويتقاضى راتباً كبيراً شأنه شأن أي ضابط استخبارات غربي.
ويشترط في هذا المترجم العربي الذي يترجم للأجهزة الأمنية الغربية أن تكون فيه مواصفات رجل الاستخبارات الغربي نفسها: من تحلل، وتفسخ، وعدم الإيمان بالقيَم والمبادئ. والعجيب أنّ هذه الأجهزة عندما يتعلّق الأمر بقضية إسلامي أو قضية مسلمين تستعين بمترجمين عرب مسيحيين من العراق أو لبنان أو سوريا حتى تكون الخدمة كاملة وعلى أتمّ وجه.
وهناك غير هذه الوسائل المعتمدة في جمع المعلومات عن المسلمين كالتقارير المتبادلة بين كل الأجهزة الأمنية الغربية، حيث هناك تعاون مكثف ووفق شيفرات خاصة بالحاسوب، ويكفي أن يطلب رجل الاستخبارات البريطاني معلومة ما من زميله الدانماركي ليصله ما يريد في ثوان وعبر طرق إلكترونية متطورة للغاية.
كما أنّ هذه الأجهزة الأمنية الغربية باتت تستعين بأرشيف الأجهزة الأمنية العربية المفتوح دوماً للدوائر الغربية، وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بمحاربة الإسلاميين.
ولم تكتف الأجهزة الأمنية الغربية بهذا الرصد للعرب والمسلمين من الأصول العربية والإسلامية، بل بدأت هذه الأجهزة ترصد المسلمين الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام عن طريق البحث والدراسة؛ خوفاً من التزامهم بالإسلام الحركي، واحتمال أن يؤثّر ذلك في مستقبل الغرب في حدّ ذاته!
وتحاول هذه الأجهزة ومؤسساتها الفكرية والتحليليّة الغوص في المصادر الفكرية والإعلامية التي يعتمد عليها هؤلاء المسلمون من الغربيين من قبيل صفحات الإنترنت ـ الويب ـ باللغات الغربية والكتب الإسلامية المترجمة؛ في محاولة لمعرفة طرائق تفكير هذا الإنسان المسلم الغربي الجذور والمواطنة.
وبقي القول: إنّ مؤسسات الأبحاث التابعة للأجهزة الأمنيّة الغربيّة توظّف غربيين من خريجي معاهد الاستشراق واللغات العربية والفارسية والتركية والكرديّة؛ عندما يتعلّق الأمر بتشريح العالم العربي والإسلامي الذي يُشرّح فكرياً في أعلى المستويات الغربيّة، ويراد تشريحه جغرافياً من خلال تفتيته إلى دويلات كما تقضي الاستراتيجية الغربية الجديدة.
(*) صحفي جزائري مقيم في استوكهولم.