للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنه منهج إذلال!]

التحرير

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد:

فإن رياح التغيير القادمة من أمريكا تهب على العالم الإسلامي هذه الأيام بشعارات براقة من الإصلاح السياسي والانفتاح الاقتصادي والحرية وإعادة الإعمار إلى تحرير المرأة وإعطائها حقوقها المسلوبة، وقد تبين واقعاً أن هذه مجرد آليات ضغط على الأنظمة والشعوب ترفع لأهداف سياسية واقتصادية مجردة، الغرض منها استكمال مخطط السيطرة على مقدرات العالم؛ حيث إن ممارسات الإدارة الأمريكية تتناقض تماماً مع كل الشعارات المرفوعة؛ فما نشاهده عملية ترويض مبرمجة تتم وفق دراسات عن المجتمع الإسلامي ونفسية الفرد المسلم. نعم إنها عملية ترويض تذكِّر بمباريات ترويض الثيران التي يجيدها رعاة البقر.

وقبل أن نتكلم عن مظاهر منهج الترويض المعتمد يجب أن نؤكد على أن هذا المنهج معتمد من أعلى مستوى، وأن الذي وضع خطوطه العريضة اختير وزيراً للعدل في التشكيل الجديد. والأمر الآخر أن القوى العسكرية والأمنية في جميع دول العالم المتقدمة والمتخلفة تتصرف وفق ضوابط معينة؛ بحيث إن جميع تصرفاتها لا تخرج عن ثلاثة احتمالات: فهي إما أن تكون تنفيذاً لأوامر محددة، أو تكون في حدود توجيه عام باللين أو القسوة أو تجاوزات نابعة من تدني مستوى الأفراد الأخلاقي، أو نتيجة ضغوط العمل.

ونتساءل هنا: من الذي أمر بقتل الأسرى في أفغانستان بقصفهم بالطائرات كما حصل في قلعة جانجي أو بوضعهم في حاويات مغلقة ليموتوا أثناء النقل؟! ومن الذي فتح المعتقلات في أفغانستان والعراق ويشرف عليها؟! ومن الذي جلب أكياس الرأس (السوداء) ؟! ومن الذي وفر أجهزة التعذيب الكهربائية؟! ومن الذي أدخل الكلاب إلى داخل المعتقلات، ولماذا؟ ومن الذي قرر أن يكون الاعتقال خارج الولايات المتحدة؟ ومن الذي بنى معسكر جوانتنامو؟! ومن..؟ ومن..؟! هل هي تصرفات فردية من المجندون الذين دخل كثير منهم الجيش؛ لأنهم لم يجدوا عملاً آخر..؟!

لا شك أن ظروف الاعتقال وكيفيتها ووسائل التحقيق التي تعتمد على تحطيم مقاومة المعتقل وإذلاله تتم وفق منهج معتمد قائم على فهمهم لخصائص الشخصية الإسلامية، وإليك بعض الخصائص ومحاولات استغلالها:

أولاً: أهمية صفة الرجولة والشرف؛ ولذا تم اعتماد تعرية المعتقلين واغتصابهم.

ثانياً: الكرامة وعلاجها التعذيب الشديد مع توجيه الإهانات اللفظية.

ثالثاَ: اعتقادهم أن الشرقي ينظر بدونية للمرأة، ولذا فإن قائد سجن أبو غريب امرأة، وغالبية من يمارس التعذيب والتحقيق نساء. ففي قاعدة باجرام الجوية بأفغانستان ورد في التحقيقات التي نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز) حول وفاة بعض المعتقلين تحت التعذيب أن سجناء علقوا بالسلاسل إلى السقف، كما قامت محققة بالسير على عنق سجين، وضربت آخر بقدمها في منطقة حساسة. أما فضيحة أبو غريب فإن من ظهر في الصور وحوكم هن نساء.

رابعاً وأخيراً: معرفتهم باحترام عامة المسلمين لدينهم وحرصهم في التعامل مع كتاب الله حتى إنه لا يمس إلا مع الطهارة، ولذا فإن أحد الممارسات المتكررة لإذلال المعتقلين كانت إهانة المصحف الشريف. وقد أكد حدوث ذلك معتقلون بريطانيون وكويتيون وأفغان منذ مدة، ولكن لم ينتشر ويكون له صدى إلا بعد أن نشرت (نيوزويك) الأمريكية تقريراً حول هذا الموضوع، وبعد الردود الشعبية العنيفة خاصة في افغانستان والذي خافت الإدارة الأمريكية من أن يكون له أثر سيئ على وجودها هناك، وكان رد الفعل هو الوعد بإجراء تحقيق، والطلب من المجلة سحب التقرير والتراجع عنه، وهذا ما حصل، ولكن بعد ماذا؟ وهنا سنذكر ملخصاً لتقرير نشرته صحيفة «لوس أنجيليس تايمز» الأمريكية وسنتبعه بصيغة اعتذار مجلة النيوزويك.

أما صحيفة لوس أنجليس تايمز فتؤكد أن الأدلة بدأت تتواتر على حصول مثل هذه الممارسات المهينة للمصحف الشريف بشكل متكرر ولعشرات المرات.

وذكرت الصحيفة أن فحص النسخ السمعية وسجلات المحاكم والوثائق الحكومية، بالإضافة إلى المقابلات التي أجريت مع معتقلين سابقين من قِبَل أجهزة الأمن والجيش الأمريكي ومقابلات أخرى أجريت مع محامي هؤلاء المعتقلين وتقارير منظمات الدفاع عن الحريات المدنية وحتى اعترافات أفراد من الجيش الأمريكي نفسه أكدت جميعها أن الممارسات غير الإنسانية، وتعمد امتهان وتدنيس المصحف الشريف قد حدثت عشرات المرات ليس فقط في معتقل جوانتانامو، وإنما كذلك في العديد من السجون ومراكز الاعتقال الأمريكية في العراق وأفغانستان.

حيث أكد الأسرى أن تدنيس المصحف الشريف في هذه المعتقلات كان يتم بصورة متكررة، وبقصد استفزاز مشاعر المعتقلين المسلمين.

ونقلت الصحيفة عن أحد المعتقلين المسلمين المحررين من (جوانتانامو) قوله إنه في واحدة من المرات دخل عليه جندي أمريكي معه كلب حراسة، وكان هذا الكلب يحمل بين أسنانه نسخة من المصحف الشريف، كما كان هناك حراس أمريكيون آخرون يتحدثون عن المصحف بطريقة مهينة وألفاظ شديدة البذاءة.

كما أكد معتقلون مسلمون آخرون أنه كان يتم دعسه بالأرجل وإلقاؤه عبر الجدران.

وأفادت الصحيفة أن معتقلاً مسلماً آخر أقسم على أن حارسه الأمريكي تبول ذات يوم على نسخته من المصحف الشريف، بينما استهزأ حارس آخر بآيات القرآن وسخر من أنها لا تنقذ الأسرى من يد الجيش الأمريكي، على حد زعمه.

وتنقل الصحيفة عن معتقل مسلم سابق في جوانتانامو يدعى (محمد معزوز) قوله: «لقد مزقوا المصحف وألقوه على الأرض، ثم تبولوا عليه، وساروا فوقه، واستعملوه مثل مفرش للأرضية» .

أما في سجن «أبي غريب» بالعراق فتنقل الصحيفة عن (أحمد ناجي الدليمي) الذي احتجز في «أبي غريب» لمدة عشرة أشهر: «لقد حضر إلينا ضابط أمريكي كانوا يطلقون عليه اسم (فوكس) وقد أجبرنا على الجلوس ونحن عراة، ثم أمر الكلاب أن تلعقنا، وبعدها نقعنا في ماء بارد، ثم أخرجنا لنجلس أمام مكيف هواء قوي، وكنا متحملين لكل هذا، لكنه تمادى عندما أصر على إذلالنا وإهانتنا من خلال تدنيس المصحف الشريف؛ حيث مزقه أمامنا ورماه في القمامة والماء القذر» .

ويضيف الدليمي: «لقد كان الضابط (فوكس) يقوم كل يوم تقريباً بأخذ نسخة جديدة من المصحف، ويمزق غلافها، ثم بعد هذا يلقيها في القمامة» .

اما آخر اعتذار لمجلة (النيوزويك) فكان على لسان (ريتشارد سميث) مدير ورئيس تحرير المجلة الذي اكد أن المجلة ستغير سياساتها المتعلقة بصياغة التقارير، وقال: «نحن آسفون بشدة.. لقد أخطأنا في تقرير مهم، ويتطلب مبدأ الشرف منا الاعتراف بخطئنا» . وتابع (سميث) : إنه إضافة إلى ذلك «فخلال الأسابيع المقبلة سنعيد النظر في طرق تحسين عمليات جمع الأخبار بشكل عام» . وأضاف: إن ما حدث كان «محبطًا» ؛ لأن المجلة «اتخذت العديد من الخطوات المناسبة في كتابة التقارير عن جوانتانامو» .

وقد أوردت المجلة بعد تراجعها الرواية التالية التي تدل على مدى حرية الصحافة المزعومة وتأثير الإدارة عليها؛ حيث ادعت المجلة أن «الحراس قالوا: إن سجيناً اعترف أن نسخة من المصحف سقطت منه قرب دورة المياه» . وقالت المجلة: إن السيرجنت «جون فاناتا» الذي عمل حارساً للسجن من أكتوبر ٢٠٠٢م وحتى خريف عام ٢٠٠٣م، أفاد بأن هذا الحادث وقع في عام ٢٠٠٢م، وقد أصاب معتقلي جوانتانامو الغضب لاعتقادهم أن الحراس الأمريكيين ألقوا بالمصحف في المرحاض أو بجانبه.

إلا أن المجلة قالت: إن الحراس وعقب قيامهم بالتحقيق عثروا على سجين اعترف أنه أسقط نسخة من القرآن قرب المرحاض، وأنه «طبقًا لـ «فاناتا» فقد تم اصطحاب السجين من زنزانة إلى زنزانة ليشرح للمعتقلين ما حصل لتهدئة غضب السجناء» .

إنها رواية ملفقة جاءت متأخرة ولكنها تثبت أصل الوقائع.

وأخيراً فإن ردود الأفعال الشعبية والحكومية التي لا تتناسب مع عظم المصيبة ومقدار الإهانة الذي يدل على صليبية الحملة مع تطعيمها بشيء من التلمودية تعيد إلى الأذهان موقف عبد المطلب مع أبرهة؛ فإن محارم الله إذا لم ينتصر لها البشر فإن الله قادر وموجود.