للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرب أهلية صغيرة = احتلال أفضل]

أحمد فهمي

قال سائق عراقي يعمل لدى مؤسسة إعلامية دولية في بغداد: «هذه البطاقة تفيد أنني من منظمة بدر (الشيعية) وهذه أُظهِرُها للشرطة، ولديَّ تصريح صحفي أمريكي، وبطاقة هويتي العادية، وتقدمت بطلب للحصول على تصريح من جيش المهدي.. أنا سُني، لذلك فإن هذه التصاريح تعني ألاَّ أواجه المشاكل» .

هكذا تعيش بغداد التي قررت القوات الأمريكية أنها تعيش حالة من الأمان تستدعي تسليم القوات العراقية ٧٠% من مناطقها. وحقيقة الأمر أن الجيش الأمريكي في العراق أشبه بفِرَق زرع الألغام، يتسلم المدن والمناطق ثم يقوم بزرع الألغام الطائفية في أراضيها، ثم يسلمها للقوات العراقية ـ المُلَغَّمة بدورها ـ ويعلن على الملأ: الأحوال تسير بشكل إيجابي، وكانت نتيجة الإيجابية على النهج الأمريكي أن بغداد تحولت إلى ميدان للصراع الطائفي للعراق كله؛ بحيث إن الأحداث في البصرة أو سامراء أو النجف تنعكس بصورة فورية في بغداد.

وتبدو هذه الوضعية المتوترة للعاصمة مقصودة في حد ذاتها، انطلاقاً من رؤية إستراتيجية تعتبر أن الحرب الأهلية المخففة تحقق عدة أهداف للسياسة الأمريكية: فهي تلفت الأنظار إلى أهمية الوجود الأمريكي العسكري في العراق، كما أنها تفسد على نظام طهران متعة إشعال الحرائق المشتعلة بالفعل، وأيضاً فهي تعيد توجيه الطاقات القتالية وقوى المقاومة نحو أهداف أخرى غير الأمريكيين، ومن فوائدها أنها تمثل ضغطاً على القوى السنية لتُليِّن مواقفها السياسية.

وقد تمادى قادة وسياسيون أمريكيون مؤخراً في تحذيرهم من حرب أهلية قادمة وكأنهم كانوا مبرمجين على إطلاق تلك التصريحات، وكتب (توماس فريدمان) في الواشنطن بوست معبراً عن هذا التوجه الجديد: «هذا ليس الوقت المناسب لانسحاب الولايات المتحدة الأميركية من العراق، بيد أنه الوقت المناسب كي تبدأ تهديدها بالانسحاب منه» . وفي تعبير أكثر صراحة يقول فريدمان: «ليس منطقياً ولا مقنعاً القول بضرورة استمرار وجود القوات الأميركية رهينة الخوف من اندلاع حرب أهلية بين العراقيين، ولو عقد العراقيون العزم على خوض حرب أهلية واسعة النطاق فيما بينهم؛ فإن من الأفضل أن تندلع هذه الحرب دون أن نكون نحن طَرَفاً فيها» .

بقي أن نشير إلى آخر اللمسات الفنية التي أضافها الرسام المجهول إلى لوحة «بغداد المتوترة» وهي اغتيال (اللواء بدر الدليمي) السني قائد الفرقة السادسة التي تضم عشرة آلاف مقاتل، بينما كان يترجل من سيارته ضمن قافلة من ١٤ سيارة عسكرية، قُتل برصاصة واحدة في رأسه من قناص مجهول يعلم تماماً ما يفعله، أما لماذا (بدر الدليمي) تحديداً؟ فلأن الرجل لعب دوراً بارزاً في مشاغبة الميليشيات الشيعية التي تريد السيطرة على بغداد، خاصة بعد تفجير مرقدي سامراء.

لا أكون مبالغاً إذا قلت: إننا لو صنفنا قائمة بأسماء الرموز السنية التي اغتيلت في العراق من أئمة وعلماء ودعاة وقيادات سياسية وفكرية؛ فسنجد أنفسنا أمام حرب إبادة نوعية لم يسبق لها مثيل في العالم العربي.