كلمة صغيرة
ردع العِدى أم رجع الصدى؟
الردع من الأساليب السياسية العريقة، ولا يقتصر استعماله كما قد يُظن على
السلاح النووي، بل له صور عديدة، وأي دولة ينبغي عليها أن تمتلك قوى ردع
كافية لمنع أعدائها من التسلط عليها، وقبل أي تصرف عدائي من دولة تجاه أخرى
تبحث الدولة المعتدية في ردود الفعل الممكنة على اعتدائها، ومن ثم تُقدم أو ترتدع.
وفي الحالة العربية استبدل العرب أسلوب «ردع العِدى» بأسلوب آخر هو
«رجع الصدى» ، وهو أسلوب استباقي لكنه ليس كمرادفه الأمريكي حيث
الاستباق بالعدوان، بل في حالتنا العربية الاستباق بالانهزام، فالساسة العرب
يتجاوزون دوماً ظن أعدائهم بهم، فيقدمون باقات متجددة من التنازلات تذهلهم على
الدوام، ومنذ أن كسر السادات باباً إلى الفتنة عام ١٩٧٧م، وأذهل كيسنجر
بتنازلات مجانية، منذ ذلك الوقت والعرب يراوحون بين الردع والرجع حتى استقر
نهج غالبيتهم على الأخير.
ونذكر مثالين على هذا الأسلوب لدولتين عربيتين: الأولى تونس ونكتفي فقط
بترتيب الأحداث ليتكشف لنا مفهوم «رجع الصدى» فالرئيس التونسي عاد من
زيارته للبيت الأبيض، ثم اغتيل الشيخ ياسين، فدعت تونس العرب إلى شجب
العمليات الاستشهادية في اجتماع القمة وعدم شجب اغتيال الشيخ، ودعتهم إلى
التعامل الإيجابي مع مبادرة الإصلاح الأمريكية، ثم اتهمتهم بالتخلف آخر الأمر،
واعتبرت «إسرائيل» ذلك إشارة إيجابية.
الدولة الثانية قطر: قبل عامين دعا وزير الخارجية إلى تطبيق مبدأ التوسل
للأمريكيين لحل القضية الفلسطينية، وأُعلنت مبادرة البيت الأبيض لشرق أوسط
كبير التي نصحت العرب بالكف عن اعتبار الصراع العربي الإسرائيلي سبباً
للأزمات وشرطاً للإصلاحات، ثم صرح مسؤول قيادي كبير بأن على العرب أن
يتوقفوا عن جعل القضية الفلسطينية سبباً لمشكلاتهم!
وأخطر ما في أسلوب «رجع الصدى» في صورته العربية أن العرب الذين
يطبقونه يهدفون إلى وقف التنازلات في حين أنه يُحفز العِدى على فعل وطلب
المزيد، وهذا يعني بقاء المنطقة دائماً على حافة زلقة بعيداً عن الاستقرار الذي تُقدَّم
باسمه كافة التضحيات على المذبح الأمريكي.
أمَّا ورقة التوت المسماة «مؤتمر القمة» فيبدو أن الكثيرين لم يعد يعنيهم
انكشاف العورات السياسية، بينما يبذل آخرون جهوداً مضنية، فقط للعثور على
مكان لعقدها، كما صرح رئيس دولة عربية كبرى: «سنعقدها ولو في القمر» ،
ولا عزاء لغزة أو الفلوجة.