فضائية الحرة لا تندرج في سياق تحسين الصورة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي، وإزالة ما علق في العقل العربي والإسلامي عن أمريكا المقرونة دوماً بالشرّ عربياً وإسلاميّاً، بل تهدف إلى صياغة رأي عام في الخارطة العربية وبلغة يفهمها مائتا مليون عربي، وتهدف أيضاً إلى الترويج للأطروحة الأمريكية ورؤيتها للأشياء، والترويج لنموذجها الثقافي والحضاري والاجتماعي والمسلكي وأيضاً بلسان عربي فصيح. ومما لا شك فيه فسوف يستغل خطاب فضائية الحرّة الإعلامي كما هو السياسي الفقر الضارب أطنابه في البلاد العربية والإسلامية والجوع والكساد الاقتصادي وانعدام الرفاهية والحريّة والديموقراطيّة على حدّ سواء، ويحاول هذا الخطاب التسلل إلى العقل العربي والمسلم ليقدّم البديل لشعوب مسجونة من طنجة إلى جاكرتا؛ وبالتأكيد فإنّ هذا البديل سيكون أمريكيّاً ممّا لا شكّ فيه.
وستكون فضائيّة الحرّة فصيلاً من فصائل المارينز ينظر إليها كفيلق عسكري يؤدّي دوره الأساس في التمهيد والتمكين للمشاريع الأمريكية المقبلة في العالم العربي والإسلامي. صحيح أنّ العرب القيّمين بشكل غير مباشر على هذه القناة والمؤتمرين بأوامر غرف خاصة في البنتاغون ووكالة الاستخبارات الأمريكية سيوهموننا أنّهم موضوعيون وحرفيون ومهنيون ولا ينحازون إلاّ للحقيقة، لكنّها خدعة أمريكية بحتة الغرضُ منها الحصول على بعض الصدقيّة في الشارع العربي الذي يكره أمريكا إلى النخاع.
وفضائية الحرّة لا تهدف إلى نشر الحرية والدمقرطة في العالم العربي بقدر ما تهدف إلى إيجاد تفسير جديد للغطرسة الأمريكية في بلادنا العربية والإسلامية، وفوق هذا وذاك ستكون فضائية الحرة أداة ضغط جديدة تضيفها واشنطن إلى كل أدوات ضغوطها على حكامنا، وأي نظام رسمي يفكّر في الخروج عن الطاعة الأمريكية فسوف تكون فضائية الحرّة جاهزة للضغط عليه بوسائل يعرفها الجميع وعبر البرامج السياسية المرتبة والمتفق عليها سلفاً.
ويبقى القول إنّه في الوقت الذي جاءتنا فيه أمريكا إلى عقر دارنا بالدبابة والإعلام فإننا ولحدّ الآن نصرف أموالنا على توافه الأمور بدل صرفها على مشاريع جادة من قبيل مخاطبة الغربي بلغته التي يفهمها، ولا يحق لنا بعد ذلك أن نتساءل: لماذا انتصرت أمريكا في واقعنا العربي والإسلامي؟ ولماذا انتصر اللوبي العبري في الغرب؟