[حوار مع المهندسة كاميليا حلمي]
الطروحات النسوية العولمية تجليات للاستعمار الجديد
أجرى الحوار: الهيثم زعفان
المهندسة «كاميليا حلمي» ـ المدير التنفيذي لمكتب اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل في القاهرة التابعة للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، تخرجت في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، واشتغلت بالعمل الخيري منذ الثمانينيات، ثم اهتمت بقضية المرأة والطفل، حضرت العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية. متزوجة من مهندس ولديها ثلاثة من الأولاد. وكان للبيان معها هذا الحوار:
البيان: من خلال اهتمامكم بالحركة النسوية وتطوراتها المتسارعة في السياق العولمي ما رأيكم فيما يجري باسم المرأة الآن؟
- الطرح النسوي العولمي هو أحد أبرز تجليات الموجة الجديدة من الاستعمار التي تتبنى مسالك ملتوية، وتتزيف بقضايا براقة مثل: قضية المرأة على المستوى الأممي؛ فاليوم يسعى الغرب جاهداً إلى تفكيك المؤسسات التي تقوم على توريث الإسلام للأجيال، وقد نجح من قبل في تحييد الدولة بمؤسساتها تجاه الدين، وبقيت الأسرة حجر عثرة في طريقه، والمرأة كأم هي حجر الزاوية في الأسرة والعنصر الأهم في تنشئة الأجيال، وحتى لا تستثار الشعوب أمكن توظيف هيئة الأمم المتحدة كمنظمة تنضوي تحتها كل الدول في هذا السبيل، وقد صدرت عنها عدة وثائق وفعاليات لو طبقت ـ لا قدر الله ـ لتحقق لهم ما أرادوا، وقد سخرت كل المؤسسات الدولية لدفع الدول لتبني هذا الفكر في شكل قيم وقوانين وسياسات تدفع بالمجتمعات نحو تبني وتطبيق المفاهيم والقيم النسوية الشاذة عن مدارك البشرية كلها، والسعي في تنشئة الأجيال الجديدة على تلك المفاهيم.
البيان: هل يمكن القول إن تبنّي الأمم المتحدة هذه القضية قد بدأ مع مؤتمر القاهرة للسكان؟
- التبني الأممي للفكر النسوي بدأ يتبلور مبكراً منذ عام ١٩٤٨م، وتجلّى في مؤتمرات عدة للمرأة، وفي وثائق منها السيداو، لكنه اصطدم بوعينا، وتجلّت لنا خطورته في مؤتمر القاهرة للسكان عام ١٩٩٤م، ثم استشرت في بكين ١٩٩٥م، وما تبعهما من مؤتمرات وتفاعلات، حيث بدأت الأجندة النسوية العولمية في إعلان مطالبها بوضوح وصراحة، وضمنت وثيقة القاهرة للسكان بعضاً من ذلك، بما أحدث صدمة كبيرة ورد فعل قوي من الأزهر، وحين أخفقوا في نيل المشروعية ضمناً من الأزهر، ذهبوا إلى بكين ليحققوا ما أرادوا.
البيان: وما وجه التغير في هذين المؤتمرَين عما قبلهما؟
- قبل المؤتمرَين كان الفكر النسوي فكراً نخبوياً، لكن بعد هذين المؤتمرَين استهدف الفكر ثقافة الجماهير وعامة الناس من خلال تبنّي آليات للتغيير في الأوضاع الاجتماعية بصورة مستفزة، وقد اكتسبت تلك الأفكار والمطالب سلطة الأمم المتحدة، وحققت اعتراف الدول بها والتوقيع عليها من قبْل، ثم جاء المؤتمرَان ليكشفا المخبوء، ويطرحا برامج معلنة للتطبيق، من إباحة الإجهاض، والشذوذ، والممارسات الجنسية للمراهقين، إلى طرح فكرة التمييز ضد المرأة كشعار برّاق ومعمَّى، يحمل في طياته مضامين تهدد المجتمعات، ولما أبى الأزهر أن يكون لهم ذلك، سارعوا بالمؤتمر اللاحق في بكين ـ أقصى الأرض ـ وقد رأينا كيف شاركت فيه مئات من المنظمات السحاقية والشاذة، وكيف باتت مطالبهم مشروعة ومضمنة في الوثائق الدولية كجزء من الحقوق في وثائق المرأة والطفل وغيرها.
البيان: «العنف ضد المرأة» و «التمييز ضد المرأة» و «تمكين المرأة» و «المساواة» قيم يطرحها الخطاب النسوي كقيم مطلقة، كيف هي مضامين هذه الشعارات؟
- نحن أصبحنا نتعامل بصورة يومية مع ألفاظ من غير أن ندرك معناها وفي هذا خطورة كبيرة؛ فتمكين المرأة كما قلنا يعني إقصاء الرجل، وتسويد المرأة وما يحمله ذلك من إجراءات تحقق هذه القيمة من التمكين السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي. أما التمييز ضد المرأة فهو لفظ فضفاض يدخل تحته أي لون من ألوان الاعتراض أو الإعاقة التي تقف دون تمكين المرأة.
أما العنف ضد المرأة فيعرَّف في وثائق الأمم المتحدة على أنه: «أي تفريق في التعامل بين الرجل والمرأة لمجرد كونها امرأة وكونه رجلاً، وعلى هذا فطاعة المرأة لزوجها وتربيتها لأولادها ومكوثها داخل البيت لرعاية الأسرة، وكون العصمة بيد الرجل والقوامة كذلك كل هذا عنف، أي أن العنف هو أي انتقاص من الحقوق التي حددتها الأمم المتحدة للمرأة، و (السيداو) تعطي المرأة الحرية المطلقة، وتتعامل معها وكأنها كائن يحيا منعزلاًَ ليس في أسرة وإنما في صحراء، له حقوق دون أن يكون عليها واجبات، وهذا ما نشهده وسنشهده في واقعنا العربي من خلال سلسلة من القوانين التي بدأت تجد سبيلها للتطبيق.
البيان: هل فكر (الفيمينزم) حين تسعى لتقديس المرأة بهذا الشكل ترسخ لمعاداة للرجل؟
- الـ «Feminism» أو الاتجاه الراديكالي يتبنى مبدأ الاستغناء عن الرجل، أو مبدأ استئصال الرجل، وتمركز العالم حول الأنثى، ويحلمون بعالم من النساء فقط بلا رجال، لدرجة أنهم أنشؤوا جمعية تحمل اسم «تقطيع أوصال الرجال» هذا الطرح يشمل كل صور الاستغناء اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وجنسياً، ويستعيضون عن الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي بحركات أو تيارات تمكين للمرأة، وعن الجانب الجنسي بالسحاق والعلاقات المثلية، بمعنى التجاوز المطلق للرجل والتمكين المطلق للمرأة في مواقع صنع القرار؛ ولهذا فكل ما يقف في وجه هذا التمكين هو تمييز ـ وفق ما يقصدونه بالتمييز ـ ضد المرأة، وهذا تمييز سلبي مرفوض في نظرهم، ولو كان حكماً من أحكام الشريعة، كما أن أي تمييز لصالح المرأة هو تمييز إيجابي كما تنص وثائق المرأة، بمعنى أنه ليس هناك مانع أن نميز لصالح المرأة؛ إذن المسألة لا تعني حتى المساواة التي يبشروننا بها، ولو كانوا يبحثون عن العدالة لأعطوا لكل من الرجل والمرأة حقوقه، ونحن مع أن يأخذ كل منهما حقوقه، ويتحمل مسؤولياته، لكنهم يحلمون بعالم خالٍ من الرجال، ولهذا نسمع عن التمكين الاقتصادي والاجتماعي، وأيضاً الاستغناء الجنسي طبعاً بديله أن ينتشر الشذوذ، ويصبح الشذوذ بالنسبة للمرأة منظماً ومشرعاً، وليس مجرد انحلال خلقي، لكي تتعود أن تستغني عن الرجل وعن الأسرة تماماً في حياتها، وتستغني كذلك عنه في الإنجاب من خلال الاستنساخ الذي هو من أجل الاستغناء عن الرجل، وأول طفلة مستنسخة كانت من جمعية (فيمينزم) وهم الذين أشرفوا على هذه العملية؛ فبالاستمرارية البشرية عبر الاستنساخ تستطيع الاستغناء كلياً عن الرجل وعن كل ما يرتبط به..! هذا الفكر لو عم فسيفني البشرية كلها.
البيان: لكن هل يمكن أن تستغني الحركة النسوية بذاتها عن الرجل؟
- لا، بل حتى من واقع فكر الفيمينزم ما زال الرجل هو الذي يقود العالم، ويتحكم في المؤسسات والدول، ما زال هو المسيطر، هم يعترفون أن هناك فقراً في الكفاءات من النساء اللاتي يستطعن أن يسيرن العالم.
البيان: تعد ثقافة الجندر تطوراً نوعياً في الطرح النسوي، كيف ترصدين تسرُّب هذه الثقافة إلى وعينا اليوم؟
- الـ Gender هو ما يعبر عنه بـ «النوع» ، ويعني: «إلغاء أي تفرقة تترتب على الاختلاف الجنسي بين الذكر والأنثى» ، هذا اللفظ تحول من كونه مصطلحاً مفرداً إلى منظومة تحمل أكثر من ٦٠ مصطلحاً تنبثق عنه ـ وهي في ازدياد ـ بحيث تغطي مختلف جوانب الحياة من خلال ما يسمى: «إدماج الجندر في كل مؤسسات العالم وكل مؤسسات الدولة» (Gender Main Enstring) سواء المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الخيرية.. بحيث يدمغ كل مناشط الحياة بمفاهيم الجندر، وهناك مفاهيم اجتماعية، اقتصادية، سياسية ... إلخ كلها مبنية على الجندر.
فلو أريد تطبيق «الجندر» على الجوانب الاجتماعية فسنجد «النوع الاجتماعي» Social Gender وما يتشعب عنه من مصطلحات اجتماعية كلها مضافة إلى جندر، ولو أخذنا مثالاً تطبيقياً حول ما يعرف بـ «العلاقات الجندرية» Gender Lotion فهم في الغرب كانوا يتصورون العلاقات بين أفراد الأسرة من خلال منطق القوة Power Relation؛ فالرجل أقوى من المرأة، ولهذا فهو الذي يسيطر على البيت. أما في الجندر فلا يعترفون بوجود فوارق مطلقاً بين الرجل والمرأة، ومن ثم فكل ما ينبني على الفوارق فهو نوع من الظلم وفق رؤيتهم يجب إزالته؛ وعليه تتماثل المرأة مع الرجل في كل شيء.
البيان: وهل هناك تطبيقات لهذه الثقافة؟
- هناك تقسيم وظيفي كامل وفق الجندر؛ بحيث يقوم كلا الطرفين بجميع الأعمال مناصفة وبصورة متساوية، فلا تختص الأنوثة برعاية الأطفال وأعمال البيت، بل تقوم العلاقة على نِدِّية تامة وتقسيم حرفي للوظائف مناصفة؛ فإذا ما أرضعت الأم طفلها مرتين فيجب على الأب أن يقوم بنفس العدد من ذات المهمة، هذا ضمن مفهوم مساواة الجندر.
وإذا كان لا مزية لفرد على آخر داخل الأسرة فلا سلطة إذن لطرف على آخر؛ فالأخت الكبرى ليس لها أي سلطة على الأخت الصغرى، فتزول مختلف الفوارق، الآدميون كلهم صاروا أشبه بآلات «Machine» ..! بلا مشاعر ولا أحاسيس ولا خصائص نفسية أو جسمية؛ فكل ذلك لا وجود له أو لا تأثير له على الاختلاف الوظيفي.
البيان: وهل يمكن أن نجد لمثل هذا التطرف تطبيقاً داخل المجتمعات؟
- الأمر تجاوز التنظير الفكري والنشر الثقافي إلى اختراق بنية المجتمعات لصبها على هذه الصورة نظرياً وعملياً في وقت واحد، هناك سعي لتطوير وتفعيل هذا الطرح، وهم ينطلقون من مسلَّمة أن المجتمع بقيمه هو الذي يبني التفرقة بين الذكر والأنثى، وليس مجرد الاختلاف الجسدي؛ ولهذا فهناك سلسلة متشابكة من القوانين والقيم والرسائل الإعلامية والمضامين التربوية والإجراءات والسياسات التي تفرض من خلال الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية، والتي تمتد عبر مؤسسات للمجتمع المدني ذات صلاحيات كبيرة داخل المجتمعات تتيح فرصاً كبيرة أمام هذا الطرح في اختراق بنيتنا الثقافية والاجتماعية.
البيان: لكن نفي الاختلاف مطلقاً له آثار خطيرة ومخالف لناموس الخلائق كلها!
- الجندر يعمل على محو فكرة التكامل الوظيفي القائم على الاختلاف الفطري داخل المجتمع من خلال بناء منظور جديد لصورة كل من المرأة والرجل والعلاقة بينهما، ولذلك لا بد من هدم جميع القيم والتخلي عنها من دون استثناء، فينبغي إزالة كل صور التفريق، في التنشئة، في التسمية، في اللباس، في التعامل، في كل شيء حتى العلاقات الجنسية ينبغي عدم التفرقة، وإذا انتفت التفرقة فلا فرق بين الزواج في ظل الأسرة الشرعية وبين العلاقات المثلية الشاذة؛ فجميع الأطراف متساوون في كل الحقوق طبقاً لمساواة الجندر Gender Equality، والتي تترجم عندنا خطأ على أنه شيء آخر تماماً: «المساواة بين الرجل والمرأة» ، بينما هي تحمل نفس المضامين لو تأملنا.
البيان: هل يمكن القول إن الحركة النسوية نجحت في تسخير المؤسسات الدولية لأغراضها؟
- اللجنة المضطلعة بشؤون المرأة داخل الأمم المتحدة والتي تعرف بـ (لجنة مركز المرأة) جميع أعضائها من الاتجاه النسوي الراديكالي (الحركة الأنثوية المتطرفة) ، وهي التي تتخذ الإجراءات وبيدها القرار، وهي التي تضع الأجندة وتتابع تطبيقها.
البيان: إذن الثورة الأممية في صف الشواذ تنال شرعيتها من هذا المدخل!
- نعم! وقد بدأت تداعيات هذا تظهر في مؤتمر نيويورك ٢٠٠٠م، حين أصدر الأمين العام قراراً بمساواة المتزوجين الشواذ بالتقليديين ـ لا يقول: الطبيعيين، ولكن يقول التقليديين، ولا يعترف أن الشواذ غير طبيعيين ـ والمساواة تكون في الميراث والضرائب والتأمين، وسائر الحقوق المدنية المعطاة لأي مواطن، وتصبح العلاقة علاقة شرعية تتمتع بكافة الحقوق ودون أي تجريم لأي شكل من العلاقات.
البيان: وماذا عن اعتراضات الدول العربية والإسلامية على هذه القضايا؟
- الدول العربية والإسلامية اعترضت على هذا الطرح، لكن المشكلة أن الاعتراض يأتي في بعض التفاصيل، دون الانتباه إلى أن العلاقات الجندرية Gender Equality هي الإطار الكلي الذي سيظل يحكم الأمور، فتظل رغم تحفظاتك تدور في الحلقة التي وضعوك فيها، ويبقى الهدف الرئيسي كما هو؛ أن يعيش الشواذ بالمساواة في المجتمع، ويأخذوا حقوقهم؛ بينما أنت تتحفظ على الميراث وعلى بعض التفاصيل، نحن نريد من الوفود العربية والإسلامية أن يكون تحفظهم على أصل الوثيقة لا على بعض تفاصيلها.
البيان: وهل لوجودكم باعتباركم منظمة إسلامية جدوى داخل الأمم المتحدة في ظل قوانين تسن من قِبَل قلة في مقابل إذعان أو ضعف الخيارات أمام الوفود الرسمية؟
- اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل تُعد إحدى اللجان الاستشارية المعتمدة من الأمم المتحدة، ومشاركتها يعد دعماً لمواقف الوفود الإسلامية، ووجود اللجنة وغيرها من المؤسسات الإسلامية مهم للغاية من هذا الجانب، كما أنه يتيح لنا موقعاً لمعرفة ما يجري وخلفياته، بالإضافة إلى أنه باب جيد لفهم الأجندات المفروضة وما ينبغي أن يكون معها، واللجنة منذ حصولها على عضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي ـ أحد هياكل الأمم المتحدة ـ وهي تعمل على الحد من المقررات التي من شأنها الإضرار بالأسرة والقيم المرتبطة بها، كما نسعى من خلال المؤتمرات لبيان القيم الاجتماعية في الإسلام للجميع، والتعريف بالموقف الإسلامي من قضايا الأسرة والمرأة، والتأكيد على دعم التوجه الإسلامي باعتباره خصوصية ثقافية لم يفهمها كثير من الغربيين على حقيقتها بعد، وقد حققنا ـ بفضل الله ـ بعض النتائج الطيبة من خلال إضافة بعض الفقرات في بعض الوثائق، وكان لنا دورنا ـ بفضل الله ـ في إلغاء التوقيع على وثيقة إدماج الرجال والصبية في تفعيل «مساواة الجندر» ، هذه الوثيقة ولو نجحت ـ لا قدر الله ـ لكان لها آثار كبيرة وخطيرة على المجتمعات عموماً، كما كان لنا دورنا في دعم المواقف الرسمية العربية الإسلامية المعارضة لمقررات «بكين» . أما عن الطموحات فهي كبيرة، وكذلك نحن نلنا رئاسة غرفة الشرق الأوسط بالأغلبية، وانتخب منا رئيس لهذه الغرفة.
وقد انتهت اللجنة الإسلامية للمرأة والطفل من وضع «ميثاق الطفل في الإسلام» كوثيقة تجلّي مكانة الطفل في الإسلام والتدابير التي وضعها الإسلام لحماية الطفولة، وقد سجل هذا الميثاق في منظمة المؤتمر الإسلامي تمهيداً لتسجيله في الأمم المتحدة، والذي يمكن أن يعد مرجعية للدول الإسلامية في مجال الطفولة.
البيان: وماذا عن المضايقات؟
- المضايقات تعرقل بعضاً من جهودنا، لكنها تزيدنا إصراراً وتمسكاً بمواقفنا.
البيان: وما دور «ائتلاف المنظمات الإسلامية» الذي شاركتم بتأسيسه، وما طبيعته؟
- «ائتلاف المنظمات الإسلامية» هو ائتلاف يضم عدداً من المنظمات الإسلامية على مستوى العالم على اختلاف الهويات والانتماءات والتيارات الفكرية، ويتبنى قضية الأسرة والحفاظ عليها، ويسعى إلى إبراز موقف عالمي إسلامي من قضية المرأة والأسرة، وقد نلنا تأييداً كبيراً من منظمات حماية الأسرة والمنظمات الكاثوليكية الرافضة للفكر النسوي، ونسعى خلال الفترة المقبلة إلى ترجمة هذا الموقف في شكل وثيقة إسلامية عالمية عن المرأة والأسرة في الإسلام، وأملنا كبير أن يتسع الائتلاف ليضم كل المؤسسات الإسلامية العاملة حتى يتعضد موقفنا عالمياً.
وحاجتنا إلى دعم وتأييد أي جمعية وأي مؤسسة وأي منظمة كبيرة وماسة، حتى ولو كان نشاطها في غير المجال النسوي؛ لأن قضية الأسرة مسؤولية الجميع، وليس في هذا الانضمام أدنى مشكلة؛ فالائتلاف عبارة عن جسد بغير رأس يتزعمه، وأسماء المنظمات مرتبة تحت العنوان الكبير بدون تمايز.
البيان: كثيراً ما يثار أن النسخة العربية من وثائق الأمم المتحدة لا تعبر تعبيراً دقيقاً عن كثير من النقاط، وهذا أحسبه موجوداً في وثائق المرأة، وأحياناً يكون الفرق شاسعاً؟ هل يتاح للدول العربية أن تلتزم بالنسخة العربية دون الإنجليزية؟
- التوقيع يتم على النسخة الإنجليزية؛ أما النسخة العربية فهي غير دقيقة، وتخالف في عباراتها كثيراً من العبارات المنصوص عليها في النسخة الإنجليزية، ولهذا فالنسخة العربية ليس لها حجية في الأمم المتحدة، وعلى هذا ينبغي الرجوع إلى النسخة الإنجليزية إذا ما أردنا أن نعرف ماذا يريدون من هذه الاتفاقيات، مثلاً لفظ «Gender Equality» والذي مُرِّر في بكين تم إحلاله مكان لفظ «sex» ، يترجم في العربية: أنه يعني: «المساواة بين الجنسين» ، «Sex Education» أي: «تعليم الجنس» ، ويترجم على أنه «الثقافة الجنسية» ، والذي يعد لفظاً مخففاً لا يحمل نفس الحساسية التي يحملها لفظ التعليم في بلادنا، بينما هو يحمل نفس المضامين، وهم يتحدثون الآن عما هو أكثر من التعليم؛ يتحدثون عن: «خدمات الصحة الإنجابية» التي يدخل فيها تعليم الجنس والثقافة الجنسية وتوزيع وسائل منع الحمل على المراهقين في المدارس، وما يعرف بالإجهاض الآمن (الذي يتم بصورة قانونية) ، وقد شهدنا بيان ذلك في مؤتمر الأمم المتحدة ٢٠٠١م عن حقوق الطفل. والطفولة بنص الوثيقة ممتدة إلى ١٨ سنة، كل هذا سيحدث في بلادنا لو وقعنا على الوثيقة.
البيان: كيف تجري متابعة تطبيق الدول للاتفاقيات من قِبَل الأمم المتحدة؟
- بالنسبة إلى اتفاقية (سيداو) مثلاً أنت كدولة بمجرد توقيعك عليها تُلزم بعد سنة من تاريخ التوقيع أن تقدم تقريراً شاملاً توضح فيه واقعك من سيداو، ثم تلزم بتقديم تقرير دوري كل أربع سنوات إلى لجنة سيداو، وتقسم دول العالم على جلسات دورية خلال السنوات الأربع؛ بحيث تناقش في كل جلسة خمسة تقارير أو ستة، ويقوم بصياغة التقرير المؤسسة الرسمية التي ترعى قضية المرأة داخل كل دولة، وتجري الصياغة وفق نظام مُعَدّ من اليونيسيف، والتقرير الرسمي يراعي التحفظات التي وضعتها الدولة، لكن هناك تقريراً آخر يقدم يعرف بتقرير «الظل» ، ويعده ائتلاف سيداو داخل كل دولة، وهو عبارة عن مجموعة منظمات مدنية تأخذ دعماً وتمويلاً خارجياً، ويسعى هذا الائتلاف إلى تطبيق «مقررات بكين» دون أي تحفظات، وأول بند في توصيات تقرير الظل رفع التحفظات بالكامل عن السيداو.
وكلا التقريرين يعدد ما تحقق وما لم يتحقق، وغالباً ما يتهم تقرير «الظل» الحكومة بالإخفاق والتواني في تطبيق المقررات. ولا نعجب إذا ما علمنا أن كل تقرير لا بد أن يسبقه مجموعة من الإجراءات والقوانين والسياسات التي تسجل في التقرير، وهو من خلال هذه التقارير يدرس طبائع الشعوب قبل أن يطبق المقررات، ولكن ينبغي للدول الإسلامية أن يكون لها موقف جديد من السيداو؛ بحيث ترفضها وكل ما ينبني عليها من اتفاقيات، وإلا فسنرى ما لا يحمد عقباه في مجتمعاتنا، وقد بدأنا نرى بعض ذلك.