للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

ماذا بعد وفاة العلماء؟ !

عبد الإله محمد العسكر

عاش المسلمون في الفترة الماضية أياماً محزنة، وذلك بوفاة عدد من علمائهم

العاملين ودعاتهم المصلحين؛ ففقْد العلماء لا شك في أنه خسارة كبيرة ورزية

عظيمة لا سيما في عصر تلاطمت فيه أمواج الفتن وكثرت فيه أسبابها ودوافعها.

قال الله - تعالى -: [أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم

لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب] [الرعد: ٤١] ، قال ابن عباس ومجاهد:

(ننقصها من أطرافها) : موت علمائها وصلحائها.

لقد رحل أولئك العلماء، والأمة الإسلامية في أمسِّ الحاجة إلى العلماء

العاملين، يقول الشاعر:

لعمرك ما الرزية فقْد مال ... ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقْد فذٍّ ... يموت بموته خلق كثير

لقد كان أول عالم ودَّعته الأمة الإسلامية هذا العام فضيلة الشيخ صالح بن

علي بن غصون عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، وأحد العلماء البارزين

الذين ملؤوا بعلمهم الأرض، ثم بعد وفاته - رحمه الله - بمدة قصيرة فجعت الأمة

الإسلامية بوفاة عالمها الجليل ومحدثها وفقيهها إمام أهل السنة والجماعة في عصره

الحبر العلاَّمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الذي يعجز الواحد منا أن

يحصي أعماله وفضائله في خدمة الإسلام والمسلمين، ثم ما لبثنا إلا أياماً قليلة وإذا

بنا نسمع خبر وفاة الداعية الأديب الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله -، ثم بعد

ذلك بأسبوعين نسمع خبر وفاة الشيخ مصطفى الزرقاء - رحمه الله -، وما هي إلا

أيام وإذا بخبر وفاة الشيخ مناع القطان نسمعه ونقرؤه عبر وسائل الإعلام، وما

كادت تجف دموعنا بوفاة ذلك الشيخ وإذا بنا نسمع خبر وفاة الشيخ محمد عطية سالم

المدرس بالمسجد النبوي الشريف في اليوم التالي لوفاة الشيخ مناع القطان؛ ثم

جاءت أنباء وفاة محدِّث العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني؛ فلا حول ولا قوة

إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فأحسن الله عزاء الأمة وجبر مصابها

وعوضها خيراً وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن الله لا يقبض

العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء) [١] .

لا شك أن وفاة أولئك العلماء ثلمة في الأمة الإسلامية؛ فالناس في حاجة ماسة

للعلماء أكثر من حاجتهم للطعام والشراب؛ بل إن العلماء كالشمس للدنيا وكالعافية

للناس كما قال الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعي بأنه كالشمس للدنيا وكالعافية

للناس، قال إبراهيم بن أدهم:

... إذا ما مات ذو علم وتقوى ... فقد ثلمت من الإسلام ثلمة

وموت الحاكم العدل المولَّى ... بحكم الأرض منقصة ونقمة

إن وفاة أمثال هؤلاء العلماء الأجلاء ليؤكد ضرورة يقظة المسلمين والتنبه لما

يخططه الأعداء لهم؛ لأن الأعداء يكونون أشد فرحاً بوفاة علماء المسلمين؛ فهم

يعلمون أن المسلمين أقوياء بعلمائهم؛ حيث يوجهونهم ويبصرونهم ويبينون لهم؛

وهم على يقين - أعني الأعداء - بأنهم مخفقون فيما يخططون له؛ لأنهم أمام سد

منيع من العلم والعلماء؛ وبوفاة العلماء ينهار ذلك السد، ويحدث فراغ في الأمة

يتسلل من خلاله الأعداء إلى جسدها ليبثوا سمومهم وينشروا أفكارهم؛ لذلك يجب

على المسلمين مواجهة هذا الخطر ودفع هذا العدوان بالوقوف أمام مخططاتهم

والتصدي لها، ولن يحدث ذلك إلا بطلب العلم والتسلح به، وبذلك يمكن سد الفراغ

الذي تحدثه وفاة العلماء، ويمكن بإذن الله أن نواجه الأعداء بهذا السلاح ونحبط

محاولاتهم، وليس طلب العلم سلاحاً نتسلح به فقط، بل له فضل عظيم ذكره

الصحابي الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حيث يقول: (تعلموا العلم؛

فإن تعلمه حسنة، وطلبه عبادة، وبذله لأهله قربة، والعلم منار سبيل أهل الجنة،

والأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدِّث في الخلوة، والدليل على

السراء والضراء والزيْن عند الأخلاء والسلاح على الأعداء؛ يرفع الله به قوماً

فيجعلهم قادة أئمة تُقتفى آثارهم ويُقتدى بفعالهم) ، والله نسأل أن يوفقنا للعلم النافع

والعمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(١) رواه البخاري رقم ١٠٠، كتاب الفتن.