الورقة الأخيرة
[الدعاة بين رجل ورويجل]
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
الأحداث في العالم الإسلامي تتلاحق، والمتغيرات السياسية تتابع والصراع
بين الإسلام والكفر ينتقل من طور إلى طور ومن دائرة إلى أخرى والمسلمون في
جميع الأحوال كالأيتام على موائد اللئام!
ولقد ورثت الصحوة الإسلامية المعاصرة تركة مهترئة من الانحراف والتخلف
الذي أصاب الأمة الإسلامية بعامة، نتيجة قرون متتابعة من العجز والضعف، ولن
ينهض بها من هذه الكبوة جهود أفراد معدودين مهما بلغت إمكاناتهم وقدراتهم، بل
هي في حاجة لكل الطاقات والجهود يُكمل بعضها بعضاً، ويُسدّد بعضها بعضاً ...
والعمل الإسلامي بفضل الله تعالى سائر بكل ثقة واطمئنان، يشق طريقه على
الرغم من كثرة العراقيل والعقبات، ولكن ألم يسأل الواحد منا نفسه في يوم من
الأيام: ما هو دوري في هذه المسيرة؟ ! وماذا قدّمت لخدمة هذا الدين؟ !
هل يكفي أن يبقى الإنسان متفرجاً، متابعاً لمسيرة الصحوة الإسلامية من بُعد
لا يتجاوز دوره التشجيع والتعاطف ... ؟ ! هل يكفي أن يكون دور الإنسان تكثير
سواد الصالحين فحسب ... ؟ ! أيجوز أن يقتصر الدور على الحوقلة والاسترجاع
إذا أصاب الدعوة ما أصابها؟ !
لا شك بأن هذه سلبية مفرطة، أقعدت كثيراً من الناس عن الإنتاج والعطاء،
وإننا نملك طاقات هائلة بحمد الله تعالى ولكنها طاقات كامنة خاملة، لتم تُسخر
التسخير الأمثل لخدمة الأمة، ولقد كُبلت كثير من هذه الطاقات بآسار من العجز
والضعف، حتى أصبحنا نرى جموعاً غفيرة من الصالحين، ولكن مع الأسف
الشديد حالهم كما وصفهم الشاعر:
يُثقلون الأرض من كثرتهم ... ثم لا يُغنون في أمر جلل
إن الثروة الحقيقية التي تملكها الأمة ليس في الأموال أو الأجهزة والمعدات
ونحوها، وإنما هي في الإنسان الجاد الذي يشعر بالمسؤولية وعظم الأمانة.
وإننا في مرحلة تقتضي أن يُفكر الإنسان كيف يستطيع أن ينتج، بل كيف
ينتج بأكثر من طاقته..! ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا وجدت الهمّة العالية والعزيمة
الصادقة، التي تتطلع إلى أفق عال وقمّة سامقة من العطاء والإبداع ولا ترضى
بالقليل من العمل.
فلا يقتل الطموحات إلا استصغار الإنسان نفسه، يُكبلها بالعجز، حتى يصل
إلى حد الشلل الذي يعوقه عن الحركة والإنتاج، وإن طاقة الإنسان تتآكل غالباً
حينما يزدري الإنسان نفسه، ويشعر أنه ضعيف لا يستطيع أن ينجز عملاً أو يبدع
أمراً. وفي كثير من الأحيان لا يكتشف الإنسان طاقاته ومواهبه إلا من خلال
التجارب.
وإنتاج المرء غالباً يعتمد على مقدار طموحه وهمته، فالإنسان الطموح هو
الذي يجعل أمامه هدفاً عالياً، حتى ولو كانت قدراته لا تؤهله لذلك الآن لأنه سوف
يحرص على تنمية قدراته للوصول إلى هدفه، فإذا نمت القدرات فإنه لن يبقى عند
هدفه الأول، بل سوف تنمو طموحاته وتزداد، وما أجمل قول شيخ الإسلام ابن
تيمية: «العامة تقول: قيمة كل امريء ما يُحسن والخاصة تقول: قيمة كل
امريء ما يطلب» [١] .
(١) نقله عنه ابن القيم في مدارج السالكين (٣/٣) .