للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خطة فانس - أوين لتقسيم البوسنة:

نموذج ابتلاع فلسطين يتكرر

د. علي عبد الرحمن عواض

عندما انطلقت الرصاصة الأولى في البوسنة معلنة بدء الحملة البشعة التي

يشنها الصليبيون الصرب على مسلمي البوسنة-الهرسك صرح الرئيس الصربي

بأن الجولة الثانية من معركة كوسوفو قد بدأت، مميطاً اللثام عن الأهداف

الأصلية لحملة الإبادة التي يتعرض لها مسلمو البلقان. أخبار الجرائم ملأت

الصحف، والتجاوزات فاقت كل حد، وصور التهجير والاعتقال والتعذيب وانتهاك

الأعراض دخلت كل منزل، ومع هذا لم يستيقظ (الضمير العالمي) (إن كان هناك

ما نسميه بالضمير العالمي) ولم تتحرك لها الغيرة الإسلامية إلا من رحم ربي..

ومن بين الركام ومن خلال دخان المعارك تأتي مبادرة فانس -أوين الأوربية لتضع

البصمات الأخيرة على هذه المسرحية المأساوية التي لامست قلب كل مسلم غيور

وتطلبت من المجتمع الدولي - والأوربي خاصة - أن يتحرك (لإيجاد حل للمشكلة ...

فكان اقتراح فانس - أوين) .

الحل الأوربي:

يدعو الجزء الأول من مشروع السلام (فانس -أوين) الأوربي إلى تقسيم

جمهورية البوسنة-الهرسك على أساس الأرض والسلطة بين المسلمين والكروات

(الكاثوليك) والصرب (الأرثوذكس) بحيث يحصل:

* المسلمون والذين (كانوا) يشكلون أكثر من ٤٥% من السكان على٢٥%

فقط من أرض الجمهورية والتي تضم ٣ أقاليم صغيرة متفرقة.

* الصرب والذين هم ٣١% من السكان على ٤٣% من الأرض في ثلاث

أقاليم كبيرة الجزء الأكبر منها محاذ لجمهوريتي صربيا والجبل الأسود، والمقاطعة

الأخرى الشاسعة محاذية للجزء الصربي المحتل من كرواتيا (المليشيات الصربية

تسيطر على ٣٠% من كرواتيا وتعتبر أراض صربية وقد أعلنوا فيها دولة كرواتيا

الصربية العام الماضي.

* ويحصل الكروات (وهم ١٧ % من السكان) على حوالي ٢٠% من أرض

البوسنة ومعظمها في الهرسك (الجزء الجنوني الغربي للجمهورية) وجزء في شمال

البلاد محاذ لكرواتيا، وذلك على شكل مقاطعتين.

* وتترك سراييفو والمناطق المحاذية لها (كمقاطعتين) مناطق ذات سيادة

وسيطرة مشتركة.

موقف الأطراف:

بالرغم من الضغوط المتزايدة على حكومة البوسنة للقبول بخطة فانس -أوين

(وصلت إلى حد تهديد قادة المسلمين بعقوبات يتخذها مجلس الأمن إذا لم يوافقوا

على الخطة) فقد رفض المسلمون خطة التقسيم هذه. كما أن الصرب لم يوافقوا

عليها فيما أسرع الكروات إلى توقيع الاتفاق في بنوده الثلاث.

المسلمون: أعلنوا أنهم لن يوافقوا على الخطة للأسباب التالية:

١- أنها تكافئ المعتدي وتزيد من محنة الضحية. فقد اقترحت الخطة أن

تبقى سيطرة الصرب على جزء كبير من الأراضي التي احتلوها وأجلوا عنها

سكانها وأصبحت تحت سيطرتهم وبهذا يكون من حصتهم في الخريطة مثل مناطق

إسلامية كمدينة بريجيدور والتي تحدثت وسائل الإعلام عن مجزرة أرقام ضحاياها

وصلت إلى آلاف القتلى من المسلمين عندما احتلتها المليشيات الصربية (التشتنك)

كما تعطيهم مناطق ذات غالبية إسلامية ككلوج وسانسكي، وهذه المناطق المحتلة

يطالب القادة المسلمين بعودتها إلى مقاطعة بيهاك ليتسنى للمهجرين المسلمين العودة

إليها فيما بعد ... قبولنا بهذا الأمر يعني أن لا أمل لمئات الآلاف من المسلمين

بالعودة إلى بيوتهم (كما يقول الرئيس علي عزت بيكوفيتش) .

٢- أنها لا تتضمن الموقف الدولي والمحلي من التحكم في الأسلحة الثقيلة

للصرب مما يعني استمرار التهديد والخطر.

٣- أنها لا تعطي للأقليات حصصاً متساوية تتناسب مع نسبتهم العددية.

٤- أن الخطة لا تحدد شكلاً متماسكاً للجمهورية، حيث إنها تقترح تقسيماً لا

يمكن معه إيجاد ترابط عملي بين مختلف الأطراف من جهة وبين مناطق المسلمين

من جهة أخرى. مما يعني نهاية البوسنة-الهرسك كدولة.

الصرب: مع أن الخريطة تعطيهم معظم المناطق التي احتلوها ونسبة أعلى

من نسبتهم العددية في الأرض إلا أنهم سارعوا إلى رفضها ثم التراجع واقتراح

إجراء استفتاء بين الصرب على الخريطة. وبهذا فهم يربحون الوقت الذي ...

يحتاجون لتمكين سيطرتهم وإنهاء عملية الجلاء القسري لجميع السكان غير

الصربيين بوسائل قمعية وإجرامية أصبحت معروفة لدى الجميع.

وقد وافق الرئيس الصربي ميلوزفيتش على الخطة لأنها بهذا تعتبر الخطوة

الأولى والأساسية من خطط تفكيك البوسنة وانهيارها وتحويل مسلميها إلى أقليات

تعيش في مقاطعات صغيرة محدودة ضمن امتداد صربي واسع.

والأخطر من ذلك أن قادة الصرب أنفسهم أعلنوا جهاراً أن قبولهم لخطة فانس

-أوين ليس نهائياً وأنهم سوف يستمرون في العمل لهدفهم الأكبر وأنهم لم ولن

يتخلوا عن فكرة إقامة (صربيا الكبرى) وذلك بضم الأراضي التي يسيطرون عليها ...

في البوسنة وكرواتيا لأرض جمهورية يوغسلافيا (صربيا والجبل الأسود) .

و (صربيا الكبرى) هي الدولة التي يطمح الصرب لإقامتها آملين أن تعيد أمجاد الدولة ...

الصربية الأرثوذكسية القديمة والتي دحرتها جيوش المجاهدين في دولة الخلافة

العثمانية.

كما أن الصرب يرون أن عليهم الآن - وهذا ما صرحوا به - تغيير تكتيك

إنشاء هذه الدولة، من العمل العسكري في الفترة الراهنة لأسباب استراتيجية تتمثل

بالظروف الدولية المناهضة للصرب. ولعل كلمات الجزار الصربي كاراجيتش

(زعيم صرب البوسنة) يختصر الموقف: (علينا أن نكتفي الآن بما يمكن تحقيقه

مع خلق الشروط للحصول غداً على ما يصبح ممكناً) ، ويؤكد ذلك مستشاره في

نفس المؤتمر الصحفي الذي عقد في جنيف بتاريخ ٢٨/١/١٩٩٣ والذي قال فيه:

(إن الصرب بدأوا اتباع سياسة براغماتية دون التخلي عن أهدافهم الكبرى) [١] . ...

الكروات: وهم الرابح الأول من تقسيم البلاد. فقد وافقوا مباشرة على الخطة

وخريطة التقسيم حيث إنها تعطيهم أكثر من ٢٠% من الأراضي في جمهورية

البوسنة-الهرسك وذلك للأسباب التالية:

١- إنها تعطيهم أرضاً أكبر من نسبتهم السكانية، وبهذا فالخطة تعوض

كرواتيا عن الأراضي التي يحتلها الصرب في مقاطعة كرايينا في كرواتيا حيث

يقيمون دولتهم الصربية عليها.

٢- إنها تعطيهم مقاطعات محاذية لكرواتيا حيث إنها امتداد جغرافي لكرواتيا

مما يعني سهولة ضمها لدولة كرواتيا (الكبرى) . كما أن هذه المناطق كانت قد

أعلنت من قبل الكروات دولة كرواتية ويتم فيها التعامل بالنقد الكرواتي.

٣- يعتبر الكروات أن التقسيم الحالي يجعل من مناطق المسلمين حاجزاً

طبيعياً جغرافياً-سكانياً بين الصرب والكروات في مناطق كثيرة. وبهذا يأمن

الكروات مكر اعتداء صربي مفاجئ على أراضيهم.

ملاحظات على الخطة - الخريطة:

هناك عدة نقاط يتفق المراقبون على أن خطة فانس -أوين قد تميزت بها

خاصة وأنها تمر عبر أروقة الأمم المتحدة:

- أنها سابقة في تاريخ الأمم المتحدة أن توافق على تقسيم دولة كاملة العضوية

في الأمم المتحدة. لأن هذا يفتح الباب لسيل من المشاكل العالقة بين الدول.

- يقوم هذا التقسيم بتفكيك أراضي البوسنة-الهرسك فقط وتوزيعها على

الأطراف الثلاثة دون النظر إطلاقاً إلى جذور المشكلة أو النظر في أوضاع الأقليات

في الدول الأخرى لدول يوغسلافيا السابقة - خاصة المسلمين في صربيا - مما

يعني أن سيناريو البوسنة-الهرسك سيتجدد في المناطق الأخرى إذا ما حاول مسلمو

هذه المناطق رفع رؤوسهم والمطالبة بحقوقهم المشروعة وبالأخص مسلمو السنجق

(والذي تتقاسمه كل من صربيا والجبل الأسود وهي مقاطعة ذات أغلبية إسلامية)

وكوسوفو هذه المقاطعة الكبرى ذات الغالبية الإسلامية الساحقة (تصل إلى ٩٢ %

من السكان) والتي تعاني ظلماً وقمعاً صربياً شديداً وتطالب هذه المقاطعة بحق الحكم

الذاتي. والصرب شديدو التمسك بهذه المقاطعة لأسباب استراتيجية وتاريخية وهم

لا يرضون حتى بالحديث عن حقوق سكان كوسوفو، ويرابط في المنطقة ١٢٠

ألف جندي صربي يقومون بفرض الأمر الواقع وسياسة الحكومة الصربية المركزية. يقول رئيس صربيا ميلوزوفيتش إن (كوسوفو هي قلب الصرب، وإذا أراد ...

الألبان (المسلمون) الأمان فعليهم أن يكفوا عن محاولات الانفصال، ومن لا يريد

العيش مع الصرب عليه أن يرحل عن كوسوفو) [٢] .

وهذه السياسة ليست حكراً على قادة الصرب المتطرفين بل هي مسلَّمات القادة

الصربيين جميعاً.. فمثلاً فوك دارسكوفك زعيم (حركة التجديد الصربي) والذي

يعتبر معتدلاً وصديقاً للغرب صرح أنه (لن يتنازل أبداً عن كوسوفو) كما أنه: ...

(لن يهمل إخوانه الصرب أصحاب الحق التاريخي داخل البوسنة وفي مقاطعة

كرايينا في كرواتيا) [٣] . وهذا يعني أنه حتى لو تغيرت السياسة الصربية الحالية

فستكون بنفس الاتجاه من ناحية قضايا الأقليات المسلمة في صربيا. كما أن

الخارطة تغطي - ولا تحل - مشاكل الأقليات الأخرى ضمن دول يوغسلافيا مما قد

يؤدي إلى خلاف أوسع في حال انتقلت الشرارة إلى مناطق أخرى في المنطقة.

الموقف الأمريكي:

أما الموقف الذي يثير الانتباه فهو موقف الأمريكيين الذين أعلنوا (أنهم لن

يرضوا بالخطة لأنها تكافئ المعتدي وتظلم الضحية وهم المسلمون) ، وهم (لن

يوافقوا على خطة يرفضها أي من أطراف النزاع) .

فلماذا هذه الغيرة على حقوق المسلمين من أمريكا في الوقت الذي لم تكن

استجابة (الأخوة المسلمين) على المستوى المطلوب.

إن الموقف الذي اتخذته الحكومة الأمريكية ظاهره فيه انحياز واضح للجانب

البوسني؛ وباطنه فيه المصلحة الأمريكية-الأوربية المغلفة بشتى الشعارات البراقة. فقد انتقدت إدارة الرئيس الأمريكي مبادرة فانس -أوين ووعدت بمبادرة أمريكية

تكون أقرب إلى إرضاء الأطراف المتنازعة من الخطة الأوربية. أمريكا

بمعارضتها للخطة تقف في وجه الإجماع الأوربي متمثلاً بموافقة فرنسا، ألمانيا

وبريطانيا على الخطة، كما أنها تعارض الحليف التاريخي والأول لصربيا وهي

روسيا (الأخ التاريخي العقائدي للصرب الأرثوذكس) والتي صرحت بأنها لن

ترضى بأي تدخل عسكري ضد صربيا، وستعمل على تخفيف أو إزالة العقوبات

عن صربيا. كما أنها تواجه الأمم المتحدة التي استحسنت الخطة ووافقت عليها.

فلماذا يقف الأمريكيون بقوة في هذه المرة مع (الحق الإسلامي) وفي هذه ...

المرحلة؟ !

يرى المراقبون أن دول الغرب تلعب الدور الذي طالما برعت فيه في التعامل

مع قضايا المسلمين، فتتوزع الأدوار بين الأقطاب الكبرى الثلاثة بريطانيا، فرنسا

وأمريكا. فعندما توافق الأولى وتتمهل الثانية وتعارض الثالثة تكون مرجعية

المسلمين لإحدى هذه الدول الثلاث، وآمالهم لا تتجاوز ما توافق عليه إحدى هذه

الدول، كما هو حاصل الآن حيث أن (الأمل) البوسني الوحيد هو في (العناد)

الأمريكي وموقفه (الحازم) من قضية (مكافأة المعتدي) . وهذا النموذج رأيناه ...

واضحاً في قضية المفاوضات العربية-الإسرائيلية حيث كانت هذه الدول تتبادل

الأدوار في (التحدث إلى المنظمة) أو (الأرض مقابل السلام) .. ...

ويبقى السؤل المطروح: ما هي مصلحة الأمريكيين في الإبقاء على البوسنة

وبالمقدار الممكن كدولة متماسكة.

الاحتمال الأول: وهو البعد الاستراتيجي لسياسة (موقع القدم) الذي تمارسه ...

الدول الكبرى من خلال الدول الصغرى في مختلف مناطق العالم، فالمعروف

تاريخياً أن الكروات هم (أذناب) الألمان في منطقة البلقان وصديقهم التاريخي،

وهذا ما يفسر الموقف الألماني المتشدد مطلع عام ١٩٩٢ للاعتراف بكرواتيا، (وفرض) الاعتراف بها على بقية الدول الأوربية، وروسيا لا تجد لها منافساً في ...

صربيا والتي تأخذ معظم دعمها العسكري الاقتصادي.. والسياسي منها (حتى أن

التلفزيون الصربي عرض إلى جانب مئات المتطوعين الروس الذين جاؤوا للقتال

إلى جانب الصرب، ٤ جنرالات من الجيش الروسي يقومون بتنسيق العمليات

العسكرية في البوسنة والهرسك وكرواتيا) . لذا تجد الولايات المتحدة نفسها أمام

خيار واحد في المنطقة وهو دعم الجانب البوسني.

الاحتمال الآخر: وهو لا يتعارض مع الاحتمال الأول، وهو أن الأمريكيين

يريدون دائماً أن يظهروا بمظهر رجل السلام المحب للخير الذي يساعد الضعيف

والمغلوب على أمره - وهم هنا البوسنيون - كما أن في ذلك تحقيقاً جزئياً لمئات

الوعود البراقة التي تخللتها حملة الرئيس كلنتون الانتخابية بأنه سيتحرك لإنقاذ (المظلومين) في البوسنة إذا ما وصل إلى سدة الرئاسة.

جانب آخر من المعادلة هو أن الأمريكيين عندما يُقربون منهم (الحكومة

البوسنية) فهم بهذا يتعاملون مع (الشرعية البوسنية) . الأمر الذي تهتم به دائماً ... ...

الإدارة الأمريكية لتسهيل تمرير ما تريده من قرارات في الأمم المتحدة ومجلس

الأمن (وإن كانت أمريكا لا تصاب بوجع رأس عندما تقرر تمرير قرارات ما في

هذه المجالس) .

إلا أن الحل الأمريكي القادم سوف يأخذ بعين الاعتبار التالي:

- إرادة وقرار السوق الأوربية المشتركة، حيث إن (يوغسلافيا) تبقى دولة ...

أوربية وأية نتائج للصراع فيها يظهر تأثيره المباشر في أوربا، خاصة وأنها تحد

دولاً أعضاء دائمين في مجلس الأمن (فرنسا) .

- الإرادة الروسية والتي تحاول أن تكشر عن أنيابها في الفترة الأخيرة خاصة

بعد أن خاب ظنها بالمساعدات الأمريكية لتحسين الاقتصاد الروسي. كما أنها (غير

راضية عن التفرد بالقرارات العسكرية الأمريكية في كثير من مناطق العالم) كما

صرح وزير خارجيتها

- الواقع العسكري على الأرض والذي لا يصب في مصلحة (الشرعية

البوسنية) في الوقت الحاضر.

- الحيلولة دون قيام دولة إسلامية / أو لنقل ذات غالبية يمكنها أن تتخذ قراراً

يساهم في صنع القرار الإسلامي الدولي خاصة وأن بوادر الصحوة الإسلامية في

العالم أخذت تظهر بين مسلمي الأقليات في مناطق أوربا الشرقية. هذا الأمر حذر

منه القادة الأوربيون: (لن أسمح بقيام دولة أصولية إسلامية في أوربا) [٤] ، و (أحذر أوربا والعالم من طموحات الأصولية الإسلامية في البوسنة) [٥] . ...

- البقاء على فرضية أن الحل يجب أن يكون أمريكياً وأن القرار الذي لا

توافق عليه الإدارة الأمريكية لن يكون سارياً.

وقد ساهمت الصحف والإعلام الأمريكي في حملة الإدارة الامريكية على خطة

فانس -أوين ووصفها بـ (السطحية) و (الغباء) .. وما إلى هناك من عبارات

الحط منها. وقد أسماها أحد مساعدي كلنتون: أنها (قد صيغت بعقلية الإمبريالية

البريطانية القديمة، وأن تقسيم الهند وفلسطين وأفريقيا تعود للذاكرة عند قراءة

مقترحات المستر أوين) [٦] .

كلمة أخيرة:

والواضح أن الخريطة الأوربية (الجديدة) للبوسنة لا تحل المشكلة بل تؤجل

الجولة الثانية منها، وكما يقول المراقبون فإن (الفيدرالية اليوغسلافية القديمة كانت

أشبه ما تكون بمجسم يختصر التكوين الفسيفسائي لمنطقة البلقان بأسرها. وبدورها

كانت جمهورية البوسنة-الهرسك مجسماً صغيراً يختصر كل ما في يوغسلافيا من

تعددية أثنية ومشاكل سياسية واجتماعية وعرقية. فالبوسنة تختزل الإشكالية البلقانية

بوجوهها المتعددة. والصراع الدائر حالياً على أرضها هو بمثابة -مختبر للمنطقة

كلها وفي ضوء النتائج التي سيتمخض عنها سيتحدد مصير عدد من بؤر التوتر

الكائنة في يوغسلافيا وغيرها من دول المنطقة) [٧] .

إن أي نجاح في فرض أي خريطة جديدة للبوسنة تقوم على تقسيمها مكافاة

الصرب وتكريس اعتداءاتهم وحرمان المستضعف من حقوقه التاريخية؛ سوف

يغري ويشجع على إشعال حروب وخلق مناطق نزاع جديدة في أماكن متعددة من

أوربا - وغيرها - قد تتطور إلى جزء يتدخل فيه أكثر من بلد في هذا الصراع

خاصة إذا كانت المعارك بين دول أقوى وصاحبة ارتباطات وتحالفات أوسع.

والمناطق المرشحة لذلك أكثر من أن تحصى خاصة في منطقة البلقان.

يبدو أن المسلمين في البوسنة بدأوا يستوعبون ضراوة المحن والمؤامرات

الدولية والغربية عليهم، يدركون أن المقاومة المسلحة والحسم العسكري القوي كفيل

بترجيح الكفة وإخلال الموازين لصالحهم وإثبات الهوية الإسلامية ليس كأقلية عرقية

ولكن كدولة ذات كيان وهوية إسلامية على الرغم من مؤامرات الصليبين الحاقدة.

وفي هذا الإطار ظهرت المعارك الأخيرة في شرق البوسنة وعلى المناطق

الحدودية مع الصرب بالقرب من نهر ديرنا (الفاصل بين البوسنة وصربيا) حيث

حققت القوات الإسلامية نجاحاً ملحوظاً وتكبدت القوات الصربية خسائر كبيرة في

الرجال والعتاد اعترفت به إذاعاتهم. وكانت أشد المعارك ضراوة تلك التي شهدتها

منطقة شيلات الحدودية مع صربيا. كما أن منطقة سد بروكاي الذي تسيطر عليه

القوات الإسلامية وتهدد بتفجيره مما يهدد نصف المناطق الصربية بالزوال.

من البوسنة إلى فلسطين

أوردت وكالات الأنباء والصحف العالمية خبر وصول حوالي مئة لاجئ

بوسني مسلم إلى فلسطين المحتلة نهار الأربعاء ١٧/٢/١٩٩٣ في محاولة من

السلطات الإسرائيلية لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي.


(١) الشعب ٢٩/١/١٩٩٣.
(٢) الحياة ١٢/٢/١٩٩٣.
(٣) الاندبندنت ١٢/٢/١٩٩٣.
(٤) ميتران عند زيارته لمطار سراييفو.
(٥) تودجمان (الرئيس الكرواتي) ٢٤/١/١٩٩٣.
(٦) الاندبندنت ١٠/٢/١٩٩٣.
(٧) محمد خليفة، أزمة البلقان وصراع البوسنة، الحياة٥ ٢٥/١/١٩٩٣.