تأملات دعوية
[حديث حول الشهرة والمشاهير]
عبد الله المسلم
يعتني الناس كثيراً بالمشاهير، ويحرصون على اللقاء بهم والسماع منهم، بل
وربما رؤيتهم، ويعتنون كثيراً بمقولاتهم، وربما يصدرون عن رأيهم؛ ومن
الشواهد على ذلك استخدام أصحاب الإعلان التجاري أسماء بعض رموز الرياضة
والفن في ترويج سلعهم ومنتوجاتهم.
وهذه القضية تعني العاملين في الميدان الدعوي بدرجة كبيرة، وجدير بهم أن
يدرسوها ويعتنوا بها.
وأول سؤال يفرض نفسه: متى تكون الشهرة معبرة عن الواقع تعبيراً صادقاً؟ وإلى أي حد يستحق هؤلاء المشاهير ما حصلوا عليه من مكانة ومنزلة؟
إن التعرف على العوامل التي أدت إلى الشهرة يسهم في الإجابة على قدر
كبير من هذا السؤال؛ فثمة عوامل صادقة تعطي الشخص مكانته ومنزلته التي
يستحقها، وعوامل أخرى خلاف ذلك، تؤدي إلى اتساع مساحة الشهرة أكثر مما
ينبغي.
فأحياناً تكون الشهرة وليدة موقف أو مواقف رفعت اسم صاحبها، وأعطته من
الهالة فوق ما هو له. وقد يتحدث شخص حديثاً مسموعاً أو مكتوباً في موضوعات
لها أهمية وحيوية لدى الناس، وتلامس واقعهم، ويجتهد في ترتيب عناصره
وأفكاره فيقع حديثه موقعاً من الناس، فيعلو شأنه، ويرتفع صيته، مع أن ما قدمه
خال من الدراسة الواعية العميقة، ولا يعدو أن يكون حسن ترتيب وعرض لآراء
شخصية، وإجادة في طرق قضايا لها شأنها عند المتلقين.
وقد يكون ذا صوت جَهْوَري مؤثر، وأسلوب بليغ أخاذ، أو قلم سيّال فيعجب
الناس بما قدمه ويظنون به ما ليس أهلاً له.
وأحياناً يسهم الناس في إلحاق الشهرة بشخص ما من خلال الاجتماع حوله
وسؤاله والحديث إليه، وإبراز نتاجه.
وأحياناً يستمد شهرته من وظيفته الشرعية، أو توليه لإمامة مسجد أو جامع له
مكانته.
إن بروز هذه العوامل غير الكافية في صنع الشهرة وتأثيرها على الناس يكون
نتاج أسباب عدة منها:
١- ضعف مستوى الوعي لدى المجتمعات وسطحيتها في التفكير والحكم على
الظواهر.
٢- عدم وجود معايير واضحة للتقييم لدى الناس، ومن ثم فقد ترى أن من
يكتسب الشهرة في الخطابة والوعظ يستفتيه الناس في قضايا من دقائق مسائل العلم، وقد يكون قليل الورع فيقتحم المشكلات، ويدرك المرء الأسى حين يرى فئات من
جيل الصحوة يتداولون قول واعظ أو متحدث بارع، أو غير هؤلاء في قضية
حاسمة من قضايا الدعوة أو مشكلة من مشكلات الأمة.
بل حتى أهل العلم الذين لهم باعهم في الميدان العلمي ومكانتهم التي لا تنكر
قد لا يجيدون إصدار حكم في قضية من مشكلات الأمة أو همّ من هموم الدعوة
والتربية لا يعانونه، وليس هذا من نقص مكانتهم أو منزلتهم أو الحط منها، أَوَليس
أهل القضاء أحياناً يحيلون الأمر على مختص يصدرون عن رأيه؟ بل وأهل
الإفتاء حين يناقشون قضية طبية أو اقتصادية يستعينون بمن يعيها أكثر منهم؟
٣- وقد تكون الشهرة نتاج فراغ الساحة وخلوها من الشخصيات المؤهلة؛
فيصادف من يتصدى قلباً خالياً ومكانة فارغة.
٤- وقد يسهم الدعاة في تكريس هذه القضية فيصرون على التعامل مع
المشاهير، فيؤصلون هذا المشرب لدى الناس، ويحرمونهم من طاقات لم تجد من
عوامل الشهرة ما يبرزها لدى الناس.