رثاء ووفاء
د. عبد الرزاق الحمد
أخ حبيب، وخل وَفِي، ذلك الذي وقع خبر فقده علي كالصاعقة، ...
وهزني فأربك كياني، وصدمني فأخل توازني، وأغمني فوق المصيبة غما، إذ كنت ... ... ...
بعيداً فلم أتمكن من مواساة قلبي بنظرة أخيرة ولا بخطوة أخطوها في تشييع ... جثمانه، وحضور جنازته، أو حتى مشاركة أهله وأحبابه ومواساة نفسي بمواساتهم، وتعزيتها بتعزيتهم.
لقد عرفته منذ أكثر من خمسة عشر عاماً حين كنا ندرس معاً في كلية واحدة،
وكانت بيننا أخوة في الله، ومحبة وود عميق، أسأل الله أن يدوم ذلك في يوم ...
القيامة في ظل عرش الله تبارك وتعالى، يوم تنقطع الوشائج، وتتصرم العلائق،
إلا بين المتقين [الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المُتَّقِينَ] .
عرفته صاحب مبدأ وعقيدة تملأ عليه حياته وقلبه، يعتز بها فوق كل شيء،
ويقف عند حدودها في كل شيء وكانت له مواقف مشرفة أعتز أنني أخ وصديق
محب لصاحبها.
عرفته داعية إلى الله بنفسه وبما يملك أينما كان، وحيثما حل، فلم تخدعه
الدنيا، ولم تقعد به العقبات، وأنشطته ومحاضراته شاهد على ذلك.
عرفته واسع الأمل، كبير التفاؤل، لا تقف غاياته وآماله عند نفسه ولا عند
الدنيا وأعراضها، وعرفت فيه الطموح والعمل الجاد الدءوب والصبر والاحتساب،
وأخيراً عرفته وفياً لإخوانه وأحبابه بعيداً عن الحقد والريبة والغل، أحسبه كذلك.
ذلكم هو الأخ الحبيب الدكتور عبد الله بن مبارك بن يوسف الخاطر الذي وافاه
أجله يوم السبت ٢/٦/١٤١٠هـ، غفر الله له ولنا ورحمه وعافاه، وعفا عنه،
وأكرم نزله، ووسع مدخله.
اللهم لا تفتنا بعده، ولا تحرمنه أجره واغفر لنا وله.
ومن مشاعر الأخوة والمحبة والوفاء له كانت هذه القصيدة:
أدمع العين منهلَّ السحاب ... أيطفئ لوعتي طولُ انتحابي
وكيف وفي الفؤاد لها اعتلاج ... من النيران يهدر كالعُباب
أكف الدمع عن عيني كأني ... أجرَّم أو أهدد بالعقاب
وفي نفسي من اللأواء شيء ... يفتت شدةَ الصخر الصلاب
تكاد جوانحي من فرط حزن ... من الزفرات تُضرَم بالتهاب
وزاد من البلية في مصابي ... غيابي عن شهودك واغترابي
وأني لم أمتِّع منك عيني ... وما غبرت وجهي للثواب
يكاد القلب من أسف عليه ... يواسيني بطيفك عن عتابي
فمن لوم وأحزان توالى ... كضرب البِيض أو طعن الحراب
فصارت لوعتي تورى بقلبي ... ومنها القلب يرمي بالشهاب
كما البركان لا ينفك حتى ... يحمحم في الفضاء وفى الهضاب
فلا دمعي سيطفئ نار حزني ... ولا كتمي يخفف من مصابي
فحسبي أن من أبكيه شهم ... عفيف القلب واليد والثياب
له في الحق سبق والتزام ... مواقفه على نهج الكتاب
صدوق ما تراه أخا نفاق ... جزيل البذل من غير اطّلاب
يعيش من التفاؤل في خضم ... من الآمال ممتد الرحاب
له جلد على الغايات حتى ... ليجنيها على رغم الصعاب
سليم الصدر رغم (الربو) فيه ... تنزه أن يدنس بارتياب
وفي الود مرضيُّ السجايا ... بدهر عمه طبع الذئاب
غدا للدعوة الغراء سيفاً ... ينال العز في هجر القراب
فلست تراه إلا في هواها ... حثيث الخطو ينعم في الجواب
أعبد الله رحت وأنت غض ... طري العود ريان الشباب
فإن أبكي عليك فذاك ضعفي ... ونبل الضعف في حب الصحاب
وإن أغلو بمدحك إن عذري ... علوك في فؤادي وفي الجناب
وإن منا وجدت له عيوباً ... وعيبك في المناقب كالسراب
عليك الرحمة المهداة تترى ... كعبق المسك في الظل الرطاب
دواماً ما تعاقبت الليالي ... وما درج النسيم على التراب
ويجمعنا بظل العرش ربي ... إذا انفصمت عرى يوم الحساب
أرى الأحياء يقصر عن مداهم ... بأن الموت ذو ظفر وناب
وما أعياه من شيب حجاهم ... ولا أعياه من غض تصاب
وكل الناس تترى في قطار ... وإن جهلوا بساعات الركاب
فمن يضع الحياة على هواه ... بمرح حسرة سوء العذاب
ومن تكن المعالي في مناه ... لنصر الدين يسعد في المآب
أخا الإسلام ما الغايات إلا ... جهاد للشهادة في احتساب
ترقع عن معاقرة الدنايا ... وعن غدر وغل واضطراب
وأفسح للسماحة كل صدر ... بحب أخيك معلول الرضاب
فما الآجال تفسح باختلاف ... وأعداء الشريعة كالعقاب
طواغيت الخيانة قد تداعوا ... بنهش لحومنا مثل الكلاب
ونحن على التحزب والدعاوى ... نعد جيوشنا يوم الضراب
وأسباب الفلاح لنا اتحاد ... وإعداد وصبر في الطلاب
وفي الأحداث معتبر ولكن ... قليل من يوفق للصواب