للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

[يا دعاة الإسلام بشروا وأبشروا]

عبد العزيز بن عبد الله الصالح

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، نبينا

محمد عليه وعلى آله وصحابته أفضل الصلاة وأتم التسليم ... وبعد:

فإن الناظر بعين البصيرة إلى واقع الأمة الإسلامية وما تمر به من فتن

ومضلات يعلم مدى حاجة الأمة إلى الدعاة المخلصين والأئمة المهديين؛ ومن يرى

أو يسمع عن الهزائم المتتالية والمصائب المتتابعة التي تمر بها الأمة يعلم علماً يقينياً

أن هناك خللاً وتقصيراً، وثمة ثقب ينفذ منه الأعداء، ويلج منه أهل الفساد؛ ذلك

أن المصائب والفتن المتتابعة تولد لدى بعض الدعاة خمولاً وهزيمة نفسية، كما أن

تناقُلَ مثل هذه الأخبار والحديث عنها يورث يأساً وقنوطاً عند بعضهم؛ وها هنا

مكمن الخلل وعين التقصير والنقص؛ ولست أدعو إلى التغافل عن هذه الفتن أو

تركها، بل الواجب معرفتها ومعرفة كيفية محاربتها وصدها، ويجب مع هذا كله

بث روح الأمل بنصرة الدين وإحياء هذا المفهوم وشحن النفس به [١] ، خصوصاً

أنه قد سرى في بعض النفوس يأس قاتل من نصرة الإسلام، فتقاعسوا عن العمل

وأصابهم قنوط من هذا كله حتى أصبح أحدهم يعد الحديث عن نصرة الدين ضرباً

من المستحيل أو حديثاً عن الخيال البعيد، وربما علل ذلك وبرهن له بمنطق من

غاب عن وعيهم روح الإيمان، فصاروا يحاكمون الأمور إلى الأصول المادية

البحتة؛ وإن المتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يرى حرصه الشديد

على غرس هذا المفهوم في نفوس الصحابة؛ ويتأكد ذلك عندما تشتد الفتن عليهم،

ويتكالب عليهم أعداء الله من كل مكان؛ روى البخاري في صحيحه عن خباب بن

الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل

الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ

الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه،

فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه،

والله ليتمنَّ اللهُ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف

إلا الله والذئب على غنمه؛ ولكنكم تستعجلون» [٢] ؛ ويتكرر مثل هذا الموقف؛

ففي غزوة الأحزاب وعندما تكالب الأعداء على المسلمين من كل جانب يُحْيي صلى

الله عليه وسلم هذا المفهوم ويغرسه في نفوس أصحابه، وذلك عندما اعترضت

صخرة للصحابة وهم يحفرون الخندق فضربها صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات

فتفتتت، فقال إثر الضربة الأولى: «الله أكبر أُعطِيت مفاتيح الشام واللهِ إني

لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ثم ضربها الثانية فقال: الله أكبر أُعطِيت مفاتيح

فارس؛ واللهِ إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال: الله

أكبر أعطيت مفاتيح اليمن؛ والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة» [٣] .

وكان موقف المؤمنين من هذه البشارة ما حكاه القرآن الكريم: [هَذَا مَا وَعَدَنَا

اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً]

(الأحزاب: ٢٢) [٤] .

إن نفوس الصحابة كانت مشحونة بكثير من الآلام والمخاوف، ويأتي مثل

هذا الكلام ليكون برداً وسلاماً عليها.

قال ابن القيم معلقاً على قصة كعب بن مالك: «وفي استباق صاحب الفرس

والراقي على سَلْعٍ ليبشِّر كعباً دليلٌ على حرص القوم على الخير، واستباقهم إليه،

وتنافسهم في مسرة بعضهم بعضاً» [٥] .

وأي مسرة أعظم من المسرة بنصرة الدين! ؟

إنك لتعجب أشد العجب عندما ترى بعض الدعاة يغفل عن مثل هذا المفهوم،

فتسري في قلبه روح الهزيمة؛ فتجده واضعاً كفه على جبينه عندما يسمع خبر

حدوث فتنة هنا أو هناك معلناً انهزاميته وتراجعه الكامل، وقد غفل عن سنة الله في

كونه: [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا

لَهُمُ الغَالِبُونَ] (الصافات: ١٧١-١٧٣) والله غالب على أمره.


(١) ليس المقصود من الحديث ذكر الأحاديث الواردة في نصرة الدين؛ ولكن المراد إحياء مثل هذا المفهوم وغرسه في النفوس.
(٢) البخاري ٧/١٢٦، كتاب الأنبياء باب علامات النبوة.
(٣) رواه أحمد والنسائي بسند حسن.
(٤) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية (٤٤٨) بتصرف يسير.
(٥) زاد المعاد (٢/٥٨٥) .