حوار
ماذا يجري في الجزائر؟!
البيان تحاور الشيخ كمال قمازي
القيادي البارز في الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر
أجرى الحوار: يوسف شلي [*]
هناك تراجع كبير عن المكتسبات التي اكتسبها الشعب الجزائري
في هذا الحوار الذي تفضل به الشيخ كمال قمازي لمجلة «البيان» ، يكشف
فضيلته عن الأجواء التي أحاطت بمبادرة الشيخ عباسي مدني لحل الأزمة
الجزائرية، وردود الفعل السياسية والشعبية حولها، وموقف الجبهة منها.
ويوضح الشيخ كمال قمازي أن «المبادرة» التي أعلن عنها الشيخ عباسي
تحمل تصورات الجبهة الإسلامية نفسها لحل الأزمة الجزائرية التي جاء ذكر
تفاصيلها في الوثيقة السياسية المؤرخة في ١٨/٦/١٩٩٥م، والمقدمة إلى السلطات
الجزائرية آنذاك أثناء لقاءات الحوار الثنائي بينهما.
ولمعرفة المزيد إليكم تفاصيل هذا الحوار.
* ضيفنا في سطور:
الشيخ كمال قمازي عضو قيادي بارز في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة،
وشخصية مهمة في الحركة الإسلامية، اقتحم المجال السياسي، وكان من بين
مؤسسي الجبهة الإسلامية، وكان فيها عضواً في مجلس الشورى والمكتب الوطني،
كما كان رئيساً للمجلس الشعبي لمدينة الجزائر، وهذا ما جعله يحظى بثقة
الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج، ويعدُّ اليوم من المقربين إليهما، ليصبح
الشيخ من بين أهم الشخصيات في القيادة التاريخية التي تحوز ثقة أنصار الجبهة
والتيار الإسلامي عموماً.
البيان: ما هو تقييمكم لردود أفعال الطبقة الوطنية والسياسية التي أحدثتها
مبادرة الشيخ عباسي مدني لحل الأزمة الجزائرية؟
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله
وصحبه، أما بعد..
في البداية نهنئ فريق مجلة «البيان» الشهرية، هذا الصرح الإعلامي
المميز الذي نتمنى له التوفيق والنجاح، وأن يكون فاتحة خير للقضايا التي تهم
الشعب الجزائري الذي يعاني، والمصالحة الوطنية، ولغة الضاد بصفة عامة.
أما بالنسبة لسؤالكم حول تقييم ردود أفعال الطبقة السياسية حول مبادرة الشيخ
عباسي مدني؛ فلا نعتقد أن كل فاعل في الساحة الوطنية كان منسجماً مع موقفه،
فالاستئصاليون بطبيعة الحال وقفوا ضدها، ومنهم من طلب حتى بمحاكمة الشيخ
لخرقه الممنوعات العشرة، أما دعاة المصالحة الوطنية فوقفوا بين المرحب بها،
وعلى الأقل المتوقف، والطالب لمزيد من المعلومات حول الموضوع.
لكن في اعتقادنا أن الشعب هو الحكم بالنسبة لهذه المواضيع، فالشعب هو
الذي يعاني من الأزمة، وهو الذي يدفع الثمن من دم أبنائه وأمواله، ومن مستقبل
شبابه، وقدرته المعيشية، وفي الكثير من الأوضاع المزرية التي يعيشها، وهو
الذي يطالب بالحل والسلم، لفتح صفحة جديدة لآفاق جديدة.
البيان: صرحتم لإحدى الأسبوعيات بأن المبادرة تحمل تصورات الجبهة
الإسلامية للإنقاذ نفسها لحل الأزمة.. هل من توضيح أكثر؟
- في الحقيقة المبادرة تحمل عدة جوانب:
أولها: الجانب الذي يُعتبر القاسم المشترك بين ما طرحه الشيخ عباسي مدني
وبين ما قدمته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مختلف اتصالاتها بالسلطة، ومنها على
وجه الخصوص الوثيقة المؤرخة بـ ١٨/٦/١٩٩٥م، التي كان الشيخ عباسي مدني
أحد الموقعين عليها مع بقية الشيوخ السبعة، ومنهم الشيخ عبد القادر حشاني
- رحمه الله - وغيرهم.
ثانيها: الجانب الذي نشترك فيه مع بقية الطبقة السياسية من دعاة المصالحة
الوطنية والعقد الوطني في مطالبهم، كرفع حالة الطوارئ، وعودة الحريات،
وغيرها من الأمور التي نتفق مع غيرنا فيها حول موضوع حل الأزمة.
وثالثها: الجانب الشخصي لصاحب المبادرة، حيث إن بصمات الشيخ
واضحة وبارزة فيها، فاجتهاده الخاص تجلى، خصوصاً عندما طرح فكرة وقف
الاقتتال ودورة العنف الدموية بداية من عيد الأضحى المبارك، أو تأجيل الانتخابات
الرئاسية وغيرها، فهذه الأمور من اجتهاد الشيخ نفسه.
لكن نحن نعتقد في عمومها - أي المبادرة - أنه لا بد من التركيز على جانب
مبادئ الحل السياسي قبل الإجراءات؛ لأن الشيء الذي كانت تدعو إليه الجبهة
الإسلامية - المحظورة - كنقطة رئيسية؛ لا بد من الوصول إليها حتى تفتح صفحة
جديدة من الآفاق أمام الشعب الجزائري، مثل التداول على السلطة، عدم استعمال
العنف للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، عدم تدخل الجيش في الشؤون السياسية،
احترام حقوق الإنسان، فتح مجال الحريات السياسية والإعلامية والدعوية
والخيرية وغيرها.
هذه المبادئ إذا تم الاتفاق عليها، نذهب بعدها إلى الإجراءات التي من
أولويتها: إطلاق سراح المساجين، ورفع حالة الطوارئ، وغيرها من الإجراءات
التي أشار إليها الشيخ عباسي.
وفي العموم نعتقد أن هذه الأمور هي محل توافق وقواسم مشتركة.
البيان: هناك مصادر إعلامية ذهبت إلى أن الرجل الثاني في الجبهة الشيخ
علي بلحاج غير راض عن تحركات الشيخ عباسي مدني قبل وبعد إطلاق
مبادرته.. هل هذا صحيح؟ وما هو موقفكم الرسمي من المبادرة؟
- الحقيقة أن العلاقات بين شيخي الجبهة الإسلامية للإنقاذ لا يمكن أن يعوّل
فيها على وسائل الإعلام، التي في أغلبها هي بين المروّجة للشائعات المغرضة،
ومنها في أحسن الأحوال ما يفتقد إلى الحقيقة وإلى المعلومات الصحيحة؛ فتجده
يخبط خبط عشواء، لكن ما نعلمه ونقر به أن هناك انسجاماً بين الشيخين وتناصحاً
وتضامناً وأخوة بينهما، وتخلُّقاً بالأخلاق الإسلامية؛ ما يجعل هذا كله يُستثمر في
صالح الأمة، وفي صالح خدمة القضايا التي تهم الشعب الجزائري المسلم.
أما عن موقفنا الرسمي من المبادرة فقد ذكرته آنفاً في جوابي عن السؤال
السابق، ونجمله فيما يلي: إن هناك قواسم مشتركة نتفق فيها مع الشيخ عباسي
ومع بقية شيوخ الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، حتى مع الذين وقّعوا على
العقد الوطني، ومع الكثير من أهل الخير في البلد ومن دعاة المصالحة الوطنية.
وهناك أمور اجتهادية خاصة بالشيخ عباسي مدني؛ بعض منها تنقصنا
معلومات حولها، لكن على العموم نسأل الله له العون والتوفيق والنجاح.
أما نقطة تأجيل الانتخابات فنعتقد أن الكلام عن التأجيل لا يكون إلا بعد
الاتفاق على المبادرة وعلى الحل الشرعي الشامل والعادل الذي تنشده وتسعى إليه
الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وإذا كان التأجيل من أجل الوصول إلى تجسيد
إجراءات الحل، فيمكن أن يكون هذا في مصلحة الشعب الجزائري، أما إذا كان
التأجيل من أجل التأجيل أو لإطالة عمر الأزمة والمد في أجلها؛ فنعتقد أنه ليس من
الصواب بمكان.
البيان: لماذا أصر الشيخ عباسي مدني على أن مبادرته شخصية لا تمثل
الجبهة الإسلامية وهو أحد قياداتها التاريخية؟ ألا ترى أن هذا مؤشر قوي على
أن بيت الجبهة ليس على حاله؟
- الشيخ عباسي مدني كما تعلمون رجل علم، ورجل مجاهد، وقدم الكثير
من التضحيات من أجل البلد، أو من أجل خدمة الأجيال سواء في الجامعات أو
المساجد أو غيرها، وهو أهل لأن يُكرّم ويعزز، والبلد الذي لا يُكرِّم أبناءه ترى
فيه هذه الحالة التي وصلنا إليها.
فبعد أن يقدم هذه الخدمات، ومنها هذه المبادرة، من أجل وقف النزيف
الدموي والاقتصادي والأخلاقي وحالات التردي عموماً؛ تجده مقيداً بالممنوعات
العشرة، ومقيد الحريات، فيذهب إلى الخارج لأجل أن يُسمع صوته من وراء
البحار، وهذا نتأسف له.
ونعتقد أنه لو كان الشيخ عباسي مدني في الجزائر لأمكن له التشاور أكثر،
والعمل بكل حرية؛ لنصل إلى درجة أحسن مما هي الحال عليه الآن.
ونرى أن ما يقوم به الشيخ عباسي بحكم الظروف يحاول أن لا يلزم إخوانه
به، ولا يلزم الجبهة الإسلامية المحظورة بمجهودات خاصة ومبادرات يمكن أن
يوظف فيها طاقاته ومجهوداته دون أن يحرج إخوانه في أمور قد يصيب فيها أو
يخطئ، والأمر لا يعدو أن يكون أكثر من هذا.
البيان: بصفتكم أحد قيادات الجبهة من الداخل؛ هل أنتم راضون عن
سياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وخاصة موقفه من المصالحة الوطنية؟
- بالنسبة لسياسة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة؛ في حملته
الانتخابية وعد وقدّم وعوداً كثيرة، وكان يرى أنه بعد أن يصل إلى كرسي الرئاسة
ستصبح أوضاع الجزائر في حال أفضل، لكن واقع الحال يفند ذلك، فدار ابن
لقمان ما زالت على حالها، الوضع الأمني مترد، والمصالحة الوطنية لم تتقدم شبراً،
بالعكس ما زالت دعوات الاستئصال، حتى بعض الأسماء التي نصبها الرئيس
تُحسب على الجناح الاستئصالي، وهذا لا يخفى على عاقل، حتى بالنسبة
لموضوع التراجع عن الثوابت الوطنية، كاستعمال اللغة الأجنبية على حساب اللغة
العربية، والشروع في تغيير المنظومة التربوية قسراً ودون رضا أو قبول من
المعني الأول بالموضوع وهو السلك التربوي، أقول هناك تراجع كبير عن
المكتسبات التي اكتسبها الشعب الجزائري، سواء بعد خروج الاستعمار أو بعد
انتفاضة أكتوبر ١٩٨٨م؛ لهذا نرى أنه يجب عليه أن لا يكتفي بالوعود، خاصة
أنه مكث حوالي خمس سنوات في الرئاسة، وكان بإمكانه أن يفعل الكثير، وخاصة
الاستعانة بأهل الخير في البلد وهم كُثُر، لكن هذا لم يحصل، فحالة الطوارئ قائمة،
والأوضاع لم تتغير، يضاف إلى ذلك المضايقات التي تقع على شيوخ الجبهة
الإسلامية المحظورة، وعلى رأسهم الشيخان، بأسلوب قد تجاوزه الزمن!
البيان: عائلة بلحاج تندد بالمضايقات التي يعاني منها ابنها، والجبهة
الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الخارج ترفع شكوى إلى الأمم المتحدة حول جملة
المضايقات التي تعاني منها قيادات الداخل.. بماذا تجيبون؟
- تعلمون أن الشيخ علي بلحاج لبث في السجن ١٢ سنة، ولما خرج من
السجن قُيد بجملة من الممنوعات والتقييدات؛ القصد منها شل حركته ووضعه في
سجن آخر كبير، وبين الحين والآخر يُستدعى وتُطرح عليه أسئلة ليست من
اختصاص مصالح الأمن؛ لأنها تعد من الحريات الخاصة بالرجل، رغم أن الشيخ
لا يزيد في تحركاته عن زيارة إخوانه، أو القيام بزيارات لمن يدعونه لا أكثر ولا
أقل، فهذا يترتب عليه استدعاءات في مخافر الشرطة، بينما نرى الكثير من رجال
الطبقة السياسية كالهاشمي شريف أو غزالي وغيرهم كثير، أو العروش الذين
حطموا وخربوا وطالبوا بالاستقلال الذاتي، وأحرقوا العلم الوطني، ومنعوا
الوزراء من التنقل ميدانياً في منطقة القبائل، هؤلاء يُدعَون إلى الحوار ويُترجَّون
أن يقبلوا دعوات الحوار! إنها سياسة الكيل بمكيالين، وهو أسلوب التردي الذي
وصلت إليه السلطة في تعاملها مع الأطراف الوطنية، بينما الشيخ علي بلحاج الذي
يدعو إلى الحل السياسي وإلى الخير والفضيلة وإلى الحريات وإلى كل ما فيه
مصلحة للبلاد والعباد؛ هذا جزاؤه..!
ولأول مرة في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يُضايق ويستدعى شيوخ
الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وتُطرح عليهم أسئلة خاصة بما يتعلق بأحوالهم
الشخصية أو التاريخية التي مكانها الجامعة أو مراكز البحث في التاريخ، وأسئلة
أخرى، وكل ذلك مبالغة في المضايقة والإحراج، وقد بلغنا كما أشرتم أن الإخوة
في الخارج من إطارات الجبهة رفعوا شكوى إلى الأمم المتحدة على موضوع
المضايقات، وكان هذا اجتهاداً منهم من باب غيرة الأخ على أخيه.. وشكراً
لمجلتكم الغراء.
(*) مراسل مجلة البيان في الجزائر.