للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

التنصير.. هل أصاب الهدف؟

(٢ - ٢)

التنصير في إفريقيا

السنغال أنموذجاً

سيدي غالي لو

نبذة عن السنغال:

السنغال إحدى الدول الواقعة في غرب القارة الإفريقية، تحدها شرقاً

جمهورية مالي، وغرباً المحيط الأطلسي، وشمالاً الجمهورية الإسلامية الموريتانية،

وجنوباً الغينيتان (غينيا بيساو وغينيا كناكري) .

تقدر مساحة السنغال بـ ٢٠٠,١٩٦ كلم٢، وعاصمتها دكار، ويبلغ تعداد

سكانها ثمانية ملايين ونصف مليون نسمة [*] ، وأهم القبائل التي يتشكل منها سكان

السنغال هي: الفولانية، والولوفية، والسيرير، والجولا، والسونينكي،

والماندينغ، وتنقسم البلاد إدارياً إلى عشرة أقاليم، ومن أهمها: دكار، وتياس،

وجوربيل، وفاتك، وكولخ، ولوغا، وسين لوي، وتامباكوندا.

وكانت السنغال مستعمرة فرنسية لمدة ثلاثة قرون، ثم حصلت على استقلالها

من فرنسا سنة ١٩٦٠م، وتحتفل بيومها الوطني في الرابع من إبريل. وبعد

حصولها على الاستقلال مباشرة ألَّفت مع جارتها «مالي» ما كان يعرف باسم

«اتحاد مالي» غير أن ذلك الاتحاد كان قصير الأمد؛ حيث تفكك في ١٠/٨/١٩٦م.

والسنغال من الدول المؤسسة لكل من منظمة الفرنكوفونية ومنظمة الوحدة

الإفريقية، كما أنها عضو في هيئة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز ومنظمة

المؤتمر الإسلامي. ونظراً لموقعها الجغرافي المتميز ودورها القيادي البارز في

إفريقيا؛ فإن الغرب يطلق عليها اسم «بوابة إفريقيا» . وكانت هذه البوابة ولا

تزال مدخلاً رئيساً للتنصير في منطقة غرب إفريقيا «.

بداية التنصير في السنغال:

التنصير حركة دينية سياسية استعمارية ظهرت إثر انهزامات الصليبيين،

وتهدف إلى نشر الديانة النصرانية بين الأمم والشعوب وبخاصة المسلمين لإحكام

السيطرة عليهم.

وكانت الحملات التنصيرية مركزة في بدايتها على مناطق النفوذ الإسلامي في

الشرق، ثم امتدت إلى مختلف أقطار العالم. أما منطقة غرب إفريقيا بوجه عام

والسنغال بوجه خاص فقد دخلتها الحملات التنصيرية في القرن الخامس عشر

الميلادي إبَّان الاكتشافات البرتغالية، فهو الوقت الذي وصل فيه المنصرون

الكاثوليك إلى سواحل إفريقيا الغربية وبدؤوا يحتكون بسكان المنطقة من المسلمين

والوثنيين.

ففي عام ١٤٩٣م أصدر البابا الإسكندر السادس إذناً عاماً للبرتغاليين لاكتشاف

مناطق غرب إفريقيا وممارسة التنصير فيها، واستمرت بعد ذلك جماعات

المنصرين تتوارد إلى المنطقة إلى أن أرسلت الكنيسة الرومانية في الثلث الأول من

القرن السابع عشر الميلادي جماعة رهبان كامبوجيين من نورمانديا للتنصير في

السنغال على التحديد. ثم تطور التنصير في السنغال إلى حد تنصيب» ديوانت

DUVANET «رئيساً للأساقفة بالسنغال سنة ١٧٦٣م وكان قد ركز النشاط

التنصيري على سين لوي وغوري. وفي سنة ١٨٢٢م نزلت المنصرة» جاوويه

JAVOUEH «مدينة سين لوي، ومن جهود هذه المبشرة أنها أعادت تنظيم

مدينة سين لوي، وأقامت مدارس كاثوليكية في كل من سين لوي وغوري، كما

أسست جمعية:» أخوات سينت جوزيف «وعادت إلى فرنسا بصحبة ثمانية من

الشبان السنغاليين ليتلقوا تكوينهم الديني في فرنسا.

وكانت البعثات التنصيرية إلى السنغال تابعة للكنيسة الكاثوليكية، أما الكنيسة

البروتستانتية فقد وصلت بعثاتها إلى السنغال من بريطانيا وألمانيا بعد الاستقلال،

ولا زال أتباعها في السنغال أقلية مقارنة بأتباع الكنيسة الكاثوليكية.

وقد ظهر من خلال هذا الاستعراض السريع ارتباط التنصير بالاستعمار

الأوروبي؛ ذلك أن الأوروبيين قد خبروا من تجاربهم المريرة أنَّ محاولات السيطرة

الاستعمارية لا تنجح إلا بالقضاء على المقومات الروحية والمعنوية للأمم المستهدفة

ولا أدل على ذلك من أن أعضاء بعثات التنصير هم خليط من الدول الاستعمارية، كما أن أقدم الكنائس في السنغال قد بنيت في عهد الاستعمار الفرنسي وفي المدن

التي ترسخت فيها قدم الاستعمار مثل سين لوي وغوري ودكار وبارنيه. وهذا هو

ما يؤكده المنصرون أنفسهم. فيقول المنصر» إيليكيا أمبوكولو «في كتابه:» من

المنصرين إلى المكتشفين «:» من الصعب التحدث عن الاكتشاف مع نسيان أخيه

التنصير « [١] . ويقول القسيس الدكتور صمويل زويمر في الخطبة التي ألقاها أمام

مؤتمر القدس التبشيري سنة ١٩٣٥م:» وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح

الاستعماري في الممالك الإسلامية « [٢] ، وأكد الرئيس السنغالي المسيحي السابق

» سينغور «أن» هدفنا ليس تنصير المسلمين بقدر ما هو تلويث عقيدتهم

الإسلامية «.

المنظمات والمؤسسات التي ترعى التنصير في السنغال:

توجد عشرات المنظمات المزعومة بأنها خيرية ترعى التنصير في السنغال،

ومن هذه المنظمات:

١ - شبيبة العمال الكاثوليك، وتعمل في السنغال منذ سنة ١٩٣٩م.

٢ - هيئة الإغاثة العالمية الكاثوليكية، وتعمل في السنغال منذ سنة ١٩٤٧م.

٣ - مجلس الكنيسيات لمجالس الإله (عالمية) دخلت السنغال سنة ١٩٧٢م.

٤ - منظمة الإغاثة الكاثوليكية الأمريكية، وقد دخلت السنغال سنة ١٩٧٣م.

٥ - دابليو إف دي (W. F. D) ألمانية دخلت السنغال سنة ١٩٧٥م.

٦ - أرض الرجال» TERR DES HOMMES « (فرنسية سويسرية)

دخلت السنغال سنة ١٩٧٩م.

٧ - البعثة الإنجيلية النرويجية (نرويجية) دخلت السنغال سنة ١٩٨٣م.

٨ - وورلد فيزيو إنترناشيونال (عالمية) دخلت السنغال سنة ١٩٨٤م.

٩ - الاتحاد المسيحي للشبان (عالمية) دخلت السنغال سنة ١٩٨٤م.

١٠ - البعثة الإنجيلية (أمريكية) دخلت السنغال سنة ١٩٨٥م.

١١ - الكنيسة الإنجليزية اللوثرية (بريطانية) دخلت السنغال سنة ١٩٨٤م.

١٢ - البعثة المعمدانية (أمريكية) دخلت السنغال سنة ١٩٨٤م.

١٣ - ليون كليب إنترناشيونال LIONS CLUB INTERNATIONAL

(عالمية) .

١٤ - مؤسسة إليزبيت جوف (باسم زوجة الرئيس السابق) ، وهي تقوم

مقام وزارة الشؤون الاجتماعية في السنغال.

إلى غير ذلك من المنظمات العاملة في الساحة السنغالية لخدمة التنصير

والمدعومة من الدول الغربية بميزانيات ضخمة وعدد كبير من الموظفين.

الوسائل والأساليب:

تعتمد حركة التنصير على عدة وسائل وأساليب لتحقيق أهدافها، ومن أهمها:

١ - بناء الكنائس:

ويرتبط تاريخ الكنيسة في السنغال بالاحتلال الأجنبي للبلاد؛ حيث كانت

الكنيسة ضمن أسلحة المستعمر. وعلى الرغم من عدم توافر إحصاءات دقيقة لدينا

عن عدد الكنائس التي بنيت في السنغال حتى الآن فإن الدلائل تدل على كثرتها.

ومن الملفت للنظر أن النصارى في السنغال لا يراعون في بناء كنائسهم حاجة

المسيحيين إليها، بل يقيمون بعض الكنائس في مناطق لا وجود لهم فيها سعياً منهم

لإظهار الوجود المسيحي في بلد تقل نسبتهم الحقيقية فيه عن ٤%.

وقد تم بناء أول كنيسة في السنغال في غوري سنة ١٤٨٢م، وفي سنة

١٨٢١م تم تشييد كنيسة في مدينة سين لوي، وفي سنة ١٨٤٦م بدؤوا ببناء

صومعة في دكار. ومن أقدم الكنائس في السنغال كنائس غوري وسين لوي ودكار

وغازوبيل وفاتك وجنغولور وجروب وكولخ وزيغنشور ومورولاند وتياس وجوال.

٢ - إنشاء مراكز تكوينية:

لقد اهتم المنصرون بإنشاء مراكز تكوينية متقدمة لتخريج القساوسة والرهبان

في السنغال، ففي سنة ١٨٥٠م فتحوا مركزاً لتكوين القساوسة الأفارقة في

» غزوبيل «، وفي سنة ١٨٥٧م تم إنشاء مركز آخر لتكوين القساوسة على

مستوى غرب إفريقيا في مدينة سبيقوتان التي تبعد عن مدينة دكار بحوالي ٤٠ كيلو

متراً، كما تم فتح مركز» أخوات سنيت جوزيف «في سين لوي لتنصير

البنات.

٣ - إقامة مؤسسات تعليمية:

لقد أدرك المنصرون خطورة التعليم، فاتخذوا منه أسلوباً لسلخ المسلمين عن

عقيدتهم وطبعهم بالطابع النصراني. وقد أنشؤوا في السنغال مؤسسات تعليمية

نصرانية من حضانات وروضات للأطفال ومدارس ومعاهد عليا. وتتمثل الخطورة

الكامنة وراء هذه المؤسسات في أن الغالبية العظمى من الذين يتلقون بها العلم هم

من أبناء المسلمين، يتخرجون منها وقد حملوا أسوأ فكرة عن دينهم ووطنهم، إنك

تسأل أي تلميذ تخرج من هذه المؤسسات عن بدهيات الإسلام وأركانه، وعن سيرة

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياة الصحابة رضي الله عنهم وعلماء الإسلام

وأبطاله؛ فتجده لا يعرف عن ذلك شيئاً، وإذا سألته عن أدق المعلومات عن أوروبا

أو أمريكا أجابك على الفور!

وهكذا نجحت هذه المؤسسات في تنشئة أجيال وإيجاد شخصيات مسلمة

ممسوخة لا يربطها بالإسلام إلا أسماؤها؛ فترى محمداً يحمل فكر» جان أو بول «،

وفاطمة لا تميزها عن» مادلين «، وتكون الظروف مواتية لأن تتبوأ هذه

الشخصيات مكان الصدارة ومراكز النفوذ والحكم، فتكون بطبيعة الحال أداة طيعة

لأعداء الإسلام. وقد وصل عداؤهم للإسلام إلى طرد أية بنت مسلمة ترتدي

الحجاب في مدارسهم.

٤ - الخدمات الاجتماعية:

لقد استغل المنصرون الثالوث البغيض الجهل والفقر والمرض والكوارث

الإنسانية للقيام بالتنصير تحت ستار الخدمة الإنسانية، فأقاموا على طول السنغال

وعرضها مستوصفات ومستشفيات، وملاجئ للأيتام ودوراً للُّقطاء ومراكز للرعاية

الاجتماعية. كما أنشؤوا عدة جمعيات شبابية ونسوية تُوظف لأغراض تنصيرية.

وتقوم المنظمات التنصيرية بتوظيف آلاف من الشباب وتدريبهم في شتى المجالات

ودعم مشروعاتهم الاستثمارية.

٥ - وسائل الإعلام:

يتمتع المسيحيون بنفوذ كبير في وسائل الإعلام في السنغال، ويشرفون على

عدة برامج تنصيرية عبر التلفزيون والإذاعة الوطنية والإذاعات الحرة. كما أن

وسائل الإعلام المقروءة من جرائد ومجلات تخدم أهداف التنصير، ويقومون

بترجمة حلقات التنصير إلى اللغات المحلية، وبعض هذه الوسائل الإعلامية تقوم

بهذه الأعمال دون وعي.

٦ - القنوات الدبلوماسية:

تتستر حركة التنصير وراء القنوات الدبلوماسية لتحقيق أهدافها. ومن المعلوم

أن للفاتيكان بعثات بابوية بدرجة السفارات في معظم دول العالم، وهذه البعثات لا

همَّ لها سوى الإشراف على المؤسسات التنصيرية وتنشيط حركة التنصير في العالم

ويوجد مقر بعثة الفاتيكان في قلب العاصمة السنغالية دكار بالقرب من الكاتدرائية

الكبرى، أضف إلى ذلك أن معظم سفارات الدول الغربية في العاصمة السنغالية

دكار لها ملحقات تسمى بأنها ثقافية تقوم بنشاطات تنصيرية خطيرة، مثل المركز

الثقافي الفرنسي، والمركز الثقافي البريطاني، والمركز الاجتماعي الياباني.

ومما يندى له الجبين أنه لا يوجد حالياً في سفارات الدول العربية والإسلامية

في دكار ملحقات ثقافية أو دينية تهتم بشؤون الإسلام والمسلمين.

نتائج التنصير في السنغال (نجاح أو إخفاق) ؟ :

تختلف نتائج التنصير وآثاره من منطقة لأخرى وفقاً للخطة المرسومة للحركة

التنصيرية في كل منطقة؛ ذلك أن المنصرين يهدفون من وراء عملهم إلى تحقيق

النتائج الآتية:

١ - نقل المسلمين من الإسلام وحملهم على اعتناق المسيحية.

٢ - إفساد المسلمين عقائدياً وخلقياً وزعزعة القيم الإسلامية في نفوسهم.

٣ - تحقيق الربح المادي والمكسب السياسي.

أما الهدف الأول، وهو نقل المسلمين من الإسلام إلى المسيحية، فقد أخفق

المنصرون إخفاقاً ذريعاً في تحقيقه، فنادراً ما يسجل في السنغال أن مسلماً قد تنصر

وارتد عن الإسلام، اللهم إلا بعض الحالات التي تحدث من قِبَل أشخاص مستخفين

بالدين يفعلون ذلك لتحقيق غايات شخصية.

وبالعكس فإن كثيراً من المسيحيين في السنغال يعتنقون الإسلام حتى أولئك

الذين كانوا محل آمال الكنيسة، مثل سكرتيرة الكاردينال تياندوم التي كانت مقربة

جداً إليه لما منّ الله عليها من مواهب عقلية وفكرية، فأدى بها استعمال هذه

المواهب إلى اعتناق الإسلام بفضل الله وتوفيقه. كما أن كفة الإسلام قد رجحت

على كفة المسيحية من حيث القدرة على جذب الوثنيين واستقطابهم. ولذا فإن أتباع

الكنيسة في السنغال إما مسيحيون وراثة، أو وثنيون اعتنقوا المسيحية فيما بعد،

أما أن يكون فيهم مسلمون متنصرون فلا تكاد تجد من بينهم إلا قليلاً. كما أن غالبية

النصارى في السنغال من قبائل الجولا والمانكانج والسيرير وهي القبائل الأشد تشبثاً

بالوثنية.

وإنما نجحت حركة التنصير في السنغال في تحقيق الهدف الثاني المتمثل في

إفساد عقيدة المسلمين وزعزعة القيم الإسلامية في نفوسهم، وذلك ما أوصى به

القسيس صمويل زويمر في مؤتمر القدس التنصيري عام ١٩٣٥م؛ حيث قال:

» المهمة التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليس هي إدخال

المسلمين في المسيحية؛ فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم أن تخرجوا

المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، ومن ثَمَّ لا صلة تربطه بالأخلاق

التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، إنكم أعددتم شباباً في ديار الإسلام لا يعرفون

الصلة بالله ولا يريدون أن يعرفوها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في

المسيحية. وبذلك جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده الاستعمار لا يهتم للعظائم

ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم

فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل

الشهوات يجود بكل شيء « [٣] .

وبالتحالف مع قوى الاستعمار تحقق لهم فعلاً ما أرادوا من طبع المجتمع

السنغالي بالطابع العلماني وإبعاد الإسلام عن مجال الحياة كل الحياة: السياسية،

والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية.

أما المكاسب المادية والسياسية التي حققها المنصرون في السنغال فحدث عنها

ولا حرج؛ فقد أقاموا على طول البلاد وعرضها شبكة واسعة من المؤسسات

التعليمية والمراكز الصحية والاجتماعية والمشروعات الاقتصادية التي تدر لهم

ملايين الفرنكات متسترين تحت شعار خدمة المجتمع.

ولنضرب مثالاً لذلك بمدينة تياس: ففي هذه المدينة يوجد حي كامل هو أشبه

بمدينة مسيحية، ويضم الكنيسة الكبرى في تياس، ودور العلم من الحضانة إلى

الثانوية صممت على أحدث طراز، كما فيه مستشفى» سينت جان دي جيه «الذي

يفوق المستشفى الإقليمي الحكومي بتياس في بنائه وتجهيزاته، كما يضم عدداً من

المراكز الاجتماعية، وعدداً من الأندية الشبابية والنسوية، وأقساماً داخلية للتلامذة

الذين يلتحقون بالمدارس الكاثوليكية وغير الكاثوليكية بتياس، كما يوجد فيه المقر

الإقليمي لمنظمة» كاريتاس «هيئة الإغاثة العالمية الكاثوليكية التي تقوم بدور بارز

في دعم برامج التنصير وتمويل المشروعات الاستثمارية للشباب والنساء.

دور الجمعيات المحلية في مواجهة التنصير:

على الرغم مما جندته حركة التنصير من طاقات مادية وبشرية وما تمتلكه من

وسائل متنوعة لمحاربة الإسلام في القارة الخضراء فإنها لم تجد الطريق أمامها

مفروشة بالورود، بل واجهت عمليات جهاد كبيرة ومقاومة عنيفة من مسلمي القارة

، ولا سيما أن أبناء القارة قد أدركوا منذ الوهلة الأولى أن حركة التنصير متحالفة

مع حركة الاستعمار التي جاءت لاحتلال أراضيهم وتدمير عقيدتهم وحضارتهم.

ومن ثم شهدت معظم مناطق إفريقيا ملاحم بطولية حقق المسلمون فيها انتصارات

باهرة على حركة التنصير وجيوش الاستعمار.

وقد ظلت السنغال منذ القرن السابع عشر الميلادي بؤرة لصراع عقدي محتدم

بين الإسلام من جهة والمسيحية والاستعمار من جهة ثانية. وقد مرت المقاومة

الإسلامية ضد التنصير والاستعمار في السنغال حتى الآن بثلاث مراحل:

أ - مرحلة المواجهة العسكرية (الجهاد) :

وتبدأ من القرن السابع عشر حتى العقد السادس من القرن التاسع عشر

الميلادي، ومن أبرز النماذج الإسلامية لهذه المرحلة الداعية المجاهد: الحاج عمر

الفوتي تال (١٧٩٥ ١٨٦٤م) الذي انقاد وراءه باسم الجهاد عدد كبير من المسلمين،

وامتد نفوذه من حوض نهر السنغال إلى جبال فوتا جالون في غينيا كناكري إلى

ضفاف نهر النيجر و» ماسينا «في مالي. والإمام: سليمان بال مؤسس دولة

» ألمام «ويعني الأئمة نسبة إلى الأئمة الذين كانوا قوادها، ومنهم الإمام عبد القادر

حامد كان المتوفى سنة ١٧٦٩م.

ومباجاخوبا الذي كان له نفوذ كبير في حوض غامبيا، ومحمد الأمين درامي

الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في حوضي» باكو «و» بافولابي «.

ب - مرحلة الدعوة بالكلمة (الحرب الباردة) :

وتبدأ من القرن التاسع عشر الميلادي حتى منتصف القرن العشرين. وقد

تميزت هذه المرحلة بالحفاظ على الإسلام حياة روحية وثقافية وتعزيز وجوده في

البلاد، ومن رواد هذه الحقبة الشيخ الحاج مالك سي المتوفى سنة ١٩٢٢م، والشيخ

الحاج عبد الله أنياس المتوفى سنة ١٩٢٢م، والشيخ أحمد بامبا المتوفى سنة

١٩٢٧ م [٤] .

وإنما عزف المسلمون عن المواجهة العسكرية في هذه الفترة تكيفاً مع

الظروف بعد استعراض نتائج الجهاد في المرحلة السابقة، وبعد الاقتناع بأن

الاستمرار في المواجهة العسكرية يعرض الوجود الإسلامي للخطر. وقد تمكن

شيوخ الإسلام خلال هذه المرحلة من إقامة عدد كبير من خلاوي تحفيظ القرآن

الكريم وبناء مساجد وزوايا، كما تمكنوا من جلب كثير من الناس إلى اعتناق الدين

الإسلامي.

وإزاء هذا الزحف من العمل الإسلامي غير المسلح لجأ المستعمر المتحالف

مع التنصير إلى أسلوب خبيث تمثل في اتهام الدعاة المسلمين بتحريض الناس على

العصيان وتعبئتهم للجهاد المسلح ضد الاستعمار، ومن ثم تم نفي بعضهم خارج

السنغال ووضع بعضهم الآخر تحت الإقامة الجبرية ومضايقة الآخرين. وصدق الله

إذ يقول: [إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ

وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ] (الممتحنة: ٢) .

غير أن سياسة العصا الغليظة هذه لم تنجح في وقف المد الإسلامي وصرف

زعماء الإسلام عن الدعوة، بل زادت من حماستهم ومن سرعة انتشار الإسلام مما

اضطر أعداء الإسلام إلى استبدال هذه السياسة بالإغراء والمهادنة وعقد الصلح

والتفاهم مع زعماء الإسلام إلى جانب إعداد عينات محلية وتسخيرها لتحقق مآربهم.

ج - مرحلة الصحوة وقيام المؤسسات:

وتبدأ من بداية النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي إلى الوقت الراهن،

وقد تميزت هذه المرحلة بـ:

١ - عودة أفواج طلاب العلم من الجامعات الإسلامية والعربية.

٢ - تأسيس جمعيات إسلامية.

٣ - انتشار المدارس الإسلامية والعربية.

٤ - قيام عدة محاولات لإيجاد حركة إسلامية شاملة.

٥ - فتح مكاتب لهيئات إسلامية عالمية.

وإنما تميز العمل الإسلامي خلال هذه المرحلة بالمميزات للأسباب الآتية:

١ - تأثر الطلاب العائدين من الدول العربية بالحركات الإسلامية المعاصرة

وخاصة في مصر والجزائر.

٢ - رغبة خريجي الجامعات والمعاهد العربية في التفاعل مع المجتمع عن

طريق التعليم.

٣ - تنصل الحكومة مؤخراً عن دمج المثقفين بالعربية في الوظائف الحكومية

مما دفع كثيراً منهم إلى فتح مدارس حرة.

٤ - حصول الدولة على الاستقلال سنة ١٩٦٠م، وتخفيف القيود الصارمة

التي كانت السلطات الاستعمارية قد وضعتها لمحاربة التعليم الإسلامي والعربي

والحيلولة دون تأسيس جمعيات إسلامية.

وبناء على تلك المعطيات ذخرت السنغال بعد فترة وجيزة من حصولها على

الاستقلال بعدد كبير من الجمعيات والمراكز الإسلامية التي عززت وجود الإسلام

في السنغال. غير أن تعدد هذه الجمعيات قد أدى مع الأسف الشديد إلى التشرذم

والتفرق بدلاً من التعاضد والتنسيق لمواجهة العدو المشترك.

وخلاصة القول: أن دور الجمعيات الإسلامية في درء أخطار التنصير في

السنغال كان ولا يزال ضعيفاً لعدة أسباب أهمها:

١ - ضعف التنسيق بين هذه الجمعيات في ظل تضافر الجهود بين

المؤسسات التنصيرية.

٢ - عدم تركيزها على الأولويات واشتغالها بالمفضول دون الفاضل.

٣ - افتقار العناصر القيادية لكثير من الجمعيات إلى ثقافة إسلامية مؤصلة

وكفاءة إدارية.

٤ - كون بعض الجمعيات أسماء بلا مسميات ولا وجود لها في الساحة،

وإنما تُستغل لتحقيق مصالح شخصية بحتة.

٥ - ضعف الإمكانات المادية للجمعيات الإسلامية مقارنة بالإمكانات الكبيرة

للمؤسسات التنصيرية.

٦ - تمتُّع المؤسسات التنصيرية بامتيازات كبيرة لاحتمائها وراء الهيئات

الدولية والقنوات الدبلوماسية والرسمية بخلاف الجمعيات الإسلامية.

٧ - غياب زعامة إسلامية موحدة للإشراف على شؤون الإسلام والمسلمين

في السنغال.

موقف الدولة من التنصير:

نستطيع أن نؤكد أن حركة التنصير ما كانت لتحقق مختلف الإنجازات التي

حققتها في السنغال لولا الدعم اللامحدود والامتيازات الكبيرة التي تتمتع بها كافة

مؤسساتها من قِبَل الدولة والقوى العالمية، كما أن السياسة» العلمانية «المطبقة في

البلاد إنما تخدم مصالح الأقلية المسيحية على حساب الغالبية المسلمة؛ ذلك أن

المستعمر الفرنسي الذي عبّد الطريق لسياسة الدولة قبل منحها الاستقلال كان قد

وضع في الحسبان تقوية عقيدة المستعمر المسيحية واحتواء الإسلام، ولا زالت

مقولة الحاكم الفرنسي» وليام بونتي «في عام ١٩١٠م:» علينا أن نتجنب كل ما

يعزز نشر دين لا يؤمن معتنقوه بمبادئنا «هي المطبقة من قِبَل بني جلدتنا اليوم.

وبالإضافة إلى هذا فإن النظام السياسي المتبع في الدولة يخدم الكنيسة في

جميع المجالات:

- فالتعليم لا صلة له بالإسلام.

- والشؤون الاجتماعية تُستغل لدعم المراكز التنصيرية.

- والإجازة الأسبوعية يوم الأحد وهو يوم القداس للمسيحيين.

- أما التاريخ المعتبر فهو التاريخ الميلادي.

- والصليب الأحمر مكان الهلال الأحمر.

- جميع الأعياد نصرانية، ما عدا عيد الاستقلال ٤ إبريل، وعيد العمال

فاتح مايو، وعيدين إسلاميين، ويومين آخرين يحتفل بهما بعض المسلمين.

- جميع المدارس المسيحية معترف بها ومدعومة من طرف الدولة، ولا

توجد مدرسة إسلامية واحدة معترف بها إلا إذا التزمت بتطبيق النظام العلماني في

التعليم.

- الاعتراف بالجمعيات النقابية والحركات الكشفية والشبابية ذات الاتجاه

المسيحي دون سواها.


النشاط التنصيري في إفريقيا:
- ١.٦٠٠ مستشفى، ٥.١١٢ مستوصف، ١.٠٥٠ صيدلية، ١٢٠ ملجأ
للمرضى، و ٩٨٠ دار لإيواء الأيتام والعجزة والأرامل.
- عدد الكتب التنصيرية المطبوعة بلغات مختلفة ٨٨.٦١٠ عنوان، ونشر
منها مئات الملايين
- عدد المجلات الكنسية الأسبوعية فقط أكثر من ٢٤.٩٠٠ مجلة متنوعة،
يوزع منها ملايين النسخ!
- عدد النشرات التنصيرية ٧٠٠.٠٠٠ نشرة، يوزع منها عشرات الملايين.
- إعلام التنصير: عدد المحطات الإذاعية والتلفازية ٢.٣٤٠ محطة، تعمل
ليل نهار لنشر تعاليم الإنجيل وخدمة التنصير في مناطق التجمعات والأقليات
المسلمة على وجه الخصوص!
- معاهد التنصير: عدد معاهد التنصير في العالم أكثر من ١٢٠.٠٠٠ معهد،
كما تشرف الكنيسة في إفريقيا على نحو ١١.٠٠٠ روضة أطفال تلقنهم فيها
التنصير.
[عن تقرير للندوة العالمية للشباب الإسلامي]
- البيان -