للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ركن الأسرة

حليب الأم.. مزايا لا تُعَدُّ

د. محمد هليِّل

عندما نركز جُل اهتمامنا على حليب الأم، وعندما نستحث الأمهات على

إرضاع أطفالهن حليبهن فإننا ندعوهن إلى الفطرة؛ فهذا الحليب الذي أجراه الله في

صدر المرأة ما خلقه الله عبثاً - تعالى الله - ولكن كما يقول - جل شأنه -[إنَّا

كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ] [القمر: ٤٩] ، ويقول كذلك: [فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ]

[المرسلات: ٢٣] .

إن الصيحات التي بدأت تتعالى في الغرب تزداد يوماً بعد يوم تهيب بالأمهات

أن يعُدن إلى الرضاعة الطبيعية وأهمية حليب الأم بعد دراسات علمية كثيرة أكدت

هذه الميزات، فعلينا أن نعتبر بهم ومنهم وألا نبدأ من حيث بدأوا، بل من حيث

انتهوا.

قبل أن نعرج على مزايا حليب الأم لابد أن ننوه أن جميع أنواع الحليب

المتوفرة في السوق - إلا ما ندر - هي حليب حيواني المصدر، يؤخذ عادة من

الأبقار وتُجرى عليه بعض التعديلات التي يحاول بها العلماء جاهدين مضاهاة حليب

الأم.

ومع هذا تظل هناك فروق قائمة بين الحليب المعدل (الحليب الصناعي)

وحليب الأم. يطلق على الحليب المعدل اسم الحليب المُؤَنْسَن (Humanized) ...

وهي تعني الحليب الذي يشابه حليب الإنسان.

إن مزايا حليب الأم كثيرة نوجز بعضها في النقاط التالية:

١- مزايا في التركيب (النوعية) :

ليس همنا أن نجهد ذهن القارئ بتفاصيل دقيقة عن الفرق بين حليب الأم

والحليب المعدل ولكن الأمثلة التالية توضح الهدف من قصدنا:

إن حليب الأم يختلف عن الحليب المعدل، حتى بعد إجراء التعديلات كافة

عليه؛ فكمية البروتينات والأملاح في الحليب المعدل لا تزال أعلى بكثير منها في

حليب الأم وهذه الزيادة ليست هي الزيادة المحمودة، فارتفاع كمية الأملاح يزيد من

الجهد الواقع على كُلى الرضيع والوليد لطرح هذه الأملاح خارج الجسم.

إن بعض الدراسات الطبية بدأت تحاول ربط ارتفاع ضغط الدم المجهول

السبب - عند بعض الكبار -بزيادة كمية الأملاح المتناولة في الصغر، الا أن هذا

الربط ليس قطعي الثبوت لحد الآن.

مثال آخر: إن البروتينات الموجودة في الحليب المعدل هي أكبر كمية،

وتختلف نوعية عن تلك التي في حليب الأم. فهي أعسر هضماً لما تكوّنه من خثارة

كبيرة الحجم نسبياً في معدة الطفل الرضيع بعد تناوله الحليب المعدل، وهذا الحليب

المتخثر أعسر هضماً وبالتالي فإن الطفل الرضيع (يُرْجِع) جزءاً كبيراً من الحليب

المتناول، هذا كثيراً ما تشكو منه الأمهات اللاتي يرضعن أطفالهن حليباً معدلاً.

أضف إلى ما سبق أن تناسب بعض الأملاح في حليب الأم - كالكلس

والفسفور - هو تناسب مثالي، فعلى الرغم من أن كميتي الكلس والفسفور أقل في

حليب الأم عنهما في الحليب المعدل، إلا أن نسبة الأول إلى الثاني هي نسبة مثلى

تجعل امتصاص كل منهما عالياً جداً، فلا يعيق أحدهما امتصاص الآخر كما هو

الحال في الحليب المعدل لاختلال النسبة بينهما.

أما المثال الثالث: فإن حليب الأم يحتوي على مواد تساعد على امتصاص

بعض المعادن الموجودة في الحليب - كالحديد مثلاً - بشكل كبير على الرغم من

قلة كميته فيه، إذا ما قورن بالحليب المعدل الذي يحوي كمية أكبر ولكن

الامتصاص أقل بكثير.

٢- النظافة والتعقيم:

حليب الأم السليمة يخلو من أي جرثومة، وذلك أنه يتدفق من جسم الأم إلى

فم الطفل فلا مجال لتلوثه. بعكس الحليب الذي يحضّر في عدة أوانٍ وبمر بعدة

خطوات من غلي الماء، وتبريده، ومزج الحليب بالماء ... الخ وكل خطوة من

هذه الخطوات قد تكون مصدراً من مصادر تلوث الحليب؛ لذا فإن معدل إصابة

الأطفال الذين يتناولون مثل هذا الحليب - الذي يحتاج إلى عدة خطوات في

التحضير والإعداد - عالٍ نسبياً، كما أن مجال الخطأ في كمية الحليب المضافة إلى

الماء من زيادة أو نقص أمر وارد الحدوث عند تحضير الوجبة مما يضر بالرضيع

في كلتا الحالتين.

مهم جداً أن نتذكر أن حليب الأم يحوي مواد تمنع بشكل غير مباشر الإصابة

بالالتهاب المعوي الحاد؛ لذا تندر إصابة الأطفال الذين يرضعون حليب أمهاتهم أن

يصابوا بمثل هذه النزلات المعوية.

٣- مقاومة الأمراض:

يحتوي حليب الأم المتدفق في الأيام الأولى بعد الولادة - حليب اللبأ - على

كميات كبيرة من الأجسام المضادة والخلايا البيضاء والأنزيمات والخمائر وبعض

البروتينات التي تقي الطفل كثيراً من الأمراض، وهذه الميزة مقتصرة على حليب

الأم فقط.

٤- اليسر وسهولة التحضير:

حليب الأم يسهل الحصول عليه، ولا يحتاج من الأم جهداً في التحضير -

سواء في الليل أو النهار، داخل أو خارج البيت - يقارن هذا بالوقت والجهد اللازم

لتحضير وجبة حليب مع ما يلزم من (معدَّات) التحضير، خصوصا خارج البيت، أو تحضير وجبة حليب لطفل جائع بعد منتصف الليل!

إن حليب الأم يتدفق من جسم الأم إلى فم الطفل بدرجة حرارة مناسبة فلا

يحتاج إلى تسخين.

٥- التكلفة الاقتصادية:

إن التكلفة الاقتصادية الشهرية لعائلة ترضع طفلها حليباً حيوانياً معدلاً لا

تقارَن بما تكلفه الرضاعة الطبيعية التي لا تكلف شيئاً إضافياً البتة.

٦- حليب الأم معقَّم ومعقِّم:

حليب الأم يحتوي على مواد تعقم أمعاء الرضيع والوليد من الجراثيم الضارة

كما أن حليب الأم يحمي الرضيع من الإمساك الذي ينتشر بين الأطفال الذين

يتناولون حليباً معدلاً.

٧- حليب الأم يساعد الرضيع على الشبع بطريقة مضبوطة:

إذ تزداد كمية الدهون في الجزء الأخير من حليب الأم المتدفق أثناء وجبة

الرضاعة، وهذه الدهون التي تختلف نوعاً وكماً عنها في الحليب المعدل - تمنح

الرضيع الشعور بالشبع.

٨- الراحة النفسية والإشباع العاطفي:

إن الرضاعة الطبيعية تعطي الطفل شعوراً بالأمان أثناء حمل أمه له،

وإرضاعها إياه، وهذا الترابط العاطفي يزداد بين الأم والطفل يوماً بعد يوم وهو

مهم جداً في تكوين الطفل من الناحية العاطفية والسلوكية.

٩- التحسُّس:

الأطفال الذين يتناولون حليباً معدلاً - حيواني المصدر - معرضون للإصابة

بأمراض مقتصرة عليهم فقط مثل عدم احتمال حليب البقر أو الإصابة بالتحسس

لحليب البقر. كما أن أمراضاً أخرى - كالأكزيما ومغص الرضع - أكثر شيوعاً

عند مثل هؤلاء الأطفال.

١٠- حليب الأم أكثر أماناً وسلامة من الحليب المعدل:

وذلك لتدني نسبة الأمراض التي قد تصيب الرضيع في الحالة الأولى عنها في

الحالة الثانية. والأمراض التي قد تشيع بين الأطفال الذين يرضعون حليباً معدلاً

هي:

١- الالتهابات المعوية الحادة والمتكررة.

٢- أمراض سوء التغذية.

٣- توقف النمو والهزال.

٤- لين العظام (الكساح) .

٥- بعض أنواع الجفاف (Hyperosmolar Dehyration)

٦- أمراض نقص الكلس مثل: (Neonatal Tetatny)

٧- سوء الامتصاص (Malabsorption)

هذه مزايا الحليب الطبيعي ومردوده على الطفل الرضيع. أما الرضاعة

الطبيعية - بالإضافة لهذا - فإنها تعود بالنفع على الأم وذلك:

١- يمنح الإرضاع الطبيعي الأم راحة نفسية وطمأنينة تغمرانها، ويسبغ

عليها ثقة بنفسها تملأ عليها إحساسها باكتمال أنوثتها وأمومتها.

٢- أن الإرضاع كفيل - عند معظم النساء - بالعمل كإحدى وسائل منع

الحمل طيلة فترة الرضاعة، وهذا يقي الأم من الإجهاد الناجم عن تكرار الحمل في

فترة قصيرة. وهو أيضاً يعين الأسرة على تنظيم الإنجاب، كما أنه يعطي الطفل

فرصة كافية من التغذية الجيدة من حليب الأم، والغذاء العادي، مما يقيه أمراض

سوء التغذية. ومهم جداً أن نعلم أن المصادر الطبية تنصح بالرضاعة لمدة سنتين!!

٣- لقد أظهرت بعض الدراسات الطبية أن معدل إصابة النساء بسرطان

الثدي أعلى عند النساء اللواتي لم يرضعن أطفالهن إذا ما قورنت بالمرضعات وهذه

النسبة تقل كلما ازدادت معدلات الإرضاع.

٤- أن الإرضاع في الأيام الأولى - التي تلي المخاض - يساعد الأم على

وقف نزيف دم الولادة، وذلك أن الرضاعة تحث الغدة النخامية على إفراز مواد

تزيد من انقباض عضلات الرحم مما يمنع النزف.

إننا لم نقصد بذكر هذه المميزات أن نحصرها بل على سبيل التذكير، وإن

كنا قد ألقينا الضوء على بعض التفصيلات التي اقتضاها المقام لإعطاء فكرة أكثر

وضوحاً.

* يتبع *