الافتتاحية
[حصاد عام]
انصرم عام من تاريخنا الإسلامي الهجري وكان حصاده - في مجمله -
نصراً للإسلام والمسلمين. وبداية تشير إلى غروب شمس الباطل! وانهيار قواه.
إن الكثير من المسلمين لا يكادون يرون هذه الحقيقة، وذلك لأن المصائب
التي توالت على الأجيال، وتعدد آلام المسلمين الملمّة من وقت إلى آخر جعل
المسلمين لا يفرحون بما يُفرح ولا يشعرون أنهم حققوا نصراً وأثراً جباراً، لأن
يأسهم قد طال، وخابت آمالهم، فلم يعد يحمل الزمن لهم إلا مؤشر الحزن وانعدام
الأمل حتى حين يبزغ الفجر الصادق يقولون: لا إنه الفجر الكاذب.
أما إنه فجر صادق ولله الحمد، هو فجر للأمة المسلمة ونصر لها. ولم يعد
أمر الإسلام أمر أفراد بل أمة كاملة تعيش قضاياها وتحيا دينها وقد كان في الماضي
أمر قلة واعية داعية معلنة مرة ومستخفية غالباً.
عشرات الملايين من المسلمين في الجمهوريات الإسلامية نالت استقلالها
وانكسر جدار الشيوعية الذي سجنت فيه قرابة سبعين عاماً، وسقط الحكم الشيوعي
في أفغانستان، وتهاوت الأنظمة الشيوعية في البلقان، والتي خنقت مسلمي ألبانيا
ويوغسلافيا وبقية الأقليات المسلمة في أوربا الشرقية نحو نصف قرن من الزمان.
وهذه الأحداث بكل المقاييس انتصارات للشعوب المسلمة وبداية مرحلة جديدة
في تاريخ الأمة المسلمة، يفتح الطريق أمامها لتحديد هويتها ومعرفة انتمائها
العقائدي والسياسي، وإن كانت حالتها الآن تشبه حالة معظم العالم الإسلامي غداة
خلاصه من الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي حين وجد نفسه مباشرة في
مواجهة تقرير مصيره وهو لا يعرف نفسه وكان الكثير من قادة الاستقلال بلا هوية
ولا لون تتنازعهم القومية والشيوعية والتبعية الغربية أو الشرقية، وتجمعهم راية
واحدة هي فقدان الهوية حيث لم يجرؤ أحدهم بأن يقف موقفاً إسلامياً حقاً ويوفر
الوقت والجهد من الضياع.
هذا هو الذي تواجهه الشعوب الإسلامية الخارجة من السجن الروسي فهي
تذوق طعم الحرية لأول مرة ولكنه مخلوط بحرارة الاختلافات الداخلية والحروب
العنصرية وتناقض وجهات الولاء الجغرافي والعقائدي. في جوف هذه الشعوب
آلاف العملاء، وآلاف السذج، وآلاف من العنصرين القبليين وآلاف من الدعاة
الهداة المخلصين.
والخارج من السجن الطويل يصعب عليه جداً أن يحيا حياة الناس الطبيعية
فهو ينكر داره وينكر أهله، غريب في وجه جيرانه وهم غرباء في وجهه، لم يألف
الحرية. لم يعرفها ويتمنى الاستقرار والحياة الرتيبة حتى إن شابهت التي كانت في
السجن. لقد خرج من السجن فرحاً خائفاً لأنه يخاف من الخارج الغريب عليه
والذي لم يسبق أن تعامل معه ولا يدرك معنى واضحاً لحياته اليومية ولا لعلاقاته
الشخصية. لهذا تتملك الحدة هذه الشعوب ويغلب عليها الخوف من الغريب
وتضعف ثقتها في الدور الذي يمكن لها ممارسته.
وهذا القول يقع على القيادات التي كانت شيوعية موالية لروسيا وللقيادات
الوطنية الجديدة، أما الشعوب المسلمة فإنها بلا شك لديها إحساس - قد لا يكون
واضحاً - بهويتها وبإخوانها في العالم الإسلامي الواسع الذي بُترت منه ردحاً من
الزمن. وهذه المرحلة مرحلة عدم اتضاح التوجه وغبش الطريق مرحلة تكاد تكون
طبيعية لأمة بعد الطريق بها عن متابعها وقل المعين لها على الحق ولا تجد في
الواقع الإسلامي بدائل تقتدي بها ولا قيادة تهتد بها ولا تجمعاً دولياً إسلامياً يحترمها
ويستحق أن تعطى له الثقة والولاء.
على الرغم من كل تلك السلبيات في العالم الإسلامي مثل عدم استقرار الأمور
في أفغانستان وعلى الرغم مما يحدث للمسلمين في البوسنة والجزائر وتونس
وبورما والفلبين وغيرها، فإن هذه الأمثلة نفسها تحمل دلالات الخير والنصر في
نفس الوقت. هذه الأزمات حدثت في أغلبها لأن هذه الجماهير المسلمة في البلدان
المذكورة، حددت طريقها، واستجابت لنداء الحق وعرفت من هي وما هي هويتها
وبقي السجانون وجلاوزتهم يصرون على تدمير هذه الشعوب ومصادرة حقها في
الاختيار وسعيها لتحقيق أمر الله وشرعه، ولكن الباطل لن يستطيع أن يستمر في
المواجهة وقد هدمت رموزه الجبارة، وبقية رموز الباطل في تهاوٍ بإذن الله.
والمكسب الحق أن المسلمين عادوا إلى رشدهم وإلى كتاب ربهم وهدي
رسولهم - صلى الله عليه وسلم - وهذا المكسب هو أعظم المكاسب في دنياهم
وآخرتهم وهبها لم تحقق كل آمال المسلمين في وحدتهم وانتصارهم المادي فإنهم حقاً
قد انتصروا وكسبوا حين وحدوا الله وآمنوا به واستسلموا لأمره وعملوا على ذلك.
وقد سبقهم أنبياء ورسل دعوا إلى الله وأقاموا شرعه في أنفسهم وفي قلة من اتباعهم
وقتلوا أو ماتوا دون أن يقيموا كيانات واسعة ولم تتبعهم أمم كثيرة، آمن معهم
الرجل والرجلان وذلك خير كبير وذلك نصرهم في الدنيا: [إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا
والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ
ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ] [غافر: ٥١-٥٢] .
للمسلمين اليوم أن يفرحوا بنصر الله، وخذلان أعدائه، وأن يتفاءلوا ويذكروا
أن رسولهم - صلى الله عليه وسلم - كان يحب الفأل ويكره الطيرة، وينقل لهم عن
ربه البشائر بانتصار الإسلام وبلوغه المشرق والمغرب وحصول المسلمين على
كنوز الأرض وهيمنتهم على الأمم وفتح عواصمهم.
وعلينا أن نسلك طريقاً عملياً تقوم به الشعوب وتبادر به وحين يكون الأمر
أمر أمة عاملة صادقة فإنه لا يقف في طريقها عائق، علينا أن نسارع في إحياء
الشعور الإسلامي بالأمة الواحدة والجسد المسلم الواحد وضرورة تقوية هذا الجسد
واهتمامه بذاته ونفي كل الأخطار عنه والحفاظ على لبنات الكيان الإسلامي الواحد
من خلال:
- التعارف بين المسلمين بزيارة دولهم والنشر عنهم وعن تاريخهم وبلدانهم
وثرواتهم وسكانهم ولغاتهم إذ أنهم عمق إسلامي مهم في كل جوانبه.
- العمل على نشر الوعي بكون المسلمين أمة واحدة من دون الناس.
- إيجاد المؤسسات العلمية والثقافية والتي تهتم بالتربية والنشر وأن نكون
أسبق من غيرنا إلى هذا.
- إيجاد الأسواق لبضائعهم والاستفادة من منتوجاتهم وليصبح التكامل
الاقتصادي في العالم الإسلامي أمراً مفروضاً على العالم أجمع وإن لم تتبنه الجهات
الرسمية.
- العمل على نشر اللغة العربية ومدارسها وكتبها وكل الإنتاج بها ومحاصرة
اللغات الغربية التي قطعت شعوبنا، وألغت التفاهم بينها وحملت إلينا الفساد بكل
أنواعه.
- الاستثمار المهم في عالم الإنسان وهو مقدم على الاشتغال بالبنيان، وإعطاء
الفرص التعليمية ونشر المدارس وقنوات الإعلام الإسلامي أولوية إسلامية لنا اليوم.